إن وجود الله مسألة يدل عليها: الفطرة والعقل والشرع والحس، فكل شيء في هذا الكون دال على وجود خالق له، ولا يوجد دليل واحد يدل على عدم وجود الله.
إنكار وجود الله
فهؤلاء الذين ينكرون وجود خالق هذا الكون إنما يقولون كلاما بألسنتهم يغاير ما في قلوبهم، يقول الكاتب الإنجليزي كولن ولسون:
“على الساعة الثانية ليلا أنهيت مقالاً أنكرت فيه وجود الله، وذهبت لأنام ولكن لم أستطع النوم خوفًا مما سيفعله الله بي”. وصدق الله إذ يقول: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).
الكون مليء بدلائل وجود الله
لقد أشار القرآن إلى أن الكون مليء بالعلامات الدالة على وجود الخالق لهذا الكون وعلى عظمته وقدرته الباهرة، ومن هذه العلامات الدالة على وجود الله وقدرته خلق الإنسان،
فما عليك إلا أن تنظر في نفسك أيها الإنسان لتكتشف قدرة الله الباهرة فيك، قال الله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)
سل نفسك لتجيبك
سل نفسك وقل لها: كيف وجدت في هذه الدنيا؟ هل وجدت فيها بدون خالق، وإذا لم يكن هناك خالق فهل أنا الذي أوجدت نفسي.
إن العقل يقطع بأن الشيء المعدوم لا قدرة له على فعل شيء، فكيف يقدر على إيجاد نفسه، وهل هناك شيء في هذا الكون يحدث دون أن يكون هناك من أحدثه،
فالعقل لا يقبل بوجود كوب من الزجاج في الحجرة دون أن يكون هناك من أوجده، فكيف بهذا الإنسان البديع الصنع المعقد الخلق أن يوجد وحده دون أن يكون هناك من أوجده.
قانون السببية
إن قانون السببية الذي وضعه العلماء يقول: “إن شيئا من الممكنات لا يحدث بنفسه من غير شيء؛ لأنه لا يحمل في طبيعته السبب الكافي لوجوده، ولا يستقل بإحداث شيء؛ لأنه لا يستطيع أن يمنح غيره شيئا لا يملكه هو”
وهذا هو المعنى الذي أشار إليه الأعرابي عندما استدل على وجود الله فقال: “البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدل على العليم الخبير”.
وهذا هو ما لفت الله إليه العقول المفكرة فقال: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ).
الإنسان خلق من العدم
ليسأل كل واحد منا نفسه أين كان قبل أن يوجد في هذه الدنيا وكيف وجد؟ لقد كنت أيها الإنسان عدما لا وجود لك إلا في علم الله، ثم بعد ذلك هيأ الله الأسباب لوجودك في هذه الحياة بالالتقاء بين أبويك، وهذا مجرد سبب فقط لكن فاعل الوجود الحقيقي هو الله.
فالإنسان لا يعلم شيئا عن رحلة الحيوانات المنوية في داخل الرحم حتى تصل إلى قناة فالوب حيث تكون البويضة هناك ويتم تلقيحها، ثم تذهب البويضة إلى الرحم لتستقر فيه ليتكون الجنين بعد ذلك،
إن تكوُّن هذا المني الذي تكون فيه تلك الحيوانات المنوية دليل على وجود الله، إذ لا يستطيع أحد أن يدعي أنه هو الذي ينتجه، إنما الإنسان مجرد سبب والفاعل على الحقيقة هو الله، قال تعالى: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ).
الخلايا التي يتكون منها جسد الإنسان
إن جسد الإنسان يتكون من الخلايا الصغيرة التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، فلو جمعنا مائة ألف خلية لن يتجاوز حجمها حجم رأس الإبرة،
فكم من الخلايا يشتمل عليها جسم الإنسان، إنها تريليونات هائلة من الخلايا، وبالرغم من هذا الصغر للخلية للدرجة التي تجلعلنا لا نراها بالعين المجردة إلا أنها تقوم بأعمال نعجز عن حصرها.
يقول الدكتور ميشيل دانتون، وهو أحد أشهر علماء علم الأحياء الجزيئي: “لابد من تكبير الخلية مليون مرة لكي نتوصل إلى حقيقتها التي أنتجت لنا علم الأحياء الجزيئي”.
الله يتحدى العباد بما خلق
إذا كان هذا حال خلية لا ترى بالعين المجردة فما بالك ببقية أعضاء جسد الإنسان، فهذا هو خلق الله الذي وسعت قدرته كل شيء، قال الله: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)،
فهل هناك من خلق خلقا يشبه ما خلقه الله حتى يتردد في عبادة الله، قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)
عجز الإنسان أمام حياته وموته
إن الإنسان يقف عاجزا أمام نفسه وهو حي لا يستطيع أن يدرك كل ما فيه من إعجاز، ويقف عاجزا عند الموت عند خروج روحه التي لا يستطيع أن يردها لجسده مرة ثانية.
فلو اجتمع أهل الأرض جميعا معه بأموالهم وعلومهم فلن يمنعوا خروج روحه من جسده، وهذا مشهد يوقفك على منتهى عجز الإنسان أمام قدرة الله،
وقد تحدى خالق الأكوان أهل الأرض جميعا أن يردوا هذه الروح إلى الجسد مرة أخرى، فما استطاع أحد أن يثبت أمام هذا التحدي، فثبتت القدرة المطلقة لله، وثبت العجز التام للإنسان أمام قدرة الخالق.
قال الله: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).