العقيدة الإسلامية

النبوات وإمكانية إرسال رسول من البشر في حكم العقل

أرسل الله أنبياءه ورسله إلى عباده مبشرين بالجنة لمن أطاع الله، ومحذرين من النار لمن عصى أوامر الله، فقال الله تعالى: (رسلا مبشرين ومنذرين).

إمكانية إرسال الرسل

لا يمتنع في حكم العقل أن يرسل الله رسلا للعباد من البشر مثلهم في طبيعتهم حتى يسهل عليهم أن يتواصلوا معهم ويعلموهم، لينفذ الرسل أولا ما أمرهم الله بتنفيذه ليكونوا قدوة للناس.

لكن يمتنع في حكم العقل أن يرسل الله للبشر رسلا من الملائكة، فلو كان الملائكة يعيشون في الأرض ويمشون بين الناس لأرسل الله إليهم رسلا منهم.

قال الله: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا).

وطبيعة الملائكة تختلف عن طبيعة البشر، وأحجامهم تختلف عنهم، فيصعب عليهم أن يتواصلوا معهم ويعلموهم، وطبيعة البشر لا تطيق رؤية الملائكة على طبيعتهم.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ ، فَقُلْتُ : زَمِّلُونِي ، زَمِّلُونِي ، فَدَثَّرُونِي ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ – إلى – والرجز فَاهْجُر)]البخاري[

ولو حول الله طبيعة الملائكة لتتشابه مع طبيعة البشر لقال البشر إنهم من البشر وليسوا من الملائكة، ولشكوا في كونهم من الملائكة.

قال الله: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا ‌وَلَلَبَسْنَا ‌عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ).

الحكمة من إرسال الرسل

عقل الإنسان لا يستطيع أن يدرك وحده تفاصيل ما يريده الله منه من العبادات، ولا كيف تكون طاعته إلا بإخبار الله لنا عن طريق إرسال أنبيائه ورسله، فعلمنا الله عن طريقهم ما أراده منا، وأرشدنا إلى ما لا يستقل العقل بإدراكه، فأمر الله بالصلاة والزكاة والحج وغير ذلك من العبادات على سبيل الإجمال ثم فصل لنا رسوله -صلى الله عليه وسلم- لنا تلك الأحكام.

فلو لم يرسل الله رسلا من البشر إلى عباده لما آمن الناس ولكان للكفار حجة على الله في عدم إيمانهم؛ لأنه لم يرسل إليهم نبيا يعلمهم.

قال الله: (‌رُسُلًا ‌مُبَشِّرِينَ ‌وَمُنْذِرِينَ ‌لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا).

من أجل ذلك بين الله أنه ما كان ليعذب أحدا دون أن يقيم الحجة عليه بإرسال الرسل فقال الله تعالى: (‌وَمَا ‌كُنَّا ‌مُعَذِّبِينَ ‌حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا).

الدليل على صدق النبي في دعواه النبوة

لا تقبل النبوة من أي أحد يدعيها دون أن يقيم دليلا على ذلك، ومن حق القوم الذين أرسل إليهم هذا النبي أن يسألوه عن الدليل الذي يؤكد صدقه في دعواه النبوة.

وهنا لابد وأن يجيبهم النبي بمعجزة تدل حقا على صدقه في دعواه، وهذه المعجزة لابد وأن تكون أمرا خارقا للعادة لا يمكن لأحد أن يتعلمها ويأتي بمثلها بل هي أمر اختص الله نفسه به.

فمثلا إذا جلس ملك في مجلس أمام الناس واجتمع الناس حوله فلم يتكلم فقام واحد من الناس وادعى أنه مفوض بالكلام عن الملك، والملك ساكت لا يتكلم.

هنا يسأله القوم ويقولون له: ما دليلك على صدقك فيما تقول؟ فيجيبهم بقوله: إذا كان الملك راضيا عن كوني متحدثا عنه سيخالف عادته، ويقوم من مجلسه مرتين ويجلس، فإذا فعل الملك ذلك وخالف عادته وقام من مجلسه مرتين وجلس كان هذا بمثابة الإذن من الملك لهذا الرجل بأن يكون متحدثا عنه.

خرق نواميس الكون لتأكيد صدق النبي في دعواه

الله الذي خلق هذا الكون ووضع نواميسه وقوانينه المتمثلة في الأسباب والمسببات هو الذي عطل هذه الأسباب وخرق هذه النواميس من أجل أن يؤكد للناس صدق هذا النبي في دعواه.

لما جاء الأنبياء والرسل لأقوامهم يدعونهم إلى الإيمان بالله وحده، وترك عبادة ما عداه من الأصنام والأوثان، وأخبروهم أنهم يبلغونهم كلام الله،

طلب القوم منهم آية تدل على كونهم صادقين مبلغين عن الله فأجابهم الله إلى ذلك بأن أيد هؤلاء الأنبياء بمعجزات خارقة للعادة لا يمكن لأحد أن يأتي بمثلها وهي معجزات تخرق قوانين هذا الكون وتسير على عكس الأسباب والمسببات.

تعطيل النار عن وظيفة الإحراق

من المعجزات التي أيد الله بها أنبياءه معجزة نبي الله إبراهيم لما ألقاه قومه في النار التي ظلوا يشعلونها أياما، وكانت نارا عظيمة هائلة وقد مكث فيها أياما ثم خرج إلى قومه دون أن يناله أذي،

وكان الأصل على قانون الأسباب والمسببات الذي وضعه الله في الكون أن تحرق النار إبراهيم، لكن الله الذي وضع لها هذا القانون هو الذي أمرها بتعطيل هذا القانون وقال للنار: كوني بردا وسلاما على إبراهيم.

وكان هذا بمثابة إعلان من الله للناس بأن نبي الله إبراهيم مبلغ عن الله، فقال الله تعالى:

(قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَا نَارُ ‌كُونِي ‌بَرْدًا ‌وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ).

انقلاب العصا حية

أيد الله نبيه موسى -عليه السلام- بانقلاب العصى حية فالأصل أن الجماد لا يمكن أن تكون به حياة كاملة يسعى ويتحرك ويتحول من طبيعته لطبيعة أخرى، لكن الله خرق هذا القانون ليؤكد للقوم أن موسى نبي مرسل ومبلغ عن الله.

قال الله: (فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ

 َفأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ‌تَلْقَفُ ‌مَا ‌يَأْفِكُونَ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ)

إحياء الموتى

من المعجزات التي أيد الله بها نبيه عيسى -عليه السلام- معجزة إحياء الموتى وهذا أمر خارق للعادة ولا يمكن لأي أحد أن يرد أحدا إلى الحياة مرة أخرى إلا الله فخرق الله هذا الناموس لنبيه عيسى ليؤكد للناس أنه نبي مبلغ عن الله.

قال الله: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ

وَإِذْ ‌تَخْلُقُ ‌مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ).

المعجزات المادية والمعنوية

مما ميز الله به نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- أنه أيده بمعجزة معنوية وهي القرآن الكريم الذي أعجز العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة والبيان عن الإتيان بمثل أقصر سورة منه وهو المعجزة الباقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وأيده بمعجزات مادية كثيرة منها حنين الجذع للنبي -صلى الله عليه وسلم-، لما صنعوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- منبرا يخطب عليه وكان قبل ذلك يخطب على جذع نخلة حن هذا الجذع للنبي -صلى الله عليه وسلم- وبكى بكاء سمعه كل من كان في المسجد حتى نزل إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وظل يسكته حتى سكت.

عن أنس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب إلى ‌جذع، فلما اتخذ المنبر ذهب إلى المنبر، فحن الجذع فأتاه فاحتضنه فسكن، فقال: “لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة.[ابن ماجه]

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة