السيرة النبوية

زحف النبي والجيش معه لفتح مكة

في شهر رمضان سنة ثمان من هجرة النبي –صلى الله عليه وسلم- نقضت قريش عهدها مع النبي –صلى الله عليه وسلم-.

بنود صلح الحديبية

كان من بنود صلح الحديبية أن من أحب أن يدخل في عهد مع النبي –صلى الله عليه وسلم- فليدخل، ومن أحب أن يدخل في عهد مع قريش فليفعل،

فدخلت خزاعة في عهد مع النبي –صلى الله عليه وسلم-، ودخلت بنو بكر في عهد مع قريش، وبموجب هذا الاتفاق فإن من يعتدي على بني خزاعة كأنه اعتدى على النبي –صلى الله عليه وسلم-.

خرق قريش للهدنة ونقضهم لعهدهم

كان لبني بكر ثأر قديم من بني خزاعة فأرادوا أن يستغلوا فترة الهدنة هذه وأن يصيبوا من بني خزاعة، فأغاروا عليهم ليلا وأصابوا منهم رجالا، وأعانت قريش بني بكر على بني خزاعة بالرجال والسلاح، حتى انحاز بنو خزاعة إلى الحرم لكن بني بكر لم يراعوا حرمة لحرم الله،

حتى ذهب عمرو بن سالم الخزاعي إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالمدينة وأخبره بما حدث من معاونة قريش لبني بكر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- (لا نصرت إن لم أنصر بني كعب).

ندم قريش على معاونتها لبني بكر

لما علمت قريش بوصول الخبر إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- ندمت على ما بدر منها، وخافت من عاقبة هذا الأمر، لذلك أرسلت أبا سفيان فنزل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش النبي –صلى الله عليه وسلم- طوته عنه، فسألها عن ذلك فقالت: هو فراش رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأنت رجل مشرك نجس، فقال: والله لقد أصابك بعدي شر.

ثم ذهب للنبي –صلى الله عليه وسلم- فلم يرد عليه بشيء، ثم كلم أبا بكر ليكلم رسول الله فلم يرد عليه بشيء، ثم كلم عمر بن الخطاب ليكلم رسول الله فلم يجيبه إلى ما طلب، ثم كلم علي بن أبي طالب فأخبره أن رسول الله عزم على أمر لا نستطيع أن نمنعه منه، فأظلمت الدنيا في عيني أبي سفيان ثم انطلق إلى مكة، فأخبر قريشا بما حدث.

تهيؤ النبي للخروج لفتح مكة

بعد أن فشلت محاولة أبي سفيان من أجل تجديد الهدنة مع النبي –صلى الله عليه وسلم- ورجع إلى مكة أمر رسول الله أصحابه بالتجهز للخروج، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة، لكن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان حريصا على إخفاء الأمر فخرج مع رسول الله عشرة آلاف.

ما حدث من حاطب بن أبي بلتعة

أرسل حاطب بن أبي بلتعة امرأة برسالة إلى قريش يخبرهم بمسير النبي –صلى الله عليه وسلم- إليهم، لكن جاء الخبر إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- بوحي من السماء يخبره بما صنع حاطب، فأرسل رسول الله عليا والمقداد وأمرهما أن ينزلا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب إلى قريش، فانطلقا حتى وجدا المرأة في الموضع الذي أخبرهم عنه رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فسألاها عن الكتاب الذي معها فأنكرت المرأة ففتشا رحلها فلم يجدا شيئا.

فقال على: أحلف بالله ما كذب رسول الله ولا كذبنا فإما أن تخرجي الكتاب وإما أن نجردك، فلما رأت المرأة الجد عندهما أخرجت الكتاب من قرون رأسها، فإذا في الكتب: من حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش.

فأمر رسول الله بإحضار حاطب فسأله رسول الله عن ذلك، فقال: لا تعجل عليّ يا رسول الله، والله إني لمؤمن بالله ورسوله، وما ارتددت ولا بدلت، ولكني كنت امرأ ملصقا في قريش لست من أنفسهم، ولي فيهم أهل وعشيرة وولد، وليس لي فيهم قرابة يحمونهم،

وكان من معك لهم قرابات يحمونهم، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي. فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فإنه قد خان الله ورسوله، وقد نافق، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إنه قد شهد بدرا، وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فذرفت عينا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم.

زحف النبي والجيش معه إلى مكة

استخلف رسول الله على المدينة أبا رهم ثم خرج من المدينة متجها إلى مكة في جيش قوامه عشرة آلاف، ولقي العباس بن عبد المطلب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بأهله وعياله بالجحفة وكان قد خرج مسلما مهاجرا إلى رسول الله، ثم خرج أبو سفيان أيضا ولقي رسول الله وأسلم.

وواصل رسول الله سيره بالجيش الذي معه وكان صائما والناس معه صيام حتى بلغ موضع يقال له الكديد فأفطر وأفطر الناس معه، ثم أمر رسول الله الجيش الذي كان قوامه عشرة آلاف أن يوقدوا نيرانا.

العباس يستطلع الأخبار

ركب العباس ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم- وخرج يلتمس أخبار قريش فوجد أبا سفيان قد خرج هو وبديل بن ورقاء يتناولان الحديث عن تلك النيران التي يرونها وهم لا يعرفون لمن هذه النار فأخبرهم العباس أنها نيران جيش النبي -صلى الله عليه وسلم-

ثم استشار أبو سفيان العباس فأشار عليه أن يذهب معه ليطلب له الأمان من النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم أمر رسول الله العباس أن يأخذ أبا سفيان ليبيت معه في رحله، فلما كان الصباح كان أن عرض عليه رسول الله الإسلام فأسلم، فقال العباس: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا، فقال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه دونه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن.

النبي صلى الله عليه وسلم يتجه بالجيش نحو مكة

تحرك النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجيش معه من مر الظهران نحو مكة وذلك في صبيحة اليوم السابع عشر من شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة.

ثم أمر رسول الله العباس أن يحبس أبا سفيان عند مضيق الوادي حتى تمر به جنود الله فما تمر به قبيلة إلا وسأل أبو سفيان العباس عنها.

ولما مر سعد بن عبادة على أبي سفيان وكان يحمل راية الأنصار قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشا، فذكر أبو سفيان للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما قاله سعد بن عبادة فقال رسول الله: بل اليوم يوم تعظم فيه الكعبة.

ثم أسرع أبو سفيان حتى دخل مكة ينصح قومه ألا يتعرضوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنهم لا قبل لهم به، فنادى بأعلى صوته: يا معشر قريش هذا محمد جاءكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقامت زوجته هند بنت عتبة تحرض قومها على ألا يستمعوا لما يقوله أبو سفيان.

ثم وصل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ذي طوى وكان يضع رأسه تواضعا بسبب ما أكرمه الله به من فتح مكة وهناك وزع رسول الله جيشه وأمر بعض الجيش أن يدخل مكة من أسفلها وبعضهم من أعلاها وبعضهم أن يأخذوا بطن الوادي.

ثم دخل رسول الله مكة واستلم الحجر الأسود وطاف بالبيت ومن خلفه الأنصار والمهاجرون، وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنما فجعل )رسول الله يطعنها بقوس في يده وهو يقرأ قول الله: (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً

دخول النبي الكعبة وعفوه عن قومه

دخل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الكعبة فوجد بها تصاوير لنبي الله إبراهيم وإسماعيل فامر بالصور فمحيت، ثم صلى رسول الله بالكعبة ثم خرج رسول الله فإذا بقريش قد وقفوا أمامه صفوفا ينتظرون ماذا يفعل بهم، فخطب فيهم رسول الله ثم قال: يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا : خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال : فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم.

ثم أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة وقال: خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم.

بلال يؤذن من فوق الكعبة وخطبة النبي

أمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بلال الحبشي أن يصعد ليؤذن فوق الكعبة،  وفي يوم الفتح دخل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بيت أم هانئ بنت عمه أبي طالب فاغتسل ثم صلى ثماني ركعات ثم طلبت من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجيرها في رجلين أراد علي قتلهما فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ.

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أهدر دماء رجال من المشركين فأمر بقتلهم حتى ولو كانوا معلقين بأستار الكعبة، وهؤلاء هم: عبد العزى بن خطل، وعبد الله بن أبي سرح، وهبار بن الأسود، وعكرمة بن أبي جهل، وآخرين.

فأما ابن أبي سرح فجاء به عثمان إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- وشفع له فحقن دمه، وأما عكرمة بن أبي جهل ففر إلى اليمن فطلبت زوجته الأمان له من النبي –صلى الله عليه وسلم- فأمنه رسول الله وأسلم وحسن إسلامه.

ثم قام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في اليوم الثاني من الفتح خطيبا في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

أيها الناس، إن الله حرم مكة يوم خلق السموات الأرض، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما، أو يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما حلت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب.

للاطلاع على المزيد:

مواضيع ذات صلة