تفسير

سورة مريم نزولها وسبب تسميتها وموضوعاتها

سورة مريم من السورة المكية وهي السورة التاسعة عشر في ترتيب المصحف، وعدد آياتها 98 آية.

متى نزلت سورة مريم

نزلت سورة مريم بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة، وكانت الهجرة للحبشة في السنة السابعة من البعثة فقد قرأ جعفر بن أبي طالب من هذه السورة على النجاشي في هجرة الحبشة.

وقال ابن كثير: وقد روى محمد بن إسحاق في السيرة، من حديث أم سلمة، وأحمد بن حنبل عن ابن مسعود في قصة الهجرة إلى أرض الحبشة من مكة، أن جعفر بن أبى طالب -رضى الله عنه- قرأ صدر هذه السورة على النجاشيّ.

سبب تسمية سورة مريم بهذا الاسم

سميت سورة مريم بهذا الاسم لذكر قصة مريم -عليها السلام- فيها، وهذه التسمية توقيفية أي أن الذي سماها هو النبي -صلى الله عليه وسلم-.

تكرار ذكر اسم مريم دون غيرها

قد تكرر ذكر اسم مريم في القرآن ثلاثين مرة، ولم تذكر امرأة باسمها الصريح في القرآن إلا مريم، وذلك لأن ما حدث مع مريم من ولادة ولد من غير أب لا يمكن أن يتكرر مع غيرها من نساء العالمين.

أهداف سورة مريم

لسورة مريم أهداف أساسية منها:  تنزيه الله عن الولد والشريك، وإثبات وحدانية الله، والكلام عن قضية البعث، وعلى أن الناس سيحاسبون على أعمالهم يوم القيامة .

وهي تتفق في ذلك مع الأهداف العامة للسور المكية، والمادة التي تكونت منها هذه السورة ومن خلالها أشارت لهذه الأمور هي القصص.

حيث تكلمت سورة مريم عن قصة نبي الله زكريا وولده يحيى، ثم تكلمت عن قصة مريم وولادتها لعيسى، وكيف أن الله أنظقه وهو في المهد، ثم تكلمت عن ولدها عيسى -عليهم السلام-.

ثم ذكرت السورة طرفا من قصة نبي الله إبراهيم، وأعطت إشارات لأنبياء آخرين منهم: إسحاق ويعقوب وموسى وهارون وإسماعيل وإدريس وآدم ونوح.

وهدف هذه القصص إثبات وحدانية الله ونفي الولد والشريك عن الله ، ثم تعرضت السورة لبعض مشاهد يوم القيامة، وجادلت المنكرين للبعث، وعرضت لمصارع المشركين المكذبين.

مناسة سورة مريم لسورة الكهف قبلها

القصص في سورة مريم هو امتداد للقصص الذي ورد في سورة الكهف، حيث تكلمت سورة الكهف عن قدرة الله في أصحاب الكهف، وكيف أحياهم الله بعد الموت،

وتكلمت عما أعطاه الله للخضر من العلم، وأشارت لما منحه الله لذي القرنين منأسباب الملك والسلطان.

وفي سورة مريم تظهر رحمة الله وفضله على نبيه زكريا حيث منحه ولدا على كبر وشيخوخة، وتظهر قدرة الله في خلق عيسى بدون أب ثم نعمه السابغة على بقية أنبيائه.

حكمة خلق الله عيسى من غير أب

ذكرت سورة مريم أمورا عجيبة بعضها أعجب من بعض حيث ذكرت قصة ولادة يحيى من أم عاقر لا تنجب وبعلها الشيخ الكبير، ولما تعجب نبي الله زكريا من ذلك قال الله له: (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا).

ثم ذكرت ما هو أعجب من ذلك حيث ذكرت ولادة عيسى -عليه السلام- من غير أب من أمه العذراء وهو حادث عجيب لم تر البشرية مثله.

إلا ما كان من خلق آدم وحواء -عليهما السلام- قبل نزولهما إلى الأرض، حيث خلق الله آدم من غير أب وأم، وخلق حواء من غير أم حيث خلقت من ضلع آدم -عليه السلام-.

ثم خلق الله عيسى من غير أب وذلك ليجدد الله للناس عهدهم بقدرة الله، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

ولما تعجبت مريم من أن يكون لها غلام ولم يمسسها بشر ولم تك بغيا، قال الله: (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا).

وكذلك كان عيسى عليه السلام آية من آيات الله في حمله وولادته فقال الله عنه وهو في المهد: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ)، ثم قال تعالى: (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)

سورة مريم نزولها وسبب تسميتها وموضوعاتها

ما تتميز به سورة مريم

الظل الغالب في سورة مريم هو ظل الرحمة والرضا، حيث تبدأ السورة بذكر رحمة الله لعبده زكريا، ويتكرر لفظ الرحمة ومعناها في ثنايا السورة ويكثر فيها اسم الرحمن.

وللسورة إيقاع موسيقي خاص حتى في ألفاظها وفواصلهاوفيه عمق كألفاظ: رضيا، وسريا، وحفيا، ونجيا.

وأما المواضع التي تقتضي الشدة والعنف فتجيء الفاصلة مشددة في الغالب كألفاظ : ضدا، وهدا، وإدا، وأزا.

المعالم الرئيسة في سورة مريم

يمكن أن نلخص السورة في ثلاث نقاط رئيسة وهي:

النقطة الأولى: قصة زكريا ويحيى وقصة مريم وعيسى ثم التعقيب على قضية عيسى التي كثر الجدال حولها.

النقطة الثانية: تتضمن طرفا من قصة إبراهيم مع أبيه وقومه ثم ما عوضه الله من ذرية كان منها كل الأنبياء، ثم أشارت لقصص انبياء آخرين.

النقطة الثالثة: تشتمل على الجدل حول قضية البعث وتستعرض مشاهد يوم القيامة وتنتهي المشاهد بمشهد مؤثر عن مصارع القرون السابقة فقال الله: (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ)

ثم ختمت السورة بقول الله: (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً)

وقد جاء تفسير الطبري لهذه الآية الأخيرة من سورة مريم بما معناه:

يقول تعالى ذكره: وكثيرا أهلكنا يا محمّد، قبل قومك من مشركي قريش مِنْ قَرْنٍ يعني من جماعة من الناس، إذ سلكوا سبيل المعاصي والشرك: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ.

يقول فهل تحس أنت منهم أحدا يا محمّد، فتراه وتعاينه أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً. أي صوتا

بل إنهم بادوا وهلكوا وخلت منهم دورهم، وهكذا تنتهي سورة مريم، بعد تقرير قدرة الله الفائقة، وحكمته البالغة في خلق يحيى وخلق عيسى، وتقرير قدرته سبحانه على البعث والحشر والحساب والجزاء، ومكافأة المؤمنين ومعاقبة المعتدين.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة