سورة الواقعة، سورة مكية، أي نزلت بمكة المكرمة قبل الهجرة النبوية، وآياتها ست وتسعون آية، ونزلت بعد سورة طه.
الوحدة الموضوعية لسور القرآن
وسور القرآن من ناحية الوحدة الموضوعية، قسمان: قسم تعالج فيه السورة أكثر من موضوع، وقسم آخر تعالج فيه السورة موضوعا واحدا كسورة الواقعة، التي التزمت بموضوع البعث وما يؤيده من أدلة ومناقشات.
موضوعات سورة الواقعة
تناقش السورة الكريمة المنكرين للبعث، وتلزمهم الحجة، وتستخدم في الجدال معهم، عناصر الطبيعة الواضحة: النطفة، الزرع، الماء، النار، وهي أمور يدركها رجل البادية، والمتحضر، والعالم، والمتخصص، فكل منهم يجد ضالته في آيات السورة الكريمة، وغيرها من سور القرآن التي تعالج قضية المنكرين للبعث.
ففيما يتعلق بالنطفة قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾ [الواقعة: 58-59].
وفيما يتعلق بالزرع، قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ [الواقعة: 63-64].
وفيما يتعلق بالماء قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ﴾ [الواقعة: 68-69].
وفيما يتعلق بالنار قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ﴾ [الواقعة: 71-72].
أسماء سورة الواقعة
سميت سورة الواقعة بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ [الواقعة: 1] أي إذا قامت القيامة التي لا بد من وقوعها.
ولكل سورة من سور القرآن الكريم اسم خاص بها يميزها عن غيرها، وتحمل أسماء سور القرآن معاني عظيمة جدا؛ وتنقسم سور القرآن من حيث الاسم إلى أقسام:
- منها: ما له اسم واحد، وهو أكثر سور القرآن.
- ومنها: ما له أكثر من اسم، كسورة محمد؛ إذ تسمى سورة القتال.
- ومنها: أن تسمى عدة سور باسم واحد: ومن ذلك تسمية سورتي البقرة وآل عمران بالزهراوين.
- ومنها: ما له أكثر من اسم مثل: سورة الفاتحة، وقد وردت للسورة الكريمة أسماء كثيرة، منها: فاتحة الكتاب، وأم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، وغيرها.
الواقعة اسم من أسماء يوم القيامة
قال الله تعالى: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (٢) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (٣) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (٥) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (٧) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [الواقعة: 1-12].
فوقوع القيامة أمر حتمي لا ريب فيه، لا يستطيع أحد تكذيبه عند حدوثه كما كان يحصل في الدنيا، ولا يملك أحد أن يرده أو يدفعه، والقيامة ترفع أقواما وهم أولياء الله إلى الجنة، وتخفض آخرين وهم أعداء الله إلى النار.
فإذا وقعت الساعة، زلزلت الأرض وحركت واضطربت، ودمرت من عليها وما فوقها من المباني والقصور والجبال، وتفتتت الجبال، وأصبحت غبارا منتشرا متفرقا، وزالت من أماكنها، ويكون الناس يوم القيامة أصنافا ثلاثة: أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، والسابقون.
فالأولون أصحاب الميمنة: هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة ويعطون كتبهم بأيمانهم، وأصحاب المشأمة: هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار ويعطون كتبهم بشمائلهم، والسابقون: هم الأنبياء والمرسلون والمجاهدون.
فضل سورة الواقعة
وردت أحاديث في فضل هذه السورة منها:
حديث من قرأ سورة الواقعة لم تصبه فاقة
1 – عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ أَبَدًا، فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَأْمُرُ بَنَاتِهِ بِقِرَاءَتِهَا كُلَّ لَيْلَةٍ﴾. (أورده ابن حجر في المطالب العالية) وهو حديث ضعيف.
قراءة الواقعة في صلاة الفجر
2 – أخرج الإمام أحمد عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: ﴿كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ كَنَحْوٍ مِنْ صَلَاتِكُمُ الَّتِي تُصَلُّونَ الْيَوْمَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُخَفِّفُ، كَانَتْ صَلَاتُهُ أَخَفَّ مِنْ صَلَاتِكُمْ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ الْوَاقِعَةَ وَنَحْوَهَا مِنَ السُّوَرِ﴾. والحديث صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن كما قال الشيخ شعيب الأرناؤوط.
سورة الواقعة مما شيب رسول الله
3 – أخرج الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ﴿قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ شِبْتَ قَالَ: شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتُ، وَ {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}، وَ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}﴾، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وصححه الألباني.
