معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لبناته
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حريصا على تربية بناته على تحمل المسئولية، وعلى ما يصلح لهن آخرتهن، وكان يحرص على إدخال السرور عليهن.
التربية على تحمل المسئولية
كان من المناهج التي يعلمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لبناته التربية على تحمل المسئولية، بألا تعتمد على نسبها وأنها ابنة نبي الله، فإن هذا النسب لا يغني عن الإنسان شيئا.
فإن الناس لا يلقون الله بأحسابهم ولا أنسابهم وإنما يلقون الله بأعمالهم.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لما أنزلت هذه الآية: (وأنذر عشيرتك الأقربين) دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قريشا فاجتمعوا فعم وخص، فقال:
(يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار،
يا بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة، أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئا، غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها)[مسلم]
إرشاد البنات لما يصلح أخرتهم
من أهم الأشياء التي ينبغي على الآباء أن يحرص عليها بالنسبة لأبنائه أمر آخرتهم، لأن الآخرة هي الحياة الباقية التي ينبغي الحرص عليها، وعدم التفريط فيها، وتلك أمانة ينبغي على الآباء أن يقوموا بادائها كاملة.
فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذهب لبيت علي وفاطمة ليلا ليوقظهما لصلاة الليل.
عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طرقه وفاطمة بنت النبي -عليه السلام- ليلة، فقال: (ألا تصليان). فقلت: يا رسول الله، أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا.
فانصرف حين قلنا ذلك ولم يرجع إلي شيئا، ثم سمعته وهو مول، يضرب فخذه، وهو يقول: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا)[البخاري]
استقبال النبي لبناته وزيارته لهن
كانت فاطمة -رضي الله عنها- أشبه الناس بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وكانت إذا دخلت عليه فرح بقدومها وأجلسها في مجلسه، وكانت إذا زارها فعلت معه مثل فعله معها.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال
النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مرحبا بابنتي). ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله…[البخاري]
محادثة النبي لابنته
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحيانا يحادث ابنته أحاديث خاصة لا يحدث بها أحدا غيرها، وهذا هو ما فعله مع فاطمة -رضي الله عنها-.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال
النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مرحبا بابنتي). ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله
ثم أسر إليها حديثا فبكت، فقلت لها: لم تبكين؟ ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فسألتها عما قال،
فقالت: ما كنت لأفشي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قبض النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألتها، فقالت:
أسر إلي: (إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي). فبكيت،
فقال: (أما ترضين أن تكوني سيدة أهل الجنة، أو نساء المؤمنين) فضحكت لذلك.[البخاري]
حماية البنات من الفتنة
كان من حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على بناته وخوفهم عليهن من الفتنة في دينهن أنه منع عليا من الزواج بابنة أبي جهل.
عن المسور بن مخرمة قال: إن عليا خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل.
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسمعته حين تشهد يقول:
(أما بعد، أنكحت أبا العاص بن الربيع، فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني، وإني أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبنت عدو الله عند رجل واحد) فترك علي الخطبة .[البخاري]
أولا: هذه الحادثة لا يستدل بها على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرم على الرجل أن يعدد الزوجات لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رد على هذا الأمر بأنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا فقال:
(وإني لست أحرم حلالا، ولا أحل حراما، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبنت عدو الله أبدا)البخاري
ثانيا: هذا الأمر فيه إيذاء لفاطمة -رضي الله عنها- وهذا الإيذاء إيذا للنبي -صلى الله عليه وسلم-
ثالثا: لم يمنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليا من الزواج وإنما أباح له أن يتزوج بشرط أن يطلق ابنته حتى لا تجتمع ابنة رسول الله وابنة عدو الله في بيت واحد.
رابعا: هذا الأمر يفتح باب فتنة لفاطمة في دينها فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يمنع وقوع هذا كله.
خامسا: هذا الأمر فيه تعظيم لحق فاطمة -رضي الله عنها-
عن المسور بن مخرمة أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر وهو يقول: (إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم،
إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها)مسلم
قَالَ ابن التِّينِ: أصح ما تحمل عليه هذه القصة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حرم على علي أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبي جهل؛ لأنه علل بأن ذلك يؤذيه وأذيته حرام بالاتفاق.
ومعنى قوله: لا أحرم حلالا أي هي له حلال لو لم تكن عنده فاطمة وأما الجمع بينهما الذي يستلزم تأذي النبي -صلى الله عليه وسلم- لتأذي فاطمة به فلا.
قال ابن حجر: والذي يظهر لي أنه لا يبعد أن يعد في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتزوج على بناته ويحتمل أن يكون ذلك خاصا بفاطمة عليها السلام.