تفسير

تفسير سورة البقرة من الآية رقم 17 إلى الآية رقم 22

في هذه الآيات من سورة البقرة ضرب الله الأمثال لحال المنافقين ليتضح أمرهم للمؤمنين، ثم ذكر الله بعد ذلك أدلة وجود الله بخلق الإنسان وخلق ما في السماوات وما في الأرض.

ضرب الله المثل لحال المنافقين

مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون (17)

في الآيات السابقة بين الله تعالى لنا صفات المنافقين حتى نكون على حذر منهم، وفي هذه الآية ضرب الله لنا المثل لحال المنافقين؛ ليزيد في الإيضاح والبيان.

فقد شبه الله حالهم بحال من سعى في تحصيل الضوء لينتفع به في الليلة المظلمة، فلما أضاء ما حوله من الأماكن لم ينتفعوا بهذا الضوء وسرعان ما انطفأ ورجع إلى حال الظلمة مرة أخرى.

وهذا هو حال المنافقين أعطاهم الله ضربا من الهدى، فنطقوا بالشهادتين بألسنتهم ثم أضاعوا كل هذا ولم يتوصلوا به إلى نعيم الآخرة فبقوا في حيرة واضطراب؛ لإعراضهم عن الحق واستبطانهم الكفر.

المنافقون صم وبكم وعمي

صم بكم عمي فهم لا يرجعون (18)

هذا وصف للمنافقين ليس المراد منه أنهم أصيبوا بحقيقة الصمم والعمى والبكم أي عدم القدرة على الكلام.

فقد كان لهم آذان تسمع، وألسنة تنطق، وأبصار تنظر، ولكنهم لما حجبوا أسماعهم عن معرفة الحقائق كانوا بمثابة الصم الذين لا يسمعون.

ولما لم ينطقوا بالحق مخلصين كانوا بمثابة البكم الذين لا يتكلمون، ولما لم يتعرفوا على الحقائق ببصائرهم كانوا كالعمي الذين لا يبصرون.

وهؤلاء لا سبيل لعودتهم إلى الحق؛ لإعراضهم عن استعمال هذه الحواس فيما خلقت له، فهم لا يعودون إلى الهدى؛ لأنهم قد أضاعوه بأنفسهم.

حال المنافقين عند سماع الرعد

أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين (19).

ذكر الله هنا تمثيلا آخر لحال المنافقين، فمثّل الله حالهم بحال مطر غزير منهمر من السحاب اشتمل على ظلمات كثيرة كما اشتمل على رعد وبرق.

وقد كرر الله التمثيل رعاية لتفنن هؤلاء المنافقين في فنون النفاق وتنقلهم من حال إلى حال،

فحال هؤلاء عند سماع هذا الرعد أنهم يجعلون أنامل أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعو هذا الصوت خوفا من الموت، والله محيط بهؤلاء المنافقين لن يفلتوا من عذابه.

حال المنافقين عند رؤية البرق

يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا 

وحال هؤلاء المنافقين عند رؤية البرق أنه يكاد يذهب بأبصارهم، كلما أضاء البرق لهم مشوا في ضوئه وسرعان ما يزول الضوء ويبقوا في حيرتهم.

ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير (20)

ولو شاء الله لذهب بأسماعهم عند صوت الرعد، وبأبصارهم عند وميض البرق، ولكنه لم يفعل لعلهم يعتبرون فيدركون، والله هو الفاعل المختار الذي يقول للشيء كن فيكون.

خلق الإنسان من أدلة وجود الله

يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون (21)

بعد أن ذكر الله طوائف الناس من المؤمنين والكافرين والمنافقين وصفات كل منهم، أقبل بالخطاب على الجميع هزا لمشاعرهم وتنشيطا لهم.

فناداهم الله بلفظ الناس ليشمل من آمن ومن لم يؤمن، والخطاب للمؤمنين معناه داوموا على العبادة،

والخطاب لغير المؤمنين معناه حصلوا العبادة المطلوبة منكم، فذكرهم الله بنعمته عليهم بأنه هو الذي خلقهم وخلق الذين من قبلهم وغاية هذا النداء أن يتقوا عذاب الله.

السماوات والأرض من أدلة وجود الله

الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون (22)

عدّد الله نعمه على خلقه وأفضاله عليهم حيث خلق لهم الأرض، وصيرها لهم مبسوطة كالفراش بحيث يقعدون عليها، وينامون ويزرعون ويحصدون، ويبنون عليها بيوتهم.

وجعل السماء كالبناء الذي يشبه القبة فوقهم، وزين هذه السماء بالنجوم والكواكب، وأنزل من السحاب المطر الذي تحيا به الأرض والإنسان والزرع والحيوان.

فأخرج الله بالماء من الأرض الثمار وأصولها بقدرة الله، وجعل الله النطفة التي هي عبارة عن الماء سببا في إخراج الحيوان.

فلا يليق بعد معرفتكم بكل هذه النعم أن تتخذوا لله شركاء تعبدونهم من دونه وأنتم تعلمون أنهم لا يصلحون للألوهية فهم لا يخلقون شيئا ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة