هناك العديد من الأسباب التي توهم القارئ للقرآن وجود تشابه في الآيات أو غموض في فهم المعنى المراد نجمل بعضها فيما يلي:
ما يوهم التعارض بين الآية والحديث
قد يتوهم قارئ القرآن أحيانا وجود تعارض بين الآية والحديث، لكن عند التعمق وإمعان النظر في الآية والحديث يتبين أنه لا تعارض بينهما.
فمثلا يقول الله تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
فالآية هنا تثبت أن المؤمنين يدخلون الجنة بأعمالهم، لكن ورد في الحديث الذي رواه البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لن يدخل أحدكم عمله الجنة). فظاهر الحديث يبين أن الناس لن يدخلوا الجنة بأعمالهم .
وجمع بينهما ابن القيم في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح فقال:
ولا تنافي بين الأمرين لوجهين:
أحدهما: ما ذكره سفيان وغيره قال: كانوا يقولون النجاة من النار بعفو الله، ودخول الجنة برحمته، واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال،
ويدل على هذا حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- (أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم).
والثاني: أن الباء التي نفت الدخول هي باء المعاوضة التي يكون فيها أحد العوضين مقابل للآخر، والباء التي أثبتت الدخول هي باء السببية التي تقضي سببية ما دخلت عليه لغيره، وإن لم يكن مستقلًا بحصوله.
وقد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الأمرين بقوله: (سددوا وقاربوا وأبشروا، واعلموا أن أحدًا منكم لن ينجو بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)
ومن عرف الله تعالى، وشهد مشهد حقه عليه، ومشهد تقصيره وذنوبه، وأبصر هذين المشهدين بقلبه عرف ذلك وجزم به، والله سبحانه وتعالى المستعان.
النسخ في القرآن
قد تكون الآية منسوخة أي مرفوع حكمها، وجاء حكم جديد بدلا من هذا الحكم المنسوخ، فلا يفرق القارئ بين ما هو منسوخ ومحكم، فيظن وجود التعارض بين الآيات لكنه إذا وقف على الآية وعلم أنها منسوخة أي رفع حكمها وبقيت قراءتها لارتفع اللبس عنده.
فمثلا كقول الله: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
فهذه الآية منسوخة بقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
فهذه الآية تبين أن المرأة المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها أربعة أشهر وعشرا، وهي ناسخة للآية السابقة التي تفيد أن المرأة التي مات عنها زوجها تعتد في بيته عاما كاملا.
وذهب البعض إلى أن هذه الآية ليست منسوخة بالأربعة أشهر وعشرا وإنما المراد منها الوصية بالزوجة بأن تمكن من السكنى في بيت زوجها عاملا كاملا بعد وفاة زوجها إن اختارت ذلك.
مفهوم المخالفة
أحيانا قد تنص الآية على حكم من منطوق اللفظ، وأحيانا تدل على حكم من مفهوم اللفظ.
مثلا كقول الله: (فلا تقل لهما أف) فهذه الآية تدل بمنطوقها على حرمة أن يتأفف المرء في وجه أبويه أو أحدهما.
ومفهوم الآية يدل على حرمة ما فوق ذلك كالشتم والضرب وغير ذلك.
الاعتقاد المخالف للكتاب والسنة
قد يعتقد بعض الناس أمورا مخالفة للعقيدة بناء على حكم العقل، فيثبتون هذا الحكم، ثم ينظرون للآيات المخالفة لحكم العقل فيحاولون تأويلها، فإذا عجزوا عن التأويل قالوا: إن هذه الآيات من المتشابه الذي لا نعلم تأويله.
كمن أنكر رؤية الله في الآخرة، عمد إلى الآيات والأحاديث التي تثبت رؤية الله في الآخرة واعتبرها من النصوص المتشابهة والمشكلة، كقول الله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ).
ومنكر القدر يجعل ما يثبت القدر مشكلا، كقول الله تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) .
خفاء معنى الآية
من الأمور التي تجعل الآية من المتشابه المشكل غموض وخفاء معنى الآية، كأن يتحدث جزء من الآية عن أمور الآخرة، وبعضها عن أمور الدنيا، كما في قول الله تعالى:
(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
قال القرطبي: هذه آية مشكلة، ولا سيما وفيها: (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
قيل: المعنى ونقلب أفئدتهم وأنظارهم يوم القيامة على لهب وحرّ الجمر، كما لم يؤمنوا به في الدنيا، (وَنَذَرُهُمْ) في الدنيا، أي نمهلهم ولا نعاقبهم.
فبعض الآية في الآخرة، وبعضها في الدنيا، ونظيرها: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ )، فهذا في الآخرة، (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ) في الدنيا.
الاستعارة في الآيات
الاستعارة تعرف بأنها ما كانت علاقته تشبيه معناه بما وضع له، فمثلا قول الله: (قوارير من فضة).
فالقارورة التي تكون من الزجاج لا تكون من فضة، والفضة لا تكون قارورة، لكن صفة كمال الفضة هي نفاسة جوهره وبياض لونه، وصفة الكمال في القارورة الصفاء والشفيف فعلم من ذلك أن أنها مخلوقة من فضة وهي مع بياض الفضة في صفاء القوارير وشفيفها.
للاطلع على المزيد: