أوجب الله على عباده الزكاة في الزروع والثمار، ودليل ذلك قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مِن طيّبات ما كسبتُم وممّا أَخرجْنا لكم من الأرض).
تخير الطيب في إخراج الزكاة
أمر الله عباده المؤمنين بأن يخرجوا الطيب مما أخرجته الأرض، وألا يخرجوا الخبيث منه، فقال الله:
(يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيّبَات ما كسبتُم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تُنفِقون ولستم بآخذيه إِلَاّ أن تُغمضوا فيه واعلموا أنَّ الله غني حميد).
وعن البراء بن عازب في قوله سبحانه: (وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفِقون). قال:
نزلت في الأنصار، كانت الأنصار تخرِج، إِذا كان جَداد النخل -أوان قطع النخل-، من حيطانها، أقناء البُسر -تمر النخل قبل أن يرطب-،
فيعلقونه على حبل بين أسطوانتين في مسجد رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فيأكل منه فقراء المهاجرين، فيعمِد أحدهم فيُدخِل قِنواً -العذق من النخل- فيه الحشَف -اليابس-، يظن أنه جائز في كثرة ما يوضع من الأقناء،
فنزل فيمن فعل ذلك: (ولا تيمّموا الخبيث منه تُنفِقون) يقول: لا تعمدوا للحشف منه تُنفِقون (ولستم بآخذيه إِلا أن تُغمِضوا فيه) يقول: لو أُهدي لكم ما قبلتموه إِلا على استحياءٍ من صاحبه، غيظاً أنه بعث إِليكم ما لم يكن لكم فيه حاجة، واعلموا أنّ الله غني عن صدقاتكم)[الترمذي]
الأصناف التي تؤخذ منها الزكاة
أجمع العلماء على وجوب إخراج الزكاة من الزروع كالحنطة والشعير ومن الثمار التي تجب فيها الزكاة كالتمر والزبيب، وهذه هي أصناف الصدقة الأربعة، وأما غير ذلك من هذه الأنواع فالزكاة فيه تكون زكاة عروض تجارة إذا بلغت نصاب زكاة التجارة.
عن أبي موسى، ومعاذ بن جبل، -رضي الله عنهما- حين بعثهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم قال: (لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة، الشعير، والحنطة والزبيب والتمر)[المستدرك]
واختلف العلماء فيما عدا ذلك من الأنواع فذهب الإمام أبو حنيفة إلى وجوب الزكاة في كل ما تخرجه الأرض من الزروع والثمار والخضروات؛ لأنه يقصد بها استنماء الأرض،
وأما مالا يقصد منه استنماء الأرض كالحطب والحشيش فلا زكاة فيه، واحتج بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فيما سقت السماء أو كان عثريا العشر)[البخاري]
وذهب الشافعية إلى أن الزكاة لا تجب في شيء من الزروع والثمار إلا ما كان قوتا.
وذهب الإمام أحمد إلى أن الزكاة تجب في كل ما استنبته الآدميون من الحبوب والثمار.
زكاة الخضروات
لا تجب الزكاة في الخضروات لما روي عن معاذ -رضي الله عنه- أنه كتب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأله عن الخضروات فقال: (ليس فيها شيء).
وقال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم أنه ليس في الخضروات صدقة.
نصاب زكاة الزروع والثمار
يشترط لإخراج الزكاة من الزروع والثمار أن تبلغ خمسة أوسق، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة)[البخاري]
والخمسة أوسق تساوي ثلاثمائة صاع نبوي، أي ما يعادل 612 كيلو جراما من البر، والصاع النبوي بالوزن الحالي يساوي 2.40 كيلو جراما من البر.
مقدار الزكاة الواجبة في الزروع والثمار
إن كان هذا الزرع يسقى بماء السماء أو العيون بدون تكلفة على صاحبه، فمقدار الزكاة الواجبة العشر، وإن كانت هذه الزروع والثمار بتكلفة ومشقة فالزكاة فيها نصف العشر.
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النّبيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: (فيما سقَت السماء والعيون أو كان عَثَريّاً العُشر، وما سُقي بالنَّضح نصف العُشر)[البخاري]
تقدير زكاة النخيل والأعناب
تقدير زكاة النخيل والأعناب يكون بالخرص أي بالتخمين لا بالكيل، فيقدر ما تحمله الشجرة بعد ما أكله صاحب الزرع وأهله.
قال الخطابي: ” … والخرص عُمِل به في حياة النّبيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حتى مات، ثم أبو بكر وعمر فمَن بعدهم، ولم يُنقل عن أحدٍ منهم ولا من التابعين ترْكه؛ إلَاّ عن الشعبي”
فعن أبي حُميد الساعدي -رضي الله عنه- قال: غَزونا مع النّبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزوة تبوك، فلمّا جاء وادي القُرى؛ إِذا امرأة في حديقةٍ لها، فقال النبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه: اخرُصوا، وخَرَص رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عشرةَ أَوْسُق، فقال لها: أحْصِي ما يخرج منها …
فلما أتى وادي القُرى قال للمرأة: كم جاء حديقتُك؟ قالت: عشرةَ أوسُق خَرْصَ رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [البخاري]
متى تخرج الزكاة من الزروع والثمار
لا يشترط الحول في زكاة الزروع والثمار وإنما تجب الزكاة في الحبوب إذا اشتدت، وتجب في الثمار إذا بدا صلاحها، ويعرف ذلك باحمرار البلح وجريان الحلاوة في العنب؛ لقول الله: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ).
عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: (نهى النّبيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحُها، وكان إِذا سئل عن صلاحها قال: حتى تذهب عاهته -أي آفته-)[البخاري].
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: (نهى رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها)[البخاري]
ضم غلة العام لعام آخر
لا تضم غلة العام الحالي للعام الماضي وإنما يزكى كل عام على حده، وأما الزرع في العام الواحد فيضم بعضه إلى بعض، وكذلك ثمار العام الواحد يضم بعضها إلى بعض، وأما ضم الزرع للثمار فقد فرق الشافعية بينهما فلا يضم بعضهما لبعض.