من كتاب فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، حول الأحكام المستفادة من حديث الأعرابي الذي بال في المسجد.
حديث الأعرابي الذي بال في المسجد
(وَعَنْ أبِي حَمْزة) بحاء مهملة وزاي -أنس بن مالك بن النضر- بضاد معجمة -بن ضمضم الأنصاري الخزرجي (رِضَيَ الله عنه قَال جَاء أعرابي) – نسبة إلى الأعراب- وهم من يسكن البادية وإن لم يكن من العرب ولا واحد له كالعربي نسبة إلى العرب وإن كان في الحضر ولا واحد له
(فَبَال فِي طَائِفَة) أي ناحية (المَسْجِدِ) بكسر الجيم لموضع السجود ويجوز فتحها: وقل بالفتح لمكان السجود، وبالكسر- للموضع المتخذ مسجدًا
(فَزَجَرَهُ النّاسُ) أي منعوه (فَنَهَاهُمُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم) عن زجرهم له (فَلمَا قَضى بَوْلَهُ) أي فرغ منه
(أمَرَ النَّبي صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبِ) بفتح الذال المعجمة وضم النون- الدلو المملوء ماء، قيل: أو قريب من المملوء، وقيل: الدلو مطلقًا ولو فارغا.
وقال الشافعي وغيره: هو الدلو العظيم، وقيل: إنه لا يسمى ذنوبًا حتى يشد فيه الحبل أي لأنه من ذنب الشيء يذنبه إذا تبعه ذنبًا فهو ذنوب أي تابع فسمي الدلو بذلك لأنه يتبع الحبل في الجذب
وأصل ذلك من ذنب الحيوان لأنه يتلوه وهو مذكر وحكي تأنيثه، وجمعه. وفي القلة أذنب. وفي الكثرة ذنائب
(مِنْ ماءٍ) بيان للذنوب باعتبار ما يوضع فيه أو متعلق بمحذوف أي ذنوب مملوء من ماء.
(فَأهْريقَ) بسكون الياء وفتحها فعل ماض مبني للمفعول من أهراق الماء إذا صبه. يهرق بضم أوله لأن ماضيه رباعي تقديرًا وسكون ثانيه وفتحه. ومصدره إهرياق وقيل إهراقه والهاء زائدة على خلاف القياس.
وبالجملة فالمعنى فأريق (عَلَيه) أي على محل البول (رواه الشيخان) ورواه الشافعي بزيادة في أوله من طريق أبي هريرة وزاد في آخره ثم قال النبي – صلى الله عليه وسلم – علموا أو يسروا ولا تعسروا.
فقه حديث بول الأعرابي في المسجد
وفي الحديث نجاسة بول الآدمي وتنجيسه ما وقع فيه أي من غير ما لم يبلغ قلتين لما قدمته في الحديث السابق.
وكل نجاسة حكمها حكم البول في التنجيس وهي إما مغلظة وهي ثلاثة:
نجاسة الكلب والخنزير وفرع كل منهما مع غيره. وتقدمت في الحديث السابق.
ونجاسة مخففة وهي بول صبي لم يطعم غير لبن في أقل من حولين وهذا يكفي فيه النضح وسيأتي.
ونجاسة متوسطة وهي ما عدا ذلك. وحكمها ما ذكر في هذا الحديث وبسط الكلام على الثلاثة محله كتب الفقه.
تنزيه المسجد عن القذر والرفق بالمتعلم
وفيه أيضًا احترام المسجد وتنزيهه عن الأقذار والرفق بالجاهل في التعليم، وأنه لا يؤذى ولا يعنف إذا لم يظهر منه استخفاف ولا عناد،
طهارة الأرض بصب الماء عليها
وأن الأرض تطهر بصب الماء. ولا يشترط حفرها على قول الجمهور وأن غسالة النجاسة طاهرة أي إن لم تتغير وطهر المحل ولم يزد وزنها بعد اعتبار ما تشربه المحل، وأن الأرض لا تطهر بالتجفيف وإلا لما أمر بغسلها وإن غير الماء كتجفيف ومائع غير ماء لا يطهر.
احتمال أخف الضررين
وفيه دفع أعظم الضررين باحتمال أحقهما لنهيه – صلى الله عليه وسلم – عن زجر الأعرابي.
مراعاة المصلحة
وفيه مصلحة، وهي أنه لو قطع عليه بوله لتضرر وكثر التنجس لأن أصل التنجيس قد حصل فكان احتمال زيادة في محل واحد أولى من إيقاع ضرر به وتنجس محال متعددة.
إنكار المنكر
وفيه المبادرة إلى إنكار المنكر عند من يعتقده منكرًا.
للاطلاع على المزيد: