قصة نبي الله صالح نشأته في قومه ودعوته لهم وتكذيبهم إياه
أرسل الله نبيه صالحا إلى قبيلة ثمود وهم قوم ينسبون لجدهم ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح، وكانت قبيلة ثمود من العرب العاربة يسكنون “الحجر” وهو موضع بين الحجاز والشام، والمكان الذي فيه ديارهم إلى اليوم يعرف بـ “فج الناقة”.
قوم ثمود يعبدون الأصنام
كان قوم ثمود بعد قوم عاد وكانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله فيهم رجلا صالحا وهو نبيه صالح فدعاهم إلى عبادة الله وحده، وأمرهم أن يقلعوا عن عبادة الأصنام والأنداد ولا يشركوا بالله شيئا، فآمنت به طائفة، وكفر أكثرهم، وآذوه بالقول والفعل وهموا بقتله.
قال الله: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ)
وكان قوم صالح ما بين مؤمن وكافر، قال الله عنهم: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ).
أساليب نبي الله صالح في دعوة قومه
بالرغم من أن نبي الله صالح دعاهم إلى الإيمان بالله بكل الأساليب، وقد تنوع تعبير القرآن عن هذه الأساليب فقال الله تعالى: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ).
ثم قال لهم نبيهم لماذا تطلبون حضور العذاب ولا تطلبون من الله رحمته، قال الله: (قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
ووعظ صالح قومه وطلب منهم أن يأخذوا العبرة والعظة ممن سبقوهم كقوم عاد، فقال الله: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ)
وذكرهم بنعم الله العديدة عليهم فقال الله على لسانه: (فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)، وطلب منهم أن يستغفروا ربهم على ما اقترفوه من سيئات فقال الله: (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ).
النعم التي أنعم الله بها على قوم صالح
ذكّر صالح قومه بنعم الله وما أعطاه لهم من القوة، قال الله: (وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ).
وكان قوم صالح قد أعطاهم الله من النعم الكثير، فكانوا يتخذون من تراب الأرض اللبن والآجر أي الطوب الذي يبنون به القصور بكل موضع، وكانوا يتخذون البيوت في الجبال لطول أعمارهم، فإن الأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم، لقد كانوا لقوتهم وصلابة أبدانهم ينحتون الجبال فيتخذون فيها كهوفا يسكنون فيها،
لذلك لفت صالح نظر قومه إلى تلك النعم وقال لهم: أيترككم يا قوم ربكم في هذه الدنيا آمنين لا تخافون شيئا، لقد فجر الله لهم العيون التي تجري بالماء، وأخرج لهم الزروع والثمار
فقال الله: (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ).
معجزة نبي الله صالح
أيد الله نبيه صالح بمعجزة لتكون آية على صدق نبوته، قال الله تعالى: (وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ).
كان من الآيات البينات التي أيد الله بها نبيه صالح الناقة والتي قال الله عنها: (قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
لقد اجتمعت قبيلة ثمود يوما في ناديهم فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله وذكرهم وحذرهم ووعظهم فقالوا له: إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة ناقة من صفتها كذا وكذا وأن تكون عشراء طويلة ،
فقال لهم نبي الله صالح: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به؟
قالوا: نعم، فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك، ثم قام إلى مصلاه فصلى لله -عز وجل- ما قدر له، ثم دعا ربه أن يجيبهم إلى ما طلبوا، فأمر الله تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء على الصورة والصفة التي طلبوها،
فلما حدث ذلك رأو منظرا هائلا وقدرة باهرة ودليلا ساطعا على نبوة صالح، فآمن كثير منهم واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم ولهذا قال الله: (فَظَلَمُوا بِهَا) أي جحد أكثرهم بها ولم يتبعوا الحق بسببها.
مكانة ناقة صالح
لقد وضح نبي الله صالح مكانة هذه الناقة وأن الاعتداء عليها إنما هو تمرد على أمر الله فقال الله: (هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ) فأضافها لله إضافة تشريف وتعظيم كقولنا: بيت الله.
وأمر نبي الله صالح قومه بألا يؤذوا هذه الناقة فقال الله: (فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) فاتفقوا على أن تبقى هذه الناقة بينهم ترعى حيث شاءت من أرضهم، وتأتي الماء يوما بعد يوم،
وكانت إذا جاء يوم شربها تأتي البئر فتشرب ماءه كله، فكانوا يأخذون حاجتهم من الماء في يوم شربهم، وكانوا يشربون من لبنها كفايتهم ولهذا قال الله: (لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)، وقال الله: (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ).
ناقة نبي الله صالح هي اختبار لإيمان القوم
جعل الله تعالى أمر ناقة صالح اختبارا لهم أيؤمنون بها أم يكفرون، والله أعلم بهم، فقال الله: (إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ)
لما طال الأمر على قوم صالح بوجود الناقة بينهم اجتمعوا واتفق رأيهم على أن يذبحوا الناقة ليستريحوا منها ويتوفر الماء لهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم، قال الله: (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
الاتفاق على قتل الناقة
كان الذي تولى قتل الناقة من قوم ثمود رئيسهم قدار بن سالف، وكان يقال إنه ولد زانية، وقد فعل هذا بالاتفاق مع قومه، وذكر بعض المفسرين أن امرأة اسمها “صدوق” كانت ذات حسب وجمال، عرضت نفسها على ابن عم لها يقال له مصرع بن مهرج إن هو قتل الناقة ستكون له زوجة،
وامرأة أخرى اسمها “عنيزة” كانت عجوزا كافرة عرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف إن هو عقر الناقة فله أي بناتها شاء، فجاء هذان الشابان لذبح الناقة وعرضوا الأمر على قومهم فوافقهم سبعة فكان عددهم كلهم تسعة، وهم من ذكرهم الله بقوله: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) وأقنعوا بقية القبيلة فطاوعوهم.
وانطلق القوم لقتل الناقة فرماها رجل يقال له مصرع بسهم في ساقها وجاء نساء القبيلة يحضضن الرجال على قتلها وضربها بسيفه قدار بن سالف.
وروي أن نساء قبيلة ثمود كشفن وجوههن وأقبلن يحرضن الرجال على قتل الناقة، وقام قدار بن سالف فضرب عرقوب الناقة فخرت على الأرض وأصدرت صوتا عظيما تحذر ولدها، ثم طعنها في لبتها فنحرها، وانطلق ولدها فصعد جبلا منيعا.
وروي أنه دخل صخرة فغاب فيها، ويقال: إنه الدابة التي تخرج في آخر الزمان، وقيل: اتبعوه فذبحوه أيضا، قال الله: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ).
وقال الله تعالى: (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا).
قوم صالح يسبون نبيهم
عارض قوم صالح دعوة نبيهم ودعوا الناس لعدم تصديق نبي الله صالح في دعوته، وسبوا نبيهم، قال الله عنهم: (قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ).
وبين الله تعالى ما فعله قوم صالح من المستكبرين منهم مع نبيهم فقال الله: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ).
لقد جعل قوم صالح كونه من البشر دليلا على أنه ليس من الأنبياء، فذكر الله ما قالوه لنبيهم: (مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
واتهموا نبي الله صالح بأنه كذاب، قال الله: (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ)، إن قوم صالح كذبوه وكذبوا كل الأنبياء من قبله فقال الله: (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ).
قوم صالح يتشاءمون منه
كان قوم صالح كلما حدث لهم مكروه قالوا لصالح هذا بسبب شؤمك أنت وأصحابك، قال الله: (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ)
فلما أصاب قوم صالح قحط قالوا لصالح: تشاءمنا بك وبمن معك ممن آمنوا بك، فقال لهم نبيهم كما ذكر القرآن: (طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ)، أي هذا مقدر من الله بسبب كفركم، ووضح لهم سبب ذلك أنهم قوم يمتحنون ويختبرون، لكن ثمود قوم استحبوا الكفر على الإيمان والعمى عن طريق الله على الهدى، قال الله: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
نجاة صالح والمؤمنين معه
لقد أنجى الله من نقمته وعذابه الذين آمنوا بنبيه صالح، وأهلك المكذبين، قال الله: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ).
وقال الله: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)، ويقال إن عدد الناجين من قوم صالح كانوا أربعة آلاف.
هلاك المكذبين بصالح
أهلك الله قوم صالح بسبب تكذيبهم لنبيهم فأنزل الله بهم عذابه، قال الله: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ).
إن قوم صالح طلبوا من نبيهم أن يأتيهم بعذاب الله الذي يعدهم به ، قال الله: (وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
وهم بذلك قد جمعوا في كلامهم هذا كل وجوه الكفر حيث خالفوا الله ورسوله واستعجلوا وقوع العذاب بهم، وكذبوا الرسول الذي قام الدليل الواضح على نبوته وصدقه وهم يعلمون ذلك علما جازما، فقال لهم صالح:
إن عذاب الله سيأتيهم بعد ثلاثة أيام فلم يصدقوه أيضا في هذا الوعد، فلما أمسوا هموا بقتله وأرادوا أن يلحقوه بالناقة، وعزموا على أن ينكروا أنهم من قتلوه، قال الله: (قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ).
صفة هلاك قوم صالح
أرسل الله على هؤلاء النفر الذين أرادوا قتل نبي الله صالح حجارة رضختهم فأهلكتهم قبل قومهم، وأصبحت ثمود يوم الخميس وهو اليوم الأول من الأيام الثلاثة وجوههم مصفرة، فلما أمسوا نادوا بأجمعهم ألا قد مضى يوم من الأجل، ثم أصبحوا في اليوم الثاني وهو يوم الجمعة ووجوههم محمرة فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى يومان من الأجل.
ثم أصبحوا في اليوم الثالث وهو يوم السبت ووجوههم مسودة فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى الأجل، فلما كان صبيحة يوم الأحد تأهبوا وقعدوا ينتظرون ماذا سيحل بهم من العذاب والنكال والنقمة، فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم ورجفة من أسفل منهم ففاضت الأرواح وزهقت النفوس وسكنت الحركات فأصبحوا في دارهم جثثا لا أرواح فيها ولا حراك بها.
آخر من مات من قوم ثمود
روي أنه لم يبق منهم أحد إلا جارية كانت عاجزة وكانت شديدة الكفر والعداوة لصالح فلما رأت العذاب أطلقت رجلاها فقامت تسعى كأسرع شيء فأتت حيا من أحياء العرب فأخبرتهم بما رأت وما نزل بقومها، وطلبت منهم الماء فلما شربت ماتت، وانتهت ثمود كأنهم لم يقيموا في سعة ورزق وغناء، قال الله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون).
في الوقت الذي كان قوم صالح يمكرون ويبيتون النية للقضاء عليه والخلاص منه، كان الله يكيد لهم فأبطل مكرهم وأنزل بهم عذابه، قال الله:
(وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
وقال: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ).
ذكر رسول الله لناقة قوم صالح
عن جابر –رضي الله عنه- قال: لما مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحجر قال: (لا تسألوا الآيات وقد سألها قوم صالح فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج -يعني الناقة- فعتوا عن أمر ربهم فعقروها، فكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما،
فعقروها فأخذتهم صيحة أهْمَدَ الله -عز وجل- من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله -عز وجل-) قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: (هو أبو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه)[أحمد].
اعتزال نبي الله صالح لمكان قوم ثمود
فلما أهلك الله ثمود اعتزل صالح مكانهم وخاطبهم كما حكى القرآن: (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ).
فبين نبي الله صالح أنه قد اجتهد في دعوة قومه للهداية بكل ما أوتي من عقل وحكمة وقوة لكنهم كانوا قوما سجاياهم لا تقبل الحق ولا تريده فلهذا صاروا إلى ما هم فيه من العذاب الأليم المستمر عليهم فلم تكن لصالح قدرة ليمنع هذا العذاب عنهم، فإن الله أمر نبيه بأن يبلغ الرسالة، فبلغها، ثم هم جحدوا تلك الرسالة فاستحقوا العذاب.
لقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- عن هود وصالح أنهما حجا البيت الحرام، عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: لما مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوادي عسفان حين حج قال: (يا أبا بكر أي واد هذا؟)
قال: وادي عسفان، قال: (لقد مر به هود وصالح على بكرات حمر خطمها الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النمار، يلبون يحجون البيت العتيق)[أحمد] وقد حسنه ابن كثير.
مرور النبي على ديار ثمود
مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بديار ثمود وهو ذاهب إلى غزوة تبوك بمن معه من المسلمين.
عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال: مررنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الحجر فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم ثم زجر فأسرع حتى خلفها) [مسلم].
وعن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال: إن الناس نزلوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرض ثمود الحجر فاستقوا من بئرها واعتجنوا به فأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يهريقوا ما استقوا من بئرها وأن يعلفوا الإبل العجين وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة)[البخاري].