القرآن الكريم

شبهة حفظ الله للقرآن والرد على حديث الداجن

من الشبه التي تثار حول القرآن أنه لو كان محفوظا من الله لما كان هناك تساهل في حفظه الرقاع التي كتب عليها، فقد ورد أن الداجن دخلت عند عائشة فأكلت صحيفة كتب فيها آية الرجم والرضاع.

القرآن محفوظ من الله

ورد في القرآن الكريم ما يؤكد صراحة أن الله هو الذي تكفل بحفظ القرآن، وذلك لأن القرآن هو خاتم الكتب التي أنزلها الله على خاتم الأنبياء محمد -صلى الله عليه وسلم-.

ولم يعامل الله القرآن معاملة الكتب السابقة حيث أوكل حفظها للناس؛ لأنه كان في علم الله أنه إذا حدث تحريف أو تبديل لهذا الكتاب سيرسل نبيا آخر يوضح للناس الحقيقة، ويعيدهم إلى المسار الصحيح.

أما القرآن فلأنه خاتم الكتب على خاتم الأنبياء اقتضى ذلك أن يكون الحافظ له هو الله، ليكون بمثابة نبي قائم بين الناس، يصحح لهم مسارهم إذا ضلوا طريقهم إلى الله.

فقال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).

وهذه الآية لا تدل على تكفل الله بحفظ القرآن فقط، وإنما تدل على حفظ السنة أيضا؛ لأن السنة تعتبر كالمذكرة التفسيرية التي توضح ما ورد مجملا في القرآن،

فبدون السنة ما كنا سنعرف تفاصيل الصلاة ولا الحج ولا الزكاة ولا غير ذلك مما ورد مجملا في القرآن،

فإذا حفظ الله هذا الدستور الكلي المجمل دون حفظ ما يشرحه ويبينه لما قامت على العباد الحجة، ولما فهم الناس مراد الله منهم، فدلت الآية على أن الله تكفل بحفظ السنة مع القرآن.

من أجل ذلك نجد أن العلماء قد أفنوا أعمارهم في حفظ السنة فجمعوا لنا ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعيدا عن الدخيل، ثم أفردوا بالتصنيف والتأليف ما ضعف من الأحاديث، وأفردوا ما وضعه الكذابون على النبي صلى الله عليه وسلم في مؤلفات منفردة حتى يتميز الصحيح من السقيم.

حكم حديث الداجن

الداجن هي الشاة التي تألف البيوت ولا تخرج للمرعى، وقد ورد فيها حديث رواه ابن ماجه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:

(لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا، ولقد كان في صحيفة ‌تحت ‌سريري، فلما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتشاغلنا بموته، دخل داجن فأكلها).

هذا الحديث ضعيف ضعفه غير واحد من المحدثين وأنكروا متنه، وعليه فالآية التي بينت أن الله تكفل بحفظ القرآن ليس لها ما يعارضها من النصوص الثابتة.

قال صحاب كتاب الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير: هذا حديث باطل، تفرد به محمد بن إسحاق، وهو ضعيف الحديث، وفي إسناد هذا الحديث بعض الاضطراب.

قول السرخسي في حديث الداجن

وقال السرخسي: وحديث عائشة لا يكاد يصح؛ لأنه قال في ذلك الحديث: وكانت الصحيفة تحت السرير فاشتغلنا بدفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فدخل داجنٌ البيتَ فأكله، ومعلوم أن بهذا لا ينعدم حفظه من القلوب، ولا يتعذر عليهم إثباته في صحيفة أخرى؛ فعرفنا أنه لا أصل لهذا الحديث”.

قول ابن قتيبة في حديث الداجن

قال ابن قتيبة: بعد ما ذكر حديث الداجن: وقد رجم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ورجم الناس بعده وأخذ بذلك الفقهاء.

وأما رضاع الكبير عشرًا، فنراه غلطًا من محمد بن إسحاق، ولا نأمن أيضًا أن يكون الرجم الذي ذكر أنه في هذه الصحيفة كان باطلًا؛

لأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد رجم ماعز بن مالك، وغيره قبل هذا الوقت، فكيف ينزل عليه مرة أخرى،

ولأن مالك بن أنس روى هذا الحديث بعينه عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:

(كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن، فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهن مما يقرأ من القرآن

إلى أن قال: “وألفاظ حديث مالك خلاف ألفاظ حديث محمد بن إسحاق. ومالك أثبت عند أصحاب الحديث من محمد بن إسحاق.

شبهة حفظ الله للقرآن والرد على حديث الداجن

قول ابن حزم في حديث الداجن

قال ابن حزم: وقد غلط قوم غلطًا شديدًا، وأتوا بأخبار ولَّدها الكاذبون والملحدون، منها أن الداجن أكل صحيفة فيها آية متلوة فذهب البتة.

إلى أن قال: وهذا كله ضلال نعوذ بالله منه ومن اعتقاده، وأما الذي لا يحل اعتقاد سواه فهو قول الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) فمن شك في هذا كفر،

ولقد أساء الثناء على أمهات المؤمنين، ووصفهن بتضييع ما يتلى في بيوتهن؛ حتى تأكله الشاة فيتلف، مع أن هذا كذب ظاهر، ومحال ممتنع؛

لأن الذي أكل الداجن لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حافظًا له، أو كان قد أنسيه، فإن كان في حفظه، فسواء أكل الداجن الصحيفة أو تركها، وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أنسيه، فسواء أكله الداجن أو تركه قد رفع من القرآن، فلا يحل إثباته فيه.

كما قال تعالى: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ). فنص تعالى على أنه لا ينسى أصلا شيئا من القرآن، إلا ما أراد تعالى رفعه بإنسائه،

فصح أن حديث الداجن إفك وكذب وفرية، ولعن الله من جوّز هذا أو صدَّق به، بل كل ما رفعه الله تعالى من القرآن فإنما رفعه في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم -، قاصدًا إلى رفعه، ناهيًا عن تلاوته إن كان غير منسي، أو ممحوًا من الصدور كلها.

ولا سبيل إلى كون شيء من ذلك بعد موت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يجيز هذا مسلم؛ لأنه تكذيب لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).

ولكان ذلك أيضًا تكذيبًا لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ولكان ما يرفع منه بعد موت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرما في الدين، ونقصًا منه، وإبطالا للكمال المضمون. ولكان ذلك مبطلًا لهذه الفضيلة التي خصصنا بها، والفضائل لا تنسخ.

قول القرطبي في حديث الداجن

قال القرطبي: وأما ما يحكى من أن تلك الزيادة، كانت في صحيفةٍ في بيت عائشة فأكلتها الداجن فمن تأليف الملاحدة والروافض.

قول ابن عاشور في حديث الداجن

قال ابن عاشور: ووضع هذا الخبر ظاهر مكشوف، فإنه لو صدق هذا؛ لكانت هذه الصحيفة قد هلكت في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو بعده، والصحابة متوافرون، وحفاظ القرآن كثيرون،

فلو تلفت هذه الصحيفة لم يتلف ما فيها من صدور الحفاظ، وكون القرآن قد تلاشى منه كثير هو أصل من أصول الروافض ليطعنوا به في الخلفاء الثلاثة، والرافضة يزعمون أن القرآن مستودع عند الإمام المنتظر فهو الذي يأتي بالقرآن وقر بعير. من موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام.

معنى حديث الداجن على رأي من حسنه

وأما من قال بتحسين الحديث من العلماء فإنه لا يدل على وجود تعارض أيضا بين الحديث والآية؛ لأنه إذا كان عند عائشة -رضي الله عنها- داجن أكلت الصحيفة التي عندها فإن عند غيرها نسخة أخرى من هذه الصحائف،

ولأن الصحابة كانوا يعتمدون حفظ الصدور أيضا بل كانوا متميزين في ذلك فإذا ضاعت الصحيفة استحضرت قلوبهم ما كان مكتوبا.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة