ما هو الرضاع الذي يترتب عليه تحريم الزواج؟
ورد لبرنامج بريد الإسلام بإذاعة القرآن الكريم والذي يقدمه الأستاذ / عبد الناصر أبو زيد سؤال نصه:
ما هو الرضاع المحرم والمانع للزواج ؟
المحرمات من الرضاع
ويجيب عن هذه الرسالة الأستاذ الدكتور/ محمد راشد علي
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
المحرمات من النساء بسبب القرابة
فيذكر ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، عدة من النساء يحرم على المسلم التزوج بهن، بصريح العبارة في كتابه الكريم، في سورة النساء قال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ﴾ [النساء: 23] إلى آخر الآية،
وبالاطلاع على هذه الآية، نجد أن هذا التحريم قد يكون سببه القرابة النسبية، وحرم الله بها عددا من النساء في أول الآية، فقال ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ﴾ [النساء: 23].
المحرمات من النساء بسبب الرضاعة
ثم تتصل بالآية فتجعل الرضاعة سببا من أسباب التحريم أيضا، فيقول سبحانه في سياق الآية: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: 23]،
ومضمون هذا الكلام الإلهي الذي ذكره ربنا في هذه السورة، أن المرأة إذا أرضعت طفلا حرمت عليه هي وبناتها؛ لأنها سارت أما له من الرضاعة كالأم الحقيقة التي من النسب، ويسير بناتها جميعا أخوات له من الرضاعة، بلا فرق بين من رضعت معه، ومن كن قبلها، ومن ولدن بعدها، كما يقول العلماء؛ لأن الجميع رضع من ثدي واحد، هو ثدي هذه الأم.
وتنتقل الآية بالتحريم إلى درجة أخرى، فتصير قرابة هذه الأم من سياق الآية ومفهومها ومضمونها، قرابة هذه الأم تصير قرابة لهذا الذي رضع منها، فتصير أخت التي رضع منها، خالة له، وأمها سارت جدة له، وهكذا.
وكل من هي محرمة بالنسب، يعتبر مثلها محرم بالرضاع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ﴾.
الرضاع الذي يثبت به التحريم
وأما سؤال المستمع، ما هو الرضاع المحرم والمانع من الزواج؟
نقول له: أن الرضاع الذي يثبت به تحريم الزواج، بين من رضع، وبين من صرن محرمات عليه، هو الذي يكون في داخل عامين، من يوم الولادة، كما يقول جمهور العلماء،
لكنهم اختلفوا في القدر الذي تقع به الحرمة، فمذهب الحنفية والمالكية، أن التحريم يحصل بما قل أو كثر، مما وصل إلى جوف الرضيع، ولو كان مصة واحدة، تمسكا بأقل ما يطلق عليه اسم الرضاع.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن التحريم لا يحصل إلا بأكثر من خمس رضعات، يعني خمس رضعات فما فوق.
وقد استدل كل من الفريقين بأدلة لا يتسع المقام لذكرها، لكن الذي يمكن القول به هنا، هو أن العمل بالاحتياط في هذا المجال بالذات أولى،
والذي يرجح الأخذ به هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول وهم الحنفية والمالكية، وذلك لصعوبة تذكر العدد، وكيف يمكن للمرأة أو غيرها تحديده بخمس، أو أقل، أو أكثر، كما يذهب الشافعية والحنابلة، وذلك لطول الزمان بين فترة الرضاع، وسن الزواج.
الحكمة من التحريم بالرضاع
وأما الحكمة من التحريم بالرضاع، فإن ما كتبه أهل العم والذي يظهر من كلامهم أنه أمر تعبدي، لا يسأل فيه عن علة الحكم، ولكن هذا التحريم لا يخلوا من حكمة،
وهو أن هذه المرضع التي ترضع الولد إنما تغذيه بلبنها وهو جزء منها، فيدخل في تكوين هذا الرضيع ويكون جزءا منه، فينبت به اللحم، وينشز به العظم كما يقول الحديث الشريف.
والحس والطب يثبتان ذلك ويؤكدانه، وبذلك سار هذا الطفل فيه جزء منها، وسارت كأمه النسبية، فأما النسبية فقد غذته بدمها في بطنها،
وهذه أكملت مرحلة أخرى فغذته بلبنها بعد وضعه، فسار حكمها حكم الأم النسبية من ناحية الحرمة، وكذلك المحرمات نسبا، كما قال صلى الله عليه وسلم: ﴿يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ﴾.
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.