الحق والضلال ضدان لا يجتمعان
قصة الصراع بين الحق والضلال أو الباطل قديمة بقدم البشرية، فإذا انتصر أهل الحق على أهل الباطل عم الخير وانتشر السلام بين الناس، وإذا كان العكس انتشر الصراع وعم الخراب والفساد بين الناس.
التمييز بين الحق والضلال
من النعم التي ينعم الله بها على العباد هي نعمة التمييز بني الحق والباطل، فيعرفون الحق وينكرون الباطل، لكن إذا طمس الله بصيرة الإنسان صار كالأعمى الذي لا يميز بين النور والظلام،
فالقلب إذا أظلم لا يميز بين حق ولا باطل، ولا يصل الإنسان لمثل هذه الأمور إلا بكثرة معاصيه التي تجعل القلب أسود لا خير فيه.
عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: (كنا عند عمر فقال: أيكم سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر الفتن؟
فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل.
قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر الفتن التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا، قال: أنت؟ لله أبوك،
قال حذيفة: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء،
حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز، مجخيا لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه.
قال حذيفة: وحدثته أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر، قال عمر: أكسرا لا أبا لك؟ فلو أنه فتح لعله كان يعاد، قلت: لا، بل يكسر، وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت، حديثا ليس بالأغاليط)
قال أبو خالد: فقلت لسعد: يا أبا مالك، ما أسود مربادا؟ قال: شدة البياض في سواد، قال: قلت: فما الكوز مجخيا؟ قال: منكوسا. مسلم
الحق هو نور الدنيا
الحق الذي ينير للناس حياتهم هو النور الذي أضاء الله به هذه الدنيا وهو المتمثل فيما وضعه الله للعباد في الأرض، من أجل ذلك كان هدف أهل الباطل هو إطفاء نور الله ليعم الظلام في الأرض.
قال الله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)
فهؤلاء الذي يريدون نشر الفساد في الأرض هم الظالمون كما وصفهم الله، حيث قال: (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ)
طريق الحق واحد
طريق الحق الذي وضعه الله لعباده في الأرض هو طريق واحد جاء به كل الأنبياء ودعو قومهم إليه، لذلك لما تكلم الله على الحق عبر عنه بالمفرد ولما تكلم على الباطل وصفه بالجمع ليؤكد أن الحق طرقه شتى.
قال الله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ).
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: خط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطا بيده، ثم قال: (هذا سبيل الله مستقيما)، قال: ثم خط عن يمينه، وشماله،
ثم قال: (هذه السبل، ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه) ثم قرأ: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل)[أحمد]
وأما قول الله: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) فالسبل هنا ليس المقصود بها المناهج المختلفة وإنما المقصود بها طرق الخير المتعددة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان)[البخاري]
الحق والضلال ضدان
الحق والباطل ضدان لا يجتمعان أبدا، فإما أن يزيل الباطل الحق ويحل مكانه، فيعم الخراب والهلاك، وإما أن يحل الحق مكان الباطل فينتشر الخير ويعم السلام.
قال الله: (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا).
قال الله تعالى وهو يصور لنا صورة ثبات أهل الباطل على باطلهم، وثبات أهل الحق على الحق: (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ).
وأحيانا يحاول أهل الباطل أن يجعلوا لباطلهم شرعية فينسبونه لله زورا وبهتانا، قال الله:
(وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ).
فليس بعد طريق الحق إلا طريق الضلال، قال الله: (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ).
وبين الله أنه إذا انتصر الباطل وخضع له الحق انتشر الفساد في الأرض، فقال الله: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).
وإذا تغلب الباطل منع أهل الحق من عبادة الله في الأرض، قل الله: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
الخبيث والطيب
ما أرشد الله إليه العباد هو الحلال الطيب، وما زينه الشيطان للإنسان هو الخبيث، فلا تغتر أيها الإنسان بحلم الله عليك، ولا تغتر بكثرة هذا الخبيث، فإنهما لا يستويان عند الله، قال الله: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ).
الاختلاف من صور الضلال
إن الاختلاف والتنازع والخروج عما حده الله للعباد هو من صور الباطل الذي يؤدي بالناس إلى الهلاك، ويجعل أهل الباطل يتغلبون على أهل الحق، قال الله: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)[أبو داود]
الطائفة المنصورة هم أهل الحق
وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- الطائفة المنصورة بأنها التي تظل ثابتة على أمر الله الذي هو الحق لا تحيد عنه إلى غيره من مناهج الأرض، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون)[البخاري]
للاطلاع على المزيد:
- كيف نميز بين الحق والباطل؟
- ما هي أسس المواطنة في شريعة الإسلام؟
- الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان