كتاب رياض الصالحين للإمام النووي الجزء الثالث

‌‌هذا عرض كتاب رياض الصالحين للإمام النووي أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) الجزء الثالث

66-‌‌ باب استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر

1/581- عن بُرَيْدَةَ، رضي اللَّهُ عنه، قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيارَة القُبُورِ فَزُوروها” رواهُ مسلم.
وفي رواية “فَمَنْ أرَادَ أنْ يَزُورَ القبور فليزر فإنها تذكرنا بالآخرة”.

2/582- وعن عائشَةَ رضي اللَّهُ عنها قَالَتْ: كَانَ رسُولُ اللَّهِ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، كُلَّما كَانَ لَيْلَتها منْ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلى البَقِيعِ، فَيَقُولُ: “السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤمِنينَ، وأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ، غَداً مُؤَجَّلُونَ، وإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ” رواهُ مسلم.

3/583- وعن بُرَيْدَةَ رضي اللَّهُ عنهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُعَلِّمُهُمْ إِذا خَرَجُوا إِلى المَقابِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُم: “السَّلامُ عَلَيكُمْ أَهْل الدِّيارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّه لَنَا وَلَكُمُ العافِيَةَ” رواه مسلم.

4/584- وعن ابن عَبَّاسٍ، رَضَيَ اللَّه عنهما، قال: مَرَّ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِقُبورٍ بالمَدِينَةِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بوَجْهِهِ فقالَ: “السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ القُبُورِ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَنا وَلَكُمْ، أَنْتُم سَلَفُنا ونحْنُ بالأَثَرِ” رواهُ الترمذي وقال: حديثٌ حسن

67-‌‌ باب كراهية تمني الموت بسبب ضرر نزل بِهِ وَلَا بأس بِهِ لخوف الفتنة في الدين

1/585- عنْ أَبي هُريرة رضيَ اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ: “لا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ إِمَا مُحسِناً، فَلَعَلَّهُ يَزْدادُ، وَإِمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ “متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ البخاري.
وفي روايةٍ لمسلم عن أَبي هُريْرةَ رضي اللَّهُ عنه عَنْ رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ، وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنَّهُ إِذا ماتَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لَا يَزيدُ المُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلَاّ خَيراً”.

2/586- وعن أنسٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كانْ لابُدَّ فاعِلَا، فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ أَحْيِني مَا كانَتِ الحَياةُ خَيْراً لِي، وتَوَفَّني إِذا كانَتِ الوفاةُ خَيراً لي” متفقٌ عليه.

3/587- وعَنْ قَيسِ بنِ أَبي حازمٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلى خَباب بنِ الأَرَتِّ رضيَ اللَّهُ عنهُ نَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوى سَبْعَ كَيَّاتٍ فَقَالَ: إِنَّ أَصْحابنا الَّذِينَ سَلَفُوا مَضَوْا، ولَم تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا، وإِنَّا أَصَبْنَا مَا لَا نجِدُ لَهُ مَوْضِعاً إِلَاّ الترابَ ولَوْلَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نهانَا أَنْ نَدْعُوَ بالمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى وهُوَ يَبْني حَائِطاً لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ المُسْلِمَ لَيُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيءٍ يُنْفِقُهُ إِلَاّ فِي شَيءٍ يَجْعَلُهُ في هَذَا الترابِ. متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ رواية البخاري

68-‌‌ باب الورع وترك الشبهات

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور15] .وقال تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:14]

1/588- وعن النُّعمان بنِ بَشيرٍ رضيَ اللَّه عنهما قال: سمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: “إِنَّ الحَلَالَ بَيِّنٌ، وإِنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهما مُشْتَبِهاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَن اتَّقى الشُّبُهاتِ، اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشبُهاتِ، وقَعَ في الحَرامِ، كالرَّاعي يرْعى حَوْلَ الحِمى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَع فِيهِ، أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمهُ، أَلَا وإِنَّ فِي الجسَدِ مُضغَةً إِذَا صلَحَت صَلَحَ الجسَدُ كُلُّهُ، وَإِذا فَسَدَتْ فَسدَ الجَسَدُ كُلُّهُ: أَلَا وَهِي القَلْبُ” متفقٌ عَلَيْهِ. ورَوَياه مِنْ طُرُقٍ بأَلْفاظٍ مُتَقارِبَةٍ.

2/589- وعن أَنسٍ رضيَ اللَّهُ عنه أَنَّ النَبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَجَدَ تَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ، فقالَ: “لَوْلَا أَنِّي أَخافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُها”. متفقٌ عَلَيْهِ.

3/590- وعن النَّوَّاسِ بنِ سَمعانَ رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “البرُّ حُسنُ الخُلُقِ وَالإِثمُ مَا حاكَ فِي نفْسِكَ، وكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ” رواه مسلم.
“حاكَ”بالحاءِ المهملة والكاف، أَيْ تَرَدَّدَ فيهِ 4/591- وعن وابصةَ بنِ مَعْبِدٍ رضيَ اللَّه عنه قَالَ: أَتَيْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: ” جِئْتَ تسأَلُ عنِ البِرِّ؟ “قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ:”اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، البِرُّ: مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، واطْمَأَنَّ إِلَيْهِ القَلْبُ، والإِثمُ مَا حاكَ في النَّفْسِ وتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوكَ” حديثٌ حسن، رواهُ أحمدُ، والدَّارَمِيُّ في”مُسْنَدَيْهِما”.

5/592- وعن أَبي سِرْوَعَةَ بكسر السين المهملة وفتحها عُقْبَةَ بنِ الحارِثِ رضي اللَّهُ عنهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لأبي إِهاب بنِ عَزِيزٍ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَد أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالتي قَدْ تَزَوَّجَ بِهَا، فَقَالَ لَها عُقبةُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرضَعْتِني وَلَا أَخْبَرتِني، فَرَكَبَ إِلى رسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بالمَدِينَةِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “كَيْفَ، وَقَدْ قِيلَ؟،” ففَارقَهَا عُقْبَةُ ونكَحَتْ زَوْجاً غيرَهُ. رواهُ البخاري.
“إِهَابٌ”بكسرِ الهمزة، وَ”عزِيزٌ”بفتح العين وبزاي مكررة.

6/593- وعن الحَسَنِ بن عَليٍّ رضّيَ اللَّهُ عنهما، قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلى مَا لَا يرِيبُك” رواهُ الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
ومعناهُ: اتْرُكْ مَا تَشُكُّ فِيهِ، وخُذْ مَا لَا تَشُكَّ فِيهِ.

7/594- وعن عائشةَ رضيَ اللَّهُ عنها، قَالَتْ: كانَ لأبي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ، رضيَ اللَّهُ عنهُ غُلامٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَراجَ وكانَ أَبو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوماً بِشَيءٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الغُلامُ: تَدْرِي مَا هَذا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ومَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ في الجاهِلِيَّةِ ومَا أُحْسِن الكَهَانَةَ إِلَاّ أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيني، فَأَعْطَاني بِذلكَ هَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَه فَقَاءَ كُلَّ شَيءٍ فِي بَطْنِهِ، رواه البخاري.

“الخَراجُ”: شَيءَ يَجْعَلُهُ السَّيِّدُ عَلى عَبْدِهِ يُؤدِّيهِ إلى السيِّد كُلّ يَومٍ، وَبَاقي كَسبِهِ يَكُونُ للعَبْدِ 8/595- وعن نافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ فَرَضَ للْمُهاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَربَعَةَ آلافٍ، وفَرَضَ لابْنِهِ ثلاثةَ آلافٍ وخَمْسَمائةٍ، فَقِيلَ لَهُ: هُوَ مِنَ المُهاجِرِينَ فَلِم نَقَصْتَهُ؟ فَقَالَ: إِنَّما هَاجَر بِهِ أَبُوه يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ. رواهُ البخاري.

9/596- وعن عطِيَّةَ بنِ عُرْوةَ السَّعْدِيِّ الصَّحَابِيِّ رضيَ اللَّه عنهُ قالَ. قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم “لايبلغ العبدُ أَنْ يَكُونَ منَ المُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مالا بَأْس بِهِ حَذراً لما بِهِ بَأْسٌ”.
رواهُ الترمذي وقال: حديثٌ حسن

69-‌‌ باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين أو وقوع في حرام وشبهات ونحوها

قَالَ الله تَعَالَى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذريات:50] .

1/597- وعن سعد بن أَبي وقَّاص رضي اللَّه عنه، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُول: “إِنَّ اللَّه يحِبُّ العَبدَ التَّقِيَّ الغَنِيَّ الْخَفِيَّ” رواه مسلم.
والمُرَاد ب”الغَنِيِّ”: غَنِيُّ النَّفْسِ. كَمَا سَبَقَ في الحديث الصحيح.

2/598- وعن أَبي سعيد الخُدريِّ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَجُلُ أَيُّ النَّاسِ أفضَلُ يارسولَ اللَّه؟ قَالَ:”مُؤْمِنٌ مجَاهِدٌ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ في سَبيلِ اللَّه”قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ:”ثُمَّ رَجُلٌ مُعتَزِلٌ فِي شِعْبٍ مِن الشِّعَاب يَعبُدُ رَبَّهِ”.
وفي روايةٍ “يتَّقِي اللَّه. ويَدَع النَّاسِ مِن شَرّْهِ “متفقٌ عَلَيْهِ.

3/599- وعنه قالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: ” يُوشِكَ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَال المُسْلِم غَنَمٌ يَتَّتبَّعُ بهَا شَعَفَ الجِبَال. وموَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدينِهِ مِنَ الفِتنِ” رواه البخاري

و”شَعَفَ الجِبَالِ”: أَعْلَاهَا.

4/600- وعنْ أَبي هُريرة رضيَ اللَّه عنْه. عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَا بَعَثَ اللَّه نَبِيًّا إِلَاّ رَعَى الْغَنَمَ”فَقَال أَصْحابُه: وَأَنْتَ؟ قَالَ:”نَعَمْ، كُنْت أَرْعَاهَا عَلى قَرارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ” رواه البخاري.

5/601- وعنه عَنْ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنه قَالَ: “مِنْ خَير مَعَاشِ النَّاسِ لهم رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرسِهِ في سَبِيلِ اللَّه، يَطيرُ عَلى مَتنِهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً، طارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِي الْقَتلَ، أَو المَوْتَ مظَانَّه، أَوْ رَجُلٌ فِي غُنَيمَةٍ في رَأْسِ شَعَفَةٍ مِن هَذِهِ الشَّعَفِ، أَوْ بَطنِ وادٍ مِن هَذِهِ الأَوديَةِ، يُقِيم الصَّلاةَ ويُؤتي الزَّكاةَ، ويَعْبُد رَبَّهُ حتَّى يَأْتِيَهُ اليَقِينُ ليَسَ مِنَ النَّاسِ إِلَاّ فِي خَيْرٍ” رواه مسلم.
“يَطِيرُ”أَي يُسرع.”ومَتْنُهُ”: ظَهْرُهُ.”وَالهَيْعَةُ”: الصوتُ للحربِ.”وَالفَزَعَةُ”: نحوهُ. وَ”مَظَانُّ الشَّيءِ”: المواضعُ الَّتي يُظَنُّ وجودُه فيها.”والغُنَيمَةُ”بضم الغين تصغير الغنم.”الشَّعْفَةُ”بفتح الشِّين والعين: هي أَعْلى الجبَل

70-‌‌ باب فضل الاختلاط بالناس وحضور جمعهم وجماعاتهم،

ومشاهد الخير، ومجالس الذكر معهم وعيادة مريضهم وحضور جنائزهم ومواساة محتاجهم، وإرشاد جاهلهم، وغير ذلك من مصالحهم، لمن قدر عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقمع نفسه عن الإيذاء وصبر عَلَى الأذى.

اعْلم أَن الاخْتِلاط بالنَّاسِ عَلَى الوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ المختارُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وسائِرُ الأَنبياءِ صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عَلَيْهِمْ، وكذلك الخُلفاءُ الرَّاشدونَ، وَمَنْ بعدهُم مِنَ الصَّحَابةِ والتَّابعينَ، ومَنْ بَعدَهُم من عُلَمَاءِ المسلمينَ وأَخْيارِهم، وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ التَّابعينَ ومَنْ بعدَهُم، وَبِهِ قَالَ الشَّافعيُّ وأَحْمَدُ، وأَكْثَرُ الفُقَهَاءِ رضي اللَّه عنهم أَجمعين. قال تَعَالَى: {وتَعاونُوا عَلى البِرِ والتَّقْوَِى} [المائدة: 2] والآيات في معنى ما ذكرته كثيرة معلومة

71-‌‌ باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين

قَالَ الله تَعَالَى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215] . وقال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54]

وقال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] .

وقال تَعَالَى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32] . وقال تَعَالَى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف:48-49] .

1/602- وعن عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِن اللَّه أَوحَى إِليَّ أَنْ تَواضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلى أَحدٍ، وَلَا يَبغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ “رواه مسلم.

2/603- وعَنْ أَبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَا نَقَصَتْ صَدقَةٌ مِنْ مالٍ، وَمَا زَادَ اللَّه عَبداً بِعَفوٍ إِلَاّ عِزّاً، ومَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَاّ رَفَعَهُ اللَّهُ” رواه مسلم.

3/604- وعن أَنس رضي اللَّه عنه أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبيانٍ فَسَلَّم عَلَيْهِم وقال: كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَفْعَلُهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.

4/605- وعنه قَالَ: إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِن إِمَاءِ أهل المَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيثُ شَاءَتْ. رواه البخاري.

5/606- وعن الأسوَد بنِ يَزيدَ قَالَ: سُئلَتْ عَائِشَةُ رضيَ اللَّه عنها: مَا كانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَصنعُ فِي بَيْتِهِ؟ قالت: كَانَ يَكُون في مِهْنَةِ أَهْلِهِ يَعني: خِدمَةِ أَهلِه فإِذا حَضَرَتِ الصَّلاة، خَرَجَ إِلى الصَّلاةِ، رواه البخاري.

6/607- وعن أَبي رِفَاعَةَ تَميم بن أُسَيدٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلى رَسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُوَ يَخْطُبُ. فقلتُ: يَا رسولَ اللَّه، رجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عن دِينِهِ لا يَدري مَا دِينُهُ؟ فَأَقْبَلَ عَليَّ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وتَركَ خُطْبتهُ حَتَّى انتَهَى إِليَّ، فَأُتى بِكُرسِيٍّ، فَقَعَدَ عَلَيهِ، وجَعَلَ يُعَلِّمُني مِمَّا عَلَّمَه اللَّه، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ، فأَتمَّ آخِرَهَا. رواه مسلم.

7/608- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَاماً لَعِقَ أَصابِعه الثلاثَ قَالَ: وقال: “إِذَا سَقطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ، فَلْيُمِطْ عَنْها الأَذى، ولْيأْكُلْها، وَلا يَدَعْها للشَّيْطَانِ” وَأَمَر أَنْ تُسْلَتَ القَصْعَةُ قالَ: “فَإِنَّكُمْ لَا تدْرُونَ في أَيِّ طَعامِكُمُ البَركَةُ “رواه مسلم.

8/609- وعن أَبي هُريرة رضي اللَّه عنه، عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَا بعثَ اللَّهُ نَبِيّاً إِلَاّ رَعَى الغنَمَ”قالَ أَصحابه: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ:”نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ” رواهُ البخاري.

9/610- وعنهُ عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَوْ دُعِيتُ إِلى كُراعٍ أَوْ ذِرَاعٍ لأَجَبْتُ. وَلَوْ أُهْدى إِليَّ ذِراعٌ أَو كُراعٌ لَقَبِلْتُ” رواهُ البخاري.

10/611- وعن أَنسٍ رضي اللَّهُ عنه قَالَ: كَانَتْ نَاقَةُ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم العَضْبَاءُ لَا تُسبَقُ، أَوْ لَا تكَادُ تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرابيٌّ عَلى قَعُودٍ لهُ، فَسبقَها، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلى المُسْلمِينَ حَتَّى عَرفَهُ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: “حَقٌّ عَلى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ شَيء مِنَ الدُّنْيَا إِلَاّ وَضَعَهُ” رواهُ البخاري

72-‌‌ باب تحريم الكِبْر والإِعجاب

قَالَ الله تَعَالَى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83] وقال تعالى: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً} [الإسراء: 37] وقال تَعَالَى: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان:18]

ومعنى”تصعر خدك”أيْ: تُمِيلُهُ وتُعرِضُ بِهِ عَنِ النَّاسِ تَكَبُّراً عليهم.”والمرح”: التَّبَخْتُرُ. وقال تَعَالَى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:76] إِلَى قَوْله تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص: 81] الآيات.

1/612- وعن عبدِ اللَّهِ بن مسعُودٍ رضيَ اللَّهُ عنه، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مثْقَالُ ذَرَّةٍ مَنْ كِبرٍ”فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُه حَسَناً، ونعلهُ حَسَنَةً؟ قَالَ:”إِنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ “رواه مسلم.
بَطَرُ الحقِّ: دفْعُهُ وردُّهُ عَلَى قائِلِهِ. وغَمْطُ النَّاسِ: احْتِقَارُهُمْ.

2/613- وعنْ سلمةَ بنِ الأَكْوع رضي اللَّه عنه أَن رجُلاً أَكَل عِنْدَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بشِمالِهِ فَقَالَ: “كُلْ بِيَمِينِكَ”قالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ:”لا اسْتَطَعْتَ” مَا مَنَعَهُ إِلَاّ الكبْرُ. قَالَ: فما رَفَعها إِلى فِيهِ. رواه مسلم.

3/614- وعن حَارثَةَ بنِ وهْبٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: سَمِعْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ: “أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ “متفقٌ عَلَيْهِ. وتقدَّم شرحُه في بابِ ضَعفَةِ المسلمينَ.

4/615- وعن أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رضيَ اللَّهُ عنه، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “احْتَجَّتِ الجَنَّةُ والنَّارُ، فقالتِ النَّارُ: فيَّ الجَبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ، وقالَتِ الجنَّةُ: فيَّ ضُعَفاءُ النَّاسِ ومَسَاكِينُهُمْ. فَقَضَى اللَّه بيْنَهُمَا: إِنَّكِ الجَنَّةُ رَحْمَتي، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وإِنَّكِ النَّارُ عذَابي، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، ولِكِلَيْكُما عليَّ مِلْؤُها “رواهُ مسلم.

5/616- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَا يَنْظُرُ اللَّه يَوْم القِيامةِ إِلى مَنْ جَرَّ إِزارَه بَطَراً” متفقٌ عَلَيْهِ.

6/617- وعنه قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:” ثَلاثةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّه يَوْمَ القِيامَةِ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ، وعائلٌ مُسْتَكْبِرٌ “رواهُ مسلم”العائِلُ”: الفَقِير.

7/618- وعنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”قَالَ اللَّه عزَّ وجلَّ: العِزُّ إِزاري، والكِبْرياءُ رِدَائِي، فَمَنْ يُنَازعُني في واحدٍ منهُما فقدْ عذَّبتُه”رواه مسلم.

8/619- وعنْه أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “بيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي في حُلَّةٍ تُعْجِبُه نفْسُه، مرَجِّلٌ رأسَه، يَخْتَالُ فِي مَشْيَتِهِ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ في الأَرْضِ إِلَى يوْمِ القِيامةِ” متفقٌ عَلَيْهِ.
“مُرجِّلٌ رَأْسَهُ”أَي: مُمَشِّطُهُ.”يَتَجلْجَلُ”بالجيمين: أَيْ: يغُوصُ وينْزِلُ.

9/620- وعن سَلَمَة بنِ الأَكْوع رضيَ اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ اللِّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لَا يزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ في الجَبَّارينَ، فَيُصِيبُهُ مَا أَصابَهمْ” رواهُ الترمذي وقال: حديث حسن.
“يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ”أَي: يَرْتَفعُ وَيَتَكَبَّرُ

73-‌‌ باب حسن الخلق

قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] .وقال تَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:134] .

1/621- وعن أَنسٍ رضيَ اللَّه عنه قَالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَحْسنَ النَّاسِ خُلقاً. متفقٌ عَلَيْهِ.

2/622- وعنه قَالَ: مَا مَسِسْتُ دِيباجاً ولَا حَرِيراً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وَلَا شَمَمْتُ رائحَةً قَطُّ أَطْيَبَ مِن رَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وَلَقَدْ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عشْرَ سِنينَ، فَما قالَ لي قَطُّ: أُفٍّ، وَلا قالَ لِشَيْءٍ فَعلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَهُ؟ وَلَا لشيءٍ لَمْ افعَلْهُ: أَلَا فَعَلْتَ كَذا؟ متفقٌ عليه.

3/623- وعن الصَّعبِ بنِ جَثَّامَةَ رضيَ اللَّهُ عنه قَالَ: أَهْدَيْتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حِمَاراً وَحْشِياً، فَرَدُّهُ عليَّ، فَلَمَّا رأَى مَا في وَجْهي قالَ: “إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَاّ أَنَّا حُرُمٌ” متفقٌ عَلَيْهِ

4/624- وعن النَّوَّاسِ بنِ سمعانَ رضي اللَّه عنه قَالَ: سأَلتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عنِ البِرِّ والإِثمِ فقالَ: “البِرُّ حُسنُ الخُلُقِ، والإِثمُ: مَا حاكَ فِي نَفْسِكَ، وكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلعَ عَلَيْهِ النَّاسُ” رواهُ مسلم.

5/625- وعن عبد اللَّهِ بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قَالَ: لَمْ يَكُنْ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَاحِشاً وَلَا مُتَفَحِّشاً. وكانَ يَقُولُ: “إِنَّ مِن خِيارِكُم أَحْسَنَكُم أَخْلاقاً “متفقٌ عَلَيْهِ.

6/626- وعن أَبي الدرداءِ رضي اللَّه عنه: أَن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ: “مَا مِنْ شَيءٍ أَثْقَلُ في ميزَانِ المُؤمِنِ يَومَ القِيامة مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ. وإِنَّ اللَّه يُبغِضُ الفَاحِشَ البَذِيِّ “رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
“البِذيُّ”: هُوَ الَّذِي يَتَكَلَّم بالفُحْشِ. ورِديء الكلامِ.

7/627- وعن أبي هُريرة رضيَ اللَّه عنه قَالَ: سُئِلَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَنْ أَكثرِ مَا يُدْخلُ النَّاس الجَنَّةَ؟ قَالَ: “تَقْوى اللَّهِ وَحُسنُ الخُلُق وَسُئِلَ عَنْ أَكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ:”الفَمُ وَالفَرْجُ”.
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

8/628- وعنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَكْمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَاناً أَحسَنُهُم خُلُقاً، وخيارُكُم خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهمْ”.
رواه الترمذي وَقالَ: حديث حسن صحيح.

9/629- وعن عائشةَ رضيَ اللَّه عنها، قالت سَمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: “إِنَّ الُمؤْمِنَ لَيُدْركُ بِحُسنِ خُلُقِه درَجةَ الصائمِ القَائمِ” رواه أَبُو داود

10/630- وعن أَبي أُمَامَة الباهِليِّ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِراءَ. وَإِنْ كَانَ مُحِقّاً، وَببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ، وإِن كَانَ مازِحاً، وَببيتٍ في أعلَى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ” حديث صحيح، رواه أَبُو داود بإِسناد صحيح.
“الزَّعِيمُ”: الضَّامِنُ.

11/631- وعن جابر رضي اللَّه عنه أَن رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِن مِنْ أَحَبِّكُم إِليَّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجلساً يَومَ القِيَامَةِ، أَحَاسِنَكُم أَخلاقاً. وإِنَّ أَبَغَضَكُم إِليَّ وَأَبْعَدكُم مِنِّي يومَ الْقِيامةِ، الثَّرْثَارُونَ والمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ”قالوا: يَا رسول اللَّه قَدْ عَلِمْنَا الثَرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا المُتَفيْهِقُونَ؟ قَالَ:”المُتَكَبِّروُنَ” رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

“الثَّرثَارُ”: هُوَ كَثِيرُ الكَلامِ تَكلُّفاً.”وَالمُتَشَدِّقُ”: المُتَطاوِلُ عَلى النَّاسِ بِكَلامِهِ، وَيتَكَلَّمُ بِملءِ فِيهِ تَفَاصُحاً وَتَعْظِيماً لكلامِهِ،”وَالمُتَفَيْهِقُ”: أَصلُهُ مِنَ الفَهْقِ، وهُو الامْتِلاءُ، وَهُوَ الَّذِي يَمْلأ فَمَهُ بِالكَلامِ، وَيَتَوَسَّعُ فِيهِ، وَيُغْرِب بِهِ تَكَبُّراً وَارتِفَاعاً، وإِظْهَاراً للفَضِيلَةِ عَلى غيَرِهِ.

وروى الترمذي عن عبد اللَّه بن المباركِ رحِمه اللَّه في تَفْسير حُسْنِ الخُلُقِ قَالَ: هُوَ طَلاقَةُ الوجه. وبذلُ المَعرُوف، وكَفُّ الأَذَى

74-‌‌ باب الحلم والأناة والرفق

قَالَ الله تَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] وقال تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]

وَقالَ تَعَالَى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:34-35] وقال تَعَالَى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى:43] .

1/632- وعن ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لأَشَجِّ عبْدِ الْقَيْس:”إِنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الحِلْمُ وَالأَنَاة” رَواهُ مُسلم.

2/633- وعن عائِشةَ رضيَ اللَّه عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنَّ اللَّه رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّه” متفقٌ عَلَيْهِ.

3/634- وعنها أَن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق مالا يُعطي عَلى العُنفِ وَما لَا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ” رواه مسلم.

4/635- وعنها أَن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِنَّ الرِّفقُ لَا يَكُونُ في شيءٍ إِلَاّ زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَاّ شَانَهُ” رواه مسلم.

5/636- وعن أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: بَال أَعْرَابيٌّ في المسجِد، فَقَامَ النَّاسُ إِلَيْه لِيَقَعُوا فِيهِ، فَقَالَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: ” دَعُوهُ وَأَرِيقُوا عَلى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوباً مِن مَاءٍ، فَإِنَّما بُعِثتُم مُيَسِّرِينَ ولَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ” رواه البخاري.
“السَّجْلُ”بفتح السين المهملة وإسكان الجيم: وَهِيَ الدُّلوُ المُمْتَلِئَةُ ماء، كَذلِكَ الذَّنُوبُ.

6/637- وعن أَنس رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “يسِّرُوا وَلا تُعَسِّروا. وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا” متفقٌ عَلَيْهِ.

7/638- وعن جرير بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ: “مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرمِ الخيْرَ كُلَّهُ” رواه مسلم.

8/639- وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه أَنَّ رَجُلاً قَالَ للنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: أَوْصِني قَالَ:”لا تَغْضَبْ”فَرَدَّدَ مِرَاراً، قَالَ:”لَا تَغْضَبْ” رواه البخاري

خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الحِلْمُ وَالأَنَاة” رَواهُ مُسلم.

2/633- وعن عائِشةَ رضيَ اللَّه عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنَّ اللَّه رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّه” متفقٌ عَلَيْهِ.

3/634- وعنها أَن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق مالا يُعطي عَلى العُنفِ وَما لَا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ” رواه مسلم.

4/635- وعنها أَن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِنَّ الرِّفقُ لَا يَكُونُ في شيءٍ إِلَاّ زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَاّ شَانَهُ” رواه مسلم.

5/636- وعن أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: بَال أَعْرَابيٌّ في المسجِد، فَقَامَ النَّاسُ إِلَيْه لِيَقَعُوا فِيهِ، فَقَالَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: ” دَعُوهُ وَأَرِيقُوا عَلى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوباً مِن مَاءٍ، فَإِنَّما بُعِثتُم مُيَسِّرِينَ ولَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ” رواه البخاري.
“السَّجْلُ”بفتح السين المهملة وإسكان الجيم: وَهِيَ الدُّلوُ المُمْتَلِئَةُ ماء، كَذلِكَ الذَّنُوبُ.

6/637- وعن أَنس رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “يسِّرُوا وَلا تُعَسِّروا. وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا” متفقٌ عَلَيْهِ.

7/638- وعن جرير بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ: “مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرمِ الخيْرَ كُلَّهُ” رواه مسلم.

8/639- وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه أَنَّ رَجُلاً قَالَ للنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: أَوْصِني قَالَ:”لا تَغْضَبْ”فَرَدَّدَ مِرَاراً، قَالَ:”لَا تَغْضَبْ” رواه البخاري

75-‌‌ باب العفو والإِعراض عن الجاهلين

قَالَ الله تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] .وقال تَعَالَى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر:85]

وقال تَعَالَى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُم} [النور: 22] وقال تَعَالَى: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] وقال تَعَالَى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى:43] والآيات في الباب كثيرةٌ معلومةٌ.

1/643- وعن عائشة رضي اللَّه عنها أَنها قالت للنبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: هَلْ أَتى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: “لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَومِكِ، وكَان أَشدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يوْم العقَبَةِ، إِذْ عرَضتُْ نَفسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ ابنِ عبْدِ كُلال، فلَمْ يُجبنِى إِلى مَا أَردْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَاّ وَأَنا بقرنِ الثَّعالِبِ، فَرفَعْتُ رأْسِي، فَإِذا أَنَا بِسحابَةٍ قَد أَظلَّتني، فنَظَرتُ فَإِذا فِيها جِبريلُ عليه السلام، فنَاداني فَقَالَ:

إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَد سَمِع قَولَ قومِك لَكَ، وَما رَدُّوا عَلَيكَ، وَقد بعثَ إِلَيك ملَكَ الجبالِ لِتأْمُرهُ بمَا شِئْتَ فِيهم فَنَادَانِي ملَكُ الجِبَالِ، فَسلَّمَ عَليَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّه قَد سمعَ قَولَ قَومِكَ لَكَ، وأَنَا مَلَكُ الجِبالِ، وقَدْ بَعَثَني رَبِّي إِلَيْكَ لِتأْمُرَني بِأَمْرِكَ، فَمَا شئتَ: إِنْ شئْتَ: أَطْبَقْتُ عَلَيهمُ الأَخْشَبَيْن”فقال النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”بلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّه مِنْ أَصْلابِهِم منْ يعْبُدُ اللَّه وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً “متفقٌ عَلَيْهِ.

“الأَخْشبان”: الجَبَلان المُحِيطَان بمكَّة.. والأَخْشَبُ: هُوَ الجبل الغليظ.

2/644- وعنها قالت: مَا ضرَبَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرأَةً وَلَا خادِماً، إِلَاّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيل اللَّهِ، وَمَا نِيل منْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنتَقِم مِنْ صاحِبِهِ إِلَاّ أَنْ يُنتَهَكَ شَيء مِن مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى: فَيَنْتَقِمَ للَّهِ تَعَالَى. رواه مسلم.

3/645- وعن أَنس رضي اللَّه عنه قَالَ: كُنتُ أَمْشِي مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَعَلَيْهِ بُردٌ نَجْرَانيٌّ غلِيظُ الحَاشِيةِ، فأَدركَهُ أَعْرَابيٌّ، فَجبذهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَة شَديدَةً، فَنظرتُ إِلَى صَفْحَةِ عاتِقِ النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وقَد أَثَّرَت بِها حَاشِيةُ الرِّداءِ مِنْ شِدَّةِ جَبذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِن مالِ اللَّهِ الَّذِي عِندَكَ. فالتَفَتَ إِلَيْه، فضحِكَ، ثُمَّ أَمر لَهُ بعَطَاءٍ. متفقٌ عليه.

4/646- وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قَالَ: كأَنِّي أَنظُرُ إِلَى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يحْكِي نَبِيّاً مِن الأَنبياءِ، صلوَاتُ اللَّهِ وَسلامُه عَلَيهم، ضَرَبَهُ قَومُهُ فَأَدموهُ، وَهُوَ يَمسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجهِهِ، ويقول:”اللَّهُمَّ اغفِرِ لِقَومي فَإِنَّهُم لا يَعْلَمُونَ”متفقٌ عليه.

5/647- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَيس الشَّديدُ بِالصُّرعَةِ، إِنَّما الشديدُ الَّذِي يَملِكُ نفسهُ عِند الغضبِ” متفقٌ عليه

76-‌‌ باب احتمال الأذى

قال الله تَعَالَى: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] وقال تَعَالَى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى:43] وفي الباب الأحاديث السابقة في الباب قبله.

1/648- وعن أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه أَن رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهم وَيَقطَعوني، وَأُحسِنُ إِليهِم ويُسِيئُونَ إليَّ، وأَحلُمُ عَنهم ويجهلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: “لَئِن كُنتَ كَمَا قُلتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفَّهم الملَّ وَلَا يزَالُ معكَ مِنَ اللَّه تَعَالَى ظَهيرٌ عَلَيهم مَا دُمْتَ عَلى ذَلِكَ” رواه مسلم. وقد سَبَقَ شَرْحُه في”باب صلة الأرحام”

77-‌‌ باب الغضب إِذَا انتهكت حرمات الشّرع والانتصار لدين الله تعالى

قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30] وقال تَعَالَى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7] . وفي الباب حديث عائشة السابق في باب العفو.

1/649- وعن أَبي مسعود عقبة بن عمرو البدريِّ رضي اللَّه عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالَ: إنِّي لأتَأَخَّر عَن صَلاةِ الصُّبْحِ مِن أجْلِ فلانٍ مِما يُطِيل بِنَا، فمَا رَأيْتُ النَّبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم غَضِبَ في موعِظَةٍ قَطُّ أَشدَّ ممَّا غَضِبَ يَومئذٍ، فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس: إنَّ مِنكم مُنَفِّرين. فأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَليُوجِز، فإنَّ مِنْ ورائِهِ الكَبيرَ والصَّغيرَ وَذَا الحَاجَةِ” متفقٌ عَلَيهِ.

2/650- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قَالَتْ: قدِمَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ سفَرٍ، وقَد سَتَرْتُ سَهْوةً لِي بقِرامٍ فَيهِ تَمَاثيلُ، فَلمَّا رآهُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم هتكَهُ وتَلَوَّنَ وجهُهُ وقال: “يَا عائِشَةُ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً عِند اللَّهِ يَوْمَ القيامةِ الَّذينَ يُضاهُونَ بِخَلقِ اللَّهِ “متفقٌ عَلَيْهِ.
“السَّهْوَةُ”: كالصُّفَّة تكُونُ بَيْنَ يدي البيت … وَ”القِرام”بكسر القاف: سِتر رقيق، وَ”هتكه”: أفسد الصورة التي فيه.

3/651- وعنها أَنَّ قرَيشاً أَهَمَّهُم شَأْنُ المرأةِ المَخزُومِية الَّتي سَرقَت فقالوا: مَنْ يُكلِّمُ فِيهَا رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم؟ فقالوا: مَن يجتَرِيءُ عليهِ إِلَاّ أُسامةُ بنُ زيدٍ حِبُّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم؟ فَكَلًَّمهُ أُسامةُ، فقالِ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَتَشفعُ في حدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى؟،” ثُمَّ قامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ:”إنَّمَا أهْلَكَ مَنْ قبلكُم أنَّهُم كانُوا إذَا سرقَ فِيهِم الشَّريفُ تَركُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهمِ الضَّعِيفُ أَقامُوا عليهِ الحدَّ، وايْمُ اللَّه، لَوْ أنَّ فاطمَة بِنْتَ محمدٍ سرقَتْ لقَطَعْتُ يَدهَا” متفقٌ عَلَيْهِ.

4/652- وعن أنس رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم رَأَى نُخامَةً في القِبلةِ. فشقَّ ذلكَ عَلَيهِ حتَّى رُؤِي في وجهِهِ، فَقَامَ فَحَكَّهُ بيَدِهِ فَقَالَ: “إن أحَدكم إِذَا قَام فِي صَلاتِه فَإنَّهُ يُنَاجِي ربَّه، وإنَّ ربَّهُ بَينَهُ وبَينَ القِبْلَةِ، فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحدُكُم قِبلَ القِبْلَةِ، ولكِن عَنْ يَسَارِهِ أوْ تحْتَ قدَمِهِ”ثُمَّ أخَذَ طرفَ رِدائِهِ فَبصقَ فِيهِ، ثُمَّ ردَّ بَعْضَهُ عَلَى بعْضٍ فَقَالَ:”أَو يَفْعَلُ هكذا” متفقٌ عَلَيْهِ.
والأمرُ بالبُصاقِ عنْ يسَارِهِ أَوْ تحتَ قَدمِهِ هُوَ فِيما إِذَا كانَ في غَيْرِ المَسجِدِ، فَأَمَّا في المسجِدِ فَلا يَبصُقْ إلَاّ في ثوبِهِ

78-‌‌ باب أمر وُلاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم

والنهي عن غشهم والتشديد عليهم وإهمال مصالحهم والغفلةعنهم وعن حوائجهم

قَالَ الله تَعَالَى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215] . وقال تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] .

1/653- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قَالَ: سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: “كُلُّكُم راعٍ، وكُلُّكُمْ مسؤولٌ عنْ رعِيتِهِ: الإمامُ راعٍ ومَسْؤُولٌ عَنْ رعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أهلِهِ وَمسؤولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرأَةُ راعيةٌ في بيتِ زَوجها وَمسؤولةًّ عَنْ رعِيَّتِها، والخَادِمُ رَاعٍ في مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيتِهِ، وكُلُّكُم رَاعٍ ومسؤُولٌ عَنْ رعِيَّتِهِ” متفقٌ عَلَيْهِ.

2/654- وعن أَبي يَعْلى مَعْقِل بن يَسَارٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: سمعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: “مَا مِن عبدٍ يسترعِيهِ اللَّه رعيَّةً، يَمُوتُ يومَ يَموتُ وهُوَ غَاشٌ لِرَعِيَّتِهِ، إلَاّ حَرَّمَ اللَّه علَيهِ الجَنَّةَ” متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ: “فَلَم يَحُطهَا بِنُصْحهِ لَمْ يجِد رَائحَةَ الجَنَّة”

وفي روايةٍ لمسلم: “مَا مِن أَمِيرٍ يَلِي أُمورَ المُسلِمينَ، ثُمَّ لا يَجهَدُ لَهُم، ويَنْصحُ لهُم، إلَاّ لَم يَدخُل مَعَهُمُ الجَنَّةَ”.

3/655- وعن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ في بيتي هَذَا: “اللَّهُمَّ مَنْ وَلي مِنْ أمْرِ أُمتي شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ فَارفُقْ بِهِ” رواه مسلم.

4/656- وعن أَبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “كَانَت بَنُو إسرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبياءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبيٌّ، وَإنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعدي، وسَيَكُونُ بَعدي خُلَفَاءُ فَيَكثُرُونَ”قالوا: يَا رسول اللَّه فَما تَأْمُرُنَا؟ قَالَ:”أَوفُوا بِبَيعَةِ الأَوَّلِ فالأَوَّلِ، ثُمَّ أَعطُوهُم حَقَّهُم، وَاسأَلوا اللَّه الَّذِي لَكُم، فَإنَّ اللَّه سائِلُهم عمَّا استَرعاهُم “متفقٌ عليه.

5/657- وعن عائِذ بن عمروٍ رضي اللَّه عنه أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُبيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ، فَقَالَ لَهُ: أَيْ بُنَيَّ، إنِّي سَمِعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: “إنَّ شَرَّ الرِّعاءِ الحُطَمةُ” فإيَّاكَ أن تَكُونَ مِنْهُم، متفقٌ عليه.

6/658- وعن أَبي مريمَ الأَزدِيِّ رضي اللَّه عنه، أَنه قَالَ لمعَاوِيةَ رضي اللَّه عنه: سَمِعتُ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ:”مَنْ ولَاّهُ اللَّه شَيئاً مِن أُمورِ المُسلِمينَ فَاحَتجَبَ دُونَ حَاجتهِمِ وخَلَّتِهم وفَقرِهم، احتَجَب اللَّه دُونَ حَاجَتِه وخَلَّتِهِ وفَقرِهِ يومَ القِيامةِ”فَجعَل مُعَاوِيةُ رجُلا عَلَى حَوَائجِ الناسِ. رواه أَبُو داودَ، والترمذي

79-‌‌ باب الوالي العادل

قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ} [النحل:90] وقال تَعَالَى {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9]

1/659- وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه، عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ:”سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّه في ظِلِّهِ يومَ لَا ظِلَّ إلَاّ ظِلُّهُ: إمَامٌ عادِلٌ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبادَةِ اللَّهِ تَعالى، ورَجُلٌ مُعَلَّقٌ قَلبُهُ في المَسَاجِدِ، ورجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه، اجتَمعَا عليهِ، وتَفرَّقَا علَيهِ، ورجُلٌ دعَتهُ امرَأَةٌ ذَاتُ مَنصِب وجمَالٍ،

فقَال: إنِّى أَخَافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصدقةٍ، فَأَخْفَاها حَتَّى لَا تَعلَمَ شِمالُهُ مَا تُنفِقُ يميِنُهُ، ورَجُلٌ ذَكَر اللَّه خَالِياً فَفَاضَتْ عينَاهُ” متفقٌ عَلَيْهِ.

2/660- وعن عبد اللَّهِ بنِ عمرو بن العاص رضي اللَّهُ عنهما قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إنَّ المُقسِطينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلى مَنابِرَ مِنْ نورٍ: الَّذِينَ يعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأَهليهِمْ وما وُلُّوا “رواهُ مسلم.

3/661- وعَن عوفِ بن مالكٍ رضي اللَّه عنه قالَ: سمِعْتُ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ: “خِيَارُ أَئمَتكُمْ الَّذينَ تُحِبُّونهُم ويُحبُّونكُم، وتُصَلُّونَ علَيْهِم ويُصَلُّونَ علَيْكُمْ، وشِرَارُ أَئمَّتِكُم الَّذينَ تُبْغِضُونهُم ويُبْغِضُونَكُمْ، وتَلْعُنونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ”قَالَ: قُلْنا يَا رسُول اللَّهِ، أَفَلا نُنابِذُهُمْ؟ قالَ:”لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، لَا، مَا أَقَامُوا فيكُمُ الصَلاة “رواه مسلم.
قَوْله:”تُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ”: تَدْعونَ لهُمْ.

4/662- وعَنْ عِيَاضِ بن حِمار رضي اللَّهُ عَنْهْ قالَ: سمِعْت رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ: “أَهْلُ الجَنَّةِ ثَلاثَةٌ: ذُو سُلْطانٍ مُقْسِطٌ مُوَفَّقٌ، ورَجُلٌ رَحِيمٌ رَقيقٌ القَلْبِ لِكُلِّ ذِى قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيالٍ” رواهُ مسلم

80-‌‌ باب وجوب طاعة ولاة الأمور في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية

قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] .

1/663- وعن ابن عمر رضي اللَّهُ عنهما عَن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “عَلى المَرْءِ المُسْلِم السَّمْعُ والطَّاعَةُ فِيما أَحَبَّ وكِرَهَ، إِلَاّ أنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَإذا أُمِر بِمعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلا طاعَةَ” متفقٌ عَلَيْهِ

2/664- وعنه قَالَ: كُنَّا إِذَا بايَعْنَا رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلى السَّمْعِ والطَّاعةِ يقُولُ لَنَا:”فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ” متفقٌ عَلَيْهِ.

3/665- وعنهُ قالَ: سَمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: ” مَنْ خلَعَ يَداً منْ طَاعَةٍ لَقِى اللَّه يوْم القيامَةِ ولَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ ماتَ وَلَيْس في عُنُقِهِ بيْعَةٌ مَاتَ مِيتةً جَاهِلًيَّةً” رواه مسلم.
وفي روايةٍ لَهُ: “ومَنْ ماتَ وَهُوَ مُفَارِقٌ للْجَماعةِ، فَإنَّهُ يمُوت مِيتَةً جَاهِليَّةً”.”المِيتَةُ”بكسر الميم.

4/666- وعَن أنَسٍ رضي اللَّهُ عنه قال: قال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “اسْمَعُوا وأطِيعُوا، وإنِ اسْتُعْمِل علَيْكُمْ عبْدٌ حبشىٌّ، كَأَنَّ رَأْسهُ زَبِيبَةٌ” رواه البخاري.

5/667- وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “عليْكَ السَّمْعُ وَالطَّاعةُ في عُسْرِكَ ويُسْرِكَ وَمنْشَطِكَ ومَكْرهِكَ وأَثَرَةٍ عَلَيْك” رواهُ مسلم.

6/668- وعن عبدِ اللَّهِ بن عَمرو رضي اللَّه عنهما قَالَ: كُنَّا مَع رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في سَفَرٍ، فَنَزَلْنا منْزِلاً، فَمِنَّا منْ يُصلحُ خِباءَهُ، ومِنَّا منْ ينْتَضِلُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ في جَشَرِهِ، إذْ نادَى مُنَادي رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: الصَّلاة جامِعةٌ. فاجْتَمعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ:

“إنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبيٌّ قَبْلي إلَاّ كَانَ حَقا علَيْهِ أنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلى خَيرِ مَا يعْلَمُهُ لهُمْ، ويُنذِرَهُم شَرَّ مَا يعلَمُهُ لهُم، وإنَّ أُمَّتَكُمْ هذِهِ جُعِلَ عَافيتُها في أَوَّلِها، وسَيُصِيبُ آخِرَهَا بلاءٌ وأُمُورٌ تُنكِرُونَهَا، وتجيءُ فِتَنٌ يُرقِّقُ بَعضُها بَعْضاً، وَتَجِيءُ الفِتْنَةُ فَيقُولُ المؤمِنُ: هذِهِ مُهْلِكَتي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ، وتجيءُ الفِتنَةُ فَيَقُولُ المُؤْمِنُ: هذِهِ هذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، ويُدْخَلَ الجنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ منيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، ولَيَأْتِ إِلَى الناسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤتَى إلَيْهِ

ومَنْ بَايع إمَاماً فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يدِهِ، وثمَرةَ قَلْبهِ. فَليُطعْهُ إنِ اسْتَطَاعَ، فَإنْ جَاءَ آخَرُ ينازعُهُ، فاضْربُوا عُنُقَ الآخَرِ “رواهُ مسلم.
قَوْله:”ينْتَضِلُ”أيْ: يُسابِقُ بالرَّمْي بالنَّبْل والنُّشَّاب.”والجَشَرُ”بفتح الجيم والشين المعجمة وبالراءِ: وهي الدَّوابُّ الَّتي تَرْعَى وتَبيتُ مَكانَها. وَقَوْلُه:”يُرقَّقُ بعْضُهَا بَعضاً”أيْ: يُصيِّرُ بعضَها بَعْضَاً رقِيقاً، أيْ: خَفِيفاً لِعِظَمِ مابعْدَهُ، فالثَّاني يُرقَّقُ الأَوَّلَ. وقيلَ: معناهُ: يُشَوِّقُ بَعْضُهَا إِلَى بعْضٍ بتحْسينها وتسْويلها وقيلَ: يُشْبهُ بعضُها بَعْضاً.

7/669- وعن أَبي هُنَيْدةَ وائِلِ بن حُجْرٍ رضي اللَّه عنه قالَ: سأَلَ سَلَمةُ بنُ يزيدَ الجُعْفيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فقالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أرَأَيْتَ إنْ قَامَتْ علَيْنَا أُمراءُ يَسأَلُونَا حقَّهُمْ، ويمْنَعُونَا حقَّنا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرضَ عنه، ثُمَّ سألَهُ، فَقَال رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم “اسْمَعُوا وأطِيعُوا، فَإنَّما علَيْهِمْ ماحُمِّلُوا وعلَيْكُم مَا حُمِّلْتُمْ ” رواهُ مسلم.

8/670- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إنَّهَا ستَكُونُ بعْدِي أَثَرَةٌ، وأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا،”قَالُوا: يَا رسُولَ اللَّهِ، كَيفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْركَ مِنَّا ذلكَ؟ قَالَ:”تُؤَدُّونَ الحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وتَسْأَلُونَ اللَّه الذي لَكُمْ” متفقٌ عليه.

9/671- وعن أبي هريرة رضي اللَّهُ عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَنْ أَطَاعَني فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه، وَمَنْ عَصَاني فَقَدْ عَصَى اللَّه، وَمَنْ يُطِعِ الأمِيرَ فَقَدْ أطَاعَني، ومَنْ يعْصِ الأمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي” متفقٌ عَلَيْهِ.

10/672- وعن ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما أنَّ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَنْ كَرِه مِنْ أَمِيرِهِ شيْئاً فَليَصبِر، فإنَّهُ مَن خَرج مِنَ السُّلطَانِ شِبراً مَاتَ مِيتَةً جاهِلِيةً” متفقٌ عَلَيْهِ.

11/673- وعن أبي بكر رضي اللَّه عنه قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول:”مَن أهَانَ السُّلطَانَ أَهَانَهُ اللَّه” رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيح، وقد سبق بعضها في أبواب

81-‌‌ باب النهي عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات إذا لَمْ يتعين عليه أَوْ تَدْعُ حاجة إِلَيْهِ

قَالَ الله تَعَالَى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83] .

1/674- وعن أبي سعيد عبد الرحمنِ بن سَمُرةَ رضي اللَّه عنه، قَالَ: قَالَ لي رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يَا عَبدَ الرَّحمن بن سمُرَةَ: لَا تَسأَل الإمارَةَ، فَإنَّكَ إن أُعْطِيتَها عَن غَيْرِ مسأَلَةٍ أُعنتَ علَيها، وَإنْ أُعطِيتَها عَن مسأَلةٍ وُكِلتَ إلَيْها، وإذَا حَلَفْتَ عَلى يَمِين، فَرَأَيت غَيرها خَيراً مِنهَا، فَأْتِ الَّذِي هُو خيرٌ، وكفِّر عَن يَمينِكَ “متفقٌ عَلَيهِ.

2/675- وعن أَبي ذرٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ لي رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يا أبا ذَر أَرَاك ضعِيفاً، وَإنِّي أُحِبُّ لكَ مَا أُحِبُّ لِنَفسي، لَا تَأَمَّرنَّ عَلَى اثْنيْن وَلَا تولِّيَنَّ مَالَ يتِيمِ” رواه مسلم.

3/676- وعنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رسول اللَّه ألا تَستعمِلُني؟ فضَرب بِيدِهِ عَلَى منْكبِي ثُمَّ قَالَ: “يَا أَبَا ذَرٍّ إنَّكَ ضَعِيف، وإنَّهَا أَمانة، وإنَّها يَوْمَ القيامَة خِزْيٌ ونَدَامةٌ، إلَاّ مَنْ أخَذها بِحقِّها، وَأدَّى الَّذِي عليهِ فِيها” رواه مسلم.

4/677- وعن أَبي هُريرة رضي اللَّه عنه أنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إنَّكم ستحرِصون عَلَى الإمارةِ، وستَكُونُ نَدَامَة يوْم القِيامَةِ” رواهُ البخاري

82 -‌‌ باب حَثّ السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير صالح

وتحذيرهم من قرناء السوء والقبول منهم

قَالَ الله تَعَالَى: {الأَخِلَاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَاّ الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] .

1/678- عن أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ رضيَ اللَّه عنهما أنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَا بَعَثَ اللَّهُ مِن نَبِيٍّ، وَلَا استَخْلَف مِنْ خَليفَةٍ إلَاّ كَانَتْ لَهُ بِطَانتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَتحُضُّهُ عَلَيْهِ، وبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وتحُضُّهُ عليهِ والمَعصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ “رواه البخاري.

2/679- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالتْ: قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِذَا أرَادَ اللَّه بالأمِيرِ خَيْراً، جَعَلَ لَهُ وزيرَ صِدقٍ، إنْ نَسي ذكَّرهُ، وَإن ذَكَرَ أعَانَهُ، وَإذا أَرَاد بهِ غَيرَ ذَلِكَ جعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ، إنْ نَسي لَمْ يُذَكِّره، وَإن ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ”. رواه أَبُو داود بإسنادٍ جيدٍ عَلَى شرط مسلم

83-‌‌ باب النهي عن تولية الإِمارة والقضاء وغيرهمامن الولايات لمن سألها أَوْ حرص عليها فعرَّض بها

1/680- عن أَبي موسى الأَشعريِّ رضي اللَّه عنه قَالَ: دخَلتُ عَلَى النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أنَا وَرَجُلانِ مِنْ بَنِي عَمِّي، فَقَالَ أحَدُهُمَا: يَا رسولَ اللَّه أمِّرنَا عَلى بعضِ مَا ولَاّكَ اللَّه، عزَّ وجلَّ، وقال الآخرُ مِثْلَ ذلكَ، فَقَالَ: ” إنَّا واللَّه لَا نُوَلِّي هذَا العَمَلَ أحَداً سَأَلَه، أَوْ أحَداً حَرَص عليه”متفق عليه

49-‌‌باب إجراء أحكام الناس على الظاهروسرائرهم إِلَى الله تَعَالَى

قَالَ الله تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5] .

1/390-وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلهَ إِلَاّ اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤتوا الزَّكاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلكَ، عَصمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ إِلَاّ بِحَقِّ الإِسْلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّه تَعَالَى” متفقٌ عَلَيهِ.

2/391-وعن أَبي عبدِ اللَّه طَارِقِ بن أُشَيْمٍ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: “مَنْ قالَ لَا إِلهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَكَفَرَ بِما يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، حَرُمَ مالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسابُهُ عَلَى اللَّه تَعَالَى” رواه مسلم.

3/392-وعن أَبي مَعْبدٍ المقْدَادِ بنِ الأَسْوَدِ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: قُلْتُ لرِسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: أَرَأَيْتَ إِنْ لَقيتُ رَجُلاً مِنَ الكُفَّارِ، فَاقْتَتَلْنَا، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعهَا ثُمَّ لاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ أَسْلَمْتُ للَّهِ، أَأَقْتُلُهُ يَا رسولَ اللَّه بَعْدَ أَنْ قَالَها؟

فَقَالَ:”لا تَقْتُلْهُ”، فَقُلْتُ يَا رسُولَ اللَّهِ قطعَ إِحدَى يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ ذلكَ بَعْدَما قَطعَها؟ فَقَالَ: “لا تَقْتُلْهُ، فِإِنْ قَتَلْتَهُ، فَإِنَّهُ بِمنَزِلَتِكَ قَبْلَ أنْ تَقْتُلَهُ. وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ التي قَالَ” متفقٌ عَلَيهِ.

ومعنى”إِنَّهُ بِمَنْزِلَتِك”أَيْ: مَعْصُومُ الدَّمِ مَحْكُومٌ بِإِسْلامِهِ، ومعنى”إنَّكَ بِمَنْزِلَته”أَيْ: مُبَاحُ الدَّمِ بِالْقِصَاص لِوَرَثَتِهِ، لا أَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ في الْكُفْرِ، واللَّه أعلم.

4/393-وعن أُسامةَ بنِ زَيْدٍ، رضي اللَّه عنهما، قَالَ: بعثَنَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِلَى الحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَصَبَّحْنا الْقَوْمَ عَلى مِياهِهمْ، وَلحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنهُمْ فَلَمَّا غَشِيناهُ قَالَ: لَا إِلهِ إلَاّ اللَّه، فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصارِيُّ، وَطَعَنْتُهُ بِرْمِحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدينَةَ، بلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالَ لِي:

“يَا أُسامةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لا إِلهَ إِلَاّ اللَّهُ؟ قلتُ: يَا رسولَ اللَّه إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذاً، فَقَالَ:”أَقًتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لا إِلهَ إِلَاّ اللَّهُ؟،” فَما زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذلِكَ الْيَوْمِ. متفقٌ عَلَيهِ.

وفي روايةٍ: فَقالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَقَالَ: لا إِلهَ إِلَاّ اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟، قلتُ: يَا رسولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفاً مِنَ السِّلاحِ، قَالَ:”أَفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لا؟، “فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَؤْمئذٍ.

“الحُرَقَةُ”بضم الحاءِ المهملة وفتح الراءِ: بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ القَبِيلةُ المَعْرُوفَةُ، وقوله مُتَعَوِّذاً: أيْ مُعْتَصِماً بِهَا مِنَ القَتْلِ لَا معْتَقِداً لَهَا.

5/394-وعن جُنْدبِ بنِ عبد اللَّه، رضي اللَّه عنه، أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بعثَ بعْثاً مِنَ المُسْلِمِينَ إِلى قَوْمٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، وَأَنَّهُمْ الْتَقَوْا، فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ إِذا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ، وَأَنَّ رَجُلاً مِنَ المُسْلِمِينَ قَصَدَ فقتلَهُ، وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَلمَّا رَفَعَ عَلَيهِ السَّيْفَ، قَالَ:

لا إِله إِلَاّ اللَّهُ، فقَتَلَهُ، فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلى رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَسَأَلَهُ، وأَخْبَرَهُ، حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَر الرَّجُلِ كَيْفَ صنَعَ، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ:”لِمَ قَتَلْتَهُ؟ “فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّهِ أَوْجَعَ في المُسْلِمِينَ، وقَتلَ فُلاناً وفُلاناً وسَمَّى لَهُ نَفراً وإِنِّي حَمَلتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ: لا إِله إِلَاّ اللَّهُ. قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”أَقَتَلْتَهُ؟ “قَالَ: نَعمْ، قَالَ:”فَكيْفَ تَصْنَعُ بلَا إِله إِلَاّ اللَّهُ، إِذا جاءَت يوْمَ القيامَةِ؟ “قَال يَا رسولَ اللَّه

اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ:”وكيفْ تَصْنَعُ بِلا إِله إِلَاّ اللَّهُ، إِذا جاءَت يَوْمَ القِيامَةِ؟ “فَجَعَلَ لَا يَزيدُ عَلى أَنْ يَقُولَ:”كيفَ تَصْنَعُ بِلا إِلهَ إِلَاّ اللَّهُ إِذَا جاءَتْ يَوْمَ القِيامَةِ” رواه مسلم.

6/395- وعن عبدِ اللَّه بنِ عتبة بن مسعودٍ قَالَ: سمِعْتُ عُمَر بْنَ الخَطَّابِ، رضي اللَّه عنه يقولُ: “إِنَّ نَاساً كَانُوا يُؤْخَذُونَ بالوَحْي في عَهْدِ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وإِنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِما ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنا خَيْراً، أَمَّنَّاهُ، وقرَّبناه وَلَيْس لنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شيءٌ، اللَّهُ يُحاسِبُهُ فِي سرِيرَتِهِ، ومَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءاً، لَمْ نأْمنْهُ، وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَه حَسنَةٌ”رواه البخاري

50-‌‌باب الخوف

قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة:40] وَقالَ تَعَالَى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج:12]

وَقالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌوَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَاّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَازَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود:102-106]

وَقالَ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:28] وَقالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيه وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه} [عبس:34-37 [

وَقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1-2] وَقالَ تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46]

وَقالَ تَعَالَى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:25-28] وَالآيات في الباب كثيرة جداً معلومات، والغرض الإشارة إِلَى بعضها وقد حصل.
وأما الأحاديث فكثيرة جداً، فنذكر مِنْهَا طرفاً، وبالله التوفيق

1/396- عن ابنِ مسعودٍ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: حدثنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وَهُوَ الصَّادِقُ المصدوقُ: “إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْن أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرَّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِماتٍ:

بِكَتْبِ رِزقِةِ، وَأَجلِهِ، وَعمَلِهِ، وَشَقيٌّ أَوْ سعِيدٌ. فَوَ الَّذِي لا إِله غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا إِلَاّ ذِراعٌ، فَيَسْبقُ عَلَيْهِ الْكِتابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْل النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَاّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيََدْخُلُهَا” متفقٌ عَلَيهِ.

2/397-وعنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا” رواه مسلم.

3/398-وعن النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، رضي اللَّه عنهما، قَالَ: سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، يقول: “إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيامَة لَرَجُلٌ يُوضَعُ في أَخْمَصِ قَدميْهِ جمْرَتَانِ يغْلي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ مَا يَرى أَنَّ أَحداً أَشَدُّ مِنْه عَذَاباً، وَإِنَّه لأَهْونُهُمْ عذَاباً” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

4/399-وعن سمُرةَ بنِ جُنْدبٍ، رضي اللَّه عنه، أَن نبيَّ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذهُ النَّارُ إِلى كَعْبَيهِ، ومِنْهُمْ منْ تأْخُذُهُ إِلى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ منْ تَأْخُذُهُ إِلى حُجْزتِهِ، وِمِنْهُمْ منْ تَأْخُذُهُ إِلى تَرْقُوَتِهِ” رواه مسلم.
“الحُجْزَةُ”: مَعْقِدُ الإِزارِ تحْتَ السُّرَّةِ. وَ”التَّرْقُوَةُ”بفتحِ التاءِ وضم القاف: هِي العظْمُ الذِي عِندَ ثُغْرةِ النَّحْرِ، وللإِنْسَانِ ترْقُوَتانِ في جَانِبَي النَّحْرِ.

5/400-وعن ابنِ عمر رضي اللَّه عنهما أنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العالمِينَ حَتَّى يَغِيب أَحدُهُمْ في رَشْحِهِ إِلى أَنْصَافِ أُذُنَيه” متفقٌ عَلَيهِ

و”الرَّشْحُ”العرَقُ.

6/401-وعن أَنس، رضي اللَّه عنه، قَالَ: خَطَبَنَا رَسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، فَقَالَ: ” لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قلِيلا ولبَكيْتمْ كَثِيراً” فَغَطَّى أَصْحابُ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وجُوهَهمْ، وَلهُمْ خَنينٌ. متفقٌ عَلَيهِ.

وفي رواية: بَلَغَ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَنْ أَصْحابِهِ شَيءٌ فَخَطَبَ، فَقَالَ: “عُرضَتْ عَلَيَّ الجنَّةُ والنَّارُ، فَلَمْ أَر كَاليَوْمِ في الخَيْر وَالشَّرِّ، ولَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعلَمُ لَضحِكْتُمْ قلِيلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً” فَما أتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ غَطَّوْا رُؤُسهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ.
“الخَنِينُ”بِالخاءِ المعجمة: هُوَ البُكَاءُ مَعَ غُنَّةٍ وَانْتِشَاقُ الصَّوتِ مِنَ الأَنْفِ.

7/402-وعن المِقْدَاد، رضيَ اللَّه عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: “تُدْني الشَّمْسُ يَومَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ حتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيل”قَالَ سُلَيمُ بْنُ عَامرٍ الرَّاوي عنْ المِقْدَاد: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْني بِالميلِ، أَمَسَافَةَ الأَرضِ أَمِ المِيل الَّذي تُكْتَحَلُ بِهِ العيْنُ”فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمالِهمْ في العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى كعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ منْ يَكون إِلى حِقْوَيْهِ ومِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إِلجاماً” وَأَشَارَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِيدِهِ إِلى فِيه. رواه مسلم.

8/403-وعن أَبي هريرة، رضيَ اللَّه عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يذْهَب عَرَقُهُمْ في الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِراعاً، ويُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ” متفقٌ عَلَيهِ.
ومعنى”يَذْهَبُ في الأَرْضِ”: ينزِل ويغوص.

9/404-وعنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذ سَمِعَ وَجْبَةً فَقَالَ: “هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟ “قُلْنَا: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: هذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ في النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَريفاً فَهُوَ يهْوِي في النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلى قَعْرِهَا، فَسَمِعْتُمْ وجْبَتَهَا” رواه مسلم.

10/405-وعن عَدِيِّ بنِ حاتمٍ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَاّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمنَ مِنْهُ، فَلا يَرَى إِلَاّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرى إلَاّ مَا قَدَّمَ، وينْظُرُ بيْنَ يَدَيهِ، فَلا يَرَى إِلَاّ النَّارِ تِلْقَاءَ وَجهِهِ، فاتَّقُوا النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ” متفقٌ عَلَيهِ.

11/406-وعن أَبي ذَرٍّ، رضي اللَّهُ عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنِّي أَرى مالا تَرَوْنَ، وأسمع مالا تسمعون، أَطَّتِ السَّماءُ وحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا موْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَاّ وَمَلَكٌ واضِعٌ جبهتهُ ساجِداً للَّهِ تَعَالى، واللَّه لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لضَحِكْتمْ قَلِيلاً، وَلَبكَيْتُمْ كَثِيراً، وَمَا تَلَذَّذتُم بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرجْتُمْ إِلى الصُّعُداتِ تَجْأَرُون إِلى اللَّه تَعَالَى “رواه الترمذي وَقالَ: حديثٌ حسن.

وَ”أَطَّتْ”بفتح الهمزة وتشديد الطاءِ، وَتَئِطُّ”بفتح التاءِ وبعدها همزة مكسورة، والأَطِيطُ: صَوْتُ الرَّحلِ وَالْقَتَبِ وشِبْهِهِمَا، ومعْناهُ: أَنَّ كَثْرَةَ مَنْ في السَّماءِ مِنَ المَلائِكَةِ الْعابِدينَ قَدْ أَثْقَلَتْهَا حَتَّى أَطَّتْ.
وَ”الصُّعُدَاتِ”بضم الصاد والعين: الطُّرُقَاتُ، ومعنى”تَجأَرُونَ”: تَسْتَغِيثُونَ.

12/407-وعن أَبي بَرْزَة بِراءٍ ثُمَّ زايٍ نَضْلَةَ بنِ عُبَيْدٍ الأَسْلَمِيِّ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لا تَزُولُ قَدمَا عبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيم فَعَلَ فِيهِ، وعَنْ مالِهِ منْ أَيْنَ اكْتَسبهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَن جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ “رواه الترمذي وَقالَ: حديث حسن صحيح.

13/408-وعن أبي هريرةَ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: قرأَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:4] ثُمَّ قَالَ: “أَتَدْرُونَ مَا أَخَبَارُهَا؟ “قالوا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ:”فَإِنَّ أَخْبَارَها أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، تَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وكذَا في يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، فهَذِهِ أَخْبَارُهَا” رواه التِّرْمِذِي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ.

14/409-وعن أَبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:” كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ”فَكَأَنَّ ذلِكَ ثَقُلَ عَلى أَصْحَابِ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقالَ لَهُمْ:”قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوكِيلُ “رواه الترمذي وقال حديثٌ حسنٌ.
“الْقَرْنُ”: هُوَ الصُّورُ الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَنُفِخَ في الصُّورِ} كَذَا فَسَّرَهُ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم.

15/410-وعن أَبي هريرة، رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ، بَلَغَ المَنْزلَ ألا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَاليةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعةَ اللَّهِ الجَنَّةُ” رواه الترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ.
وَ”أَدْلَجَ”بِإِسْكان الدَّال، ومعناه: سَارَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَالمُرَادُ: التَّشْمِيرُ في الطَّاعَة. واللَّه أعلم.

16/411-وعن عائشةَ، رضي اللَّه عنها، قَالَتْ: سمعتُ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، يقول: “يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُراةً غُرْلاً”قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّه الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعاً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ،؟ قَالَ:”يَا عَائِشَةُ الأَمرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُم ذلكَ”.
وفي روايةٍ:”الأَمْرُ أَهَمُّ مِن أَن يَنْظُرَ بَعضُهُمْ إِلى بَعْضٍ”متفقٌ عَلَيهِ.
“غُرلاً”بضَمِّ الغَيْنِ المعجمة، أي: غير مختونين

51-‌‌باب الرجاء

قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]

وَقالَ تعالى: {وَهَلْ نُجَازِي إِلَاّالْكَفُورَ} [سبأ:17] وَقالَ تَعَالَى: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [طه:48] وقال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [لأعراف:156]

1/412-وعن عُبادَة بنِ الصامِتِ، رضي اللَّهُ عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “منْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَنَّ مُحمَّداً عبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وأَنَّ عِيسى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلى مَا كانَ مِنَ العمَلِ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لمسلم: “مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً رسُولُ اللَّهِ، حَرَّمَ اللَّهُ علَيهِ النَّارَ”.

2/413-وعن أَبي ذَرٍّ، رضيَ اللَّهُ عنه، قَالَ: قَالَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يقولُ اللَّهُ عزَّ وجَلّ: مَنْ جاءَ بِالحَسَنَةِ، فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِها أَوْ أَزْيَدُ، ومَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ، فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ. وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْراً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً، ومنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذرَاعاً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً، وَمَنْ أَتاني يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْولَةً، وَمَنْ لَقِيَني بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لَقِيتُهُ بمثْلِها مغْفِرَةً” رواه مسلم.

معنى الحديث:”مَنْ تَقَرَّبَ”إِلَيَّ بِطاعَتي”تَقَرَّبْتُ”إِلَيْهِ بِرحْمَتي، وإِنْ زَادَ زِدْتُ،”فَإِنْ أَتاني يَمشي”وَأَسْرَعَ في طاعَتي”أَتَيْتُه هَرْوَلَةً”أَيْ: صَبَبْبُ علَيْهِ الرَّحْمَة، وَسَبَقْتهُ بِهَا، ولَمْ أُحْوِجْهُ إِلى المَشْيِ الْكَثِيرِ في الوُصُولِ إِلى المَقْصُودِ،”وَقُرَابُ الأَرْضِ”بضمِّ القافِ ويُقال بكسرها، والضم أَصحّ، وأَشهر، ومعناه: مَا يُقارِبُ مِلأَها، واللَّه أعلم.

3/414-وعن جابر، رضي اللَّهُ عنه، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما المُوجِبَتانِ؟ فَقَالَ: “مَنْ مَات لَا يُشرِكُ بِاللَّه شَيْئاً دخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ ماتَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، دَخَلَ النَّارَ” رواه مُسلم.

4/415-وَعن أَنسٍ، رضي اللَّهُ عنه، أَنَّ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وَمُعَاذٌ ردِيفُهُ عَلى الرَّحْلِ قَالَ: “يَا مُعاذُ”قَالَ: لَبيَّيْكَ يَا رسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قالَ:”يَا مُعَاذُ”قالَ: لَبَّيكَ يارَسُول اللَّهِ وَسَعْديْكَ. قالَ:”يَا مُعاذُ”قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْديكَ ثَلاثاً، قالَ:”مَا مِن عَبدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِله إِلَاّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمدا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ صِدْقاً مِنْ قَلْبِهِ إِلَاّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ”قالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُخْبِرُ بِها النَّاسَ فيستبشروا؟ قال “إِذاً يَتَّكلُوا “فَأَخْبرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْد مَوْتِهِ تَأَثُّماً. متفقٌ عَلَيهِ.

وقوله:”تَأَثماً”أَيْ: خَوْفاً مِنَ الإِثمِ في كَتْمِ هذا العِلْمِ.

416-5/وعنْ أَبي هريرة أَوْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضيَ اللَّهُ عنهما: شَك الرَّاوِي، وَلَا يَضُرُّ الشَّكُّ في عَينِ الصَّحابي، لأَنهم كُلُّهُمْ عُدُولٌ، قال: لما كان يَوْمُ غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَصابَ الناسَ مَجَاعَةٌ، فَقالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَذِنْتَ لَنا فَنَحَرْنَا نَواضِحَنا، فَأَكلْنَا وَادَّهَنَّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:” افْعَلُوا” فَجَاءَ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنهُ،

فقالَ: يَا رَسولَ اللَّهِ إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ، وَلَكِنْ ادْعُهُمْ بفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، ثُمَّ ادْعُ اللَّهِ لَهُمْ عَلَيْهَا بِالبَرَكَةِ لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَجْعَلَ في ذلكَ البَرَكَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”نَعَمْ”فَدَعَا بِنِطْعٍ فَبَسَطهُ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزَاوَدِهِمْ، فَجعلَ الرَّجُلُ يجيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ ويجيءُ الآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ، ويجيءُ الآخَرُ بِكِسرَةٍ حَتى اجْتَمَعَ عَلى النِّطْعِ مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ يَسِيرٌ، فَدَعَا رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عليه بِالبَرَكَةِ، ثُمَّ قالَ

“خُذُوا في أَوْعِيَتِكُمْ، فَأَخَذُوا في أَوْعِيَتِهِمْ حَتَّى مَا تركُوا في العَسْكَرِ وِعاء إِلَاّ مَلأوهُ، وأَكَلُوا حَتَّى شَبعُوا وَفَضَلَ فَضْلَةٌ، فقالَ رَسُولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لَا يَلْقَى اللَّه بِهِما عَبْدٌ غَيْرُ شاكٍّ، فَيُحْجبَ عَنِ الجَنَّةِ “رواهُ مسلم.

6/417-وَعَنْ عِتْبَانَ بنِ مالكٍ، رضي اللَّه عنه، وَهُوَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمي بَني سالمٍ، وَكَانَ يَحُولُ بَيْني وَبينهُم وادٍ إِذَا جاءَتِ الأَمطارُ، فَيَشُقُّ عَليَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مَسْجِدِهِمْ، فَجئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فقلتُ لَهُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ الوَادِيَ الَّذِي بيْني وَبَيْنَ قَوْمي يسِيلُ إِذَا جَاءَت الأَمْطارُ، فَيَشُقُّ عَليَّ اجْتِيازُهُ، فَوَدِدْتُ أَنَّكَ تَأْتي، فَتُصَليِّ في بَيْتي مَكاناً أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فقال رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”سأَفْعَلُ” فَغَدا عليَّ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَبُو بَكْرٍ، رضي اللَّهُ عنه، بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ،

وَاسْتَأْذَنَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَأَذِنْتُ لهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قالَ:”أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ “فَأَشَرْتُ لهُ إِلى المَكَانِ الَّذِي أُحبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَراءَهُ، فَصَلَّى رَكَعَتَيْن، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ، فَحَبَسْتُهُ علَى خَزيرة تُصْنَعُ لَهُ، فَسَمَعَ أَهْلُ الدَّارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في بَيْتي، فَثَابَ رِجَالٌ منهمْ حتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ في البَيْتِ،

فَقَالَ رَجُلٌ: مَا فَعَلَ مَالِكٌ لا أَرَاهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: ذلِكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللَّه ورَسُولَهُ، فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم “لَا تَقُلْ ذَلِكَ أَلَا تَراهُ قالَ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعالى؟،”. فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ مَا نَرَى وُدَّهُ، وَلَا حَديثَهُ إِلَاّ إِلى المُنَافِقينَ، فقالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”فَإِنَّ اللَّه قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهِ اللَّهِ” متفقٌ عَلَيهِ.

وَ”عِتْبَانِ”بكسر العين المهملة، وإِسكان التاءِ المُثَنَّاةِ فَوْقُ وبَعْدهَا باءٌ مُوَحَّدَةٌ. وَ”الخَزِيرَةُ”بالخاءِ المُعْجمةِ، وَالزَّاي: هِي دقِيقٌ يُطْبَخُ بِشَحْمٍ وقوله:”ثابَ رِجالٌ”بالثَّاءِ المِثَلَّثَةِ، أَيْ: جَاءوا وَاجْتَمعُوا.

7/418-وعن عمرَ بنِ الخطاب، رضي اللَّهُ عنه، قَالَ: قَدِمَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِسَبْي فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَسْعَى، إِذْ وَجَدتْ صَبياً في السبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِها، فَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَتُرَوْنَ هَذِهِ المَرْأَةَ طارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا وَاللَّهِ. فَقَالَ:”للَّهُ أَرْحمُ بِعِبادِهِ مِنْ هَذِهِ بِولَدِهَا “متفقٌ عليه.

8/419-وعن أبي هريرة، رضي اللَّهُ عنه، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، كَتَبَ في كِتَابٍ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ: إِنَّ رَحْمتي تَغْلِبُ غَضَبِي”

وفي روايةٍ:”غَلَبَتْ غَضَبِي”وفي روايةٍ”سَبَقَتْ غَضَبِي”متفقٌ عَلَيْهِ.

9/420-وعنه قَالَ: سمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: “جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وتِسْعِينَ، وَأَنْزَلَ في الأَرْضِ جُزْءَا واحِداً، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَراحمُ الخَلائِقُ حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ ولَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ”.

وفي روايةٍ: “إِنَّ للَّهِ تَعَالى مائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الجِنِّ والإِنْسِ وَالبَهَائمِ وَالهَوامِّ، فَبهَا يَتَعاطَفُونَ، وبِهَا يَتَراحَمُونَ، وَبها تَعْطِفُ الوَحْشُ عَلى وَلَدهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تَعالى تِسْعاً وتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادهُ يَوْمَ القِيَامَةِ” متفقٌ عَلَيهِ.

ورواهُ مسلم أَيضاً مِنْ روايةِ سَلْمَانَ الفَارِسيِّ، رضي اللَّهُ عنه، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنَّ للَّهِ تَعَالَى ماِئَةَ رَحْمَةٍ فَمِنْها رَحْمَةٌ يَتَراحَمُ بِهَا الخَلْقُ بَيْنَهُمْ، وَتِسْع وَتِسْعُونَ لِيَوْم القِيامَةِ “.

وفي رواية “إِنَّ اللَّه تعالى خَلَقَ يَومَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلى الأَرْضِ، فَجَعَلَ مِنها في الأَرْضِ رَحْمَةً فَبِها تَعْطِفُ الوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا وَالْوحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُها عَلَى بَعْضٍ فَإِذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ، أَكْمَلَها بهِذِهِ الرَّحْمَةِ”.

10/421- وعنه عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. فِيمَا يَحكِى عَن ربِّهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالى، قَالَ: ” أَذنَب عبْدٌ ذَنباً، فقالَ: اللَّهُمَّ اغفِرْ لِي ذَنبي، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعالى: أَذَنَبَ عبدِي ذَنباً، فَعلِم أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيأْخُذُ بِالذَّنبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذَنَبَ، فَقَالَ: أَيْ ربِّ اغفِرْ لِي ذَنْبي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذنبَ عبدِي ذَنباً، فَعَلَمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ، وَيَأخُذُ بِالذنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذنَبَ، فَقَالَ: أَي رَبِّ اغفِرْ لِي ذَنبي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى: أَذنَبَ عَبدِي ذَنباً، فعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنبَ، وَيأْخُذُ بِالذَّنبِ، قدَ غَفَرْتُ لِعبدي.. فَلْيَفعَلْ مَا شَاءَ” متفقٌ عَلَيهِ

وقوله تَعَالَى: “فَلْيَفْعلْ مَا شَاءَ”أَي: مَا دَامَ يَفْعَلُ هَكَذا، يُذْنِبُ وَيتُوبُ أَغْفِرُ لَهُ، فإِنَّ التَّوبَةَ تَهِدِمُ مَا قَبْلَهَا.

11/422-وعنه قَالَ: قالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذنِبُوا، لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلجَاءَ بِقوم يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّه تَعَالَى، فيَغْفرُ لَهُمْ” رواه مسلم.

12/423-وعن أَبي أَيُّوبَ خَالِدِ بنِ زيد، رضي اللَّه عنه قَالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: “لَوْلا أَنَّكُمْ تُذنبُونَ، لخَلَقَ اللَّهُ خَلقاً يُذنِبونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ “رواه مسلم.

13/424-وعن أبي هُريرةَ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: كُنَّا قُعوداً مَع رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، مَعَنا أَبُو بكْر وَعُمَرُ، رضي اللَّه عنهما في نَفَرٍ، فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ بَيْن أَظْهُرنَا، فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، فَخَشَينا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا، فَفَزَعْنا، فَقُمْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزعَ،

فَخَرجتُ أَبْتَغِي رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، حَتَّى أَتَيتُ حَائِطاً لِلأَنْصَارِ وَذَكَرَ الحَدِيثَ بطُوله إِلى قوله: فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “اذْهَبْ فَمَنْ لَقِيتَ وَرَاءَ هَذَا الحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إلَاّ اللَّه، مُسْتَيقِناً بهَا قَلَبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ” رواه مسلم.

14/425-وعن عبد اللَّه بن عَمْرو بن العاص، رضي اللَّه عنهما، أَن النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم تَلا قَوَل اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ في إِبراهِيمَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْللْنَ كَثيراً مِنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَني فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36] ،

وَقَوْلَ عِيسَى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: {إِنْ تُعَذِّبْهُم فَإِنَّهُم عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ} [المائدة: 118] ، فَرَفَعَ يَدَيْه وَقالَ “اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي”وَبَكَى،

فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ:”يَا جبريلُ اذْهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فسلْهُ مَا يُبكِيهِ؟ “فَأَتَاهُ جبرِيلُ فَأَخبَرَهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمَا قَالَ: وَهُو أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا جِبريلُ اذهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرضِيكَ في أُمَّتِكَ وَلا نَسُوؤُكَ” رواه مسلم

15/426-وعن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: كُنتُ رِدْفَ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلَى حِمارٍ فَقَالَ: “يَا مُعَاذُ هَل تَدري مَا حَقُّ اللَّه عَلى عِبَادِهِ، ومَا حَقُّ الْعِبادِ عَلى اللَّه؟ قُلْتُ: اللَهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ:”فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَن يَعْبُدُوه، وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَحقَّ العِبادِ عَلى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشِركُ بِهِ شَيْئاً، فقلتُ: يَا رسولُ اللَّهِ أَفَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ:”لَا تُبَشِّرْهُم فَيَتَّكِلُوا” متفقٌ عَلَيهِ.

16/427-وعن البَرَاءِ بنِ عازبٍ، رضيَ اللَّه عنهما، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “المُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ في القَبرِ يَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّه، وأَنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّه، فذلك قولهُ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْل الثَّابِتِ فِي الحَياةِ الدُّنيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:27] متفقٌ عَلَيهِ.

17/428-وعن أَنسٍ، رضي اللَّهُ عنه عن رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِنَّ الكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً، أُطعِمَ بِهَا طُعمَةً مِنَ الدُّنيَا، وَأَمَّا المُؤمِن، فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ في الآخِرَةِ، وَيُعْقِبُهُ رِزْقاً في الدُّنْيَا عَلى طَاعَتِهِ”.

وفي روايةٍ: “إِنَّ اللَّه لَا يَظْلِمُ مُؤْمِناً حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا في الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا في الآخِرَة، وَأَمَّا الْكَافِرُ، فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ للَّهِ تَعَالَى، في الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلى الآخِرَة، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا” رواه مسلم.

18/429-وعن جابرٍ، رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ كَمَثَلِ نَهَرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ” رواه مسلم.
“الْغَمْرُ”الْكَثِيرُ.

19/430-وعن ابنِ عباسٍ، رضي اللَّه عنهما، قَالَ: سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: “مَا مِنْ رَجُلٍ مُسلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنازتِه أَرَبَعُونَ رَجُلاً لَا يُشرِكُونَ بِاللَّهِ شَيئاً إِلَاّ شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ” رواه مسلم

20/431-وعن ابنِ مسعودٍ، رضي اللَّهُ عنه، قال: كُنَّا مَعَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في قُبَّةٍ نَحواً مِنْ أَرَبعِينَ، فَقَالَ: “أَتَرضَونَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ “قُلْنَا: نَعَم،

قَالَ:”أَتَرضَونَ أَن تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ “قُلْنَا: نَعَم، قَالَ:”وَالَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَرجُو أَنْ تَكُونُوا نِصفَ أَهْلِ الجَنَّة، وَذَلِك أَنَّ الجَنَّةَ لَا يَدخُلُهَا إِلَاّ نَفسٌ مُسلِمَةٌ، وَمَا أَنتُمْ في أَهْلِ الشِّركِ إِلَاّ كََالشَّعرَةِ البَيَضَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَسودِ، أَوْ كَالشَّعَرَةِ السَّودَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَحْمَرِ” متفقٌ عَلَيهِ.

21/432-وعن أَبي موسى الأَشعري، رضي اللَّه عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ دَفَعَ اللَّهُ إِلى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُوديًّا أَوْ نَصْرَانِيّآً فَيَقُولُ: هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ”.

وفي رواية عنهُ عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيامَةِ نَاسٌ مِنَ المُسْلِمِين بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الجبَالِ يَغفِرُهَا اللَّهُ لهمُ” رواه مسلم.

قوله: “دَفَعَ إِلى كُلِّ مُسْلِمٍ يهودِيًّا أَوْ نَصرانِياً فَيَقُولُ: هَذا فكَاكُكَ مِنَ النَّارِ”معْنَاهُ مَا جَاءَ في حديث أَبي هريرة، رضي اللَّهُ عنهُ: “لِكُلِّ أَحَدٍ مَنزِلٌ في الجَنَّةِ، ومَنزِلٌ في النَّارِ، فالمُؤْمِن إِذَا دَخَلَ الجنَّةَ خَلَفَهُ الكَافِرُ في النَّارِ، لأَنَّهُ مُسْتَحِق لذلكَ بكُفْرِه “وَمَعنى”فكَاكُكَ”: أَنَّكَ كُنْتَ مُعَرَّضاً لِدُخُولِ النَّارِ، وَهَذا فِكَاكُكَ، لأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدَّرَ لِلنَّارِ عدَداً يَمْلَؤُهَا، فإِذا دَخَلَهَا الكُفَّارُ بِذُنُوبِهمْ وَكُفْرِهِمْ، صَارُوا في مَعنى الفِكَاك لِلمُسلِمِينَ. واللَّه أَعلم.

22/433-وعن ابن عمَر رضي اللَّه عنهما قالَ: سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: “يُدْنَى المُؤْمِنُ يَومَ القِيَامَةِ مِنُ رَبِّهِ حتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيهِ، فَيُقَرِّرَهُ بِذُنُوبِه، فيقولُ: أَتَعرفُ ذنبَ كَذا؟ أَتَعرفُ ذَنبَ كَذَا؟ فيقول: رَبِّ أَعْرِفُ، قَالَ: فَإِنِّي قَد سَتَرتُهَا عَلَيكَ في الدُّنيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَومَ، فَيُعطَى صَحِيفَةَ حسَنَاته “متفقٌ عَلَيهِ.
كَنَفُهُ: سَتْرُهُ وَرَحْمَتُهُ.

23/434-وعن ابنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَة، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فأَخبره، فأَنزل اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرََفي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ الَّليْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}

[هود: 114] فَقَالَ الرجل: أَلي هَذَا يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ:”لجَميعِ أُمَّتي كُلهِمْ “متفقٌ عَلَيهِ.

24/435-وعن أَنسٍ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّهِ أَصَبْتُ حَدّاً، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، وَحَضَرتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى مَعَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَلَمَّا قَضَى الصَّلاة قَالَ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدّاً، فأَقِمْ فيَّ كتَابَ اللَّهِ، قَالَ: “هَلْ حَضَرْتَ مَعَنَا الصَّلَاةَ؟ “قَالَ: نَعم: قَالَ”قَدْ غُفِرَ لَكَ” متفقٌ عَلَيهِ.

وقوله:”أَصَبْتُ حَدًّا”مَعنَاهُ: مَعْصِيَةً تُوجِبُ التَّعْزير، وَليس المُرَادُ الحَدَّ الشَّرْعِيَّ الْحقيقيَّ كَحَدِّ الزِّنَا وَالخمر وَغَيْرِهمَا، فَإِنَّ هَذِهِ الحُدودَ لا تَسْقُطُ بِالصلاةِ، وَلَا يجوزُ للإمَامِ تَرْكُهَا.

25/436-وعنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنَّ اللَّه لَيَرضي عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكلَةَ، فَيحْمَدُهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْربَ الشَّرْبَةَ، فَيَحْمدُهُ عَليها” رواه مسلم.
“الأَكْلَةُ”بفتح الهمزة وهي المرَّةُ الواحدةُ مِنَ الأَكلِ كَالْغَدْوةِ والْعَشْوَةِ، واللَّه أعلم.

26/437-وعن أَبي موسى، رضي اللَّه عنه، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، قَالَ: “إِنَّ اللَّه تعالى، بَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيلِ لَيَتُوبَ مُسيِءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدهُ بِالنَّهارِ ليَتُوبَ مُسيءُ اللَّيلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشمسُ مِنْ مَغْرِبَها” رواه مسلم

27/438-وعن أَبي نجيحٍ عَمرو بن عَبَسَةَ بفتح العين والباءِ السُّلَمِيِّ، رضي اللَّه عنه قَالَ: كنتُ وَأَنَا في الجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلى ضَلالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شيءٍ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَاراً، فَقَعَدْتُ عَلى رَاحِلَتي، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ،

فَإِذَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُسْتَخْفِياً جُرَاءُ عليهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخلْتُ عَلَيهِ بِمَكَّة، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنَتَ؟ قَالَ:” أَنا نَبي”قلتُ: وما نبيٌّ؟ قَالَ:”أَرْسَلِني اللَّه”قُلْتُ: وبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسلَكَ؟ قَالَ:”أَرْسَلني بِصِلَةِ الأَرْحامِ، وكسرِ الأَوْثان، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّه لايُشْرَكُ بِهِ شَيْء”قُلْتُ: فَمنْ مَعَكَ عَلى هَذا؟

قَالَ:”حُر وَعَبْدٌ”ومعهُ يوْمَئِذٍ أَبو بكرٍ وبلالٌ رضي اللَّه عنهما. قُلْتُ: إِنِّي مُتَّبعُكَ، قَالَ “إِنَّكَ لَنْ تَستطِيعَ ذلكَ يَوْمَكَ هَذا. أَلا تَرى حَالى وحالَ النَّاسِ؟ وَلَكِنِ ارْجعْ إِلى أَهْلِكَ فَإِذا سمعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِني” قَالَ فَذهبْتُ إِلى أَهْلي، وَقَدِمَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم

المَدينَةَ. وكنتُ في أَهْلي. فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ، وَأَسْأَلُ النَّاسَ حينَ قَدِمَ المَدِينَةَ حَتَّى قَدِمَ نَفرٌ مِنْ أَهْلي المدينةَ، فقلتُ: مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قدِم المدينةَ؟ فقالوا: النَّاسُ إِليهِ سِراعٌ وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُه قَتْلَهُ، فَلَمْ يَستْطَيِعُوا ذلِكَ، فَقَدِمتُ المدينَةَ فَدَخَلتُ عليهِ،

فقلتُ: يَا رسولَ اللَّه أَتَعرِفُني؟ قَالَ:”نَعم أَنتَ الَّذي لَقيتنَي بمكةَ”قَالَ: فقلتُ: يَا رَسُول اللَّه أَخْبرني عمَّا عَلَّمكَ اللَّه وَأَجْهَلُهُ، أَخبِرنْي عَنِ الصَّلَاةِ؟ قَالَ:”صَلِّ صَلَاةَ الصُّبحِ، ثُمَّ اقْصُرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَرتفَعِ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطلُعُ بَيْنَ قَرْنَي شَيْطَانٍ، وَحِينئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكفَّارُ، ثُمَّ صَل، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورةٌ. حَتَّى يستقِلَّ الظِّلُّ بالرُّمحِ، ثُمَّ اقْصُر عَنِ الصَّلاةِ، فإِنه حينئذٍ تُسجَرُ جَهَنَّمُ، فإِذا أَقبلَ الفَيء فصَلِّ، فإِنَّ الصَّلاةَ مَشهودةٌ مَحضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ العصرَ ثُمَّ اقْصُر عَنِ الصلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشمسُ، فإِنها تُغرُبُ بَيْنَ قَرنيْ شيطانٍ، وحينئذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفَّارُ”.

قَالَ: فقلتُ: يَا نَبِيَّ اللَّه، فالوضوءُ حدثني عَنْهُ؟ فَقَالَ:”مَا منْكُمْ رجُل يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ، فَيَتَمَضْمضُ ويستنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ، إِلَاّ خَرَّتْ خطايَا وجههِ وفيهِ وخياشِيمِهِ.

ثم إِذا غَسَلَ وجهَهُ كما أَمَرَهُ اللَّه إِلَاّ خَرَّتْ خَطَايَا وجهِهِ مِنْ أَطرافِ لحْيَتِهِ مَعَ الماءِ. ثُمَّ يغسِل يديهِ إِلى المِرفَقَينِ إِلَاّ خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنامِلِهِ مَعَ الماءِ، ثُمَّ يَمْسحُ رَأْسَهُ، إِلَاّ خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ من أَطرافِ شَعْرهِ مَعَ الماءِ، ثُمَّ يَغْسِل قَدَمَيهِ إِلى الكَعْبَيْنِ، إلَاّ خَرت خَطَايَا رِجْلَيه مِنْ أَنَامِلِهِ مَع الماءِ، فإِن هُوَ قامَ فصلَّى، فحمِدِ اللَّه تَعَالَى، وأَثْنَى عليهِ وَمجَّدَهُ بالَّذي هُوَ لَهُ أَهل، وَفَرَّغَ قلبه للَّه تَعَالَى. إِلا انصَرَفَ مِنْ خطيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يومَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ”.

فحدّثَ عَمرو بنُ عَبسةَ بهذا الحديثَ أَبَا أُمَامَة صاحِبِ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ لَهُ أَبُو أُمَامَة: يَا عَمْروُ بنُ عَبَسَةَ، انْظُر مَا تقولُ. في مقامٍ واحِدٍ يُعطى هَذَا الرَّجُلُ؟ فَقَالَ عَمْرو: يَا أَبَا أُمامةَ. لقد كِبرَتْ سِنِّي، ورَقَّ عَظمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلي، وَمَا بِي حَاجة أَنْ أَكذِبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلا عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِلَاّ مَرَّةً أَوْ مَرْتَيْن أَوْ ثَلاثاً، حَتَّى عَدَّ سبعَ مَراتٍ، مَا حَدَّثتُ أَبداً بِهِ، ولكنِّي سمِعتُهُ أَكثَرَ من ذلِكَ رواه مسلم.
قوله:”جُرَءَاءُ عليهِ قومُهُ”: هُوَ بجيمٍ مضمومة وبالمد عَلَى وزنِ عُلماء، أَي: جاسِرُونَ مُستَطِيلونَ غيرُ هائِبينَ. هذِهِ الرواية المشهورةُ، ورواه الحُمَيْدِي وغيرهُ:”حِراء”بكسر الحاءِ المهملة. وَقالَ: معناه غِضَابُ ذُوُو غَمٍّ وهمٍّ، قَدْ عيلَ صبرُهُمْ بهِ، حَتَّى أَثَّرَ في أَجسامِهِم، من قوَلِهم: حَرَىَ جِسمُهُ يَحْرَى، إِذَا نقصَ مِنْ أَلمٍ أَوْ غم ونحوه، والصَّحيحُ أَنَهُ بالجيمِ.
وقوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “بَيْنَ قَرنَي شيطانٍ”أَيْ: ناحيتي رأسهِ. والمرادُ التَّمثِيلُ. معناهُ: أَنه حينئذٍ يَتَحرَّكُ الشَّيطانُ وشيِعتهُ. وَيَتَسَلَّطُونَ.

وقوله:”يُقَرِّبُ وَضُوءَه”معناه: يُحْضِرُ الماءَ الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِه. وقوله:”إِلَاّ خَرّتْ خَطاياهُ”هُوَ بالخاءِ المعجمة: أَيْ سقطَت. ورواه بعضُهُم.”جرتْ”بالجيم. والصحيح بالخاءِ، وَهُوَ رواية الجُمهور.

وقوله:”فَيَنْتَثرُ”أَيْ: يَستَخرجُ مَا في أَنفه مِنْ أَذَى، والنَّثرَةُ: طرَفُ الأَنفِ.

28/439-وعن أَبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه، عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِذا أَرادَ اللَّه تَعَالَى، رحمةَ أُمَّةٍ، قَبضَ نبيَّهَا قَبلَها، فجعلَهُ لَهَا فَرَطاً وسلَفاً بَيْنَ يَدَيها، وإذَا أرادُ هَلَكةَ أُمَّةٍ، عذَّبها ونبيُّهَا حَيُّ، فَأَهْلَكَهَا وهوَ حَيُّ ينظُرُ، فَأَقَرَّ عينَهُ بِهلاكها حِينَ كذَّبوهُ وعصَوا أَمْرَهُ” رواه مسلم.
المُعْجَمَةِ، أَي: غَيْرَ مختُونِينَ

52-‌‌ باب فضل الرجاء

قَالَ الله تَعَالَى: إخباراً عن العبدِ الصالِحِ: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [غافر:44،45] .

1/440-وعن أَبي هريرة، رضيَ اللَّه عنه، عن رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنَّهُ قَالَ: “قالَ اللَّه، عَزَّ وَجلَّ، أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدي بِي، وأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُني، وَاللَّهِ للَّهُ أَفْرَحُ بتَوْبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يجدُ ضالَّتَهُ بالْفَلاةِ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْراً، تَقرَّبْتُ إِلَيْهُ ذِرَاعاً، وَمَنْ تَقَرّبَ إِلَيَّ ذِراعاً، تقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً، وإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يمْشي، أَقبلتُ إلَيه أُهَرْوِلُ “متفقٌ عليه، وهذا لفظ إحدى رِوايات مسلم. وتقدم شرحه في الباب قبله.

ورُوِيَ في الصحيحين: “وأنا معه حين يذكرني”بالنون، وفي هذه الرواية”حيث”بالثاء وكلاهما صحيح.

3/441-وعن جابِر بن عبدِ اللَّه، رضي اللَّه عنهما، أَنَّهُ سَمعَ النَبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، قَبْلَ موْتِهِ بثلاثَةِ أَيَّامٍ يقولُ: “لَا يَمُوتَنّ أَحَدُكُم إِلَاّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللَّه عزَّ وَجَلَّ “رواه مسلم.

3/442-وعن أَنسٍ، رضي اللَّه عنه قَالَ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ: “قَالَ اللَّه تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعوْتَني وَرَجوْتَني غَفَرْتُ لَكَ عَلى مَا كَانَ مِنكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدمَ، لَوْ بَلغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السماءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَني غَفَرتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَم، إِنَّكَ لَو أَتَيْتَني بِقُرابٍ الأَرْضِ خَطَايا، ثُمَّ لَقِيْتَني لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً” رواه الترمذي. وقال: حديث حسن.

“عَنَانُ السماءِ”بفتح العين، قيل: هو مَا عَنَّ لَكَ مِنْهَا، أيْ: ظَهَرَ إذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ، وقيلَ: هو السَّحَابُ.
وَ”قُرابُ الأَرض”بضم القاف، وقيلَ بكسرِها، والضم أصح وأشهر، وَهُوَ: مَا يقارِبُ مِلأَهَا، واللَّه أعلم

53-‌‌باب الجمع بين الخوف والرجاء

اعْلَمْ أنَّ المختار للعبد في حالة صِحَّتِهِ أنْ يَكُونَ خَائفاً رَاجِياً، وَيَكُونَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ سَواءً، وفي حَالِ المَرَضِ يُمحَّضُ الرَّجاءُ. وقواعِدُ الشَّرْع مِنْ نصُوصِ الكِتَابِ والسُّنَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ مُتظاهِرَةٌ عَلَى ذلك.

قَالَ الله تَعَالَى: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99] وقال تَعَالَى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]

وقال تَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] وقال تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف:167]

وقال تَعَالَى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:13،14] وقال تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة:9،6] والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ. فَيَجْتَمعُ الخَوفُ والرجاءُ في آيَتَيْنِ مُقْتَرِنَتَيْنِ أَو آيات أَو آية.

1/443-وعن أَبي هريرة. رضي اللَّه عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العُقُوبَةِ. مَا طَمِعَ بجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الكافِرُ مَا عِنَد اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، مَا قَنطَ مِنْ جنَّتِهِ أَحَدٌ” رواه مسلم.

2/444-وعن أَبي سَعيد الخدرِيِّ، رضي اللَّه عَنه، أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِذَا وُضِعتِ الجَنَازَةُ واحْتمَلَهَا النَّاسُ أَو الرِّجالُ عَلى أَعْنَاقِهمِ، فَإِنْ كانَتْ صالِحَةً قالَتْ: قَدِّمُوني قَدِّمُوني، وَإنْ كانَتْ غَير صالحةٍ، قالَتْ: يَا ويْلَهَا، أَيْنَ تَذْهَبُونَ بَها؟ يَسْمَعُ صَوتَها كُلُّ شيءٍ إلَاّ الإِنْسَانُ، وَلَوْ سَمِعَهُ لَصَعِقَ” رواه البخاري.

3/445-وعن ابن مسعودٍ، رضي اللَّه عنه، قالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: ” الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِه وَالنَّارُ مِثْلُ ذلِكَ” رواه البخاري

54-‌‌ باب فضل البكاء من خشية الله تَعَالَى وشوقاً إِليه

قَالَ الله تَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء:109] وقال تَعَالَى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ} [النجم:59،60] .

1/446-وعَن أبي مَسعودٍ، رضي اللَّه عنه. قالَ: قَالَ لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “اقْرَأْ علَّي القُرآنَ”قلتُ: يَا رسُولَ اللَّه، أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟، قالَ:”إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي”فقرَأْتُ عَلَيْهِ سورَةَ النِّساء، حَتَّى جِئْتُ إِلى هذِهِ الآية: {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً} [الآية: 41] قَالَ:”حَسْبُكَ الآنَ”فَالْتَفَتَّ إِليْهِ. فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ. متفقٌ عَلَيْهِ.

2/447-وعن أنس، رضي اللَّه عنه، قالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، فقالَ: “لَوْ تعْلمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً “قَالَ: فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. وُجُوهَهُمْ. ولهمْ خَنِينٌ. متفقٌ عَلَيْهِ. وَسَبَقَ بيَانُهُ في بابِ الخَوفِ.

3/448-وعن أبي هريرةَ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لَايَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْع وَلا يَجْتَمعُ غُبَارٌ في سَبِيلِ اللَّه ودُخانُ جَهَنَّمَ “رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ

4/449-وعنه قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَاّ ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى. وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّق بالمَسَاجِدِ. وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه. اجتَمَعا عَلَيهِ. وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجَلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمالٍ. فَقَالَ: إِنّي أَخافُ اللَّه. ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةَ فأَخْفاها حتَّى لَا تَعْلَمَ شِمالهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ. ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ” متفقٌ عَلَيْهِ.

5/450-وعَن عبد اللَّه بنِ الشِّخِّير. رضي اللَّه عنه. قَالَ: أَتَيْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو يُصلِّي ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ.
حديث صحيح رواه أَبو داود. والتِّرمذيُّ في الشَّمائِل بإِسنادٍ صحيحٍ.

6/451-وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه. قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، لأَبِيِّ بنِ كَعْبٍ. رضي اللَّه عنه: “إِنَّ اللَّه، عَزَّ وجَلَّ، أَمْرَني أَنْ أَقْرَأَ علَيْكَ: لَمْ يَكُن الَّذِينَ كَفَرُوا”قَالَ: وَسَمَّاني؟ قَالَ:”نَعَمْ”فَبَكى أُبَيٌّ. متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية: فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكي.

7/452-وعنه قالَ: قالَ أَبو بَكْرٍ لعمرَ، رضي اللَّه عنهما. بعدَ وفاةِ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: انْطَلِقْ بِنا إِلَى أُمِّ أَيمنَ. رضي اللَّه عنها. نَزُورُها كَمَا كَانَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، يَزُورُهافَلَمَّا انْتَهَيا إِليْها بَكَتْ فقَالا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّه تَعَالَى خَيْرٌ لِرَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم،

قالَتْ: إِني لَا أَبْكِي، أَنِّي لأَعْلَمُ أَنَّ مَا عنْدَ اللَّه خَيرٌ لِرَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، ولكِنِّي أَبْكِي أَنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّماءِ فَهَيَّجَتْهُما عَلى البُكاءِ، فَجَعَلا يَبْكِيانِ مَعهَا رواهُ مسلم. وقد سبق في بابِ زيارَةِ أَهل الخَيْرِ.

8/453-وعن ابن عَمَر، رضي اللَّه عنهما، قَالَ: “لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَجَعُهُ قيلَ لَهُ في الصَّلَاةِ فقال: “مُرُوا أَبا بَكْرِ فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ “فقالتْ عائشةُ، رضي اللَّه عنها: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقيقٌ إِذا قَرَأَ القُرآنَ غَلَبَهُ البُكاءُ”فقال:”مُرُوهُ فَلْيُصَلِّ”

وفي رواية عن عائشةَ، رضي اللَّه عنها، قالَتْ: قلتُ: إِنَّ أَبا بَكْرٍ إِذا قَامَ مقامَكَ لَم يُسْمع النَّاس مِنَ البُكَاءِ. متفقٌ عليه.

9/454-وعن إِبراهيمَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ أَنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوْفٍ، رَضيَ اللَّه عنهُ أُتِيَ بطَعامٍ وكانَ صائِماً، فقالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيرٍ، رضيَ اللَّه عنه، وهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، فَلَمْ يُوجَدْ لَه مَا يُكَفَّنُ فيهِ إِلَاّ بُرْدَةٌ إِنْ غُطِّي بِها رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاُه، وإِنْ غُطِّيَ بِهَا رِجْلاه بَدَا رأْسُهُ، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ أَوْ قالَ: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيا مَا أُعْطِينَا وقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنا عُجِّلَتْ لَنا. ثُمَّ جَعَلَ يبْكي حَتَّى تَرَكَ الطَّعامَ. رواهُ البخاري.

10/455-وعن أَبي أُمامة صُدَيِّ بْنِ عَجلانَ الباهِليِّ، رضيَ اللَّه عنه، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ:”لَيْسَ شَيءٌ أَحَبَّ إِلى اللَّه تَعَالَى مِنْ قَطْرَتَين. وأَثَرَيْنِ: قَطْرَةُ دُمُوعٍ مِنْ خَشيَةِ اللَّه وَقَطرَةُ دَمٍ تُهرَاقُ في سَبِيلِ اللَّه تعالى، وَأَمَّا الأَثَرَانِ فَأَثَرٌ في سَبيلِ اللهِ تَعَالَى وَأَثَرٌ في فَرِيضَةٍ منْ فَرَائِضِ اللَّه تَعَالَى “رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
وفي البابِ أحاديثُ كثيرةٌ، منها:

11/456-حديث العْرباض بنِ ساريةَ. رضي اللَّه عنه، قَالَ: وعَظَنَا رسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَوْعِظَةً وَجِلَتْ منها القُلُوبُ، وذَرَفْت منْهَا العُيُونُ”. وقد سبق في باب النهي عن البدع

55-‌‌باب فضل الزهد في الدنيا والحث عَلَى التقلل منهاوفضل الفقر

قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس:24]

وقال تَعَالَى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف:46،45]

وقال تَعَالَى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَاّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20]

وقال تَعَالَى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14]

وقال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر:5] وقال تَعَالَى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ، كَلَاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ، كَلَاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر:1،5]

وقال تَعَالَى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَاّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64] والآيات في الباب مشهورة. وأما الأحاديث فأكثر مِنْ أن تحصر فننبِّهُ بطرف منها عَلَى مَا سواه.

1/457-عن عمرو بنِ عوفٍ الأَنْصاريِّ. رضي اللَّه عنه، أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بَعَثَ أَبا عُبيدةَ بنَ الجرَّاحِ، رضي اللَّه عنه، إِلَى البَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجزْيَتِهَا فَقَدمَ بِمالٍ منَ البحْرَينِ، فَسَمِعَت الأَنصَارُ بقُدومِ أَبي عُبَيْدَةَ، فوافَوْا صَلاةَ الفَجْرِ مَعَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَلَمَّا صَلى رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حِينَ رَآهُمْ، ثُمَّ قَالَ:

“أَظُنُّكُم سَمِعتُم أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيء مِنَ الْبَحْرَيْنِ”فقالوا: أَجَل يَا رسول اللَّه، فقال:”أَبْشِرُوا وأَمِّلُوا مَا يَسرُّكُمْ، فواللَّه مَا الفقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ. وَلكنّي أَخْشى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُم كَمَا بُسطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا. فَتَهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ “متفقٌ عليه

2/458-وعن أَبي سعيدٍ الخدريِّ، رضيَ اللَّه عنه. قالَ: جَلَسَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلى المِنْبَرِ، وَجَلسْنَا حَوْلَهُ. فقال: “إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُم مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِن زَهْرَةِ الدُّنيَا وَزيَنتهَا” متفقٌ عيه.

3/459-عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، قَالَ: “إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّه تَعالى مُسْتَخْلِفكُم فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْملُونَ فاتَّقُوا الدُّنْيَا واتَّقُوا النِّسَاءِ” رواه مسلم.

4/460-وعن أَنسٍ رضيَ اللَّه عنه. أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَاّ عَيْشُ الآخِرَةِ” متفقٌ عَلَيْهِ.
5/461-وعنهُ عن رَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ: أَهْلُهُ وَمالُهُ وَعَمَلُهُ: فَيَرْجِعُ اثْنَانِ. وَيَبْقَى معه وَاحدٌ: يَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ “متفقٌ عَلَيهِ.

6/462-وعنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يُؤْتِيَ بَأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِن أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْراً قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعيمٌ قَطُّ؟ فيقول: لا واللَّه يارَبِّ. وَيُؤْتِى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْساً في الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْساً قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةُ قَطُّ؟ فيقولُ: لَا، وَاللَّه، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ” رواه مسلم.

7/463-وعن المُسْتَوْردِ بنِ شدَّادٍ رَضِيَ اللَّه عنه، قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: مَا الدُّنْيَا في الآخِرَةِ إِلَاّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحدُكُمْ أُصْبُعَهُ في الْيَمِّ. فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ؟ ” رواه مسلم.

7/464-وعن جابرٍ، رضِيَ اللَّه عنهُ أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَرَّ بِالسُّوقِ وَالنَّاسُ كنفته، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ، فَأَخَذَ بَأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: “أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ “فَقالوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ ثُمَّ قَالَ:”أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ قَالُوا: وَاللَّه لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْباً فيه، لأنه أَسَكُّ. فكَيْفَ وَهو مَيَّتٌ، فقال:”فَوَ اللَّه للدُّنْيَا أَهْونُ عَلى اللَّه مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ” رواه مسلم.
قوله”كنفته”أَيْ: عن جانبيه. وَ”الأَسكُّ”الصغير الأُذُن.

9/465-وعن أَبي ذرٍّ رَضِيَ اللَّه عنه، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، في حَرَّةٍ بِالمَدِينَةِ، فَاسْتَقْبلَنَا أَحُدٌ فقال: “يَا أَبَا ذَرٍّ”.

قلت: لَبَّيْكَ يَا رسولَ اللَّه. فقال:”مَا يَسُرُّني أَنَّ عِنْدِي مِثل أَحُدٍ هَذَا ذَهباً تَمْضِي عَلَيَّ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ وعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، إِلَاّ شَيْءٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنِ، إِلَاّ أَنْ أَقُولَ بِهِ في عِبَاد اللَّه هكَذَا وَهَكَذا”عن يَمِينهِ وعن شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، ثُمَّ سَارَ فقال:”إِنَّ الأَكثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَومَ القيامةِ إِلَاّ مَنْ قَالَ بالمَالِ هكذَا وَهكَذَا “عن يمينهِ، وعن شمالهِ، ومِنْ خَلفه”وَقَليلٌ مَا هُمْ”.

ثُمَّ قَالَ لي: “مَكَانَك لَا تَبْرَحْ حَتَّى آتيَكَ “. ثُمَّ انْطَلَقَ في سَوَادِ اللَّيْلِ حَتَّى تَوَارَى، فسمِعْتُ صَوْتاً قَدِ ارْتَفَعَ، فَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ عَرَضَ للنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْله: “لا تَبْرَحْ حَتَّى آتيَكَ”فلم أَبْرَحْ حَتَّى أَتَاني، فَقُلْتُ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوتاً تَخَوَّفْتُ مِنْهُ، فَذَكَرْتُ لَهُ. فقال:”وَهَلْ سَمِعْتَهُ؟ “قلت: نَعَم،

قَالَ:”ذَاكَ جِبريلُ أَتاني فقال: مَن ماتَ مِنْ أُمتِكَ لايُشرِكُ باللَّه شَيئاً دَخَلَ الجَنَّةَ، قلتُ: وَإِنْ زَنَي وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ” متفقٌ عليه. وهذا لفظ البخاري.

10/466- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، عنْ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَوْ كَانَ لِي مِثلُ أُحُدٍ ذَهَباً، لَسرَّني أَنْ لَا تَمُرَّ علَيَّ ثَلاثُ لَيَالٍ وَعِندِي مِنْهُ شَيءٌ إلَاّ شَيءٌ أُرْصِدُه لِدَينٍ “متفقٌ عليه.

11/467-وعنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: انْظُرُوا إِلَى منْ أَسفَل منْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هَوَ فَوقَكُم فهُوَ أَجْدرُ أَن لَا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَليْكُمْ” متفقٌ عَلَيْهِ وهذا لفظ مسلمٍ.

وفي رواية البخاري، “إِذا نَظَر أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضلَ عليهِ في المالِ وَالخَلْقِ فلْينْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ”

12/468-وعنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “تَعِسَ عبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالقطيفَةِ وَالخَمِيصَةِ، إِنْ أُعطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعطَ لَمْ يَرْضَ “رواه البخاري.

13/469-وعنه، رضي اللَّه عنه، قَالَ: لقَدْ رَأَيْتُ سبعِين مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، مَا منْهُم رَجُلٌ عَلَيْهِ رداءٌ، إِمَّا إِزَارٌ، وإِمَّا كِسَاءٌ، قدْ ربطُوا في أَعْنَاقِهِمْ، فَمنْهَا مَا يبْلُغُ نِصفَ السَّاقَيْن. ومنْهَا مَا يَبْلُغُ الكَعْبينِ. فَيجْمَعُهُ بيدِه كراهِيَةَ أَنْ تُرَى عوْرتُه”رواه البخاري.

14/470-وعنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ وجنَّةُ الكَافِرِ” رواه مسلم.

15/471-وعن ابن عمر، رضي اللَّه عنهما، قَالَ: أَخَذ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمَنْكِبَيَّ، فقال: “كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ، أَوْ عَابِرُ سبيلٍ “.
وَكَانَ ابنُ عمرَ، رضي اللَّه عنهما، يقول: إِذَا أَمْسيْتَ، فَلا تَنْتظِرِ الصَّباحَ وإِذَا أَصْبحْت، فَلا تنْتَظِرِ المَساءَ، وخُذْ منْ صِحَّتِكَ لمرضِكَ ومِنْ حياتِك لِموتكَ. رواه البخاري.

قالوا في شَرْحِ هَذَا الحديث معناه لَا تَركَن إِلَى الدُّنْيَا وَلَا تَتَّخِذْهَا وَطَناً، وَلَا تُحدِّثْ نَفْسكَ بِطُول الْبقَاءِ فِيهَا، وَلا بالاعْتِنَاءِ بِهَا، وَلَا تَتَعَلَّقْ مِنْهَا إلَاّ بِما يَتَعَلَّقُ بِه الْغَرِيبُ في غيْرِ وطَنِهِ، وَلَا تَشْتَغِلْ فِيهَا بِما لَا يشتَغِلُ بِهِ الْغرِيبُ الَّذِي يُريدُ الذَّهاب إِلَى أَهْلِهِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقٌ.

16/472-وعن أَبي الْعبَّاس سَهْلِ بنِ سعْدٍ السَّاعديِّ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: جاءَ رجُلٌ إِلَى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: فقالَ: يَا رسولَ اللَّه دُلَّني عَلى عمَلٍ إِذا عَمِلْتُهُ أَحبَّني اللَّه، وَأَحبَّني النَّاسُ، فقال: ” ازْهَدْ في الدُّنيا يُحِبَّكَ اللَّه، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحبَّكَ النَّاسُ” حديثٌ حسنٌ رواه ابن مَاجَه وغيره بأَسانيد حسنةٍ

17/473-وعن النُّعْمَانِ بنِ بَشيرٍ، رضيَ اللَّه عنهما، قالَ: ذَكَر عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب، رضي اللَّه عنه، مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوي مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَل مَا يمْلأُ بِهِ بطْنَهُ. رواه مسلم.
“الدَّقَلُ”بفتح الدال المهملة والقاف: رَدِئُ التَّمْرِ.

18/474-وعن عائشةَ، رضي اللَّه عنها، قالت: تُوفِّيَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وَمَا في بَيْتي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَاّ شَطْرُ شَعيرٍ في رَفٍّ لي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَال علَيَّ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ. متفقٌ عليه.
“شَطْرُ شَعيرٍ”أَي شَيْء مِنْ شَعيرٍ. كَذا فسَّرهُ التِّرمذيُّ.

19/475-وعن عمرو بنِ الحارِث أَخي جُوَيْرِية بنْتِ الحَارثِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، رضي اللَّه عنهما، قَالَ: مَا تَرَكَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَاراً وَلا دِرْهَماً، وَلَا عَبْداً، وَلا أَمَةً، وَلا شَيْئاً إِلَاّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ الَّتي كَان يَرْكَبُهَا، وَسِلاحَهُ، وَأَرْضاً جَعَلَهَا لابْنِ السَّبيِلِ صَدَقَةً”رواه البخاري.

20/476-وعن خَبَّابِ بنِ الأَرَتِّ، رضي اللَّه عنه، قَالَ هَاجَرْنَا مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نَلْتَمِسُ وَجهَ اللَّه تَعَالَى فَوَقَعَ أَجْرُنا عَلى اللَّه، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يأْكُلْ مِنْ أَجرِهِ شَيْئاً. مِنْهُم مُصْعَبُ بن عَمَيْر، رضي اللَّه عنه، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنا بهَا رَأْسَهُ، بَدَتْ رجْلاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رِجْلَيْهِ، بَدَا رَأْسُهُ،

فَأَمَرَنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَنَجْعَلَ عَلى رجْليهِ شَيْئاً مِنَ الإِذْخِرِ، ومِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ. فَهُوَ يَهدبُهَا، متفقٌ عَلَيْهِ.
“النَّمِرَةُ”:كسَاء مُلَوَّنٌ منْ صُوفٍ. وَقَوْلُه:”أينَعَت”أَيْ: نَضَجَتْ وَأَدْرَكَتْ. وقوله:”يَهْدِبُهَا”هو بفتح الباءِ وضم الدال وكسرها. لُغَتَان. أَيْ: يَقْطِفُهَا وَيجْتَنِيهَا وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ لمَا فَتَحَ اللَّه تَعَالى عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّنْيَا وَتَمَكنُوا فيهَا.

21/477-وعن سَهْلِ بنِ سَعْد السَّاعديِّ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى كَافراً منْها شَرْبَةَ مَاءٍ”
رواه الترمذي. وَقالَ حديث حسن صحيح.

22/478-وعن أَبي هُرَيْرَة رضي اللَّه عنه، قالَ: سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: “أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلعون مَا فِيهَا، إِلَاّ ذِكْرَ اللَّه تَعَالَى، ومَا وَالَاه وَعالماً وَمُتَعلِّماً “.
رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.

23/479-وعن عَبْدِ اللَّه بنِ مسعودٍ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا في الدُّنْيا”.
رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.

24/480-وعن عبدِ اللَّه بنِ عمرو بنِ العاصِ رضي اللَّه عنهما، قال: مَرَّ عَلَيْنَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَنحنُ نُعالجُ خُصًّا لَنَا فَقَالَ: “مَا هَذَا؟ “فَقُلْنَا: قَدْ وَهِي، فَنَحْنُ نُصْلِحُه، فَقَالَ:”مَا أَرَى الأَمْرَ إِلَاّ أَعْجَلَ مِنْ ذلكَ”.
رواه أَبو داود، والترمذيُّ بإِسناد البخاريِّ ومسلم، وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

25/481-وعن كَعْبِ بنِ عِيَاضٍ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ: “إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فتنةً، فِتنَةُ أُمَّتي المَالُ” رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

26/482-وعن أَبي عمرو، ويقالُ: أَبو عبدِ اللَّه، ويقالُ: أَبو لَيْلى عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ رضي اللَّه عنه، أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَيْسَ لابْن آدَمَ حَقٌّ في سِوى هَذِهِ الخِصَال: بَيْتٌ يَسْكُنُهُ، وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَجِلْفُ الخُبز، وَالمَاءِ ” رواه الترمذي وقال: حديث صحيح.

قَالَ الترمذي: سمعتُ أَبَا داوُدَ سلَيمَانَ بنَ سَالمٍ البَلْخِيَّ يقولُ: سَمِعْتُ النَّضْر بْنَ شُمَيْلٍ يقولُ: الجلفُ: الخُبزُ لَيْس مَعَهُ إِدَامٌ. وقَالَ: غيرُهُ: هُوَ غَلِيظُ الخُبْزِ. وقَالَ الرَّاوِي: المُرَادُ بِهِ هُنَا وِعَاءُ الخُبزِ، كالجَوَالِقِ وَالخُرْجِ، واللَّه أعلم.

27/483-وعنْ عبْدِ اللَّه بنِ الشِّخِّيرِ”بكسر الشين والخاءِ المشددةِ المعجمتين”رضي اللَّه عنه، أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وهُوَ يَقْرَأُ: {أَلهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} قَالَ: “يَقُولُ ابنُ آدَم: مَالي، مَالي، وَهَل لَكَ يَا ابْنَ آدمَ مِنْ مالِكَ إِلَاّ مَا أَكَلت فَأَفْنيْتَ، أَو لبِستَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضيْتَ؟ ” رواه مسلم.

28/484-وعن عبدِ اللَّه بن مُغَفَّلٍ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: قَالَ رجُلٌ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يارسولَ اللَّه، واللَّه إِنِّي لأُحِبُّكَ، فَقَالَ: “انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ؟ “قَالَ: وَاللَّه إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ:”إِنْ كُنْتَ تُحبُّني فَأَعِدَّ لَلفقْر تِجْفافاً، فإِنَّ الفَقْر أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّني مِنَ السَّيْل إِلَى مُنْتَهَاهُ “رواه الترمذي وقال حديث حسن.
“التِّجْفَافُ”بكسرِ التاءِ المثناةِ فوقُ وَإسكانِ الجيمِ وبالفاءِ المكررة، وَهُوَ شَيْءُ يَلْبِسُهُ الفَرسُ، لِيُتَّقَى بِهِ الأَذَى، وَقَدْ يَلْبَسُهُ الإِنْسَانُ

29/485-وعن كَعبِ بنِ مالكٍ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَاذِئْبَان جَائعَانِ أُرْسِلا في غَنَم بأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المالِ وَالشرفِ لِدِينهِ” رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

30/486-وعن عبدِ اللَّه بنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّه عنه، قَالَ: نَامَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلَى حَصيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ الَّله لوِ اتَّخَذْنَا لكَ وِطَاءً، فقال: “مَالي وَلَلدُّنْيَا؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلَاّ كَرَاكبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا “.
رواه الترمذي وَقالَ: حديث حسن صحيح

31/487-وعن أَبي هريرةَ رضي اللَّه عنه، قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يَدْخُلُ الفُقَراءُ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمائَةِ عَامٍ” رواه الترمذي وقال: حديث صحيح.

32/488-وعن ابن عَبَّاسِ، وعِمْرَانَ بن الحُصَيْن، رضي اللَّه عنهم، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “آطَّلعْتُ في الجَنَّةِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهلِهَا الفُقَراءَ. وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّساءَ” متفقٌ عَلَيْهِ. من رواية ابن عباس.
ورواه البخاري أيْضاً من روايةِ عِمْرَان بنِ الحُصَينِ..

33/489-وعن أُسامةَ بنِ زيدٍ رضيَ اللَّه عنهما، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “قُمْتُ عَلى بَاب الجَنَّةِ، فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا المَساكينُ. وأَصَحَابُ الجِدِّ محبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصحَابَ النَّار قَد أُمِرَ بِهمْ إِلَى النَّارِ” متفقٌ عَلَيْهِ.
وَ”الجَدُّ”الحَظُّ وَالغِنَى. وقد سبق بيان هَذَا الحديث في باب فضلِ الضَّعَفَةِ.

34/490-وعن أَبي هريرة، رضي اللَّه عنه، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ أَلا كُلُّ شيْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِلُ
متفقٌ عليه

56-‌‌باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار عَلَى القليل من المأكول

والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات

قَالَ الله تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً، إِلَاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً} [مريم:59،60]

وقال تَعَالَى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} [القصص:79،80]

وقال تَعَالَى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8] وقال تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً} [الإسراء:18] .
والآيات في الباب كثيرةٌ معلومةٌ.

1/491-وعن عائشةَ، رضي اللَّه عنها، قالت: مَا شَبعَ آلُ مُحمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ. متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُنْذُ قَدِمَ المَدِينةَ مِنْ طَعامِ البرِّ ثَلاثَ لَيَال تِبَاعاً حَتَّى قُبِض.

2/492-وعن عُرْوَةَ عَنْ عائشة رضي اللَّه عنها، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: وَاللَّه يَا ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إلى الهِلالِ ثمَّ الهِلالِ. ثُمَّ الهلالِ ثلاثةُ أَهِلَّةٍ في شَهْرَيْنِ. وَمَا أُوقِدَ في أَبْيَاتِ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نارٌ قُلْتُ: يَا خَالَةُ فَمَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قالتْ: الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالمَاءُ إِلَاّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لرسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم جِيرانٌ مِنَ الأَنْصَارِ. وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ وَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ أَلبانها فَيَسْقِينَا. متفقٌ عَلَيْهِ.

3/493-وعن أَبي سعيدٍ المقْبُريِّ عَنْ أَبي هُرَيرةَ رضي اللَّه عنه. أَنه مَرَّ بِقَوم بَيْنَ أَيْدِيهمْ شَاةٌ مَصْلِيةٌ. فَدَعَوْهُ فَأَبى أَنْ يَأْكُلَ، وقال: خَرج رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَنْ الدُّنْيَا ولمْ يشْبعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ. رواه البخاري.
“مَصْلِيَّةٌ”بفتحِ الميم: أَيْ: مَشْوِيةٌ.

4/494-وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه، قَالَ: لمْ يأْكُل النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلَى خِوَانٍ حَتَّى مَات، وَمَا أَكَلَ خُبزاً مرَقَّقاً حَتَّى مَاتَ. رواه البخاري.
وفي روايةٍ لَهُ: وَلا رَأَى شَاةَ سَمِيطاً بِعَيْنِهِ قطُّ.

5/495-وعن النُّعمانِ بن بشيرٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَمَا يَجِدُ مِنْ الدَّقَلِ مَا يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ، رواه مسلم.
الدَّقَلُ: تمْرٌ رَدِيءٌ.

6/496-وعن سهل بن سعدٍ رضي اللَّه عنه، قال: ما رَأى رُسولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم النّقِيّ منْ حِينَ ابْتعَثَهُ اللَّه تَعَالَى حتَّى قَبَضَهُ اللَّه تَعَالَى، فقِيلَ لَهُ هَلْ كَانَ لَكُمْ في عهْد رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَنَاخلُ؟ قَالَ: مَا رَأى رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُنْخَلَا مِنْ حِينَ ابْتَعثَهُ اللَّه تَعَالَى حَتَّى قَبَضُه اللَّه تَعَالَى، فَقِيلَ لهُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غيرَ منْخُولٍ؟ قَالَ: كُنَّا نَطْحُنَهُ ونَنْفُخُهُ، فَيَطيرُ مَا طارَ، وَمَا بَقِي ثَرَّيْناهُ. رواه البخاري.

قَوْله:”النَّقِيّ”: هُوَ بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياءِ. وهُوَ الخُبْزُ الحُوَّارَى، وَهُوَ: الدَّرْمَكُ، قَوْله:”ثَرَّيْنَاهُ”هُو بثاءٍ مُثَلَّثَةٍ، ثُمَّ رَاءٍ مُشَدَّدَةٍ، ثُمَّ ياءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْت ثُمَّ نون، أَيْ: بَلَلْناهُ وعَجَنَّاهُ.

7/497-وعن أبي هُريرةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ذاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ، فَإِذا هُوَ بِأَبي بكْرٍ وعُمَرَ رضي اللَّه عنهما، فَقَالَ:”مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُما هذِهِ السَّاعَةَ؟ “قَالا: الجُوعُ يَا رَسولَ اللَّه قالَ:”وَأََنا، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَخْرَجَني الَّذِي أَخْرَجَكُما. قُوما”فقَاما مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلاً مِنَ الأَنْصارِ، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ في بيتهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ المرَأَةُ قالَتْ: مَرْحَباً وَأَهْلاً. فقال لَهَا رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَيْنَ فُلانٌ”

قالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا الماءَ، إِذْ جاءَ الأَنْصَاريُّ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قالَ: الحَمْدُ للَّه، مَا أَحَدٌ اليَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيافاً مِنِّي فانْطَلقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وتَمْرٌ ورُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا، وَأَخَذَ المُدْيَةَ، فَقَالَ لَهُ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”إِيَّاكَ وَالحَلُوبَ”فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذلكَ العِذْقِ وشَرِبُوا.

فلمَّا أَنْ شَبعُوا وَرَوُوا قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لأَبي بكرٍ وعُمَرَ رضي اللَّه عنهما:”وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هذَا النَّعيمِ يَوْمَ القِيامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هذا النَّعِيمُ” رواه مسلم.

قَوْلُها:”يَسْتَعْذبُ”أَيْ: يَطْلبُ الماءَ العَذْبَ، وهُوَ الطَّيبُ. وَ”العِذْقُ”بكسر العين وإسكان الذال المعجمة: وَهُو الكِباسَةُ، وهِيَ الغُصْنُ. وَ”المُدْيةُ”بضم الميم وكسرِها: هي السِّكِّينُ. وَ”الحلُوبُ”ذاتُ اللبَن. وَالسؤالُ عَنْ هَذَا النعِيم سُؤالُ تَعدِيد النِّعَم لا سُؤالُ توْبيخٍ وتَعْذِيبٍ. واللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الأنصارِيُّ الَّذِي أَتَوْهُ هُوَ أَبُو الهَيْثمِ بنُ التَّيِّهان رضي اللَّه عنه، كَذا جاءَ مُبَيناً في روايةِ الترمذي وغيره.

8/498-وعن خالدِ بنِ عُمَرَ العَدَويِّ قَالَ: خَطَبَنَا عُتْبَةُ بنُ غَزْوانَ، وكانَ أَمِيراً عَلى البَصْرَةِ، فَحمِدَ اللَّه وأَثْنى عليْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا بعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بصُرْمٍ، ووَلَّتْ حَذَّاءَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَاّ صُبَابَةٌ كَصُبابةِ الإِناءِ يتصابُّها صاحِبُها، وإِنَكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْها إِلَى دارٍ لَا زَوالَ لهَا، فانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُم فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنا أَنَّ الحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفِير جَهَنَّمَ فَيهْوى فِيهَا سَبْعِينَ عَاماً لَا يُدْركُ لَها قَعْراً، واللَّهِ لَتُمْلأَنَّ.. أَفَعَجِبْتُمْ،؟

ولَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْراعَيْنِ مِنْ مَصاريعِ الجَنَّةِ مَسيرةَ أَرْبَعِينَ عَاماً، وَلَيَأْتِينَّ عَلَيها يَوْمٌ وهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحامِ، وَلَقَدْ رأَيتُني سابعَ سبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مالَنا طَعامٌ إِلَاّ وَرَقُ الشَّجَرِ، حَتَّى قَرِحَتْ أَشْداقُنا، فالْتَقَطْتُ بُرْدَةً فشَقَقْتُها بيْني وَبَينَ سَعْدِ بنِ مالكٍ فَاتَّزَرْتُ بنِصْفِها، وَاتَّزَر سَعْدٌ بنِصفِها، فَمَا أَصْبَحَ اليَوْم مِنَّا أَحَدٌ إِلَاّ أَصْبَحَ أَمِيراً عَلى مِصْرٍ مِنْ الأَمْصَارِ. وإِني أَعُوذُ باللَّهِ أَنْ أَكْونَ فِي نَفْسي عَظِيماً. وعِنْدَ اللَّهِ صَغِيراً. رواهُ مسلم.

قَوْله:”آذَنَتْ”هُوَ بَمدِّ الأَلِفِ، أَيْ: أَعْلَمَتْ. وَقَوْلُه:”بِصُرْمٍ”: هُوَ بضم الصاد. أيْ: بانْقطاعِها وَفَنائِها. وَقوله”ووَلَّتْ حَذَّاءَ”هُوَ بحاءٍ مهملةٍ مفتوحةٍ، ثُمَّ ذال معجمة مشدَّدة، ثُمَّ أَلف ممدودَة. أَيْ سَريعَة وَ”الصُّبابةُ”بضم الصاد المهملة: وهِي البقِيَّةُ اليَسِيرَةُ.

وقولُهُ:”يَتَصابُّها”هُوَ بتشديد الباءِ قبل الهاء. أَيْ: يجْمَعُها. وَالكَظِيظُ: الكثيرُ المُمْتَلئُ. وَقَوْلُه:”قَرِحَتْ”هُوَ بفتحِ القاف وكسر الراءِ، أَيْ: صارَتْ فِيهَا قُرُوحٌ.

9/499-وعن أَبي موسى الأَشْعَريِّ رضي اللَّهُ عنه قَالَ: أَخْرَجَتْ لَنا عائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها كِساء وَإِزاراً غَلِيظاً قالَتْ: قُبِضَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في هَذَيْنِ. متفقٌ عَلَيْهِ.

10/500-وعنْ سَعد بن أَبي وَقَّاصٍ. رضيَ اللَّه عنه قَالَ: إِنِّي لأَوَّلُ العَربِ رَمَى بِسَهْمِ في سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَقَدْ كُنا نَغْزُو مَعَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَاّ وَرَقُ الحُبْلَةِ. وَهذا السَّمَرُ. حَتى إِنْ كانَ أَحَدُنا لَيَضَعُ كما تَضَعُ الشاةُ مالَهُ خَلْطٌ. متفقٌ عَلَيْهِ.
“الحُبْلَةِ”بضم الحاءِ المهملة وإِسكانِ الباءِ الموحدةِ: وَهِيَ والسَّمُرُ، نَوْعانِ مَعْروفانِ مِنْ شَجَرِ البَادِيَةِ.

11/ٍ501-وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه. قَالَ: قالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “اللَّهُمَّ اجْعَلْ رزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتاً” متفقٌ عليه.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَة والْغَرِيبِ: معْنَى”قُوتاً”أَيْ مَا يَسدُّ الرَّمَقَ.

12/502-وعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: واللَّه الَّذِي لَا إِلهَ إِلَاّ هُوَ، إِنْ كُنْتُ لأعَتمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الجُوعِ، وإِنْ كُنْتُ لأشُدُّ الحجَرَ عَلَى بَطْني منَ الجُوعِ. وَلَقَدْ قَعَدْتُ يوْماً على طَرِيقهِمُ الذي يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي، وعَرَفَ مَا فِي وجْهي ومَا فِي نَفْسِي، ثُمَّ قال:

“أَباهِرٍّ،،”قلتُ: لَبَّيْكَ يَا رسولَ اللَّه، قَالَ:”الحَقْ”ومَضَى، فَاتَّبَعْتُهُ، فدَخَلَ فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لِي فدَخَلْتُ، فوَجَدَ لَبَناًفي قَدحٍ فَقَالَ:”مِنْ أَيْنَ هذَا اللَّبَنُ؟ “قَالُوا: أَهْداهُ لَكَ فُلانٌ أَو فُلانة قَالَ:”أَبا هِرٍّ،،”قلتُ: لَبَّيْكَ يَا رسول اللَّه،

قَالَ:”الْحَقْ إِلى أَهْل الصُّفَّةِ فادْعُهُمْ لِي”. قَالَ: وأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضيَافُ الإِسْلام، لَا يَأْوُون عَلى أَهْلٍ، وَلَا مَالٍ، وَلَا عَلَى أَحَدٍ، وكانَ إِذَا أَتَتْهُ صدقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ. ولَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئاً، وإِذَا أَتَتْهُ هديَّةٌ أَرْسلَ إِلَيْهِمْ وأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فسَاءَني ذلكَ فَقُلْتُ: وَمَا هذَا اللَّبَنُ في أَهْلِ الصُّفَّةِ؟ كُنْتَ أَحَقَّ أَن أُصِيب منْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، فَإِذا جاءُوا أَمَرنِي، فكُنْتُ أَنا أُعْطِيهِمْ، وَمَا عَسَى أَن يبْلُغَني منْ هَذَا اللَّبَنِ، ولمْ يَكُنْ منْ طَاعَةِ اللَّه وطَاعَةِ رسوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بدٌّ. فأَتيتُهُم فدَعَوْتُهُمْ فأَقْبَلُوا واسْتأْذَنوا، فَأَذِنَ لهُمْ وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ قَالَ:”يَا أَبا هِرّ،،”

قلتُ: لَبَّيْكَ يَا رسولَ اللَّه، قَالَ:”خذْ فَأَعْطِهِمْ”قَالَ: فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْت أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يردُّ عليَّ الْقَدَحَ، فَأُعطيهِ الآخرَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يروَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَليَّ الْقَدحَ، حتَّى انْتَهَيتُ إِلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وََقَدْ رَوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، فَنَظَرَ إِليَّ فَتَبَسَّمَ، فَقَالَ:”أَبا هِرّ”

قلتُ: لَبَّيْكَ يَا رسول اللَّه قَالَ:”بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ”قلتُ صَدَقْتَ يَا رسولَ اللَّه، قَالَ:”اقْعُدْ فَاشْرَبْ”فَقَعَدْتُ فَشَربْتُ: فَقَالَ:”اشرَبْ”فشَربْت، فَمَا زَالَ يَقُولُ:”اشْرَبْ”حَتَّى قُلْتُ: لا وَالَّذِي بعثكَ بالحَقِّ ما أَجِدُ لَهُ مسْلَكاً، قَالَ:”فَأَرِني”فأَعطيْتهُ الْقَدَحَ، فحمِدَ اللَّه تَعَالَى، وَسمَّى وَشَربَ”الفَضَلَةَ” رواه البخاري.

13/503-وعن مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ عن أَبي هريرةَ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: لَقَدْ رأَيْتُني وإِنِيّ لأَخِرُّ فِيما بَيْنَ مِنْبَرِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَى حُجْرَةِ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها مَغْشِيّاً عَلَيَّ، فَيجِيءُُ الجَائي، فيَضَعُ رِجْلَهُ عَلى عُنُقي، وَيرَى أَنِّي مَجْنونٌ وما بي مِن جُنُونٍ، وما بي إِلَاّ الجُوعُ. رواه البخاري.

14/504-وعن عائشةَ، رضيَ اللَّه عنها، قَالَتْ: تُوُفِّيَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ودِرْعُهُ مرْهُونَةٌ عِند يهودِيٍّ في ثَلاثِينَ صَاعاً منْ شَعِيرٍ. متفقٌ عَلَيْهِ.

15/505-وعن أَنس رضي اللَّه عنه قَالَ: رَهَنَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم دِرْعهُ بِشَعِيرٍ، ومشيتُ إِلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِخُبْزِ شَعيرٍ، وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ سمِعْتُهُ يقُولُ: ” مَا أَصْبحَ لآلِ مُحَمَّدٍ صاعٌ وَلَا أَمْسَى وَإِنَّهُم لَتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ”رواه البخاري.
“الإِهَالَةُ”بكسر الهمزة: الشَّحْمُ الذَّائِبُ. وَالسَّنِخَةُ”بِالنون والخاءِ المعجمة، وَهِي: المُتَغَيِّرةُ.

16/506-وعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه، قَالَ: لَقدْ رَأَيْتُ سبْعينَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، مَا مِنْهُم رَجلٌ عَلَيهِ رِدَاء، إِمَّا إِزارٌ وإِمَّا كِسَاءٌ، قَدْ ربطُوا في أَعْنَاقِهم فمِنهَا مَا يَبْلُغُ نِصفَ السَّاقيْنِ، وَمِنهَا مَا يَبلُغُ الكَعْبَينِ، فيجمعُهُ بِيَدِهِ كَراهِيَةَ أَن تُرَى عَوْرَتُهُ. رواه البخاري

17/507-وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: كَانَ فِرَاشُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِن أدَمٍ حشْوُهُ لِيف. رواه البخاري.

18/508-وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قَالَ: كُنَّا جُلُوساً مَعَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذْ جاءَ رَجُلٌ مِن الأَنْصارِ، فسلَّم علَيهِ، ثُمَّ أَدبرَ الأَنْصَارِيُّ،

فقال رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يَا أَخَا الأَنْصَارِ، كَيْفَ أَخِي سعْدُ بنُ عُبادةَ؟ “فَقَالَ: صَالحٌ، فَقَالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”مَنْ يعُودُهُ مِنْكُمْ؟ “فَقام وقُمْنا مَعَهُ، ونَحْنُ بضْعَةَ عشَر مَا علَينَا نِعالٌ وَلا خِفَافٌ، وَلا قَلانِسُ، وَلَا قُمُصٌ نَمْشِي في تلكَ السِّبَاخِ، حَتَّى جِئْنَاهُ، فاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْله حتَّى دنَا رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَأَصْحابُهُ الَّذِين مَعهُ. رواه مسلم.

19/509-وعن عِمْرانَ بنِ الحُصَينِ رضي اللَّه عنهما، عن النَّبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنه قَالَ: “خَيْرُكُمْ قَرنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يلوُنَهم، ثُمَّ الَّذِينَ يلُونَهُم” قَالَ عِمرَانُ: فَمَا أَدري قَالَ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَرَّتَيْن أَو ثَلاثاً “ثُمَّ يَكُونُ بَعدَهُمْ قَوْمٌ يشهدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهمْ السِّمَنُ” متفقٌ عَلَيْهِ.

20/510-وعن أَبي أُمامة رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يَا ابْنَ آدمَ: إِنَّكَ إِنْ تَبْذُل الفَضلَ خَيْرٌ لَكَ، وَأَن تُمْسِكهُ شرٌّ لَكَ، ولَا تُلامُ عَلى كَفَافٍ، وَابدأ بِمنْ تَعُولُ “رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

21/511-وعن عُبَيد اللَّه بِن مِحْصَنٍ الأَنْصارِيِّ الخَطْمِيِّ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “منْ أَصبح مِنكُمْ آمِناً في سِرْبِهِ، مُعَافَىً في جَسدِه، عِندهُ قُوتُ يَومِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحذافِيرِها”.رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
“سِرْبِهِ”بكسر السين المهملة، أَي: نَفْسِهِ، وقِيلَ: قَومِه

22/512-وعن عبدِ اللَّه بن عمرو بنِ العاصِ رضي اللَّه عنهما، أَن رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “قَدْ أَفَلَحَ مَن أَسلَمَ، وكَانَ رِزقُهُ كَفَافاً، وَقَنَّعَهُ اللَّه بِمَا آتَاهُ “رواه مسلم.

23/513-وعن أَبي مُحَمَّد فَضَالَةَ بنِ عُبَيْد الأَنْصَارِيِّ رضي اللَّه عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: “طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلى الإِْسلام، وَكَانَ عَيْشهُ كَفَافاً، وَقَنِعَ” رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسن صحيح.

24/514-وعن ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: كَانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَبِيتُ اللَّيَالِيَ المُتَتَابِعَةَ طَاوِياً، وَأَهْلُهُ لَا يَجِدُونَ عَشاءَ، وَكَانَ أَكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبْز الشَّعِيرِ. رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح.

515- وعن فضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ رضي اللَّه عنه، أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كَانَ إِذَا صَلَّى بِالنَّاسِ يَخِرُّ رِجَالٌ مِنْ قَامَتِهِمْ في الصَّلاةِ مِنَ الخَصَاصةِ وَهُمْ أَصْحابُ الصُّفَّةِ حَتَّى يَقُولَ الأَعْرَابُ: هُؤُلاءِ مَجَانِينُ، فَإِذَا صلَّى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم انْصَرفِ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: “لَوْ تَعْلَمُونَ مَا لَكُمْ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى، لأَحْبَبْتُمْ أَنْ تَزْدادُوا فَاقَةً وَحَاجَةً “رواه الترمذي، وقال حديثٌ صحيحٌ.
“الخَصاصَةُ”: الْفَاقَةُ والجُوعُ الشَّديدُ.

26/516-وعن أَبي كَريمَةَ المِقْدامِ بن معْدِ يكَرِب رضي اللَّه عنه قالَ: سمِعتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقَولُ: “مَا ملأَ آدمِيٌّ وِعَاءً شَرّاً مِنْ بَطنِه، بِحسْبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبُهُ، فإِنْ كَانَ لا مَحالَةَ، فَثلُثٌ لطَعَامِهِ، وثُلُثٌ لِشرابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ”.
رواه الترمذي وقال: حديث حسن.”أُكُلاتٌ”أَيْ: لُقمٌ.

27/517-وعن أَبي أُمَامَةَ إِيَاسِ بنِ ثَعْلَبَةَ الأَنْصَارِيِّ الحارثيِّ رضي اللَّه عنه قَالَ: ذَكَرَ أَصْحابُ رَسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يوْماً عِنْدَهُ الدُّنْيَا، فَقَالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَلا تَسْمَعُونَ؟ أَلا تَسْمَعُونَ؟ إِنَّ الْبَذَاذَة مِن الإِيمَان إِنَّ الْبَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ”ي عْني: التَّقَحُّلَ. رواهُ أَبو داود

“الْبَذَاذَةُ”: بِالْبَاءِ المُوَحَّدةِ وَالذَّالَينِ المُعْجمَتَيْنِ، وَهِيَ رَثاثَةُ الهَيْئَةِ، وَتَرْكُ فَاخِرِ اللِّبَاسِ وأَمَّا”التَّقَحُّلُّ”فَبِالْقَافِ والحاء، قَالَ أَهْلُ اللُّغَة: المُتَقَحِّل: هُوَ الرَّجُلُ الْيَابِسُ الجِلدِ مِنْ خُشُونَةَ الْعَيْشِ، وَتَرْكِ التَّرَفَّهِ.

28/518-وعن أبي عبدِ اللَّه جابر بن عبدِ اللَّه رضي اللَّه عنهما قَالَ: بَعَثَنَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَأَمَّرَ عَلَينَا أَبَا عُبَيْدَةَ رضي اللَّه عنه، نتَلَقَّي عِيراً لِقُرَيْشٍ، وَزَّودَنَا جِرَاباً مِنْ تَمْرٍ لَمْ يجِدْ لَنَا غَيْرَهُ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدةَ يُعْطِينَا تَمْرةً تَمْرَةً، فَقِيل: كَيْف كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟

قَالَ: نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيهَا مِنَ المَاءِ، فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلى اللَّيْلِ، وكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصيِّنا الخَبَطَ، ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالمَاءِ فَنَأْكُلُهُ. قَالَ: وانْطَلَقْنَا عَلَى ساَحِلِ البَحْرِ، فرُفعَ لنَا عَلَى ساحِلِ البَحْرِ كهَيْئَةِ الكَثِيبِ الضَّخْمِ، فَأَتيْنَاهُ فَإِذا هِي دَابَّةٌ تُدْعى العَنْبَرَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ،

ثُمَّ قَالَ: لا، بلْ نحْنُ رسُلُ رسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وفي سبيلِ اللَّه، وقَدِ اضْطُرِرتمْ فَكلُوا، فَأَقَمْنَا علَيْهِ شَهْراً، وَنَحْنُ ثَلاثُمائَة، حتَّى سَمِنَّا، ولقَدْ رَأَيتُنَا نَغْتَرِفُ مِن وقْبِ عَيْنِهِ بالْقِلالِ الدُّهْنَ ونَقْطَعُ منْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ أَو كقَدْرِ الثَّوْرِ، ولَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبيْدَةَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فأَقْعَدَهُم في وقْبِ عَيْنِهِ وَأَخَذَ ضِلَعاً منْ أَضْلاعِهِ فأَقَامَهَا ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا فَمَرَّ منْ تَحْتِهَا وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لحْمِهِ وَشَائِقَ،

فَلمَّا قدِمنَا المديِنَةَ أَتَيْنَا رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَذكْرَنَا ذلكَ لَهُ، فَقَالَ:”هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّه لَكُمْ، فَهَلْ معَكمْ مِنْ لحْمِهِ شَيء فَتطْعِمُونَا؟ ” فَأَرْسلْنَا إِلَى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْهُ فَأَكَلَهُ. رواه مسلم.

“الجِرَابُ”: وِعاء مِنْ جِلْدٍ مَعْرُوف، وَهُو بكَسِر الجيم وفتحِها، والكسرُ أَفْصحُ. قَوْلُهُ:”نَمَصُّهَا”بفتح الميم”والخَبْطَ”وَرَقُ شَجَرٍ مَعْرُوف تَأْكُلُهُ الإِبلُ.”وَالكَثِيبُ”التَّلُّ مِنَ الرَّمْلِ،”والوَقْبُ”: بفتحِ الواوِ وإِسكان القافِ وبعدهَا بَاءٌ موحدةٌ، وَهُو نقرة

العيْن”وَالقِلالُ”الجِرَارُ.”والفِدَرُ”بكسرِ الفاءِ وفتح الدال: القِطعُ.”رَحَلَ البَعِيرَ”بتخفيفِ الحاءِ أيْ جعلَ عليه الرحْلَ. و”الْوَشَائق”بالشينِ المعجمةِ والقافِ: اللَّحْمُ الَّذي اقْتُطِعَ ليقَدَّدَ مِنْه، واللَّه أعلم.

29/519-وعن أَسْمَاءَ بنْتِ يَزِيدَ رضي اللَّه عنها قالت: كانَ كُمُّ قمِيصِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِلى الرُّصْغِ رواه أَبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن.
“الرُّصْغُ”بالصادِ والرُّسْغُ بالسينِ أَيضاً: هوَ المُفْصِلُ بينْ الكَفِّ والسَّاعِدِ.

30/520-وعن جابر رضي اللَّه عنه قَالَ: إِنَّا كُنَّا يَوْم الخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرضَتْ كُدْيَةٌ شَديدَةٌ فجاءُوا إِلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقالوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضتْ في الخَنْدَقِ. فَقَالَ: “أَنَا نَازِلٌ”ثُمَّ قَامَ وبَطْنُهُ معْصوبٌ بِحَجرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقاً، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم المِعْول، فَضرَب فَعَادَ كَثيباً أَهْيَلَ، أَوْ أَهْيَمَ.

فقلتَ: يَا رسولَ اللَّه ائْذَن لي إِلى البيتِ، فقلتُ لامْرَأَتي: رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم شَيْئاً مافي ذلكَ صبْرٌ فِعِنْدَكَ شَيءٌ؟ فقالت: عِندِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ، فَذَبحْتُ العَنَاقَ، وطَحَنْتُ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللحمَ في البُرْمَة، ثُمَّ جِئْتُ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَالعجِينُ قَدْ انْكَسَرَ والبُرْمَةُ بيْنَ الأَثَافِيِّ قَد كَادَتَ تَنْضِجُ.

فقلتُ: طُعَيِّمٌ لي فَقُمْ أَنْت يَا رسولَ اللَّه وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلانِ، قَالَ:”كَمْ هُوَ؟ “فَذَكَرتُ لَهُ فَقَالَ:”كثِير طَيِّبٌ، قُل لَهَا لَا تَنْزِع البُرْمَةَ، ولا الخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتيَ”فَقَالَ:”قُومُوا”فقام المُهَاجِرُون وَالأَنْصَارُ، فَدَخَلْتُ عليها فقلت: وَيْحَكِ جَاءَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَالمُهَاجِرُونَ، وَالأَنْصارُ وَمن مَعَهم، قالت: هَلْ سأَلَكَ؟ قلتُ: نَعَمْ،

قَالَ:”ادْخُلوا وَلا تَضَاغَطُوا”فَجَعَلَ يَكْسِرُ الخُبْزَ، وَيجْعَلُ عليهِ اللحمَ، ويُخَمِّرُ البُرْمَةَ والتَّنُّورَ إِذا أَخَذَ مِنْهُ، وَيُقَرِّبُ إِلى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ وَيَغْرفُ حَتَّى شَبِعُوا، وَبَقِيَ مِنه، فَقَالَ:”كُلِي هذَا وَأَهدي، فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ “متفقٌ عَلَيْهِ.

وفي روايةٍ: قَالَ جابرٌ: لمَّا حُفِرَ الخَنْدَقُ رَأَيتُ بِالنبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خَمَصاً، فَانْكَفَأْتُ إِلى امْرَأَتي فقلت: هَلْ عِنْدَكِ شَيْء، فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خَمَصاً شَدِيداً؟ فَأَخْرَجَتْ إِليَّ جِراباً فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ، داجِنٌ فَذَبحْتُهَا، وَطَحنتِ الشَّعِير فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي، وَقَطَّعْتُهَا في بُرَمتِهَا،

ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالَتْ: لَا تفضحْني برسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَمَنْ معَهُ، فجئْتُه فَسَارَرْتُهُ فقلتُ يَا رسول اللَّه، ذَبَحْنا بُهَيمَةً لَنَا، وَطَحَنْتُ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، فَتَعالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ، فَصَاحَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم

فَقَالَ: “يَا أَهْلَ الخَنْدَق: إِنَّ جَابِراً قدْ صنَع سُؤْراً فَحَيَّهَلاًّ بكُمْ”فَقَالَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلا تَخْبِزُنَّ عجِينَكُمْ حَتَّى أَجيءَ”. فَجِئْتُ، وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقْدُمُ النَّاسَ، حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتي فقالتْ: بِك وَبِكَ، فقلتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ. فَأَخْرَجَتْ عَجِيناً فَبسَقَ فِيهِ وبارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلى بُرْمَتِنا فَبَصَقَ وَبَارَكَ، ثُمَّ قال:”ادْعُ خَابزَةً فلْتَخْبزْ مَعكِ، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُم وَلا تَنْزلُوها”وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللَّه لأَكَلُوا حَتَّى تَركُوهُ وَانَحرَفُوا، وإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ، وَأَنَّ عَجِينَنَا لَيخْبَز كَمَا هُوَ

قَوْلُه:”عَرَضَت كُدْيَةٌ”: بضم الكاف وإِسكان الدال وبالياءِ المثناة تَحْتَ، وَهِيَ قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ صُلْبَةٌ مِنَ الأَرْضِ لا يَعْمَلُ فيها الْفَأْسُ.”

وَالْكَثِيبُ”أَصْلُهْ تَلُّ الرَّمْلِ، والمُرَادُ هُنَا: صَارتْ تُراباً ناعِماً، وَهُوَ مَعْنَى”أَهْيَلَ”. وَ”الأَثَافي”: الأَحْجَارُ الَّتي يَكُونُ عَلَيْهَا القِدرُ. وَ”تَضَاغَطُوا”: تَزَاحَمُوا. وَ”المَجاعَةُ”: الجُوعُ، وَهُوَ بفتحِ الميم. وَ”الخَمصُ”بفتحِ الخاءِ المعجمة والميم: الجُوعُ. وَ”انْكَفَأْتُ”: انْقَلَبْتُ وَرَجَعْتُ.

و”الْبُهَيمَةُ”بضم الباءِ: تَصغير بَهْمَة، وَهِيَ الْعنَاقُ بفتح العين وَ”الدَّاجِنُ”: هِيَ الَّتي أَلِفَتِ الْبيْتَ. وَ”السُّؤْر”: الطَّعَام الَّذِي يُدْعَى النَّاسُ إَلَيْه وَهُوَ بُالْفارِسيَّةِ، وَ”حَيَّهَلا”أيْ: تَعَالوا.

وَقَوْلها”بكَ وَبكَ”أَي: خَاصَمَتْهُ وَسَبَّتْهُ، لأَنَّهَا اعْتَقْدَت أَنَّ الَّذي عندهَا لَا يَكفيهم، فَاسْتَحْيَتْ وَخَفِيَ علَيْهَا مَا أَكَرَم اللَّه سُبحانَهُ وَتَعَالَى بِهِ نَبِيَّهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ هذِهِ المُعْجِزَةِ الظَّاهِرةِ والآيَةِ الْبَاهِرَةِ.”بَسقَ”أَي: بصَقَ، وَيُقَالُ أَيضاً: بَزقَ ثَلاثُ لُغَاتٍ. وَ”عَمَد”بفتح الميم: قصَد. وَ”اقْدَحي”أَي: اغرِفي، والمِقْدَحةُ: المِغْرفَةُ. وَ”تَغِطُّ”أَي لِغَلَيَانِهَا صَوْتٌ. واللَّه أعلم.

31/521-وعن أَنس رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ أَبو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْم: قَد سَمعتُ صَوتَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ضَعِيفاً أَعرِفُ فِيهِ الجُوعَ، فَهَل عِندَكِ مِن شيءٍ؟

فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْرَجَتْ أَقَرَاصاً مِن شَعيرٍ، ثُمَّ أَخَذَت خِمَاراً لَهَا فَلَفَّتِ الخُبزَ بِبَعضِه، ثُمَّ دسَّتْهُ تَحْتَ ثَوبي وَرَدَّتْني بِبَعضِه، ثُمَّ أَرْسلَتْنِي إِلى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَذَهَبتُ بِهِ، فَوَجَدتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم جالِساً في المَسْجِدِ، ومَعَهُ النَّاسُ، فَقُمتُ عَلَيهِمْ، فقالَ لي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ “فقلت: نَعم،

فَقَالَ:”أَلِطَعَام”فقلت: نَعَم، فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”قُومُوا”فَانْطَلَقُوا وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيديِهِم حَتَّى جِئتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخبَرتُهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمِّ سُلَيمٍ: قَد جَاءَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ؟ فقالتْ: اللَّهُ وَرسُولُهُ أَعْلَمُ.

فَانطَلَقَ أَبُو طَلْحةَ حتَّى لَقِيَ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فأَقبَلَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَعَه حَتَّى دَخَلا، فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”هَلُمِّي مَا عِندَكِ يَا أُمِّ سُلَيْمٍ”فَأَتَتْ بِذلكَ الخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رسولُ اللَّه ففُتَّ، وعَصَرَت عَلَيه أُمُّ سُلَيمٍ عُكَّةً فَآدَمَتْهُ،

ثُمَّ قَالَ فِيهِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ:”ائذَن لِعَشَرَةٍ”فَأَذِنَ لَهُم، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ:”ائذَن لِعَشَرَةٍ”فَأَذنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حتى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجوا، ثُمَّ قَالَ:”ائذَنْ لِعَشَرَةٍ”فَأَذِنَ لهُم حَتَّى أَكل القَوْمُ كُلُّهُم وَشَبِعُوا، وَالْقَوْمُ سَبْعونَ رَجُلاً أَوْ ثَمَانُونَ. متفقٌ عَلَيْهِ

وفي روايةٍ: فَمَا زَالَ يَدخُلُ عشَرَةٌ وَيَخْرُجُ عَشَرَةٌ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنهم أَحَدٌ إِلا دَخَلَ، فَأَكَلَ حَتَّى شَبِعَ، ثُمَّ هَيَّأَهَا فَإِذَا هِي مِثلُهَا حِينَ أَكَلُوا مِنها.

وفي روايةٍ: فَأَكَلُوا عَشَرَةً عَشَرةً، حَتَّى فَعَلَ ذلكَ بثَمانِينَ رَجُلاً ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بَعْدَ ذلكَ وََأَهْلُ البَيت، وَتَركُوا سُؤراً.

وفي روايةٍ: ثمَّ أفضَلُوا مَا بَلَغُوا جيرانَهُم.

وفي روايةٍ عن أَنسٍ قَالَ: جِئتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يوْماً فَوَجَدتُهُ جَالِساً مَعَ َأَصحابِهِ، وَقد عَصَبَ بَطْنَهُ بِعِصابَةٍ، فقلتُ لِبَعضِ أَصحَابِهِ: لِمَ عَصَبَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بطْنَهُ؟ فقالوا: مِنَ الجُوعِ، فَذَهَبْتُ إِلى أَبي طَلحَةَ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ سُليمٍ بنتِ مِلحَانَ،

فقلتُ: يَا أَبتَاه، قَدْ رَأَيْت رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَصبَ بطنَهُ بِعِصَابَةٍ، فَسَأَلتُ بَعضَ أَصحَابِهِ، فقالوا: مِنَ الجُوعِ. فَدَخل أَبُو طَلحَةَ عَلَى أُمِّي فَقَالَ: هَل مِن شَيءٍ؟

قالت: نَعَمْ عِندِي كِسَرٌ مِنْ خُبزٍ وَتمرَاتٌ، فإِنْ جَاءَنَا رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَحْدهُ أَشبَعنَاه، وإِن جَاءَ آخَرُ مَعَهُ قَلَّ عَنْهمْ، وذَكَرَ تَمَامَ الحَديث

Exit mobile version