قصص الأنبياء

قصة يعقوب ويوسف عليهما السلام الجزء الثاني

نتابع في قصة يعقوب ويوسف عليهما السلام أن عزيز مصر جعل يوسفَ صاحب أمره ونهيه، والرئيس على خدمه، والمتصرف في بيته.

تمكين يوسف في مصر

مكَّن الله ليوسف في مصر والتي عبر عنا القرىن الكريم بالأرض لأن مصر تعتبر عنوانا للأرض كلها، وعلم الله نبيه يوسف من تأويل الأحاديث قال الله تعالى:

(وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)

محنة يوسف في قصر العزيز

هذا الجمال الذي وهبه الله تعالى ليوسف –عليه السلام- كان سببا في محنته مع زليخا امرأة العزيز، لكن الله عصمه وخرج من تلك المحنة بالمنة العظيمة على يوسف وعلى مصر.

لما غلب حب زليخا امرأة العزيز ليوسف حياءَها أخذت تصرح ليوسف بذلك وهو يعرض عنها بسبب إيمانه بالله الذي يأمره بالطهارة الخلقية والبعد عن الأرجاس، ووفائه لزوجها الذي أكرمه وائتمنه على بيته، إلى أن اشتد غرامها به فأعدت العدة فتجملت وغلقت الأبواب ودعته لنفسها فامتنع،

ولما أحست بكبريائها يتحطم أمام من يعتبر من جملة عبيدها همت به لتضربه، وهم بها يريد ضربها إلا أنه كف عن ذلك؛ لئلا يظن أحد أنه كان يريد منها الفاحشة فلما أبت قام بضربها.

أو أن هم يوسف –عليه السلام- كان حديث نفس كتحرك شهوة الصائم للطعام إلا أنه متمكن من نفسه، واستبق كل منهما نحو الباب، هو يريد الفرار، وهي تريد أن تمسك به، فَقَدَّت قميصه من دبر.

لما هرب يوسف من زليخا امرأة العزيز يريد الفرار فاتبعته فوجدا زوجها لدى الباب فبادرته بالكلام واتهمت يوسف بأنه راودها وحرضت زوجها عليه.

قال الله تعالى: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

وشهد شاهد من أهلها

لقد اتهمت زليخا زوجة العزيز يوسف –عليه السلام- وهي المتهمة، ورد يوسف بأنها هي التي راودته عن نفسه.

وشهد واحد من أهلها وكان رجلا كبيرًا حكيمًا وليس صغيرا في المهد كما ورد في بعض الآثار الضعيفة؛ لأنه لو كان في المهد لكفى أن ينطق بلفظ البراءة، لكنه وضع قاعدة منطقية بأنه إذا كان القميص قُدَّ من قبل فصدقت في قولها أنه هو من راودها؛

لأنها حاولت دفعه عنها فقطعت قميصه، وإن كان القميص قُدَّ من دبر فصدق؛ لأنه هرب منها فجرت خلفه وأمسكته من قميصه فقطعت قميصه، ووجدوا قميص يوسف قَدْ قُدَّ من دُبُر، وتبينت طهارته للجميع.

قال الله تعالى: (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ).

فلما ظهرت براءة يوسف أعرض زوجها عما جرى، وأمره ألا يذكر الأمر لأحد، وأمر زوجته أن تستغفر لذنبها من هذا الخطأ الذي اقترفته.

قال الله: (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِين).

انتشار الخبر بين نساء المدينة

عرف نساء المدينة من الكبراء ما حدث بين يوسف وامرأة العزيز فعابوها عليها فعلها وشنعوا، فلما علمت زليخا بقولهم أرادت أن تبين لهم عذرها في عشقها ليوسف، فجمعتهن في بيتها وأحضرت لهن الأترج وهي ثمرة تشبه البرتقال، وآتت كل واحدة منهن سكينا.

وكانت قد هيأت يوسف وأَمَرته بأن يلبس أحسن الثياب، وأَمَرته بالخروج عليهن بهذه الحالة، فخرج وهو أحسن من البدر فلما رأينه أعظمنه وهبنه فجعلن يحززن بالسكين في أيديهن بتلك السكاكين ولا يشعرن بالجراح، وقلن ما ذكره القرآن: (حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ).

لقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن جمال يوسف لما رآه في رحلة الإسراء والمعراج فقال: (…فإذا أنا بيوسف إذا هو قد أعطي شطر الحسن …)[مسلم].

فلما رأى النسوة جمال يوسف –عليه السلام- عذرن امرأة العزيز، ثم مدحت زليخا يوسف بالعفة، وتوعدته أنه إذا امتنع عن فعل ما تريد ليكونن من المسجونين، وطلب بقية النساء منه السمع والطاعة لسيدته فأبى وامتنع، ودعا ربه أن يصرف عنه كيدهن وإن كان هناك خيار بين السجن أو فعل الفاحشة فالسجن أحب إليه.

قال الله تعالى: (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ).

يوسف وراء جدارن السجن

لما ظهرت براءة يوسف –عليه السلام- من تهمة خيانة العزيز بمراودة زوجته عن نفسها، بدا للعزيز ومستشاريه أن يسجنوا يوسف إلى وقت ليقل كلام الناس، وليظهر أمام الناس أنه سجن بسبب مراودته لزوجة العزيز، قال الله تعالى: (ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ).

تفسير الرؤيا للفتيين

أدخل يوسف السجن وكان معه في السجن فتيان: أحدهما ساقي الملك، والآخر خبازه، وكان الملك قد اتهمهما في بعض الأمور فسجنهما، فلما رأيا يوسف أعجبهم قوله وفعله وعبادته، فرأى كل واحد منهما في منامه رؤيا.

فأما الساقي فرأى كأن ثلاث قضبان من شجر العنب قد أورقت وأينعت عناقيد العنب فأخذها فاعتصرها في كأس الملك وسقاه، ورأى الخباز أن على رأسه ثلاث سلال من خبز والطيور تأكل منها.

فقصاها على يوسف وطلبا منه أن يعبر لهم عنها، فأخبرهم أنه عليم بتعبير هذه الرؤيا ، وقال سأخبركم بما يأتيكم من الطعام قبل مجيئة حلوا وحامضا، وأخبرهم أن هذا من تعليم الله له؛

لأنه متبع لملة آبائه من الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ثم دعاهم إلى التوحيد فلما دعاهم إلى الإيمان أخبرهم بتأويل الرؤيا، بأن الساقي سيعود إلى ما كان عليه وسيسقي الملك خمرا كما كان، وأما الآخر فسيصلب وتأكل الطير من رأسه.

قال الله تعالى: (يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) .

طلب يوسف أن يذكره صاحبه عند الملك

بعد أن فسر يوسف الرؤيا للرجلين طلب من الذي سينجو أن يخبر الملك بما هو فيه من السجن ظلما، لكن أنساه الله أن يذكره عند الملك فلبث يوسف في السجن بضع سنين، والبضع من ثلاث إلى تسع.

قال الله: (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ).

رؤيا الملك

رأى ملك مصر رؤيا في المنام أفزعته فقام مذعورا وطلب من قومه أن يفسروا له ما رأى لكنهم عجزوا عن تفسيرها وقالوا له: إن ما رأيته إنما هو من أضغاث الأحلام.

كانت هذه الرؤيا التي رأها ملك مصر في منامه أنه كان على حافة نهر وكأنه قد خرج منه سبع بقرات سمان، فجعلن يرتعن في روضة هناك، فخرجت سبع بقرات هزال ضعاف من ذلك النهر فرتعن معهن ثم ملن عليهن فأكلتهن، فاستيقظ مذعورا.

ثم رأى في يوم آخر سبع سنبلات خضر في قصبة واحدة، وإذا سبع أخر دقاق يابسات مالت عليهن فأكلتهن، فاستيقظ مذعورا.

فلما قصها على ملئه لم يحسنوا تعبيرها وقالوا: هي أخلاط أحلام من الليل، عندئذ تذكر ساقي الملك الذي نجا من السجن أمر يوسف ودقته في تفسير الأحلام حيث وقع تفسيره لهما كما أخبر، وكان قد نسيه فقال لقومه والملك كما حكى القرآن:

(وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ).

تفسير يوسف لرؤيا الملك

فسر يوسف –عليه السلام- الرؤيا للملك بأن البقرات السمان ترمز إلى أنهم سيعيشون سبع سنين من الخصب وأن البقرات العجاف ترمز إلى سبع سنين جدب تستهلك ما جمعوه في سنين الخصب، ثم يأتيهم بعد ذلك الغيث والخصب والرفاهية، التي يعصرون فيها الأعناب والأقصاب والزيتون والسمسم وغيرها،

وأرشدهم يوسف -عليه السلام- إلى ما ينبغي عليهم فعله، من ادخار حبوب سنوات الخصب في السبع الأول في سنبله إلا ما يأكلونه، ومن تقليل البذر في سنوات الجدب؛ لأن الأرض لن تنبت في السبع الثانية.

قال الله تعالى: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)

مواضيع ذات صلة