ينبغي على المسلم أن يبذل جهده من أجل توضيح الحق وإظهار زيف الباطل، وهذا هو الطريق لحفظ الحق من أهل الباطل، فإنهم لا يملون من نشر فسادهم،
قال الله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ).
سنة التدافع
من سنن الله في عبادة سنة التدافع بين الحق والباطل، فإذا لم يدفع أهل الحق هذا الباطل تغلب الباطل على الحق، وعم الخراب وانتشر الفساد في الأرض.
لذلك كان من الواجب على أهل الحق دفع هذا الباطل من أجل أن ينتشر الخير في الأرض، وهذا التدافع هو السبيل لانتصار الحق على الباطل.
قال الله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
الرد على هجوم المبطلين على القرآن
علمنا القرآن الكريم أن نقوم بواجب الرد على أهل الباطل، الذين يزورون حقائق القرآن، وأن نطالب هؤلاء الخصوم الذين يفترون على القرآن كذبا وبهتانا أن يؤيدوا ما يقولونه بالدليل والبرهان، لا أن يكون كلامهم مجرد كلام مرسل.
فقال الله تعالى: (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) ، وقال الله: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
شبهة وجود تعارض بين آيات القرآن
كلام الله واضح لا تناقض ولا تعارض بين آياته، فقد يسر الله حفظه، ويسر فهمه، ويسر أحكامه، فقال الله تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).
وأما ما ورد فيه مما أشكل فهمه على الصحابة، فقد وضحه وبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم، وما أشكل فهمه على التابعين فقد وضحه الصحابة -رضوان الله عليهم- لهم باعتبار أنهم عاصروا التنزيل،
وأنهم كانوا من أعلم الناس بلغة العرب باعتبار أنهم عرب خلص، فليس هناك ما يصعب فهمه وتدبره.
طرق حل الإشكال في الآيات المتعارضة
معرفة سبب الآية
معرفة السبب الذي من أجله نزلت الآية تعين الإنسان على الوقوف على المعنى الحقيقي للآية، والذي يوقع الإنسان في الحيرة في فهم معنى الآية هو الجهل أحيانا بمعرفة سبب النزول.
قال ابن عباس: إنا أُنزل علينا القرآن، فقرأناه، وعلمنا فيما نزل، وأنه سيكون بعدنا أقوامٌ، يقرؤن القرآن، ولا يدرون فيما نزل، فيكون لهم فيه رأي،
فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا. قال: فزجره عمر وانتهره، فانصرف ابن عباس، ونظر عمر فيما قال، فعرفه فأرسل إليه، فقال: أعد عليّ ما قلت، فأعاده عليه، فعرف عمر قوله وأعجبه.
رد المتشابه إلى المحكم
هناك آيات واضحات بينات لا لبس ولا غموض في فهمها ومعرفة المراد منها، وهناك آيات متشابهات أي يشتبه على بعض الناس معناها، ففي هذه الحالة ينبغي أن نرد هذا المتشابه إلى المحكم الواضح،
فقد قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).
جمع الآيات ذات الموضوع الواحد
من أجل رد الإشكال على بعض الآيات لابد من جمع الآيات المتعددة التي تحدثت عن موضوع واحد من مواضعها المختلفة من أجل إزالة الإشكال.
فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: لما نزلت: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) شق ذلك على المسلمين،
فقالوا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه، قال: ليس ذلك إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
الوقوف على سياق الآية
دلالة السياق تبين حقيقة المراد من الآية، كتقييد المطلق وتخصيص العام وتبيين المجمل وغير ذلك من الأمور.
فمن الآيات التي يوهم ظاهرها التناقص التعارض قول الله تعالى:
(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ)
وقال الله:
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ )
ففي الآيات الأولى قول الله: (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ).
وفي الآيات الأخرى قول الله: (لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ).
فمن ينظر إلى ظاهر الآيتين يتوهم وجود تناقض بينهما، فالأولى: تبين أنه نبذ بالعراء أي الأرض الفضاء.
والآخرى: يوهم ظاهرها أنه لم يلق بالعراء.
لكن في الحقيقة لا يوجد تناقض بل الأولى تبين أنه نبذ بالعراء وهو ليس مذموم، والثانية تنفي عنه أنه نبذ بالعراء وهو مذموم لكنه نبذ بالعراء وهو غير مذموم.
وأجاب النحاس وغيره بأن الله سبحانه أخبر هاهنا أنه نبذ بالعراء وهو غير مذموم ولولا رحمته – عز وجل – لنبذ بالعراء وهو مذموم.
الوقوف على الأحاديث التي توضح معنى الآية
يعتبر القرآن هو الدستور المجمل الذي يحتاج لتفسير وبيان لبعض آياته، وتعتبر السنة النبوية هي المذكرة التفسيرية التي توضح معاني القرآن الكريم.
فقد أسند الله مهمة البيان والتوضيح للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال الله: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).
من ذلك قول الله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) فلفظة سبعا دون تحديد قد تحتمل سبعا من السور أو سبعا من الآيات، فجاءت السنة النبوية وبيت أن المقصود بلفظة سبعا أي سبعا من الآيات.
فعن أبي سعيد بن المعلى -رضي الله عنه- قال: كنت أصلي في المسجد، فدعاني رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ أجبه، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي، فقال: (ألم يقل الله: (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).
ثم قال لي: (لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن، قبل أن تخرج من المسجد). ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت له: ألم تقل:
(لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن). قال: (الحمد لله رب العالمين): هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته)[البخاري].
يمكنك الاطلاع على المزيد: