قصص الأنبياء

قصة يعقوب ويوسف عليهما السلام الجزء الأول

تحكي لنا قصة يعقوب ويوسف عليهما السلام أنه ولد لنبي الله إسحاق –عليه السلام- توءمان عيصو وبعده يعقوب، وكانت أمهما رفقا بنت بتوئيل، ونال يعقوب دعوة أبيه له بأن يكون أكبر إخوته وكلمته عليهم وعلى الشعوب بعده.

هجرة يعقوب إلى حران

لما طلب إسحاق من عيصو أو عيسو ولده البكر أن يصطاد له صيدا ويطبخه ليبارك له عليه ويدعو له، وكان إسحاق يحب عيصو؛ لأنه ابنه البكر وكان البكر له مكانته، وكانت رفقا أمهما تحب يعقوب؛ لأنه الأصغر، فأمرته أن يقدم طعاما لأبيه لينال هو دعوته ففعل.

ونال يعقوب دعوة أبيه إسحاق بأن يكون أكبر إخوته وكلمته عليهم وعلى الشعوب بعده، فغضب عيصو على يعقوب بسبب أنه قدم الطعام لأبيه ونال هو دعوته، فتوعده عيصو بسبب ما فعل، فطلبت رفقا أمهما من إسحاق أن يأذن ليعقوب بأن يذهب إلى أرض حران التي بها خاله “لابان” إلى أن يسكن غضب أخيه، فأمر إسحاق ولده يعقوب بذلك فهاجر.

 رؤيا يعقوب في الطريق إلى حران

وأثناء سيره في الطريق إلى حران نام في طريقه في موضع فرأى في نومه معراجا منصوبا من السماء إلى الأرض، وإذا الملائكة يصعدون والرب يخاطبه ويقول له: إني سأبارك عليك وأكثر ذريتك وأجعل لك هذه الأرض ولعقبك من بعدك.

فلما هب يعقوب من نومه نذر إن رجع إلى أهله ثانيا سيقيم في هذا الموضع معبدا، وكان هذا المكان هو موضع بيت المقدس اليوم الذي بناه يعقوب.

 زواج يعقوب من ابنتي خاله لابان

فلما قدم على خاله بأرض حران كان له ابنتان الكبرى: “ليا” والصغرى “راحيل” وكانت الصغرى أحسنهما وأجملهما، فطلب يعقوب من خاله أن يزوجه الصغرى، فوافق بشرط أن يرعى له غنمه سبع سنين، فلما مضت المدة صنع طعاما وجمع الناس وزف إليه الكبرى ليلا وكانت ضعيفة العينين قبيحة المنظر.

فلما أصبح يعقوب وجدها ليا الكبرى فقال لخاله: لم غدرت بي؟ وقد خطبت إليك راحيل فقال له: ليس من سنتنا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى فإن أحببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى وأزوجكها، فعمل سبع سنين أخرى وتزوجها مع أختها وكان هذا حلالا في شريعتهم أن يتزوج الرجل من الأختين.

ووهب خال يعقوب لكل من ابنتيه جارية، ورزق يعقوب الأولاد من الكبرى، وكانت الصغرى لا تحمل فوهبته جاريتها فولدت له، ووهبته الكبرى جاريتها فولدت.

لكن “راحيل” وهي ابنة خال يعقوب الصغرى دعت الله أن يرزقها من يعقوب غلاما، فاستجاب الله دعاءها فولدت له غلاما حسنا جميلا سمته يوسف، وولدت من بعده بنيامين.

رجوع يعقوب عليه السلام إلى موطنه

لما قضى يعقوب –عليه السلام- المدة التي اتفق عليها مع خاله طلب منه أن يأذن له بالرحيل، فقال له خاله: لقد بورك لي بسببك فسلني ما شئت، فطلب منه أن يعطيه كل حَمَل يولد من غنمه هذه السنة على صفة كذا وذكر أوصافها فوافقه خاله على طلبه، فأنجبت الماشية الكثير على الأوصاف التي طلبها يعقوب، فصار ليعقوب أغنام كثيرة، ودواب وعبيد، وتغير له وجه خاله.

وأوحى الله إلى يعقوب أن يرجع إلى أرض أبيه فعرض ذلك على زوجاته فأجابنه لذلك، فلما ابتعدوا عن بلاد خاله لحقه خاله وعاتبه على خروجه دون أن يخبره ليخرجهم في فرح وطبول ويودع بناته، وصنع طعاما وأوصاه ببناته خيرا، وودع كل منهما الآخر.

لقاء يعقوب عليه السلام بأخيه العيصو

لما رجع يعقوب لأرض أبيه كان خائفا من أخيه العيصو أن يتعرض له بسوء، فأعد له هدية عظيمة من الغنم والبقر وغيرها من الأنعام حتى يسكن غضبه عليه.

فأمر يعقوب –عليه السلام- غلمانه إن سألهم أحد عما معهم أن يقولوا: هذا المال لعبدك يعقوب أهداها لسيدي العيص.

فأقبل العيص في أربعمائة راجل فلما رآه يعقوب سجد له سجود تحية كسجود الملائكة لآدم، وسجدت له زوجاته وأولاده، وعرض عليه يعقوب –عليه السلام- أن يقبل هديته وألح عليه فقبلها.

وتقدم العيص أمامه وسار يعقوب خلفه، وولدت راحيل بنيامين وهو أخ ليوسف وهم بالطريق وماتت عقب ولادته، فدفنها يعقوب في بيت لحم، وبذلك صار ليعقوب اثنى عشر ولدا من الذكور: من “ليا”: ستة، ومن “راحيل”: يوسف وبنيامين، ومن أَمَةِ راحيل: اثنان، ومن أَمَةِ ليا: اثنان.

