قصة نبي الله لوط مع قومه

نبي الله لوط هو ابن هاران بن تارح وهو ابن أخي نبي الله إبراهيم –عليهما السلام-، آمن به وهاجر معه من العراق إلى بلاد الشام، ثم هاجر لوط إلى بلاد سدوم بالأردن.

متى هاجر نبي الله لوط إلى سدوم؟

لما رجع إبراهيم –عليه السلام- من مصر بالكثير من الأموال أعطى لابن أخيه لوطا جزءا من هذا المال وأمره بالهجرة إلى قرية بالأردن تسمى سدوم، وأثناء سيره في طريقه تسلط عليه جماعة من الجبارين فأخذوا أمواله وأنعامه وأسروه،

فلما بلغ الخبر إبراهيم -عليه السلام- سار إليهم في ثلاثمائة وثمانية عشر رجلا فخَلَّص لوطا –عليه السلام- منهم واسترجع أمواله وقتل من أعداء الله عددا وهزمهم.

ثم رجع نبي الله إبراهيم إلى بلاد بيت المقدس مؤيدا منصورا وتلقاه ملوك بيت المقدس معظمين له مكرمين خاضعين، وهاجر لوط -عليه السلام- إلى أرض الغور فنزل بمدينة سدوم وهي بالأردن.

فساد أخلاق قوم لوط

كان قوم لوط فجارا يقطعون طريق الناس ويتربصون بكل داخل إلى مدينتهم من التجار ويجتمعون عليه من كل مكان ويمدون أيديهم إلى بضاعته، يأخذ كل واحد منهم شيئا قليلا حتى لا يبقى في يده شيء،

فإذا جلس حزينا يشتكي يأتي الواحد منهم ويقول له: تفعل كل هذا لأني أخذت هذا الشيء اليسير، فخذه، فيقول: وبماذا ينفعني هذا وقد ذهبت بضاعتي، اذهب عني فلا أريد شيئا، وهكذا يخسر الرجل بضاعته بعد ما تفرقت في الأيدي الكثيرة.

لقد كانوا كفارا أشرارا فجارا يأتون المنكر علانية أمام الناس ولا يستحون من ذلك، ومن المنكر الذي كانوا يأتونه هو إتيان الذكور من دون النساء في مجالسهم لا يستحون من فعلهم الشنيع ولا من سلوكهم البغيض،

لقد ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم وهي إتيان الذكران، وتركوا ما خلق الله لهم من النساء، لذا ذكر الله ذلك عنهم فقال:

(وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ)، وقال الله تعالى: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ).

كان من فساد قوم لوط أنهم كانوا لا ينكرون فعل المنكرات ولا ينهى بعضهم بعضا عن ذلك وكأنه صار شيئا مألوف وما عداه هو الغريب.

كانوا يخونون الرفيق ويأتون في مكان اجتماعهم ومحل حديثهم المنكرات والفواحش سواء كانت قولا أو فعلا، حتى قيل: إنهم كانوا يتضارطون.

أي يخرجون الريح بصوت مسموع في مجالسهم ولا يستحون من ذلك أمام الناس، لقد كانوا كالأنعام بل هم أضل، كانوا أفجر الناس وأكفرهم وأسوأهم طوية، وأردئهم سريرة وسيرة.

دعوة نبي الله لوط لقومه

اجتهد نبي الله لوط –عليه السلام- في دعوة قومه إلى عبادة الله وأن يقلعوا عن تلك المنكرات التي يأتونها حتى لا ينزل بهم غضب الله وعقابه.

ولم يُقَصِّر نبي الله لوط في دعوة قومه إلى الإيمان بالله وترك ما هم عليه من الفواحش، شأنه في ذلك شأن كل نبي حريص على قومه، مدرك لما يترتب على عدم إيمانهم من استحقاق العقاب من الله.

قال الله تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ).

إصرار قوم لوط على المعصية

لم يندم قوم لوط يوما على ما يأتونه من الأفعال الشنيعة، وأصروا على ما يفعلونه من المنكرات، وطلبوا من لوط أن يأتيهم بهذا العذاب الذي يعدهم به.

قال الله: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).

وهموا بإخراج لوط –عليه السلام- ومن معه وكانت التهمة التي رموا بها لوطا والمؤمنين به أنهم قوم يتطهرون، فجعلوا ما يمدح به الإنسان ذما يستلزم إخراجهم من قريتهم.

قال الله: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ).

دعاء نبي الله لوط على قومه

لما يئس نبي الله لوط من هداية قومه دعا الله أن ينصره على القوم المفسدين، قال الله: (قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ).

ولما طلب لوط –عليه السلام- من ربه أن ينصره على القوم المفسدين غار الله لغيرته واستجاب لدعوته، فبعث ملائكته لإهلاك القوم المفسدين، فمر ملائكة الله على نبي الله إبراهيم فبشروه بهلاك قوم لوط وبشروه بإسحاق نبيا من الصالحين.

قال الله: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ).

وجادلهم إبراهيم –عليه السلام- في تأخير العذاب؛ لأنه كان يتمنى إيمان قوم لوط، قال الله: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ).

مجيء الملائكة بالعذاب لقوم لوط

ذهب ملائكة الله إلى نبي الله لوط وهو في سدوم في صورة شبان حسان الوجوه؛ اختبارا من الله لقوم لوط وإقامة للحجة عليهم، وذلك عند غروب الشمس.

فخاف لوط –عليه السلام- إن لم يقم بواجب الضيافة معهم ذهبوا إلى غيره وهو يعلم أن قومه أشرار فجار، فطلب منهم أولا أن ينزلوا بقرية أخرى لأنه لا يعلم على وجه الأرض أخبث من قومه لكنهم رفضوا، وكانوا قد أتو لوطا ولم يعلم بهم أحد إلا أهل بيته.

وكان لوط له زوجة وابنتان اسم الكبرى “ليا” والصغرى “زغرتا”، وظن نبي الله لوط هؤلاء الشبان من البشر، وأدرك أن هذا اليوم سيكون شديدا عصيبا، وكان قومه قد اشترطوا عليه ألا يضيف أحدا لكنه لم يستجب لهم لعلمه بما سيفعلونه من الفجور بهم.

قال الله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ).

زوجة لوط تخبر قومها عن الأضياف

أما زوجة لوط -عليه السلام- أخبرت قومها وقالت: إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط.

فجاء القوم إليه لا يريدون إلا ارتكاب الفاحشة بهم، ودافع لوط عن ضيفانه وقال لهم: هؤلاء بناتي. يعني البنات من قومه أطهر لكم وتلك هي الصورة المشروعة،

ونسب لوط البنات إليه؛ لأن النبي بالنسبة للقوم الذين بعث فيهم بمنزلة الوالد كما قال الله: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) ونهاهم عن فعل ما لا يليق، إلا أنهم كانوا جميعا سفهاء فجرة لا خير فيهم، وأخبروه أنه يعلم ما يريدون.

قال الله تعالى: (وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ).

تمنى لوط -عليه السلام- لو كانت له قوة

تمنى لوط –عليه السلام- لو كانت له قوة لكي يدفع قومه عن ارتكاب الفاحشة وينزل بهم العقاب، لكن العذاب كان يحوم فوق رؤوس القوم وهم لا يدرون،

ولكن سنة الله أن يقيم الحجة عليهم، فكان لوط يمنع قومه من الدخول والباب مغلق، وهم يريدون فتح الباب، فلما عسر عليه الأمر قال كما ذكر القرآن: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ).

فردت الملائكة وقالت كما حكى القرآن: (قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ).

فأمروه بأن يذهب هو وأهله من آخر الليل ولا يلتفت أحد عند سماع صوت العذاب، وأمروا لوطا أن يسير خلفهم.

روي أن جبريل –عليه السلام- خرج عليهم فضرب وجوههم بطرف جناحه فطمست أعينهم حتى قيل إنها اختفت حتى لم يبق لها أثر، فرجعوا يتحسسون مع الحيطان ويتوعدون رسول الله لوطًا ويقولون: إذا كان الغد كان لنا وله شأن.

قال الله تعالى: (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ).

هلاك الكافرين ونجاة المؤمنين

بعد أن أمرت الملائكة لوطا –عليه السلام- بالهجرة من تلك القرية ليلا وعدوه أن موعد عذابهم سيكون صباحا، قال الله تعالى: (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ).

روي أن جبريل اقتلع بطرف جناحه قراهم فبلغ بهم إلى السماء حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها، وأمطر الله عليهم حجارة صلبة شديدة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي يهبط عليه.

ويقال: إن امرأة لوط بقيت مع قومها فأصابها ما أصابهم، وقيل: إنها خرجت مع لوط وابنتيه لكنها لما سمعت الصيحة التفتت إلى قومها وخالفت أمر ربها قديما وحديثا فسقط عليها حجر فدمغها وألحقها بقومها، فقد كانت عينا لهم على من يكون عند لوط من الضيفان.

قال الله: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ).

وذكر الله هلاك قوم لوط فقال: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ).

أما البحر الميت المعروف الآن ببحر لوط أو بحيرة لوط فربما لم يكن موجودا قبل حادث العذاب هذا وإنما حدث من الزلزال الذي جعل عالي البلاد سافلها،

وصارت أخفض من سطح البحر، وهكذا أنزل الله بهم بأسه الذي لا يرد وهو أمر لم يتوقعوه ولم يتخيلوه، قال الله: (وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ).

Exit mobile version