قصة نبي الله نوح مع قومه
نوح –عليه السلام- نبي سبقه أنبياء هم: آدم وشيث وإدريس، وجد نوح الأكبر إدريس، ونوح أول الرسل، لحديث الشفاعة: (يا نوح أنت أول الرسل إلى الأرض)[مسلم].
المدة بين آدم ونوح
روى ابن حبان في صحيحه عن أبي أمامة أن رجلا قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال: نعم مكلم، قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون.
فآدم كان نبيا ونوح كان رسولا وهناك فرق بين النبوة والرسالة، فالنبوة أقل مرتبة من الرسالة، وكل رسول يوصف بأنه نبي وليس كل نبي يوصف بأنه رسول.
دعوة نبي الله نوح قومه
نبي الله نوح -عليه السلام- أرسله الله لما عبد الناس الأصنام وكفروا بالله، بعثه الله رحمة بالعباد، واختلفوا في مقدار سنه يوم بعث فقيل: كان ابن خمسين سنة. وقيل: ابن ثلاثمائة وخمسين سنة،
وقيل: ابن أربعمائة وثمانين سنة. وقد اجتهد نوح في دعوة قومه إلى الإيمان فقال الله تعالى: (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم)
وكان قوم نوح يعبدون الأصنام من دون الله واختار الله نوحا ليحذر قومه من العذاب إن استمروا على معصية الله، قال الله: (يا قوم إني لكم نذير مبين).
أسماء الأصنام التي عبدها قوم نوح
فبعد أن مضت قرون كثيرة من لدن آدم تغير حال الناس وعبدوا الأصنام، روى البخاري عن ابن عباس في تفسير قول الله: (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا)
قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وانتسخ العلم عبدت. قال ابن عباس: وصارت هذه الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد.
روي أن ودا كان رجلا صالحا، وكان محببا في قومه، فلما مات عكفوا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان ثم قال:
إني أرى جزعكم على هذا الرجل، فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به؟ قالوا نعم. فصور لهم مثله، قال: فوضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه. فلما رأى ما بهم من ذكره قال:
هل لكم أجعل في منزل كل واحد منكم تمثالا مثله ليكون له في بيته فتذكرونه؟ قالوا نعم. قال: فمثل لكل أهل بيت تمثالا مثله، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به.
قال: وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به. قال: وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلها يعبدونه من دون الله أولاد أولادهم، فكان أول ما عبد غير الله، ود: الصنم الذي سموه ودا. ومقتضى هذا السياق أن كل صنم من هذه عبده طائفة من الناس.
قوم نوح يسيئون الأدب مع نبيهم
قوم نوح يعرضون عن الإيمان به ويسبونه هو وأتباعه، فقال الله: (ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي).
أجمع الكثير من قوم نوح وكبراؤهم وأهل الثراء منهم على تكذيب نوح -عليه السلام- واحتقاره هو ومن معه، لقد بذل نوح ما في وسعه واجتهد ليؤمن قومه بالله، وألا يعبدوا معه صنما ولا تمثالا ولا طاغوتا، وأن يؤمنوا بالله وحده وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، لكن قومه لم يزدادوا إلا إعراضا عنه، وكانوا يعرضون عنه ويؤذونه، فعصوه واتبعوا كبراءهم.
ووصف الكفار من قوم نوح أتباعه بأنهم: (بادي الرأي) أي بمجرد أن دعاهم استجابوا دون نظر ولا تفكير، والحق أن هذا هو مدح لهم؛
لأن الحق الواضح لا يحتاج إلى تفكير بل يجب الانقياد له متى ظهر، وسب هؤلاء نوحا ومن معه فقال الله: (وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون).
وقال تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر)، وسبوا المؤمنين به بأنهم أراذل فقال الله: (قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون)
قوم نوح يطلبون منه طرد المؤمنين
ثم يتمادى قوم نوح في بغيهم ويطلبون منه أن يطرد االمؤمنين به مقابل أن يجلسوا معه ليعرض عليهم الإيمان، ونوح يرفض طلبهم ويبين أن طلبهم هذا ينم عن جهلهم بالله.
فذكر الله ما قاله نوح لقومه عندما طلبوا منه أن يطرد أتباعه المؤمينن به فقال: (وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون).
ثم بين لهم أنه لا يعلم حال هؤلاء عند الله، فالله أعلم بهم وسيجازيهم على ما في نفوسهم، فقال الله: (ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين).
لقد كان قومه فاسقين ظالمين كما وصفهم الله حيث قال: (وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين) وقال: (وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى).
نوح عليه السلام ييأس من إيمان قومه
طالت مدة دعوة نوح في قومه حتى كانت ألف سنة إلا خمسين عاما، قال الله: (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما).
لقد كان قوم نوح كلما انقرض جيل منهم وصوا من بعدهم بعدم الإيمان بنوح ومحاربته ومخالفته، وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل عنه كلامه وصاه فيما بينه وبينه ألا يؤمن بنوح أبدا ما عاش، وكانوا يأبون الإيمان ويرفضون الحق، وطلبوا من نوح أن ينزل بهم هذا العذاب الذي يعدهم به، قال الله: (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين).
والعبد إذا أراد الله فتنته فلن ينفع معه نصح الناصحين ولا وعظ الواعظين، لذا قال نوح لهم: (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون).
نوح لا يطلب أجرا على دعوته
يبين نوح لقومه أنه لا يطلب منهم مالا على إبلاغه الدعوة لهم إنما يطلب أجره من الله، قال الله: (ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله).
وأوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن أحد من قومك إلا الذين آمنوا بك فقال: (وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون).
أراد قوم نوح أن يتوصلوا إلى أذيته ومخالفته وتكذيبه بكل طريق، إلا أن الله عصم نبيه، فدعا عليهم نوح دعوة غضب، قال الله: (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا).
فلبى الله دعوته وأجاب طلبه فقال تعالى: (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم) فاجتمع عليهم العديد من الخطايا وهي كفرهم وفجورهم ودعوة نبيهم عليهم،
فقال الله على لسان نوح: (وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا)، فعند ذلك أمر الله نوحا أن يصنع السفينة العظيمة التي لم يكن لها نظير قبلها ولا يكون بعدها مثلها.
نوح عليه السلام يصنع السفينة
أمر الله نوحا بصنع السفينة وأمره إذا نزل العذاب لا يخاطبه في قومه، قال الله: (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون)
قام نوح بامتثال أمر ربه بصنع السفينة وقومه يستهزءون به استبعادا لوقوع ما يعدهم به، فقال الله: (ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون).
وكما جحد قوم نوح نبوته في الدنيا كذلك يفعلون في الآخرة، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (يجيء نوح وأمته فيقول الله تعالى: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب، فيقول لأمته: هل بلغكم؟
فيقولون: لا ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فنشهد أنه قد بلغ وهو قوله جل ذكره: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس). والوسط العدل.[البخاري].
قال بعض علماء السلف: لما استجاب الله له، أمره بأن يغرس شجرا ليعمل منه السفينة فغرسه وانتظر مائة سنة ثم نجره في مائة أخرى وقيل: في أربعين سنة.
قال الله: (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيينا ووحينا) أي بأمرنا لك ومشاهدتنا لذلك لنرشدك إلى الصواب في صنعتها، وأمره الله أن يحمل في السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات وسائر ما فيه روح من المأكولات وغيرها لبقاء نسلها
وأن يحمل معه أهله بيته إلا من كان كافرا ويحمل معه من وافقه من المؤمنين، قال الله: (فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم).
أما صفة السفينة فقالوا: كان ارتفاعها ثلاثين ذراعا [الذراع 75 سم تقريبا]، وكانت ثلاث طبقات، كل واحدة عشرة أذرع، فالسفلى للدواب والوحوش، والوسطى للناس، والعليا للطيور، وكان بابها في عرضها، ولها غطاء من فوقها مطبق عليها.
مجيء الطوفان
أعطى الله لنوح -عليه السلام- علامة على مجيء هذا الطوفان حتى يحمل قومه في السفينة، وهو إذا خرج الماء من التنور وهو الموضع الذي تكون فيه النار، قال الله: (فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم).
وكان من الهالكين ابن نوح وزوجة نوح، فزوجته قيل: ماتت قبل الطوفان، وقيل: ماتت فيه؛ وذلك لكفرها، قال الله تعالى: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا).
ثم علم الله نوحا -عليه السلام- ما يقوله بعد النجاة فقال: (فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين).
وقد امتثل نوح لأمر ربه فأمر من معه بأن يذكروا الله عند ركوب السفينة فقال الله: (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم).
جاء أمر الله بالهلاك فقال الله: (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر)
لقد جعل الله أمر السفينة آية للناس ليتعظوا بها فقال الله: (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية).
وصف الطوفان
ذكر المفسرون أن الماء ارتفع على أعلى جبل في الأرض خمسة عشر ذراعا، وعم الأرض كلها طولها وعرضها وسهلها وحزنها ولم يبق على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف ولا صغير ولا كبير،
فلما فرغ الله من أهل الأرض ولم يبق بها أحد ممن عبد غير الله أمر الأرض أن تبتلع ماءها وأمر السماء أن تمسك عن المطر، ونقص الماء عما كان عليه، قال الله: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين).
لقد نادى نوح على ابنه ألا يكون مع الكافرين حتى لا يكون من المغرقين، إلا أنه لم يطع أباه وظن أن الجبل سيعصمه من الماء فكان من الهالكين
وذكر الله موقف نبي الله نوح مع ابنه فقال: (ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين).
لقد كان من الذين سبق عليهم القول أنه سيكون من المغرقين، وكان كافرا عمل عملا غير صالح، فخالف أباه في دينه ومذهبه فأهلكه الله مع من هلك، ونجا مع نوح الغرباء عنه في النسب لكنهم على دينه ومذهبه، قال الله تعالى: (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح).
نجاة نبي الله نوح ومن معه
أمر الله نوحا -عليه السلام- لما نضب الماء عن وجه الأرض وأمكن السعي فيها والاستقرار عليها أن يهبط من السفينة التي كانت قد استقرت بعد سيرها، قال الله: (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم).
فلما استوت السفينة على جبل الجودي وهو جبل بجزيرة العرب، وقد ذكره الله فقال: (وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين)،
ومضى أربعون يوما ففتح نوح فتحة في السفينة فأراد أن يعرف هل سكن الماء وظهرت الأرض فأرسل حمامة فرجعت إليه دون أن تأته بشيء فأدخلها، ثم مضت سبعة أيام فأرسلها فرجعت حين أمست وفي فِيها ورقة زيتون فعلم نوح أن الماء قد قل عن وجه الأرض.
كل الناس من ذرية آدم
لم يجعل الله لأحد ممن كان مع نوح نسلا، وكل أجناس بني آدم اليوم هم من ذرية أبناء نوح، قال الله: (وجعلنا ذريته هم الباقين)
إن سائر أجناس بني آدم ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة وهم: سام، وحام، ويافث.
فولد سام: العرب والعجم والروم، وولد حام: الحبشة والزنج والنوبة، وولد يافث: الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج.
وأما قبر نوح -عليه السلام- فروي أن قبره بالمسجد الحرام، قال ابن كثير: وهذا أقوى وأثبت من الذي ذكره كثير من المتأخرين من أنه ببلدة البقاع التي تعرف بكرك نوح.