أبناء يعقوب ورؤيا يوسف

ولد ليعقوب اثنا عشر ولدا ذكرا وكان بينهم يوسف الذي كان جميل الصورة، وكان قرة عين أبيه، يخصه بعنايته؛ لأنه كان يرى أنه وريث النبوة، مما تسبب في حقد إخوته عليه.

وكانت عناية يعقوب بولده يوسف سببًا في المحنة التي تعرض لها يعقوب بفقدانه، وسببا في الخير الذي حصل لمصر والبلاد المجاورة لها، وقد ذكر الله قصة يوسف في القرآن كاملة مجموعة في سورة واحدة وهي سورة يوسف.

وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- يوسف فقال: (إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله)[البخاري].

وفي ليلة من الليالي رأى يوسف –عليه السلام- وهو غلام في منامه أحد عشر كوكبا والشمس والقمر يسجدون له، فقص هذه الرؤيا على أبيه فأمره ألا يخبر بها إخوته حتى لا يحسدوه.

لقد فهم يعقوب -عليه السلام- أن الأحد عشر كوكبا التي رآها يوسف في منامه إشارة إلى إخوته، والشمس والقمر إشارة إلى أبيه وأمه التي هي خالته، فأمه قد ماتت بعد ولادة بنيامين أخيه، والخالة بمنزلة الأم، وعرف أبوه أنه سينال منزلة عالية ورفعة في الدنيا والآخرة.

وكان يعقوب –عليه السلام- يرى أن وارثه في النبوة هو يوسف –عليه السلام-؛ لذا كان يرى أنه مؤتمن عليه فهذا ما جعله يحوطه بعنايته ورعايته،  فأمره بكتمان الرؤية التي رآها لئلا يكيد له إخوته.

محنة يعقوب في ولده يوسف عليهما السلام

لما رأى أبناء يعقوب محبة أبيهم ليوسف أكثر منهم حقدوا عليه وأضمروا له الشر، وطلبوا من أبيهم أن يأخذوه معهم ليرتع ويلعب فقال لهم: يا بني يشق علي أن أفارقه ساعة من النهار ومع هذا أخشى أن تشتغلوا في لعبكم وما أنتم فيه فيأتي الذئب فيأكله ولا يقدر على دفعه لصغره وغفلتكم عنه.

والحقيقة أنه يخاف من عداوتهم له، لكنه لم يرد أن يخبرهم بذلك، لكنهم أجابوه بقولهم كما أخبر القرآن: (لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون).

وبسبب إلحاح أبنائه عليه لم يستطع أن يمنع يوسف من الخروج معهم، فخرج يوسف مع إخوته وكانوا قد تشاوروا في قتله لكن استقر رأيهم على إلقائه في غيابات الجب وزعموا أن الذئب هو الذي أكله في غفلة منهم.

ما فعله إخوة يوسف معه في الطريق

لما غاب أبناء يعقوب عن عين أبيهم بدءوا يشتمون يوسف ويهينوه بالقول والفعل، وأجمعوا على إلقائه في البئر، فلما ألقوه أوحى الله إليه لابد لك من فرج من هذه الشدة التي أنت فيها ولتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا في حال أنت فيها عزيز.

قال الله تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).

فلما وضعوه في البئر أخذوا قميصه فلطخوه بشيء من الدم من شاة ذبحوها ونسوا أن يخرقوا القميص ورجعوا إلى أبيهم عشاء وهم يبكون على أخيهم فقالوا ما ذكره القرآن عنهم:

(قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين)

ولكن يعقوب لما جاءه أبناؤه بالقميص أمسك به وقال متهكما: “ما أحلم هذا الذئب الذي افترس ولدي ولم يمزق عليه قميصه، ولم يعمل في قميصه نابا ولا ظفرا وقال لهم ما حكاه القرآن: (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ).

نجاة يوسف من البئر وبيعه في مصر

كانت هناك قافلة قادمة ببضاعة من الشام ليبيعوها في مصر، وكانت تلك البضاعة من الفستق وغيره، فأرسلوا بعضهم ليجلبوا لهم الماء من بئر كانت قليلة الماء، فلما وضع دلوه تعلق به يوسف وخرج من البئر فسحبوه فخرج لهم غلام جميل الهيئة فاستبشروا به.

قال الله تعالى: (وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ).

والذين أخذوه ادعوا أنهم اشتروه من سادته، واتخذوه بضاعة حتى وردوا إلى مصر، وباعوه فيها بثمن قليل زهيد، قال الله تعالى: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ)

يوسف عليه السلام يباع في مصر بيع العبيد

تم بيع يوسف لوزير مصر الذي كانت خزائن مصر تحت يديه واسمه فوطيفار أو قطفير، فأمر زوجته أن تكرمه؛ رجاء أن ينفعهم أو يكون لهم ولدًا.

وكان ملك مصر وقت أن دخلها يوسف –عليه السلام- رجلا من العماليق، فقد كان يوسف في زمن الهكسوس الذين حكموا شمال مصر أي الدلتا منها وكان الحاكم عندهم يطلق عليه لقب الملك وليس الفرعون كما عند المصريين الذين انحسر ملكهم في هذه الفترة في صعيد مصر.

وكان اسم الرجل الذي باعه بمصر مالك بن زعر، والذي اشتراه هو عزيز مصر الذي ألقى الله محبة يوسف في قلبه وقال لامرأته: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا).

مواضيع ذات صلة