ورد لبرنامج بريد الإسلام بإذاعة القرآن الكريم من القاهرة سؤال عن حكم تعدد الزوجات ونص السؤال كما يلي:
يرى البعض بحرمة تعدد الزوجات فهل لهذا القول أصل فى الدين ؟
حكم تعدد الزوجات
يجيب عن هذه الرسالة الأستاذ الدكتور / عبد الفتاح محمود إدريس
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
تعدد الزوجات مشروع
فلا خلاف بين أحد ممن يعتد برأيهم في الشرع، على أن التعدد مشروع؛ لأدلة منها، قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء: 3].
ولما صححه الترمذي من حديث ابن عمر، رضي الله عنهما: أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ، أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَخَيَّرَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ.
هل التعدد مقيد بخوف عدم العدل مع اليتيمة
وما يقال من أن إباحة التعدد، مقيدة بالخوف من عدم العدل مع اليتيمة، التي تكون في حجر من يريد الزواج بها، فقول عار عن الصحة، لاتفاق العلماء على أن قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾ [النساء: 3]، ليس قيدا في إباحة التعدد.
قال القرطبي: اتفق كل من يعاني العلوم، على أن قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾ [النساء: 3]، لَيْسَ لَهُ مَفْهُومٌ،
إِذْ قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَخَفِ الْقِسْطَ فِي الْيَتَامَى، لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ: اثْنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا، كَمَنْ خَافَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ جَوَابًا لِمَنْ خَافَ ذَلِكَ، وَأَنَّ حُكْمَهَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ.
لماذا رفض النبي زواج على على زوجته فاطمة
وقد شغب محرموا التعدد، بما أخرجه مسلم، أن المسور بن مخرمة، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَلَا آذَنُ لَهُمْ، ثُمَّ لَا آذَنُ لَهُمْ، ثُمَّ لَا آذَنُ لَهُمْ، إِلَّا أَنْ يُحِبَّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي، وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا ابْنَتِي بَضْعَةٌ مِنِّي، يَرِيبُنِي مَا رَابَهَا، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا».
وهذا الحديث لايدل من قريب أو بعيد على حرمة التعدد، إذ لم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على علي زواجه من أخرى، وإنما كره أن تجتمع مع ابنته ابنة أبي جهل، الذي عرف بعدائه للإسلام وأهله، مما يكون سببا في فتنة فاطمة في دينها.
وقد أبان رسول الله صلى عليه وسلم عن ذلك في رواية أخرى للحديث، إذ قال المسور: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحًا ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ، قَالَ الْمِسْوَرُ: فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ:
«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَحَدَّثَنِي، فَصَدَقَنِي وَإِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ مُضْغَةٌ مِنِّي، وَإِنَّمَا أَكْرَهُ أَنْ يَفْتِنُوهَا، وَإِنَّهَا، وَاللهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَبَدًا» قَالَ: فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ.
وهذا يدل على ضعف ما شغب به، محرموا التعدد، وقوة أدلة إباحته.
هذا وبالله التوفيق.