فالنبي صلى الله عليه وسلم شيبته بعض سور القرآن، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله بدأ يظهر عليك الشيب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: شيبتني، سورة هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت، وذلك لما في تلك السور من ذكر هلاك الأمم السابقة، وما حدث لهم من العذاب، وذكر أهوال القيامة.
من أسباب النزول في سورة الواقعة
قوله تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة: 75].
روى مسلم في صحيحه، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: ﴿مُطِرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَمِنْهُمْ كَافِرٌ، قَالُوا: هَذِهِ رَحْمَةُ اللهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة: 75]، حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: 82].
هذا الحديث يبين أن الناس في الجاهلية كانوا يعتقدون أن النجوم سبب في نزول المطر، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- حريصا على إخراج أمته من الجاهلية إلى الإسلام، فالناس بالنسبة إلى نزول الأمطار على قسمين: قسم مؤمن بالله تعالى لا يشرك به شيئا، وقسم كافر بوحدانية الله تعالى.
فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بوحدانية الله، وكافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا، فذلك كافر بالله، مؤمن بالكوكب إذا كان معتقدا أن الذي أنزل المطر هو كوكب كذا.
فنزول الماء لحكمة الله تعالى ورحمته وقدرته، لا بغير ذلك؛ والأحب لكل مؤمن أن يقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: مطرنا بفضل الله ورحمته.
الموضوعات الرئيسة في سورة الواقعة
1 – ابتدأت السورة بالحديث عن اضطراب الأرض، وتفتت الجبال حين قيام الساعة، فعندما تقوم القيامة تخرس الألسنة، وتغلق الأفواه، ويشعر الناس جميعا بأنهم أمام حدث لا بد من الاعتراف به.
2 – ثم صنفت السورة الكريمة الناس عند الحساب أقساما ثلاثة: أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، والسابقين، وأخبرت عن مآل كل فريق، وما أعده الله لهم من الجزاء العادل يوم القيامة.
3 – وأوضحت السورة أن الأولين والآخرين من الخلائق مجتمعون في هذا اليوم.
4 – ثم أقامت الأدلة على وجود الله الخالق ووحدانيته وكمال قدرته، وإثبات البعث والنشور والحساب، من خلق الإنسان، وإخراج النبات، وإنزال الماء، وخلق قوة الإحراق في النار.
5 – ثم أقسم الله عز وجل بمنازل النجوم على صدق تنزيل القرآن من رب العالمين، وأنه كان في كتاب مكنون، لا يمسه إلا المطهرون، وندد بالتشكيك في صحته وصدقه.
6 – ولفت الله تعالى النظر إلى ما يلقاه الإنسان عند الاحتضار من شدائد وأهوال.
7 – وختمت السورة ببيان عاقبة الطوائف الثلاث وما يجدونه من جزاء، وهم المقربون الأبرار، والسابقون إلى خيرات الجنان، وأهل اليمين السعداء، والمكذبون الضالون أهل الشقاوة، وأن هذا الجزاء حق ثابت متيقن لا شك فيه.
الخاتمة الكريمة لسورة الواقعة
خاتمة سورة الواقعة هي خاتمة كل حي، قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الواقعة: 83-87].
تبين هذه الآيات الكريمات اللحظة التي تنهي كل جدال، ويقف فيها الحي عاجزا، حيث لا يملك الرجوع، فلا يسمع إلا صوت الحشرجة، ولا يحس إلا بالكرب والضيق، ففي هذه اللحظة قد فرغت الروح من أمر الدنيا، ولا تملك إلا ما ادخرت من عمل، وما كسبت من خير أو شر.
مواضع تفسير سورة الواقعة من أشهر كتب التفسير
م | اسم التفسير | المؤلف | ج/ ص |
1 | تفسير القرطبي- الجامع لأحكام القرآن | محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي | 17 / ١٩٤ |
2 | تفسير الطبري – جامع البيان عن تأويل آي القرآن | محمد بن جرير الطبري | 22 / ٢٧٩ |
3 | تفسير ابن كثير – تفسير القرآن العظيم | أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي | 7 / ٥١٢ |
4 | تفسير البغوي – معالم التنزيل في تفسير القرآن | محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي | 7 / 7 |
5 | تفسير الزمخشري – الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل | أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري | 4 / ٤٥٥ |
6 | تفسير ابن عطية – : المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز | أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي | 5 / ٢٣٨ |
7 | الدر المنثور | عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي | 8 / 3 |
8 | تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم | أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى | 8 / ١٨٨ |
9 | فتح القدير | محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني | 5 / ١٧٦ |
10 | تفسير الألوسي – روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني | شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي | 14 / ١٢٨ |
للاطلاع على المزيد: