هذا عرض كتاب رياض الصالحين تأليف الإمام النووي أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676 هـ) الجزء الأول
مقدمة المؤَلف الإمَام النوَوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمْدُ للهِ الواحدِ القَهَّارِ، العَزيزِ الغَفَّارِ، مُكَوِّرِ اللَّيْلِ على النَّهَارِ، تَذْكِرَةً لأُولي القُلُوبِ والأَبصَارِ، وتَبْصرَةً لِذَوي الأَلبَابِ واَلاعتِبَارِ، الَّذي أَيقَظَ مِنْ خَلْقهِ مَنِ اصطَفاهُ فَزَهَّدَهُمْ في هذهِ الدَّارِ، وشَغَلهُمْ بمُراقبَتِهِ وَإِدَامَةِ الأَفكارِ، ومُلازَمَةِ الاتِّعَاظِ والادِّكَارِ، ووَفَّقَهُمْ للدَّأْبِ في طاعَتِهِ، والتّأهُّبِ لِدَارِ القَرارِ، والْحَذَرِ مِمّا يُسْخِطُهُ ويُوجِبُ دَارَ البَوَارِ، والمُحافَظَةِ على ذلِكَ مَعَ تَغَايُرِ الأَحْوَالِ والأَطْوَارِ، أَحْمَدُهُ أَبلَغَ حمْدٍ وأَزكَاهُ، وَأَشمَلَهُ وأَنْمَاهُ،
وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ البَرُّ الكَرِيمُ، الرؤُوفُ الرَّحيمُ، وأشهَدُ أَنَّ سَيَّدَنا مُحمّدًا عَبدُهُ ورَسُولُهُ، وحبِيبُهُ وخلِيلُهُ، الهَادِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقيمٍ، والدَّاعِي إِلَى دِينٍ قَويمٍ، صَلَوَاتُ اللهِ وسَلامُهُ عَليهِ، وَعَلَى سَائِرِ النَّبيِّينَ، وَآلِ كُلٍّ، وسَائِرِ الصَّالِحينَ.
أَما بعد، فقد قال اللهُ تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات: 56 – 57]
وَهَذا تَصْريحٌ بِأَنَّهُمْ خُلِقوا لِلعِبَادَةِ، فَحَقَّ عَلَيْهِمُ الاعْتِنَاءُ بِمَا خُلِقُوا لَهُ وَالإعْرَاضُ عَنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا بالزَّهَادَةِ، فَإِنَّهَا دَارُ نَفَادٍ لَا مَحَلُّ إخْلَادٍ، وَمَرْكَبُ عُبُورٍ لَا مَنْزِلُ حُبُورٍ، ومَشْرَعُ انْفصَامٍ لَا مَوْطِنُ دَوَامٍ، فلِهذا كَانَ الأَيْقَاظُ مِنْ أَهْلِهَا هُمُ الْعُبَّادُ، وَأعْقَلُ النَّاسِ فيهَا هُمُ الزُّهّادُ.
قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24]. والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ.
ولقد أَحْسَنَ القَائِلُ:
إِنَّ للهِ عِبَادًا فُطَنَا … طَلَّقُوا الدُّنْيَا وخَافُوا الفِتَنَا
نَظَروا فيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا … أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَيٍّ وَطَنَا
جَعَلُوها لُجَّةً واتَّخَذُوا … صَالِحَ الأَعمالِ فيها سُفُنا
فإذا كَانَ حالُها ما وصَفْتُهُ، وحالُنَا وَمَا خُلِقْنَا لَهُ مَا قَدَّمْتُهُ؛ فَحَقٌّ عَلَى الْمُكلَّفِ أَنْ يَذْهَبَ بنفسِهِ مَذْهَبَ الأَخْيارِ، وَيَسلُكَ مَسْلَكَ أُولي النُّهَى وَالأَبْصَارِ، وَيَتَأهَّبَ لِمَا أشَرْتُ إليهِ، وَيَهْتَمَّ لِمَا نَبَّهتُ عليهِ. وأَصْوَبُ طريقٍ لهُ في ذَلِكَ، وَأَرشَدُ مَا يَسْلُكُهُ مِنَ المسَالِكِ، التَّأَدُّبُ بمَا صَحَّ عَنْ نَبِيِّنَا سَيِّدِ الأَوَّلينَ والآخرينَ، وَأَكْرَمِ السَّابقينَ والَّلاحِقينَ، صَلَواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيهِ وَعَلى سَائِرِ النَّبيِّينَ.
وقدْ قالَ اللهُ تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2]
وقد صَحَّ عَنْ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – أَنَّهُ قالَ: «واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ»،
وَأَنَّهُ قالَ: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فَاعِلِهِ» وأَنَّهُ قالَ: «مَنْ دَعَا إِلى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيئًا»
وأَنَّهُ قالَ لِعَليٍّ – رضي الله عنه: «فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِي اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» فَرَأَيتُ أَنْ أَجْمَعَ مُخْتَصَرًا منَ الأحاديثِ الصَّحيحَةِ، مشْتَمِلًا عَلَى مَا يكُونُ طَرِيقًا لِصَاحبهِ إِلى الآخِرَةِ، ومُحَصِّلًا لآدَابِهِ البَاطِنَةِ وَالظَاهِرَةِ.
جَامِعًا للترغيب والترهيب وسائر أنواع آداب السالكين: من أحاديث الزهد ورياضات النُّفُوسِ، وتَهْذِيبِ الأَخْلاقِ، وطَهَارَاتِ القُلوبِ وَعِلاجِهَا، وصِيانَةِ الجَوَارحِ وَإِزَالَةِ اعْوِجَاجِهَا، وغَيرِ ذلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْعارفِينَ.
وَأَلتَزِمُ فيهِ أَنْ لا أَذْكُرَ إلاّ حَدِيثًا صَحِيحًا مِنَ الْوَاضِحَاتِ، مُضَافًا إِلى الْكُتُبِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُوراتِ.
وأُصَدِّر الأَبْوَابَ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ بِآياتٍ كَرِيماتٍ، وَأَوشِّحَ مَا يَحْتَاجُ إِلى ضَبْطٍ أَوْ شَرْحِ مَعْنىً خَفِيٍّ بِنَفَائِسَ مِنَ التَّنْبِيهاتِ.
وإِذا قُلْتُ في آخِرِ حَدِيث: مُتَّفَقٌ عَلَيهِ فمعناه: رواه البخاريُّ ومسلمٌ.
وَأَرجُو إنْ تَمَّ هذَا الْكِتَابُ أَنْ يَكُونَ سَائِقًا للمُعْتَنِي بِهِ إِلى الْخَيْرَاتِ حَاجزًا لَهُ عَنْ أنْواعِ الْقَبَائِحِ والْمُهْلِكَاتِ.
وأَنَا سَائِلٌ أخًا انْتَفعَ بِشيءٍ مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ لِي، وَلِوَالِدَيَّ، وَمَشَايخي، وَسَائِرِ أَحْبَابِنَا، وَالمُسْلِمِينَ أجْمَعِينَ.
وعَلَى اللهِ الكَريمِ اعْتِمادي، وَإِلَيْهِ تَفْويضي وَاسْتِنَادي، وَحَسبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.
بسم الله الرحمن الرحيم
1 – باب الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال والأقوال والأحوال البارزة والخفية.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]،
وَقالَ تَعَالَى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37]،
وَقالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [آل عمران: 29]
1/1- وعَنْ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ أبي حفْصٍ عُمرَ بنِ الْخَطَّابِ بْن نُفَيْل بْنِ عَبْد الْعُزَّى بن رياحِ بْن عبدِ اللَّهِ بْن قُرْطِ بْنِ رَزاحِ بْنِ عَدِيِّ بْن كَعْبِ بْن لُؤَيِّ بنِ غالبٍ القُرَشِيِّ العدويِّ. رضي الله عنه، قالَ: سمعْتُ رسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ:
“إنَّما الأَعمالُ بالنِّيَّات، وإِنَّمَا لِكُلِّ امرئٍ مَا نَوَى، فمنْ كانَتْ هجْرَتُهُ إِلَى الله ورَسُولِهِ فهجرتُه إلى الله ورسُولِهِ، ومنْ كاَنْت هجْرَتُه لدُنْيَا يُصيبُها، أَو امرَأَةٍ يَنْكحُها فهْجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَر إليْهِ”
متَّفَقٌ عَلَى صحَّتِه. رواهُ إِماما المُحَدِّثِين: أَبُو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعيل بْن إِبْراهيمَ بْن الْمُغيرة بْن برْدزْبَهْ الْجُعْفِيُّ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِى مُسْلمُ بْن الْحَجَّاجِ بْنِ مُسلمٍ القُشَيْريُّ النَّيْسَابُوريُّ رَضَيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي صَحيحيهِما اللَّذَيْنِ هما أَصَحُّ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَة.
2/2 – وَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ عَائشَةَ رَضيَ الله عنها قالت: قالَ رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا كَانُوا ببيْداءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ”. قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بَأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنهُمْ،؟ قَالَ: ” يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِم وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُون عَلَى نِيَّاتِهِمْ” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: هذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
3/3- وعَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عنْهَا قَالَت قالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: ” لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلكنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفرِتُمْ فانْفِرُوا” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمَعْنَاهُ: لا هِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ لأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ إِسْلامٍ.
4/4- وعَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ رضِيَ اللهُ عنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَع النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في غَزَاة فَقَالَ: “إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلَاّ كانُوا مَعكُم حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ” وَفِي روايَةِ: “إِلَاّ شَركُوكُمْ في الأَجْر” رَواهُ مُسْلِمٌ.
ورواهُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: “إِنَّ أَقْوَامَاً خلْفَنَا بالمدِينةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلَا وَادِياً إِلَاّ وَهُمْ مَعَنَا، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ”.
5/5- وَعَنْ أبي يَزِيدَ مَعْنِ بْن يَزِيدَ بْنِ الأَخْنسِ رضي الله عَنْهمْ، وَهُوَ وَأَبُوهُ وَجَدّهُ صَحَابِيُّونَ، قَال: كَانَ أبي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتصَدَّقُ بِهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ في الْمَسْجِدِ فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا فَأَتيْتُهُ بِهَا. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصمْتُهُ إِلَى رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: “لَكَ مَا نويْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخذْتَ يَا مَعْنُ “رواهُ البخاريُّ
6/6- وَعَنْ أبي إِسْحَاقَ سعْدِ بْنِ أبي وَقَّاصٍ مَالك بنِ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهرةَ بْنِ كِلابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كعْبِ بنِ لُؤىٍّ الْقُرشِيِّ الزُّهَرِيِّ رضِي اللَّهُ عَنْهُ، أَحدِ الْعَشرة الْمَشْهودِ لَهمْ بِالْجَنَّة، رضِي اللَّهُ عَنْهُم قَالَ:
“جَاءَنِي رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَعُودُنِي عَامَ حَجَّة الْوَداعِ مِنْ وَجعٍ اشْتدَّ بِي فَقُلْتُ: يَا رسُول اللَّهِ إِنِّي قَدْ بلغَ بِي مِن الْوجعِ مَا تَرى، وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرثُنِي إِلَاّ ابْنةٌ لِي، أَفأَتصَدَّق بثُلُثَىْ مالِي؟ قَالَ: لا، قُلْتُ: فالشَّطُر يَارسوُلَ اللهِ؟ فقالَ: لا، قُلْتُ فالثُّلُثُ يَا رَسُولَ اللَّه؟
قَالَ: الثُّلثُ والثُّلُثُ كثِيرٌ -أَوْ كَبِيرٌ – إِنَّكَ إِنْ تَذرَ وَرثتك أغنِياءَ خَيْرٌ مِن أَنْ تذرهُمْ عالَةً يَتكفَّفُونَ النَّاس، وَإِنَّكَ لَنْ تُنفِق نَفَقةً تبْتغِي بِهَا وجْهَ اللهِ إِلَاّ أُجرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى ما تَجْعلُ فِيِّ امْرَأَتكَ قَال: فَقلْت: يَا رَسُولَ اللهِ أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟
قَال: إِنَّك لَنْ تُخَلَّفَ فتعْمَل عَمَلاً تَبْتغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ إلَاّ ازْددْتَ بِهِ دَرجةً ورِفعةً ولعَلَّك أَنْ تُخلَّف حَتَى ينْتفعَ بكَ أَقَوامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخرُونَ. اللَّهُمَّ أَمْضِ لأِصْحابي هجْرتَهُم، وَلَا ترُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهم، لَكن الْبائسُ سعْدُ بْنُ خوْلَةَ”يرْثى لَهُ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم”أَن مَاتَ بمكَّةَ” متفقٌ عليهِ.
7/7- وَعَنْ أبي هُريْرة عَبْدِ الرَّحْمن بْنِ صخْرٍ رضي الله عَنْهُ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ “رواه مسلم.
8/8- وعَنْ أبي مُوسَى عبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الأَشعرِيِّ رضِي الله عنه قالَ: سُئِلَ رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَنِ الرَّجُلِ يُقاتِلُ شَجَاعَةً، ويُقاتِلُ حَمِيَّةً ويقاتِلُ رِياءً، أَيُّ ذلِك في سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَنْ قاتَلَ لِتَكُون كلِمةُ اللَّهِ هِي الْعُلْيَا فهُوَ في سَبِيلِ اللَّهِ” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
9/9- وعن أبي بَكْرَة نُفيْعِ بْنِ الْحارِثِ الثَّقفِي رَضِي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِذَا الْتقَى الْمُسْلِمَانِ بسيْفيْهِمَا فالْقاتِلُ والمقْتُولُ في النَّارِ”قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ فمَا بَالُ الْمقْتُولِ؟ قَال: ” إِنَّهُ كَانَ حَرِيصاً عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ” متفقٌ عليه.
10/10- وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “صَلَاةُ الرَّجُلِ في جماعةٍ تزيدُ عَلَى صَلَاتِهِ في سُوقِهِ وَبَيْتِهِ بضْعاً وعِشْرينَ دَرَجَةً، وذلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِد لا يَنْهَزُهُ إِلَاّ الصَّلَاةُ، لا يُرِيدُ إِلَاّ الصَّلَاةَ، لَمْ يَخطُ خُطوَةً إِلَاّ رُفِعَ لَهُ بِها دَرجةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطيئَةٌ حتَّى يَدْخلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كانَ في الصَّلَاةِ مَا كَانَتِ الصَّلاةُ هِيَ تحبِسُهُ، وَالْمَلائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدكُمْ مَا دَامَ في مَجْلِسهِ الَّذي صَلَّى فِيهِ، يقُولُونَ:
اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مالَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ “متفقٌ عليه، وهَذَا لَفْظُ مُسْلمٍ. وَقَوْلُهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “ينْهَزُهُ”هُوَ بِفتحِ الْياءِ وَالْهاءِ وَبالزَّاي: أَي يُخْرِجُهُ ويُنْهِضُهُ.
11/11- وَعَنْ أبي الْعَبَّاسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَِّلب رَضِي اللهُ عنهما، عَنْ رَسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فِيما يَرْوى عَنْ ربِّهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: “إِنَّ اللهَ كتَبَ الْحسناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلِكَ: فمَنْ همَّ بِحَسَنةٍ فَلمْ يعْمَلْهَا كتبَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلةً وَإِنْ همَّ بهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عَشْر حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمَائِةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كثيرةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسيِّئَةِ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِها فعَمِلهَا كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً” متفقٌ عليهِ.
12/12- وعن أبي عَبْد الرَّحْمَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخطَّابِ، رضيَ اللهُ عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ:
“انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمبِيتُ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فانْحَدَرَتْ صَخْرةٌ مِنَ الْجبلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ،
فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ الصَّخْرَةِ إِلَاّ أَنْ تَدْعُوا الله تعالى بصالح أَعْمَالكُمْ قَالَ رجلٌ مِنهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كَبِيرانِ، وكُنْتُ لَا أَغبِقُ قبْلهَما أَهْلاً وَلا مالاً فنأَى بِي طَلَبُ الشَّجرِ يَوْماً فَلمْ أُرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا فَحَلبْت لَهُمَا غبُوقَهمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِميْنِ، فَكَرِهْت أَنْ أُوقظَهمَا وَأَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدِى أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ وَالصِّبْيَةُ يَتَضاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمى فَاسْتَيْقظَا فَشَربَا غَبُوقَهُمَا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَة، فانْفَرَجَتْ شَيْئاً لا يَسْتَطيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهُ.
قَالَ الآخر: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانتْ لِيَ ابْنَةُ عمٍّ كانتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ”وفي رواية: “كُنْتُ أُحِبُّهَا كَأَشد مَا يُحبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءِ، فَأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّى حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِى فَأَعْطَيْتُهِا عِشْرينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّىَ بَيْنِى وَبَيْنَ نَفْسِهَا ففَعَلَت، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا”وفي رواية: “فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْليْهَا، قَالتْ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَفُضَّ الْخاتَمَ إِلَاّ بِحَقِّهِ، فانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِىَ أَحَبُّ النَّاسِ إِليَّ وَتركْتُ الذَّهَبَ الَّذي أَعْطَيتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعْلتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فانفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا.
وقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجرَاءَ وَأَعْطَيْتُهمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذي لَّه وَذَهبَ فثمَّرت أجْرَهُ حَتَّى كثرت منه الأموال فجائنى بَعدَ حِينٍ فَقالَ يَا عبدَ اللهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ: كُلُّ مَا تَرَى منْ أَجْرِكَ: مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَم وَالرَّقِيق فقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ لا تَسْتهْزيْ بي، فَقُلْتُ: لَا أَسْتَهْزيُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْه شَيْئاً، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فخرَجُوا يَمْشُونَ “متفقٌ عليه
2- باب التوبة
قَالَ العلماءُ: التَّوْبَةُ وَاجبَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْب، فإنْ كَانتِ المَعْصِيَةُ بَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَ اللهِ تَعَالَى لَا تَتَعلَّقُ بحقّ آدَمِيٍّ، فَلَهَا ثَلاثَةُ شُرُوط:
أحَدُها: أنْ يُقلِعَ عَنِ المَعصِيَةِ.
والثَّانِي: أَنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا.
والثَّالثُ: أنْ يَعْزِمَ أَنْ لا يعُودَ إِلَيْهَا أَبَداً. فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ الثَّلاثَةِ لَمْ تَصِحَّ تَوبَتُهُ
وإنْ كَانَتِ المَعْصِيةُ تَتَعَلقُ بآدَمِيٍّ فَشُرُوطُهَا أرْبَعَةٌ: هذِهِ الثَّلاثَةُ، وأنْ يَبْرَأ مِنْ حَقّ صَاحِبِها، فَإِنْ كَانَتْ مالاً أَوْ نَحْوَهُ رَدَّهُ إِلَيْه، وإنْ كَانَت حَدَّ قَذْفٍ ونَحْوَهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ أَوْ طَلَبَ عَفْوَهُ، وإنْ كَانْت غِيبَةً استَحَلَّهُ مِنْهَا. ويجِبُ أنْ يَتُوبَ مِنْ جميعِ الذُّنُوبِ، فَإِنْ تَابَ مِنْ بَعْضِها صَحَّتْ تَوْبَتُهُ عِنْدَ أهْلِ الحَقِّ مِنْ ذلِكَ الذَّنْبِ، وبَقِيَ عَلَيهِ البَاقي.
وَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلائِلُ الكتَابِ، والسُّنَّةِ، وإجْمَاعِ الأُمَّةِ عَلَى وُجوبِ التَّوبةِ:
قَالَ الله تَعَالَى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31] وَقالَ تَعَالَى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3] وَقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم: 8}
1/13- وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: سمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: “واللَّه إِنِّي لأَسْتَغْفرُ الله، وَأَتُوبُ إِليْه، في اليَوْمِ، أَكثر مِنْ سَبْعِين مرَّةً “رواه البخاري.
2/14- وعن الأَغَرِّ بْن يَسار المُزنِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يَا أَيُّها النَّاس تُوبُوا إِلى اللَّهِ واسْتغْفرُوهُ فإِني أَتوبُ في اليَوْمِ مائة مَرَّة” رواه مسلم.
3/ 15- وعنْ أبي حَمْزَةَ أَنَس بنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ خَادِمِ رسولِ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “للَّهُ أَفْرحُ بتْوبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سقطَ عَلَى بعِيرِهِ وقد أَضلَّهُ في أَرضٍ فَلاةٍ “متفقٌ عليه.
وفي رواية لمُسْلمٍ: “للَّهُ أَشدُّ فَرَحاً بِتَوْبةِ عَبْدِهِ حِين يتُوبُ إِلْيهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى راحِلَتِهِ بِأَرْضٍ فلاةٍ، فانْفلتتْ مِنْهُ وعلَيْها طعامُهُ وشرَابُهُ فأَيِسَ مِنْهَا، فأَتَى شَجَرةً فاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، وقد أَيِسَ مِنْ رَاحِلتِهِ، فَبَيْنما هوَ كَذَلِكَ إِذْ هُوَ بِها قَائِمة عِنْدَهُ، فَأَخذ بِخطامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الفَرحِ: اللَّهُمَّ أَنت عبْدِي وأَنا ربُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفرح”
4/16- وعن أبي مُوسى عَبْدِ اللَّهِ بنِ قَيْسٍ الأَشْعَرِيِّ، رضِي الله عنه، عن النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ:
“إِن الله تَعَالَى يبْسُطُ يدهُ بِاللَّيْلِ ليتُوب مُسيءُ النَّهَارِ وَيبْسُطُ يَدهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مغْرِبِها” رواه مسلم.
5/17- وعَنْ أبي هُريْرةَ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُول اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تطلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مغْرِبِهَا تَابَ الله علَيْه” رواه مسلم.
6/18- وعَنْ أبي عَبْدِ الرَّحْمن عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمرَ بن الخطَّاب رضيَ اللهُ عنهما عن النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِنَّ الله عزَّ وجَلَّ يقْبَلُ توْبة العبْدِ مَالَم يُغرْغرِ “رواه الترمذي وقال: حديث حسنٌ.
1/19- وعَنْ زِرِّ بْنِ حُبْيشٍ قَال: أَتيْتُ صفْوانَ بْنِ عسَّالٍ رضِي الله عنْهُ أَسْأَلُهُ عَن الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا زِرُّ؟ فقُلْتُ: ابْتغَاءُ الْعِلْمِ، فقَال: إِنَّ الْملائِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحتِها لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضاء بمَا يَطلُبُ، فَقلْتُ: إِنَّه قدْ حَكَّ في صدْرِي الْمسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَعْدَ الْغَائِطِ والْبوْلِ، وكُنْتَ امْرَءاً مِنْ أَصْحاب النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَجئْت أَسْأَلُكَ: هَلْ سمِعْتَهُ يذْكرُ في ذَلِكَ شيْئاً؟
قَالَ: نعَمْ كانَ يأْمُرنا إِذَا كُنا سَفراً أوْ مُسافِرين أَن لا ننْزعَ خفافَنا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ولَيَالِيهنَّ إِلَاّ مِنْ جنَابةٍ، لكِنْ مِنْ غائطٍ وبْولٍ ونْومٍ. فقُلْتُ: هَل سمِعتهُ يذكُر في الْهوى شيْئاً؟ قَالَ: نعمْ كُنَّا مَع رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في سفرٍ، فبيْنا نحنُ عِنْدهُ إِذ نادَاهُ أَعْرابي بصوْتٍ لَهُ جهوريٍّ: يَا مُحمَّدُ، فأَجَابهُ رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نحْوا مِنْ صَوْتِه: “هاؤُمْ” فقُلْتُ لهُ: وَيْحَكَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ فإِنَّك عِنْد النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وقدْ نُهِيت عَنْ هذا، فقال: واللَّه لَا أَغضُضُ:
قَالَ الأَعْرابِيُّ: الْمَرْءُ يُحِبُّ الْقَوم ولَمَّا يلْحق بِهِمْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: ” الْمرْءُ مَعَ منْ أَحَبَّ يَوْمَ الْقِيامةِ”فَمَا زَالَ يُحدِّثُنَا حتَّى ذَكَرَ بَاباً مِنَ الْمَغْرب مَسيرةُ عرْضِه أوْ يسِير الرَّاكِبُ في عرْضِهِ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ عَاماً.
قَالَ سُفْيانُ أَحدُ الرُّوَاةِ. قِبل الشَّامِ خلقَهُ اللَّهُ تعالى يوْم خلق السموات والأَرْضَ مفْتوحاً لِلتَّوبة لا يُغلقُ حتَّى تَطلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ “رواه التِّرْمذي وغيره وَقالَ: حديث حسن صحيح
8/20- وعنْ أبي سعِيدٍ سَعْد بْنِ مالكِ بْنِ سِنانٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَن نَبِيَّ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَال: “كَانَ فِيمنْ كَانَ قَبْلكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعةً وتِسْعين نفْساً، فسأَل عَنْ أَعلَم أَهْلِ الأَرْضِ فدُلَّ عَلَى راهِبٍ، فَأَتَاهُ فقال: إِنَّهُ قَتَل تِسعةً وتسعِينَ نَفْساً، فَهلْ لَهُ مِنْ توْبَةٍ؟ فقالَ: لا فقتلَهُ فكمَّلَ بِهِ مِائةً ثمَّ سألَ عَنْ أَعْلَمِ أهلِ الأرضِ، فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ فقال: إنهَ قَتل مائةَ نفسٍ فهلْ لَهُ مِنْ تَوْبةٍ؟
فقالَ: نَعَمْ ومنْ يحُولُ بيْنَهُ وبيْنَ التوْبة؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وكَذَا، فإِنَّ بِهَا أُنَاساً يعْبُدُونَ الله تَعَالَى فاعْبُدِ الله مَعْهُمْ، ولَا تَرْجعْ إِلى أَرْضِكَ فإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ، فانطَلَق حتَّى إِذا نَصَف الطَّريقُ أَتَاهُ الْموْتُ فاختَصمتْ فيهِ مَلائكَةُ الرَّحْمَةِ وملاكةُ الْعَذابِ.
فقالتْ ملائكةُ الرَّحْمَةَ: جاءَ تائِباً مُقْبلا بِقلْبِهِ إِلى اللَّهِ تَعَالَى، وقالَتْ ملائكَةُ الْعذابِ: إِنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خيْراً قطُّ، فأَتَاهُمْ مَلكٌ في صُورَةِ آدَمِيٍّ فجعلوهُ بيْنهُمْ أَي –حَكَماً- فقالَ قِيسُوا ما بَيْن الأَرْضَين فإِلَى أَيَّتهما كَان أَدْنى فهْو لَهُ، فقاسُوا فوَجَدُوه أَدْنى إِلَى الأَرْضِ التي أَرَادَ فَقبَضْتهُ مَلائكَةُ الرَّحمةِ” متفقٌ عليه.
وفي روايةٍ في الصحيح:”فكَان إِلَى الْقرْيَةِ الصَّالحَةِ أَقْربَ بِشِبْرٍ، فجُعِل مِنْ أَهْلِها”وفي رِواية في الصحيح: ” فأَوْحَى اللَّهُ تعالَى إِلَى هَذِهِ أَن تَبَاعَدِى، وإِلى هَذِهِ أَن تَقرَّبِي وقَال: قِيسُوا مَا بيْنهمَا، فَوَجدُوه إِلَى هَذِهِ أَقَرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفَرَ لَهُ” وفي روايةٍ:”فنأَى بِصَدْرِهِ نَحْوهَا”.
1/21- وعَنْ عبْدِ اللَّهِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالكٍ، وكانَ قائِدَ كعْبٍ رضِيَ الله عنه مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ، قَالَ: سَمِعْتُ كعْبَ بنَ مَالكٍ رضِي الله عنه يُحَدِّثُ بِحدِيِثِهِ حِين تخَلَّف عَنْ رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، في غزوةِ تبُوكَ.
قَال كعْبٌ: لمْ أَتخلَّفْ عَنْ رسولِ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، في غَزْوَةٍ غَزَاها قط إِلَاّ في غزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْر أَنِّي قدْ تخلَّفْتُ في غَزْوةِ بَدْرٍ، ولَمْ يُعَاتَبْ أَحد تَخلَّف عنْهُ، إِنَّما خَرَجَ رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم والمُسْلِمُونَ يُريُدونَ عِيرَ قُريْش حتَّى جَمعَ الله تعالَى بيْنهُم وبيْن عَدُوِّهِمْ عَلَى غيْرِ ميعادٍ.
وَلَقَدْ شهدْتُ مَعَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ليْلَةَ العَقبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلامِ، ومَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشهَدَ بَدْرٍ، وإِن كَانتْ بدْرٌ أَذْكَرَ في النَّاسِ مِنهَا وكانَ مِنْ خَبَري حِينَ تخلَّفْتُ عَنْ رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، في غَزْوَةِ تبُوك أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى ولا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخلَّفْتُ عَنْهُ في تِلْكَ الْغَزْوَة، واللَّهِ ما جَمعْتُ قبْلها رَاحِلتيْنِ قطُّ حتَّى جَمَعْتُهُما في تِلْكَ الْغَزوَةِ ولَمْ يكُن رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُريدُ غَزْوةً إِلَاّ ورَّى بغَيْرِهَا حتَّى كَانَتْ تِلكَ الْغَزْوةُ، فغَزَاها رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في حَرٍّ شَديدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفراً بَعِيداً وَمَفَازاً. وَاسْتَقْبَلَ عَدداً كَثيراً، فجَلَّى للْمُسْلمِينَ أَمْرَهُمْ ليَتَأَهَّبوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بوَجْهِهِمُ الَّذي يُريدُ، وَالْمُسْلِمُون مَع رسولِ الله كثِيرٌ وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ”يُريدُ بذلكَ الدِّيَوان”
قَالَ كَعْبٌ: فقلَّ رَجُلٌ يُريدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَاّ ظَنَّ أَنَّ ذلكَ سَيَخْفى بِهِ مَالَمْ يَنْزِلْ فيهِ وَحْىٌ مِن اللَّهِ، وغَزَا رَسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم تلكَ الغزوةَ حِينَ طَابت الثِّمَارُ والظِّلالُ، فَأَنا إِلَيْهَا أَصْعرُ، فتجهَّز رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَالْمُسْلِمُون معهُ، وطفِقْت أَغدو لِكىْ أَتَجَهَّزَ معهُ فأَرْجعُ ولمْ أَقْض شَيْئاً، وأَقُولُ في نَفْسى: أَنا قَادِرٌ علَى ذلِكَ إِذا أَرَدْتُ، فلمْ يَزلْ يَتَمادى بي حتَّى اسْتمَرَّ بالنَّاسِ الْجِدُّ، فأَصْبَحَ رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم غَادياً والْمُسْلِمُونَ معَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جِهَازي شيْئاً، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَم أَقْض شَيْئاً، فَلَمْ يزَلْ يَتَمادَى بِي حَتَّى أَسْرعُوا وتَفَارَط الْغَزْوُ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِل فأَدْركَهُمْ، فَيَاليْتَني فَعلْتُ، ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذلِكَ لي، فَطفقتُ إِذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ بَعْد خُرُوجِ رسُول اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُحْزُنُنِي أَنِّي لا أَرَى لِي أُسْوَةً، إِلَاّ رَجُلاً مَغْمُوصاً عَلَيْه في النِّفاقِ، أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ تعالَى مِن الضُّعَفَاءِ، ولَمْ يَذكُرني رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حتَّى بَلَغ تَبُوكَ،
فقالَ وَهُوَ جَالِسٌ في القوْمِ بتَبُوك: ما فَعَلَ كعْبُ بْنُ مَالكٍ؟ فقالَ رَجُلٌ مِن بَنِي سلمِة: يا رَسُولَ اللهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ، وَالنَّظرُ في عِطْفيْه.
فَقال لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضيَ اللَّهُ عنه: بِئس مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يا رَسُولَ اللهِ مَا عَلِمْنَا علَيْهِ إِلَاّ خَيْراً، فَسكَت رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. فبَيْنَا هُوَ علَى ذَلِكَ رَأَى رَجُلاً مُبْيِضاً يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ،
فقالَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: كُنْ أَبَا خَيْثمَةَ، فَإِذا هوَ أَبُو خَيْثَمَةَ الأَنْصَاريُّ وَهُوَ الَّذي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْر حِيْنَ لمَزَهُ المنافقون
قَالَ كَعْبٌ: فَلَّما بَلَغني أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَدْ توَجَّهَ قَافلا منْ تَبُوكَ حَضَرَني بَثِّي، فطفقتُ أَتذكَّرُ الكذِبَ وَأَقُولُ: بِمَ أَخْرُجُ مِنْ سَخطه غَداً وَأَسْتَعينُ عَلَى ذلكَ بِكُلِّ ذِي رَأْي مِنْ أَهْلي، فَلَمَّا قِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قدْ أَظِلَّ قَادِمَاً زاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ حَتَّى عَرَفتُ أَنِّي لم أَنج مِنْهُ بِشَيءٍ أَبَداً ذَلك جَاءَهُ الْمُخلَّفُونَ يعْتذرُون إِليْه وَيَحْلفُون لَهُ، وَكَانُوا بِضْعاً وثمَانين رَجُلا فَقَبِلَ منْهُمْ عَلانيَتهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتغفَر لهُمْ وَوَكلَ سَرَائرَهُمْ إِلى الله تعَالى. حتَّى جئْتُ، فلمَّا سَلَمْتُ تبسَّم تبَسُّم الْمُغْضب
ثمَّ قَالَ:”تَعَالَ،”فجئتُ أَمْشي حَتى جَلَسْتُ بيْن يَدَيْهِ، فقالَ لِي:”مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَك،”قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي واللَّه لَوْ جلسْتُ عنْد غيْركَ منْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَني سَأَخْرُج منْ سَخَطه بعُذْرٍ، لقدْ أُعْطيتُ جَدَلا، وَلَكنَّني وَاللَّه لقدْ عَلمْتُ لَئن حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذبٍ ترْضى به عنِّي لَيُوشكَنَّ اللَّهُ يُسْخطك عليَّ، وإنْ حَدَّثْتُكَ حَديث صدْقٍ تجدُ علَيَّ فِيهِ إِنِّي لأَرْجُو فِيه عُقْبَى الله عَزَّ وَجلَّ، واللَّه ما كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، واللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلا أَيْسر مِنِّي حِينَ تَخلفْتُ عَنك
قَالَ: فقالَ رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”أَمَّا هذَا فقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضيَ اللَّهُ فيكَ “وسَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلمة فاتَّبعُوني، فقالُوا لِي: واللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ أَذنْبتَ ذَنْباً قبْل هذَا، لقَدْ عَجَزتَ في أنْ لا تَكُون اعتذَرْت إِلَى رَسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بمَا اعْتَذَرَ إِلَيهِ الْمُخَلَّفُون فقَدْ كَانَ كافِيَكَ ذنْبكَ اسْتِغفارُ رَسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لَك. قَالَ: فَوالله ما زَالُوا يُؤنِّبُوننِي حتَّى أَرَدْت أَنْ أَرْجِعَ إِلى رسولِ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فأَكْذِب نفسْي، ثُمَّ قُلتُ لهُم: هَلْ لَقِيَ هَذا معِي مِنْ أَحدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ لقِيَهُ مَعَكَ رَجُلان قَالا مِثْلَ مَا قُلْتَ، وَقيلَ لَهمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لكَ،
قَال قُلْتُ: مَن هُمَا؟ قالُوا: مُرارةُ بْنُ الرَّبِيع الْعَمْرِيُّ، وهِلال ابْن أُميَّةَ الْوَاقِفِيُّ؟ قَالَ: فَذكَروا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْن قدْ شَهِدا بدْراً فِيهِمَا أُسْوَةٌ. قَالَ: فَمَضيْت حِينَ ذَكَروهُمَا لِي. وَنهَى رَسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَنْ كَلامِنَا أَيُّهَا الثلاثَةُ مِن بَين من تَخَلَّف عَنهُ،
قالَ: فاجْتَنبَنا النَّاس أَوْ قَالَ: تَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرت لِي في نَفْسي الأَرْضُ، فَمَا هيَ بالأَرْضِ الَّتي أَعْرِفُ، فَلَبثْنَا عَلَى ذَلكَ خمْسِينَ ليْلَةً. فأَمَّا صَاحبايَ فَاستَكَانَا وَقَعَدَا في بُيُوتهمَا يَبْكيَانِ وأَمَّا أَنَا فَكُنتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنتُ أَخْرُج فَأَشهَدُ الصَّلاة مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَطُوفُ في الأَسْوَاقِ وَلا يُكَلِّمُنِي أَحدٌ، وآتِي رسولَ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهُو في مجْلِسِهِ بعدَ الصَّلاةِ،
فَأَقُولُ في نفسِي: هَل حَرَّكَ شفتَيهِ بردِّ السَّلامِ أَم لَا؟ ثُمَّ أُصلِّي قَريباً مِنهُ وأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقبَلتُ عَلَى صلاتِي نَظر إِلَيَّ، وإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتى إِذا طَال ذلكَ عَلَيَّ مِن جَفْوَةِ الْمُسْلمينَ مشَيْت حَتَّى تَسوَّرْت جدارَ حَائط أبي قَتَادَةَ وَهُوَا ابْن عَمِّي وأَحبُّ النَّاسَ إِلَيَّ، فَسلَّمْتُ عَلَيْهِ فَواللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ، فَقُلْت لَه: يَا أَبَا قتادَة أَنْشُدكَ باللَّه هَلْ تَعْلَمُني أُحبُّ الله وَرَسُولَه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم؟ فَسَكَتَ، فَعُدت فَنَاشَدتُه فَسكَتَ، فَعُدْت فَنَاشَدْته
فَقَالَ: اللهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرتُ الْجدَارَفبَيْنَا أَنَا أَمْشي في سُوقِ المدينةِ إِذَا نَبَطيُّ منْ نبطِ أَهْلِ الشَّام مِمَّنْ قَدِمَ بالطَّعَامِ يبيعُهُ بالمدينةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كعْبِ بْنِ مَالكٍ؟ فَطَفقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَى حَتَّى جَاءَني فَدَفَعَ إِلى كتَاباً منْ مَلِكِ غَسَّانَ، وكُنْتُ كَاتِباً. فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فيهِ:
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بلَغَنَا أَن صاحِبَكَ قدْ جَفاكَ، ولمْ يجْعلْك اللَّهُ بدَارِ هَوَانٍ وَلا مَضْيعَةٍ، فَالْحقْ بِنا نُوَاسِك، فَقلْت حِين قرأْتُهَا: وَهَذِهِ أَيْضاً مِنَ الْبَلاءِ فَتَيمَّمْتُ بِهَا التَّنُّور فَسَجرْتُهَا حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُون مِن الْخَمْسِينَ وَاسْتَلْبَثِ الْوَحْىُ إِذَا رسولِ رسولِ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَأْتِينِي،
فَقَالَ: إِنَّ رسولَ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَأَمُرُكَ أَنْ تَعْتزِلَ امْرأَتكَ، فقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا، أَمْ مَاذا أَفعْلُ؟ قَالَ: لَا بَلْ اعتْزِلْهَا فَلَا تقربَنَّهَا، وَأَرْسلَ إِلى صَاحِبيَّ بِمِثْلِ ذلِكَ. فَقُلْتُ لامْرَأَتِي: الْحقِي بِأَهْلكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللُّهُ في هذَا الأَمر، فَجَاءَت امْرأَةُ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ رسولَ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقالتْ لَهُ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ هِلالَ بْنَ أُميَّةَ شَيْخٌ ضَائعٌ ليْسَ لَهُ خادِمٌ، فهلْ تَكْرهُ أَنْ أَخْدُمهُ؟
قَالَ:”لَا، وَلَكِنْ لَا يَقْربَنَّك”فَقَالَتْ: إِنَّهُ وَاللَّه مَا بِهِ مِنْ حَركةٍ إِلَى شَيءٍ، وَوَاللَّه مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا. فَقَال لِي بعْضُ أَهْلِي:
لَو اسْتأَذنْت رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في امْرَأَتِك، فقَدْ أَذن لامْرأَةِ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ؟ فقُلْتُ: لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رسولَ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، ومَا يُدْريني مَاذا يَقُولُ رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ فلَبِثْتُ بِذلك عشْر ليالٍ، فَكَمُلَ لَنا خمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حينَ نُهي عَنْ كَلامنا.
ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صباحَ خمْسينَ لَيْلَةً عَلَى ظهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبينَا أَنَا جَالسٌ عَلَى الْحال الَّتي ذكَر اللَّهُ تعالَى مِنَّا، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِى وَضَاقَتْ عَليَّ الأَرضُ بمَا رَحُبَتْ، سَمعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أوفَى عَلَى سَلْعٍ يَقُولُ بأَعْلَى صَوْتِهِ:
يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ، فخرَرْتُ سَاجِداً، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ فَآذَنَ رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم النَّاس بِتوْبَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا حِين صَلَّى صَلاة الْفجْرِ فذهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُوننا، فذهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ رَجُلٌ إِليَّ فرَساً وَسَعَى ساعٍ مِنْ أَسْلَمَ قِبَلِي وَأَوْفَى عَلَى الْجَبلِ، وكَان الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فلمَّا جَاءَنِي الَّذي سمِعْتُ صوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ ببشارَته واللَّه مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يوْمَئذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبسْتُهُمَا وانْطَلَقتُ أَتَأَمَّمُ رسولَ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجاً فَوْجاً يُهَنِّئُونني بِالتَّوْبَةِ وَيَقُولُون لِي:
لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ الله عَلَيْكَ، حتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ طلْحَةُ بْنُ عُبَيْد اللهِ رضي الله عنه يُهَرْوِل حَتَّى صَافَحَنِي وهَنَّأَنِي، واللَّه مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهاجِرِينَ غَيْرُهُ، فَكَان كَعْبٌ لَا يَنْساهَا لِطَلحَة.
قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، قَالَ: وَهوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُور “أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ، مُذْ ولَدَتْكَ أُمُّكَ،”
فقُلْتُ: أمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُول اللَّهِ أَم مِنْ عِنْد الله؟ قَالَ:”لَا بَلْ مِنْ عِنْد الله عَز وجَلَّ،” وكانَ رسولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذَا سُرَّ اسْتَنارَ وَجْهُهُ حتَّى كَأنَّ وجْهَهُ قِطْعَةُ قَمر، وكُنَّا نعْرِفُ ذلِكَ مِنْهُ، فلَمَّا جلَسْتُ بَيْنَ يدَيْهِ قُلتُ: يَا رسولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِن مَالي صدَقَةً إِلَى اللَّهِ وإِلَى رَسُولِهِ.
فَقَالَ رَسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْر لَكَ، “فَقُلْتُ إِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذي بِخيْبَر. وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِن الله تَعَالىَ إِنَّما أَنْجَانِي بالصِّدْقِ، وَإِنْ مِنْ تَوْبَتي أَن لا أُحدِّثَ إِلَاّ صِدْقاً ما بَقِيتُ، فوا لله مَا علِمْتُ أَحَداً مِنَ المسلمِين أَبْلاْهُ اللَّهُ تَعَالَى في صدْق الْحَديث مُنذُ ذَكَرْتُ ذَلكَ لرِسُولِ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي اللَّهُ تَعَالَى، وَاللَّهِ مَا تَعمّدْت كِذْبَةً مُنْذُ قُلْت ذَلِكَ لرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفظني اللَّهُ تَعَالى فِيمَا بَقِي، قَالَ:
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} حَتَّى بَلَغَ: {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} حَتَّى بَلَغَ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 117، 117}
قالَ كعْبٌ: واللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ إِذْ هَدانِي اللَّهُ لِلإِسْلام أَعْظمَ في نَفسِي مِنْ صِدْقي رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَن لَاّ أَكُونَ كَذَبْتُهُ، فأهلكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا إِن الله تَعَالَى قَالَ للَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأحدٍ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95،96]
قَالَ كَعْبٌ: كنَّا خُلِّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْر أُولِئَكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حِينَ حَلَفوا لَهُ، فبايعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وِأرْجَأَ رَسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أمْرَنا حَتَّى قَضَى اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ بِذَلكَ، قَالَ اللُّه تَعَالَى {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا}
وليْسَ الَّذي ذَكَرَ مِمَّا خُلِّفنا تَخَلُّفُنا عَن الغَزْو، وَإِنََّمَا هُوَ تَخْلَيفهُ إِيَّانَا وإرجاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ واعْتذَرَ إِليْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ. مُتَّفَقٌ عليه. وفي رواية “أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خَرَجَ في غَزْوةِ تَبُوك يَوْمَ الخميسِ، وَكَان يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الخمِيس”.وفي رِوَايةٍ:”وَكَانَ لَا يَقدُمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَاّ نهَاراً في الضُّحَى. فَإِذَا قَدِم بَدَأَ بالمْسجدِ فصلَّى فِيهِ ركْعتيْنِ ثُمَّ جَلَس فِيهِ”
10/22- وَعَنْ أبي نُجَيْد-بِضَم النُّونِ وَفَتْح الْجيِمِ عِمْرانَ بْنِ الحُصيْنِ الخُزاعيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرأَةً مِنْ جُهينةَ أَتَت رَسُولَ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَا، فقَالَتْ: يَا رسول الله أَصَبْتُ حَدّاً فأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا نَبِيُّ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَليَّهَا فَقَالَ:
“أَحْسِنْ إِليْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي”فَفَعَلَ فَأَمَرَ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُها، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فرُجِمتْ، ثُمَّ صلَّى عَلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ، قَالَ:”لَقَدْ تَابَتْ تَوْبةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْن سبْعِينَ مِنْ أَهْلِ المدِينَةِ لوسعتهُمْ وَهَلْ وَجَدْتَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنفْسهَا للَّهِ عَزَّ وجَل؟ ، رواه مسلم
11/23- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاس وأنس بن مالك رَضِي الله عنْهُم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَوْ أَنَّ لابْنِ آدَمَ وَادِياً مِنْ ذَهَبِ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وادِيانِ، وَلَنْ يَمْلأَ فَاهُ إِلَاّ التُّرَابُ، وَيَتُوب اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ” مُتَّفَقٌ عَليْهِ.
12/24- وَعَنْ أبي هريرة رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “يَضْحكُ اللَّهُ سبْحَانُه وتَعَالَى إِلَى رَجُلَيْنِ يقْتُلُ أحدُهُمَا الآخَرَ يدْخُلَانِ الجَنَّة، يُقَاتِلُ هَذَا في سبيلِ اللَّهِ فيُقْتل، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيسْلِمُ فيستشهدُ” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
3- باب الصبر
قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران: 200] وقال تعالى {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]
وَقالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] وَقالَ تَعَالَى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43]
وَقالَ تَعَالَى: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153] وَقالَ تَعَالَى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد: 31] وَالآياتُ في الأمر بالصَّبْر وَبَيانِ فَضْلهِ كَثيرةٌ مَعْرُوفةٌ.
1/25- وعن أبي مَالِكٍ الْحَارِثِ بْنِ عَاصِم الأشْعريِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَان، وَالْحَمْدُ للَّه تَمْلأَ الْميزانَ وسُبْحَانَ الله والحَمْدُ للَّه تَمْلآنِ أَوْ تَمْلأ مَا بَيْنَ السَّموَات وَالأَرْضِ وَالصَّلَاةِ نورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، والْقُرْآنُ حُجَّةُ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ. كُلُّ النَّاس يَغْدُو، فَبِائِعٌ نَفْسَهُ فمُعْتِقُها، أَوْ مُوبِقُهَا” رواه مسلم.
2/26- وَعَنْ أبي سَعيدٍ بْن مَالِك بْن سِنَانٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَاساً مِنَ الأنصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فأَعْطاهُم، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِد مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أَنَفَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِيَدِهِ: “مَا يَكُنْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يسْتعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ. وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3/27- وَعَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلَاّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ”.رواه مسلم.
4/28- وعنْ أَنسٍ رضِيَ الله عنْهُ قَالَ: لمَّا ثقُلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم جَعَلَ يتغشَّاهُ الكرْبُ فقَالتْ فاطِمَةُ رَضِيَ الله عنْهَا: واكَرْبَ أبَتَاهُ، فَقَالَ:
“ليْسَ عَلَى أَبيكِ كرْبٌ بعْدَ اليَوْمِ “فلمَّا مَاتَ قالَتْ: يَا أبتَاهُ أَجَابَ رَبّاً دعَاهُ، يَا أبتَاهُ جنَّةُ الفِرْدَوْسِ مأوَاهُ، يَا أَبَتَاهُ إِلَى جبْريلَ نْنعَاهُ، فلَمَّا دُفنَ قالتْ فاطِمَةُ رَضِيَ الله عَنهَا: أطَابتْ أنفسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم التُّرابَ؟ روَاهُ البُخاريُّ.
5/29- وعنْ أبي زيْد أُسامَة بن زيد حَارثَةَ موْلَى رسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وحبَّهِ وابْنِ حبِّهِ رضيَ اللهُ عنهُمَا، قالَ: أَرْسلَتْ بنْتُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: إنَّ ابْنِي قَدِ احتُضِرَ فاشْهدْنَا، فأَرسَلَ يقْرِئُ السَّلامَ ويَقُول:
“إنَّ للَّه مَا أَخَذَ، ولهُ مَا أعْطَى، وكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بأجَلٍ مُسمَّى، فلتصْبِر ولتحْتسبْ” فأرسَلَتْ إِليْهِ تُقْسمُ عَلَيْهِ ليأْتينَّها. فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنِ ثاَبِتٍ، وَرِجَالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم الصبيُّ، فأقعَدَهُ في حِجْرِهِ ونَفْسُهُ تَقعْقعُ، فَفَاضتْ عَيْناهُ،
فقالَ سعْدٌ: يَا رسُولَ الله مَا هَذَا؟ فقالَ: “هَذِهِ رَحْمةٌ جعلَهَا اللَّهُ تعَالَى في قُلُوبِ عِبَادِهِ” وفي روِايةٍ:” فِي قُلُوبِ منْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ منْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمَعْنَى”تَقَعْقَعُ”: تَتحَرَّكُ وتَضْطَربُ.
6/30- وَعَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “كَانَ مَلِكٌ فيِمَنْ كَانَ قبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِك: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابعَثْ إِلَيَّ غُلَاماً أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَاماً يعَلِّمُهُ، وَكَانَ في طَريقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامهُ فأَعْجَبهُ، وَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بالرَّاهِب وَقَعَدَ إِلَيْه، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِر فَقُلْ: حبَسَنِي أَهْلي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحرُ.
فَبيْنَمَا هُو عَلَى ذَلِكَ إذْ أتَى عَلَى دابَّةٍ عظِيمَة قدْ حَبَسَت النَّاس فَقَالَ: اليوْمَ أعْلَمُ السَّاحِرُ أفْضَل أم الرَّاهبُ أفْضلَ؟ فأخَذَ حجَراً فقالَ: اللهُمَّ إنْ كَانَ أمْرُ الرَّاهب أحَبَّ إلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فاقتُلْ هَذِهِ الدَّابَّة حتَّى يمْضِيَ النَّاسُ، فرَماها فقتَلَها ومَضى النَّاسُ، فأتَى الرَّاهب فأخبَرهُ. فَقَالَ لهُ الرَّاهبُ: أىْ بُنيَّ أَنْتَ اليوْمَ أفْضلُ منِّي، قدْ بلَغَ مِنْ أمْركَ مَا أَرَى، وإِنَّكَ ستُبْتَلَى، فإنِ ابْتُليتَ فَلَا تدُلَّ عليَّ، وكانَ الغُلامُ يبْرئُ
الأكْمةَ والأبرصَ، ويدَاوي النَّاس مِنْ سائِرِ الأدوَاءِ. فَسَمعَ جلِيسٌ للملِكِ كانَ قدْ عمِىَ، فأتَاهُ بهداياَ كثيرَةٍ فقال: ما هاهُنَا لَكَ أجْمَعُ إنْ أنْتَ شفَيْتني، فَقَالَ إنِّي لا أشفِي أحَداً، إِنَّمَا يشْفِي اللهُ تعَالى، فإنْ آمنْتَ بِاللَّهِ تعَالَى دعوْتُ اللهَ فشَفاكَ، فآمَنَ باللَّه تعَالى فشفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، فأتَى المَلِكَ فجَلَس إليْهِ كَما كانَ يجْلِسُ فقالَ لَهُ المَلكُ: منْ ردَّ علَيْك بصَرك؟
قَالَ: ربِّي. قَالَ: ولكَ ربٌّ غيْرِي؟، قَالَ: رَبِّي وربُّكَ اللهُ، فأَخَذَهُ فلَمْ يزلْ يُعذِّبُهُ حتَّى دلَّ عَلَى الغُلَامِ فجئَ بِالغُلَامِ، فَقَالَ لهُ المَلكُ: أىْ بُنَيَّ قدْ بَلَغَ منْ سِحْرِك مَا تبْرئُ الأكمَهَ والأبرَصَ وتَفْعلُ وَتفْعَلُ فقالَ: إِنَّي لا أشْفي أَحَداً، إنَّما يشْفي الله تَعَالَى، فأخَذَهُ فَلَمْ يزَلْ يعذِّبُهُ حتَّى دلَّ عَلَى الرَّاهبِ، فجِئ بالرَّاهِبِ فَقيلَ لَهُ: ارجَعْ عنْ دِينكَ، فأبَى، فدَعا بالمنْشَار فوُضِع المنْشَارُ في مفْرقِ رأْسِهِ، فشقَّهُ حتَّى وقَعَ شقَّاهُ،
ثُمَّ جِئ بجَلِيسِ المَلكِ فقِيلَ لَهُ: ارجِعْ عنْ دينِكَ فأبَى، فوُضِعَ المنْشَارُ في مفْرِقِ رَأسِهِ، فشقَّهُ به حتَّى وقَع شقَّاهُ، ثُمَّ جئ بالغُلامِ فقِيل لَهُ: ارجِعْ عنْ دينِكَ، فأبَى، فدَفعَهُ إِلَى نَفَرٍ منْ أصْحابِهِ فَقَالَ:
اذهبُوا بِهِ إِلَى جبَلِ كَذَا وكذَا فاصعدُوا بِهِ الجبلَ، فإذَا بلغتُمْ ذروتهُ فإنْ رجعَ عنْ دينِهِ وإِلَاّ فاطرَحوهُ فذهبُوا بِهِ فصعدُوا بهِ الجَبَل فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكفنِيهمْ بمَا شئْت، فرجَف بِهمُ الجَبَلُ فسَقطُوا، وجَاءَ يمْشي إِلَى المَلِكِ، فقالَ لَهُ المَلكُ: مَا فَعَلَ أَصحَابكَ؟ فقالَ: كفانيهِمُ الله تعالَى، فدفعَهُ إِلَى نَفَرَ منْ أصْحَابِهِ فَقَالَ:
اذهبُوا بِهِ فاحملُوه في قُرقُور وَتَوسَّطُوا بِهِ البحْرَ، فإنْ رَجَعَ عنْ دينِهِ وإلَاّ فَاقْذفُوهُ، فذَهبُوا بِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكفنِيهمْ بمَا شِئْت، فانكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفينةُ فغرِقوا، وجَاءَ يمْشِي إِلَى المَلِك. فقالَ لَهُ الملِكُ: مَا فَعَلَ أَصحَابكَ؟ فَقَالَ: كفانِيهمُ الله تعالَى.
فقالَ للمَلِكِ إنَّك لسْتَ بقَاتِلِي حتَّى تفْعلَ مَا آمُركَ بِهِ. قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: تجْمَعُ النَّاس في صَعيدٍ واحدٍ، وتصلُبُني عَلَى جذْعٍ، ثُمَّ خُذ سهْماً مِنْ كنَانتِي، ثُمَّ ضعِ السَّهْمِ في كَبدِ القَوْسِ ثُمَّ قُل: بسْمِ اللَّهِ ربِّ الغُلَامِ ثُمَّ ارمِنِي، فإنَّكَ إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتنِي.
فجَمَع النَّاس في صَعيدٍ واحِدٍ، وصلَبَهُ عَلَى جذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سهْماً منْ كنَانَتِهِ، ثُمَّ وضَعَ السَّهمَ في كبِدِ القَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِسْم اللَّهِ رَبِّ الغُلامِ، ثُمَّ رمَاهُ فَوقَعَ السَّهمُ في صُدْغِهِ، فَوضَعَ يدَهُ في صُدْغِهِ فمَاتَ.
فقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الغُلَامِ، فَأُتِىَ المَلكُ فَقِيلُ لَهُ: أَرَأَيْت مَا كُنْت تحْذَر قَدْ وَاللَّه نَزَلَ بِك حَذرُكَ. قدْ آمنَ النَّاسُ. فأَمَرَ بِالأخدُودِ بأفْوَاهِ السِّكك فخُدَّتَ وَأضْرِمَ فِيها النيرانُ وقالَ: مَنْ لَمْ يرْجَعْ عنْ دينِهِ فأقْحمُوهُ فِيهَا أوْ قيلَ لَهُ: اقْتَحمْ، ففعَلُوا حتَّى جَاءتِ امرَأَةٌ ومعَهَا صَبِيٌّ لهَا، فَتقَاعَسَت أنْ تَقعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الغُلَامُ: يَا أمَّاهْ اصبِرِي فَإِنَّكَ عَلَي الحَقِّ” روَاهُ مُسْلَمٌ.
“ذرْوةُ الجَبلِ”: أعْلاهُ، وَهي بكَسْر الذَّال المعْجمَة وَضَمِّهَا و”القُرْقورُ”بضَمِّ القَافَيْن: نوْعٌ منْ السُّفُن وَ”الصَّعِيدُ”هُنا: الأرضُ البارزَةُ وَ”الأخْدُودُ”: الشُّقوقُ في الأرْضِ كالنَّهْرِ الصَّغيرِو”أُضرِمَ”أوقدَ”وانكفَأَت”أَي: انقلبَتْ وَ”تقاعسَت”توقَّفتْ وجبُنتْ
7/31- وَعَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَال: ” اتَّقِي الله وَاصْبِرِي”فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنِّكَ لَمْ تُصَبْ بمُصِيبتى، وَلَمْ تعْرفْهُ،
فَقيلَ لَها: إِنَّه النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَأَتتْ بَابَ النَّبِّي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فلَمْ تَجِد عِنْدَهُ بَوَّابينَ، فَقالتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فقالَ:”إِنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأولَى” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لمُسْلمٍ:”تَبْكِي عَلَى صَبيٍّ لَهَا”.
8/32- وَعَنْ أَبي هَرَيرَةَ رَضي اللَّه عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ: “يَقولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبهُ إِلَاّ الجَنَّة” رواه البخاري.
9/33- وعَنْ عائشَةَ رضيَ اللَّهُ عنها أنَهَا سَأَلَتْ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَن الطَّاعونِ، فَأَخبَرَهَا “أَنَهُ كَانَ عَذَاباً يَبْعَثُهُ اللَّه تَعَالَى عَلَى منْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ تعالَى رحْمةً للْمُؤْمنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ في الطَّاعُون فَيَمْكُثُ في بلَدِهِ صَابِراً مُحْتَسِباً يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَاّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَاّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ” رواه البخاري.
10/34- وعَنْ أَنسٍ رضي اللَّه عنه قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ: “إنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ قَالَ:”إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبدِي بحبيبتَيْهِ فَصبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجنَّةَ” يُريدُ عينيْه، رواه البخاريُّ.
11/35- وعنْ عطاءِ بْن أَبي رَباحٍ قالَ: قالَ لِي ابْنُ عبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهُمَا ألَا أريكَ امْرَأَةً مِن أَهْلِ الجَنَّة؟ فَقُلت: بلَى، قَالَ: هذِهِ المْرأَةُ السوْداءُ أَتَتِ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وإِنِّي أَتكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّه تَعَالَى لِي قَالَ: “إِن شئْتِ صَبَرْتِ ولكِ الْجنَّةُ، وإِنْ شِئْتِ دعَوْتُ اللَّه تَعالَى أَنْ يُعافِيَكِ”فقَالتْ: أَصْبرُ، فَقالت: إِنِّي أَتَكشَّفُ، فَادْعُ اللَّه أَنْ لا أَتكشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. متَّفقٌ عليْهِ
12/36- وعنْ أَبي عبْدِ الرَّحْمنِ عبْدِ اللَّه بنِ مسْعُودٍ رضيَ اللَّه عنه قَال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يحْكيِ نَبيّاً مِنَ الأَنْبِياءِ، صلواتُ اللَّهِ وسَلَامُهُ عَليْهم، ضَرَبُهُ قَوْمُهُ فَأَدْموْهُ وهُو يمْسحُ الدَّم عنْ وجْهِهِ، يقُولُ: “اللَّهمَّ اغْفِرْ لِقَوْمي فإِنَّهُمْ لا يعْلمُونَ “متفقٌ عَلَيْه.
13/37- وَعنْ أَبي سَعيدٍ وأَبي هُرَيْرة رضيَ اللَّه عَنْهُمَا عن النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَن وَلَا أَذًى وَلَا غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلَاّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه” متفقٌ عَلَيهِ.
و”الْوَصَب”: الْمرضُ.
14/38- وعن ابْن مسْعُود رضي اللَّه عنه قَالَ: دَخلْتُ عَلى النَبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو يُوعَكُ فَقُلْتُ يَا رسُولَ اللَّه إِنَّكَ تُوعكُ وَعْكاً شَدِيداً قَالَ: “أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُم”قُلْتُ: ذلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْريْن؟
قَالَ:”أَجَلْ ذَلك كَذَلك مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، شوْكَةٌ فَمَا فوْقَهَا إلَاّ كَفَّر اللَّه بهَا سَيِّئَاتِهِ، وَحطَّتْ عنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَحُطُّ الشَّجرةُ وَرقَهَا” متفقٌ عَلَيهِ.
وَ”الْوَعْكُ”: مَغْثُ الحمَّى، وَقيلَ: الْحُمى.
15/39- وعنْ أَبي هُرَيرة رضيَ اللَّهُ عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ”: رواه البخاري.
وضَبطُوا”يُصِب”: بفَتْحِ الصَّادِ وكَسْرِهَا.
16/40- وعَنْ أَنَسٍ رضي اللَّهُ عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لا يتَمنينَّ أَحدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فاعلاً فليقُل: اللَّهُمَّ أَحْيني مَا كَانَت الْحياةُ خَيراً لِي وتوفَّني إِذَا كَانَتِ الْوفاَةُ خَيْراً لِي “متفق عليه.
17/41 – وعنْ أبي عبدِ اللَّهِ خَبَّابِ بْن الأَرتِّ رضيَ اللَّهُ عنه قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو مُتَوسِّدٌ بُردةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبةِ، فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا؟
فَقَالَ: قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يُؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نصْفَيْن، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ، واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لَا يخافُ إِلَاّ اللهَ والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ” رواه البخاري.
وفي رواية:”وهُوَ مُتَوسِّدٌ بُرْدةً وقَدْ لقِينَا مِنَ الْمُشْركِين شِدَّةً”.
18/42- وعن ابن مَسعُودٍ رضي اللَّه عنه قال: لمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نَاساً في الْقِسْمَةِ: فأَعْطَى الأَقْرعَ بْنَ حابِسٍ مائةً مِنَ الإِبِلِ وأَعْطَى عُييْنَةَ بْنَ حِصْنٍ مِثْلَ ذلِكَ، وأَعطى نَاساً منْ أشرافِ الْعربِ وآثَرهُمْ يوْمئِذٍ في الْقِسْمَةِ.
فَقَالَ رجُلٌ: واللَّهِ إنَّ هَذِهِ قِسْمةٌ مَا عُدِلَ فِيها، وَمَا أُريد فِيهَا وَجهُ اللَّه، فَقُلْتُ: واللَّه لأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فأتيتُهُ فَأخبرته بِما قَالَ، فتغَيَّر وَجْهُهُ حتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ. ثُمَّ قَالَ: “فَمنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يعدِلِ اللَّهُ ورسُولُهُ؟ ثُمَّ قَالَ: يرحَمُ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوْذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصبرَ” فَقُلْتُ: لَا جرمَ لَا أَرْفعُ إلَيه بعْدها حدِيثاً. متفقٌ عَلَيهِ.
وقَوْلُهُ”كَالصِرْفَ”هُو بِكسْرِ الصادِ الْمُهْملةِ: وَهُوَ صِبْغٌ أَحْمَرُ.
19/43- وعن أنس رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بعبْدِهِ خَيْراً عجَّلَ لَهُ الْعُقُوبةَ في الدُّنْيَا، وإِذَا أَرَادَ اللَّه بِعبدِهِ الشَّرَّ أمسَكَ عنْهُ بذَنْبِهِ حتَّى يُوافِيَ بهِ يَومَ الْقِيامةِ”.
وقَالَ النبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنَّ عِظَمَ الْجزاءِ مَعَ عِظَمِ الْبلاءِ، وإِنَّ اللَّه تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوماً ابتلاهُمْ، فَمنْ رضِيَ فلَهُ الرضَا، ومَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ “رواه الترمذي وقَالَ: حديثٌ حسنٌ.
20/44- وعنْ أَنَسٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: كَانَ ابْنٌ لأبي طلْحةَ رضي اللَّه عنه يَشْتَكي، فَخَرَجَ أبُو طَلْحة، فَقُبِضَ الصَّبِيُّ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحةَ قَالَ: مَا فَعَلَ ابنِي؟ قَالَت أُمُّ سُلَيْم وَهِيَ أُمُّ الصَّبيِّ: هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا فرغَ قَالَتْ: وارُوا الصَّبيَّ، فَلَمَّا أَصْبحَ أَبُو طَلْحَة أَتَى رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَأَخْبرهُ،
فَقَالَ: “أَعرَّسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:”اللَّهمَّ باركْ لَهُما “فَولَدتْ غُلاماً فقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْمِلْهُ حتَّى تَأَتِيَ بِهِ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وبَعثَ مَعهُ بِتمْرَات، فَقَالَ:”أَمعهُ شْيءٌ؟ “قَالَ: نعمْ، تَمراتٌ فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَمضَغَهَا، ثُمَّ أَخذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا في فِيِّ الصَّبيِّ ثُمَّ حَنَّكَه وسمَّاهُ عبدَ اللَّهِ متفقٌ عَلَيهِ
وفي روايةٍ للْبُخَاريِّ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَة: فَقَالَ رجُلٌ منَ الأَنْصارِ: فَرَأَيْتُ تَسعة أَوْلادٍ كلُّهُمْ قدْ قَرؤُوا الْقُرْآنَ، يعْنِي مِنْ أَوْلادِ عَبْدِ اللَّه الْموْلُود.
وَفي روايةٍ لمسلِم: ماتَ ابْنٌ لأبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ لأهْلِهَا: لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بابنِهِ حتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ، فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً فَأَكَلَ وشَرِبَ، ثُمَّ تَصنَّعتْ لهُ أَحْسنَ مَا كانتْ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذلكَ، فَوقَعَ بِهَا، فَلَمَّا أَنْ رأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعِ وأَصَابَ مِنْها قَالتْ: يَا أَبَا طلْحةَ، أَرَايْتَ لَوْ أَنَّ قَوْماً أَعارُوا عارِيتهُمْ أَهْل بيْتٍ فَطَلبوا عاريَتَهُم، ألَهُمْ أَنْ يمْنَعُوهَا؟
قَالَ: لا، فَقَالَتْ: فاحتسِبْ ابْنَكَ. قَالَ: فغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: تركتنِي حتَّى إِذَا تَلطَّخْتُ ثُمَّ أَخْبرتِني بِابْني، فَانْطَلَقَ حتَّى أَتَى رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فأخْبَرهُ بِمَا كَانَ، فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “بَاركَ اللَّه لكُما في ليْلتِكُما”.
قَالَ: فحملَتْ، قَالَ: وكَانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في سفَرٍ وهِي مَعَهُ وكَانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذَا أَتَى الْمَدِينَةِ مِنْ سَفَرٍ لَا يَطْرُقُها طُرُوقاً فَدنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَضَرَبَهَا الْمَخاضُ، فَاحْتَبَس عَلَيْهَا أَبُو طلْحَةَ، وانْطلَقَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم.
قَالَ: يقُولُ أَبُو طَلْحةَ إِنَّكَ لتعلمُ يَا ربِّ أَنَّهُ يعْجبُنِي أَنْ أَخْرُجَ معَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذَا خَرَجَ، وأَدْخُلَ مَعهُ إِذَا دَخَلَ، وقَدِ احْتَبَسْتُ بِما تَرى. تقولُ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا أَبَا طلْحةَ مَا أَجِد الَّذي كنْتُ أَجِدُ، انْطَلِقْ، فانْطَلقْنَا، وضَربهَا المَخاضُ حينَ قَدِمَا فَولَدتْ غُلاماً.
فقالَتْ لِي أُمِّي: يا أَنَسُ لا يُرْضِعُهُ أَحدٌ تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فلمَّا أَصْبحَ احتملْتُهُ فانطَلقْتُ بِهِ إِلَى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. وذَكَرَ تمامَ الْحَدِيثِ
21/45- وعنْ أَبِي هُريرةَ رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَيْسَ الشديدُ بالصُّرَعةِ إِنمَّا الشديدُ الَّذي يمْلِكُ نَفسَهُ عِنْد الْغَضَبِ “متفقٌ عَلَيهِ.
“والصُّرَعَةُ”بِضمِّ الصَّادِ وفتْحِ الرَّاءِ، وأصْلُهُ عنْد الْعربِ منْ يصرَعُ النَّاسَ كثيراً.
22/46- وعنْ سُلَيْمانَ بْنِ صُرَدٍ رضي اللَّه عنهُ قَالَ: كُنْتُ جالِساً مَعَ النَّبِي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، ورجُلان يستَبَّانِ وأَحدُهُمَا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ. وانْتفَخَتْ أودَاجهُ. فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنِّي لأعلَمُ كَلِمةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عنْهُ مَا يجِدُ، لوْ قَالَ: أَعْوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ذَهَبَ منْهُ مَا يجدُ “فقَالُوا لَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ:”تعوَّذْ بِاللِّهِ مِن الشَّيَطان الرَّجِيمِ”. متفقٌ عَلَيهِ.
23/47- وعنْ مُعاذ بْنِ أَنَسٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَنْ كظَمَ غَيظاً، وهُو قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالَى عَلَى رُؤُوسِ الْخلائقِ يَوْمَ الْقِيامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ” رواه أَبُو داوُدَ، والتِّرْمِذيُّ وَقالَ: حديثٌ حسنٌ.
24/48- وعنْ أَبِي هُريْرَةَ رَضيَ اللَّهُ عنهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ للنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: أوْصِني، قَالَ: “لا تَغضَبْ”فَردَّدَ مِراراً قَالَ،”لا تَغْضَبْ” رواه البخاريُّ.
25/49- وَعَنْ أَبي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَا يَزَال الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمؤمِنَةِ في نَفْسِهِ وَولَدِهِ ومَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّه تَعَالَى وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ” رواه التِّرْمِذيُّ وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحِيحٌ.
26/50- وَعَنْ ابْن عَبَاسٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَة بْنُ حِصْنٍ فَنَزلَ عَلَى ابْنِ أَخيِهِ الْحُر بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِن النَّفَرِ الَّذِين يُدْنِيهِمْ عُمرُ رضِيَ اللَّهُ عنهُ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحابَ مَجْلِسِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه وَمُشاوَرَتِهِ كُهولاً كَانُوا أَوْ شُبَّاناً، فَقَالَ عُييْنَةُ لابْنِ أَخيِهِ: يَا ابْنَ أَخِى لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ، فاستَأذنَ فَأَذِنَ لَهُ عُمرُ.
فَلَمَّا دخَلَ قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّاب، فَوَاللَّه مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلا تَحْكُمُ فِينَا بالْعَدْل، فَغَضِبَ عُمَرُ رضيَ اللَّه عنه حتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّه تعَالى قَال لِنبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [سورة الأعراف: 198] وإنَّ هَذَا مِنَ الجاهلينَ، وَاللَّه مَا جاوَزَها عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا، وكَانَ وَقَّافاً عِنْد كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى رواه البخاري.
27/51- وعَن ابْنِ مسْعُودٍ رضي اللَّه عنه أنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِنَّهَا سَتكُونُ بَعْدِى أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرونَها، قَالُوا: يَا رسُولَ اللَّهِ فَما تَأمرُنا؟ قالَ: تُؤَدُّونَ الْحقَّ الَّذي عَلَيْكُمْ وتَسْألونَ اللَّه الَّذِي لكُمْ” متفقٌ عَلَيهِ.
“والأَثَرَةُ”: الانفرادُ بالشيْءِ عمَّنْ لَهُ فيهِ حقٌّ.
28/52- وَعن أبي يحْيَى أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رضي اللَّهُ عنهُ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: يَا رسولَ اللَّهِ أَلا تَسْتَعْمِلُني كَمَا اسْتْعْملتَ فُلاناً وفلاناً فَقَالَ:”إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدي أَثَرَةً فاصْبِرُوا حَتَّى تلقَوْنِي علَى الْحوْضِ” متفقٌ عَلَيهِ.
“وأُسَيْدٌ”بِضَمِّ الْهمْزةِ.”وحُضَيْرٌ”بِحاءٍ مُهْمَلَةٍ مضمُومَةٍ وضادٍ مُعْجَمَةٍ مفْتُوحةٍ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
29/53- وَعنْ أبي إِبْراهيمَ عَبْدِ اللَّه بْنِ أبي أَوْفي رضي اللَّهُ عنهمَا أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في بعْضِ أَيَّامِهِ التي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ، انْتَظرَ حَتَّى إِذَا مَالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فِيهمْ فَقَالَ:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ لا تَتَمنَّوا لِقَاءَ الْعدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللَّه العَافِيَةَ، فَإِذَا لقيتُموهم فاصْبرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّة تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ” ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنا عَلَيْهِمْ”. متفقٌ عليه وباللَّه التَّوْفيقُ
4- باب الصدق
قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] وَقالَ تَعَالَى {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} [الأحزاب: 35] وَقالَ تَعَالَى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد: 21] وأما الأحاديث:
1/54- فَالأَوَّلُ: عَن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّه عنه عن النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِنَّ الصَّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ ليصْدُقُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقاً، وإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفجُورِ وَإِنَّ الفجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً” متفقٌ عَلَيهِ.
2/55- الثَّاني: عَنْ أبي مُحَمَّدٍ الْحَسنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبي طَالِبٍ، رَضيَ اللَّهُ عَنْهما، قَالَ حفِظْتُ مِنْ رسولِاللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَريبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمأنينَةٌ، وَالْكَذِبَ رِيبةٌ” رواه التِرْمذي وَقالَ: حديثٌ صحيحٌ.
قَوْلُهُ:”يرِيبُكَ”هُوَ بفتحِ الياء وضَمِّها، وَمَعْناهُ: اتْرُكْ مَا تَشُكُّ في حِلِّه، واعْدِلْ إِلى مَا لا تَشُكُّ فِيهِ.
3/56- الثَّالثُ: عنْ أبي سُفْيانَ صَخْرِ بْنِ حَربٍ. رضيَ اللَّه عنه. في حديثِه الطَّويلِ في قِصَّةِ هِرقْلُ، قَالَ هِرقْلُ: فَماذَا يَأْمُرُكُمْ يعْني النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قُلْتُ: يقولُ”اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لا تُشرِكُوا بِهِ شَيْئاً، واتْرُكُوا مَا يَقُولُ آباؤُكُمْ، ويَأْمُرنَا بالصَّلاةِ والصِّدقِ، والْعفَافِ، والصِّلَةِ”. متفقٌ عليه.
4/57- الرَّابِعُ: عَنْ أبي ثَابِتٍ، وقِيلَ: أبي سعيدٍ، وقِيلَ: أبي الْولِيدِ، سَهْلِ بْنِ حُنيْفٍ، وَهُوَ بدرِيٌّ، رضي اللَّه عنه، أَن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَنْ سَأَلَ اللَّهَ، تعالَى الشِّهَادَة بِصِدْقٍ بَلَّغهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهدَاء، وإِنْ مَاتَ عَلَى فِراشِهِ” رواه مسلم.
5/58- الخامِسُ: عَنْ أبي هُريْرة رضي اللَّهُ عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِياءِ صلواتُ اللَّه وسلامُهُ علَيهِمْ فَقَالَ لقوْمِهِ:
لا يتْبعْني رَجُلٌ ملَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ. وَهُوَ يُرِيدُ أَن يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِها، وَلا أَحدٌ بنَى بيُوتاً لَمْ يرفَع سُقوفَهَا، وَلا أَحَدٌ اشْتَرى غَنَماً أَوْ خَلَفَاتٍ وهُو يَنْتَظرُ أوْلادَهَا. فَغزَا فَدنَا مِنَ الْقَرْيةِ صلاةَ الْعصْرِ أَوْ قَريباً مِنْ ذلكَ، فَقَال للشَّمس:
إِنَّكِ مَأمُورةٌ وأَنا مأمُورٌ، اللهمَّ احْبسْهَا علَينا، فَحُبستْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عليْهِ، فَجَمَعَ الْغَنَائِم، فَجاءَتْ يَعْنِي النَّارَ لتَأكُلهَا فَلَمْ تطْعمْهَا،
فَقَالَ: إِنَّ فِيكُمْ غُلُولاً، فليبايعنِي منْ كُلِّ قبِيلَةٍ رجُلٌ، فلِزقتْ يدُ رَجُلٍ بِيدِهِ فَقَالَ: فِيكُم الْغُلولُ، فليبايعنِي قبيلَتُك، فلزقَتْ يدُ رجُليْنِ أو ثلاثَةٍ بِيَدِهِ فقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَجاءوا برَأْسٍ مِثْلِ رَأْس بَقَرَةٍ مِنْ الذَّهبِ، فوضَعها فَجَاءَت النَّارُ فَأَكَلَتها، فلمْ تَحل الْغَنَائِمُ لأحدٍ قَبلَنَا، ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنا الغَنَائِمَ لمَّا رأَى ضَعفَنَا وعجزنَا فأحلَّها لنَا” متفقٌ عَلَيهِ.
“الخلفاتُ”بفتحِ الخاءِ المعجمة وكسرِ اللامِ: جمْعُ خَلِفَةٍ، وهِي النَّاقَةُ الحاملُ.
6/59- السادِسُ: عن أبي خالدٍ حكيمِ بنِ حزَامٍ. رضِيَ اللَّهُ عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “الْبيِّعَان بالخِيارِ مَا لَمْ يَتفرَّقا، فإِن صدقَا وبيَّنا بوُرِك لهُما في بَيعْهِما، وإِن كَتَما وكذَبَا مُحِقَتْ بركةُ بيْعِهِما” متفقٌ عليه
5- بَابُ المراقبة
قَالَ الله تَعَالَى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 218، 219] وَقالَ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]
وَقالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران: 5] وَقالَ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] وَقالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19] وَالآيات في البابِ كثيرة معلومة.
1/60-وأَمَّا الأحاديثُ، فالأَوَّلُ: عَنْ عُمرَ بنِ الخطابِ، رضيَ اللَّهُ عنه، قَالَ: “بَيْنما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْد رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، ذَات يَوْمٍ إِذْ طَلع عَلَيْنَا رجُلٌ شَديدُ بياضِ الثِّيابِ، شديدُ سوادِ الشَّعْر، لا يُرَى عليْهِ أَثَر السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ منَّا أَحدٌ، حتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَأَسْنَدَ رَكْبَتَيْهِ إِلَى رُكبَتيْهِ، وَوَضع كفَّيْه عَلَى فخِذيهِ وَقالَ:
يَا محمَّدُ أَخبِرْنِي عَنِ الإسلامِ فقالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: الإِسلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤتِيَ الزَّكاةَ، وتصُومَ رَمضَانَ، وتحُجَّ الْبيْتَ إِنِ استَطَعتَ إِلَيْهِ سَبيلاً. قَالَ: صدَقتَ. فَعجِبْنا لَهُ يسْأَلُهُ ويصدِّقُهُ،
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمانِ. قَالَ: أَنْ تُؤْمِن بِاللَّهِ وملائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ، والْيومِ الآخِرِ، وتُؤمِنَ بالْقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ. قَالَ: صدقْتَ قَالَ: فأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسانِ. قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّه كَأَنَّكَ تَراهُ. فإِنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فإِنَّهُ يَراكَ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعةِ.
قَالَ: مَا المسْؤُولُ عَنْهَا بأَعْلَمَ مِن السَّائِلِ. قَالَ: فَأَخْبرْنِي عَنْ أَمَاراتِهَا. قَالَ أَنْ تلدَ الأَمَةُ ربَّتَها، وَأَنْ تَرى الحُفَاةَ الْعُراةَ الْعالَةَ رِعاءَ الشَّاءِ يتَطاولُون في الْبُنيانِ ثُمَّ انْطلَقَ، فلبثْتُ ملِيًّا، ثُمَّ قَالَ: يَا عُمرُ، أَتَدرِي منِ السَّائِلُ قلتُ: اللَّهُ ورسُولُهُ أَعْلمُ قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعلِّمُكم دِينِكُمْ “رواه مسلمٌ.
ومعْنَى:”تلِدُ الأَمةُ ربَّتَهَا”أَيْ: سيِّدتَهَا، ومعناهُ أَنْ تكْثُرَ السَّرارِي حتَّى تَلد الأمةُ السرِّيةُ بِنتاً لِسيدهَا، وبْنتُ السَّيِّدِ في معنَى السَّيِّدِ، وقِيل غيرُ ذَلِكَ وَ”الْعالَةُ”: الْفُقراءُ. وقولُهُ”مَلِيًّا”أَيْ زَمَناً طَويلاً، وكانَ ذلِكَ ثَلاثاً.
2/62- الثَّاني: عن أبي ذَرٍّ جُنْدُبِ بْنِ جُنَادةَ، وأبي عبْدِ الرَّحْمنِ مُعاذِ بْنِ جبلٍ رضيَ اللَّه عنهما، عنْ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، قَالَ: “اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ “رواهُ التِّرْمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ.
3/63- الثَّالثُ: عن ابنِ عبَّاسٍ، رضيَ اللَّه عنهمَا، قَالَ: “كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يوْماً فَقال: “يَا غُلامُ إِنِّي أُعلِّمكَ كَلِمَاتٍ:
“احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَل اللَّه، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، واعلَمْ: أَنَّ الأُمَّةَ لَو اجتَمعتْ عَلَى أَنْ ينْفعُوكَ بِشيْءٍ، لَمْ يَنْفعُوكَ إِلَاّ بِشَيْءٍ قَد كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَاّ بَشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّه عليْكَ، رُفِعَتِ الأقْلامُ، وجَفَّتِ الصُّحُفُ”.
رواهُ التِّرمذيُّ وقَالَ: حديثٌ حسنٌ صَحيحٌ.
وفي رواية غيرِ التِّرْمِذيِّ: “احفظَ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ في الرَّخَاءِ يعرِفْكَ في الشِّدةِ، واعْلَمْ أَنّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصيبَك، وَمَا أَصَابَكَ لمْ يَكُن لِيُخْطِئَكَ واعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْب، وأَنَّ مَعَ الْعُسرِ يُسْراً”.
4/63- الرَّابعُ: عنْ أَنَس رضي اللَّهُ عنه قالَ: “إِنَّكُمْ لَتَعْملُونَ أَعْمَالاً هِيَ أَدقُّ في أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ، كُنَّا نَعْدُّهَا عَلَى عَهْدِ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنَ الْمُوِبقاتِ”رواه البخاري. وَقالَ:”الْمُوبِقَاتُ”الْمُهْلِكَاتُ.
5/64- الْخَامِس: عَنْ أبي هريْرَةَ، رضي اللَّه عنه، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى، أنْ يَأْتِيَ الْمَرْءُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ” متفقٌ عَلَيهِ.
و”الْغَيْرةُ”بفتحِ الغين: وَأَصلهَا الأَنَفَةُ.
6/65- السَّادِسُ: عَنْ أبي هُريْرَةَ رضي اللَّه عنه أَنَّهُ سمِع النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: “إِنَّ ثَلَاثَةً مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ: أَبْرَصَ، وأَقْرَعَ، وأَعْمَى، أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَليَهُمْ فَبَعث إِلَيْهِمْ مَلَكاً، فأَتَى الأَبْرَصَ فَقَالَ:
أَيُّ شَيْءٍ أَحبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حسنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، ويُذْهَبُ عنِّي الَّذي قَدْ قَذَرنِي النَّاسُ، فَمَسَحهُ فذَهَب عنهُ قذرهُ وَأُعْطِيَ لَوْناً حَسناً. قَالَ: فَأَيُّ الْمالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبلُ – أَوْ قَالَ الْبَقَرُ- شَكَّ الرَّاوِي -فأُعْطِيَ نَاقَةً عُشرَاءَ، فَقَالَ: بارَك اللَّهُ لَكَ فِيها.
فأَتَى الأَقْرعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحب إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعْرٌ حسنٌ، ويذْهبُ عنِّي هَذَا الَّذي قَذِرَني النَّاسُ، فَمسحهُ عنْهُ. أُعْطِيَ شَعراً حَسَناً. قالَ فَأَيُّ الْمَالِ. أَحبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقرُ، فأُعِطيَ بَقَرَةً حامِلاً، وقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا.
فَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَنْ يرُدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَري فَأُبْصِرَ النَّاسَ فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بصَرَهُ. قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِليْكَ؟ قَالَ: الْغنمُ فَأُعْطِيَ شَاةً والِداً فَأَنْتجَ هذَانِ وَولَّدَ هَذا، فكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنَ الإِبِلِ، ولَهَذَا وَادٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَلَهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَم.
ثُمَّ إِنَّهُ أتَى الأْبرص في صورَتِهِ وَهَيْئتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكينٌ قدِ انقَطعتْ بِيَ الْحِبَالُ في سَفَرِي، فَلا بَلاغَ لِيَ الْيَوْمَ إِلَاّ باللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ، والْجِلْدَ الْحَسَنَ، والْمَالَ، بَعيِراً أَتبلَّغُ بِهِ في سفَرِي، فقالَ: الحقُوقُ كَثِيرةٌ. فَقَالَ: كَأَنِّي أَعْرفُكُ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرصَ يَقْذُرُكَ النَّاسُ، فَقيراً، فَأَعْطَاكَ اللَّهُ، فقالَ: إِنَّما وَرثْتُ هَذا المالَ كَابراً عَنْ كابِرٍ، فقالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَصَيَّركَ اللَّهُ إِلى مَا كُنْتَ.
وأَتَى الأَقْرَع في صورتهِ وهيئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لهذَا، وَرَدَّ عَلَيْه مِثْلَ مَاردَّ هَذَّا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَصَيّرَكَ اللهُ إِليَ مَاكُنْتَ.
وأَتَى الأَعْمَى في صُورتِهِ وهَيْئَتِهِ، فقالَ: رَجُلٌ مِسْكينٌ وابْنُ سَبِيلٍ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ في سَفَرِي، فَلا بَلاغَ لِيَ اليَوْمَ إِلَاّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بالَّذي رَدَّ عَلَيْكَ بصرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا في سَفَرِي؟
فقالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصري، فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدعْ مَا شِئْتَ فَوَاللَّهِ ما أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشْيءٍ أَخَذْتَهُ للَّهِ عزَّ وجلَّ.
فقالَ: أَمْسِكْ مالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رضيَ اللَّهُ عنك، وَسَخَطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ” متفقٌ عَلَيهِ.
“وَالنَّاقةُ الْعُشَرَاءُ”بِضم العينِ وبالمدِّ: هِيَ الحامِلُ. قولُهُ:”أَنْتجَ”وفي روايةٍ:”فَنَتَجَ”معْنَاهُ: تَوَلَّى نِتَاجَهَا، والنَّاتجُ للنَّاقةِ كالْقَابِلَةِ لَلْمَرْأَةِ.
وقولُهُ:”ولَّدَ هَذا”هُوَ بِتشْدِيدِ اللام: أَيْ: تَولَّى وِلادَتهَا، وهُوَ بمَعْنَى نَتَجَ في النَّاقَةِ. فالمْوَلِّدُ، والناتجُ، والقَابِلَةُ بمَعْنى، لَكِنْ هَذا للْحَيَوانِ وذاكَ لِغَيْرِهِ.
وقولُهُ:”انْقَطَعَتْ بِي الحِبالُ”هُوَ بالحاءِ المهملةِ والباءِ الموحدة: أَي الأَسْبَاب. وقولُه:”لا أَجهَدُكَ”معناهُ: لا أَشَقُّ عليْك في رَدِّ شَيْءٍ تَأْخُذُهُ أَوْ تَطْلُبُهُ مِنْ مَالِي.
وفي رواية البخاري:”لا أَحْمَدُكَ”بالحاءِ المهملة والميمِ، ومعناهُ: لا أَحْمَدُكَ بِتَرْك شَيْءٍ تَحتاجُ إِلَيْهِ، كما قالُوا: لَيْسَ عَلَى طُولِ الحياةِ نَدَمٌ أَيْ عَلَى فَوَاتِ طُولِهَا.
7/66- السَّابِعُ: عَنْ أبي يَعْلَى شَدَّادِ بْن أَوْسٍ رضي اللَّه عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ” رواه التِّرْمِذيُّ وقالَ: حديثٌ حَسَنٌ.
قَالَ التِّرْمذيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَى”دَانَ نَفْسَه”: حَاسَبَهَا.
8/67- الثَّامِنُ: عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنهُ قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَالَا يَعْنِيهِ” حديثٌ حسنٌ رواهُ التِّرْمذيُّ وغيرُهُ.
9/68- التَّاسعُ: عَنْ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَا يُسْأَلُ الرَّجُلُ فيمَ ضَربَ امْرَأَتَهُ” رواه أبو داود وغيرُه
6- باب التقوى
قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] وَقالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وهذه الآية مبينة للمراد مِنَ الأُولى.
وَقالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا} [الأحزاب: 70] وَالآيات في الأمر بالتقوى كثيرةٌ معلومةٌ، وَقالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاوَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2،3]
وَقالَ تَعَالَى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [لأنفال: 29] الآيات في البابِ كثيرة معلومة.
1/69- وأَمَّا الأَحَاديثُ فَالأَوَّلُ: عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه قَالَ: قِيلَ: يَا رسولَ اللَّهِ مَن أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ:”أَتْقَاهُمْ”فقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذا نَسْأَلُكَ، قَالَ:”فيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابنِ نَبيِّ اللَّهِ ابنِ خَلِيلِ اللَّهِ”. قَالُوا: لَيْسَ عن هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: فعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَب تسْأَلُونِي؟ خِيَارُهُمْ في الْجاهِليَّةِ خِيَارُهُمْ في الإِسلامِ إذَا فَقُهُوا” متفقٌ عَلَيهِ
و”فَقُهُوا”بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى الْمَشْهورِ، وحُكِي كسْرُهَا. أَي: عَلِمُوا أَحْكَامَ الشَّرْعِ.
2/70-الثَّانِي: عَنْ أبي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إنَّ الدُّنْيا حُلْوَةٌ خضِرَةٌ، وإنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا. فينْظُر كَيْفَ تَعْمَلُونَ. فَاتَّقوا الدُّنْيَا واتَّقُوا النِّسَاءِ. فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنةِ بَنِي إسْرَائيلَ كَانَتْ في النسَاء” رواه مسلم.
3/71- الثالثُ: عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كَانَ يَقُولُ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعفافَ والْغِنَى” رواه مسلم.
4/72- الرَّابعُ: عَنْ أبي طَريفٍ عدِيِّ بْنِ حاتمٍ الطائِيِّ رضي اللَّه عنه قالَ: سَمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ: “مَنْ حَلَفَ عَلَى يمِين ثُمَّ رَأَى أتقَى للَّهِ مِنْها فَلْيَأْتِ التَّقْوَى “رواه مسلم.
5/73- الْخَامِسُ: عنْ أبي أُمَامَةَ صُدَيَّ بْنِ عَجْلانَ الْباهِلِيِّ رضي اللَّهُ عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَخْطُبُ في حَجَّةِ الْودَاع فَقَالَ: “اتَّقُوا اللَّه، وصَلُّوا خَمْسكُمْ، وصُومُوا شَهْرَكمْ، وأَدُّوا زكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا أُمَرَاءَكُمْ، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ” رواه التِّرْمذيُّ، في آخر كتابِ الصلاةِ وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيح
7-بَابُ اليقين وَالتوكّل
قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب: 22]
وَقالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 173،174]
وَقالَ تَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان: 58] وَقالَ تَعَالَى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [إبراهيم: 11]
وَقالَ تَعَالَى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 159] والآيات في الأمرِ بالتوكلِ كثيرةٌ معلومةٌ. وَقالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] أي: كافِيهِ.
وَقالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [لأنفال: 2] والآيات في فضل التوكل كثيرة معروفة.)
وأمّا الأحاديث:
1/74- فَالأوَّلَ: عَن ابْن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: “عُرضَت عليَّ الأمَمُ، فَرَأيْت النَّبِيَّ وَمعَه الرُّهيْطُ والنَّبِيَّ ومَعهُ الرَّجُل وَالرَّجُلانِ، وَالنَّبِيَّ وليْسَ مَعهُ أحدٌ إِذْ رُفِعَ لِى سوادٌ عظيمٌ فظننتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي، فَقِيلَ لِى: هَذَا مُوسَى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فَإِذا سَوادٌ عَظِيمٌ فقيلَ لي انْظُرْ إِلَى الأفُقِ الآخَرِ فَإِذَا سَوَادٌ عَظيمٌ فقيلَ لِي: هَذه أُمَّتُكَ، ومعَهُمْ سبْعُونَ أَلْفاً يَدْخُلُونَ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَابٍ ولا عَذَابٍ”
ثُمَّ نَهَض فَدَخَلَ منْزِلَهُ، فَخَاض النَّاسُ في أُولَئِكَ الَّذينَ يدْخُلُون الْجنَّةَ بِغَيْرِ حسابٍ وَلا عذابٍ، فَقَالَ بعْضهُمْ: فَلَعَلَّهُمْ الَّذينَ صَحِبُوا رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وقَال بعْضهُم: فَلعَلَّهُمْ الَّذينَ وُلِدُوا في الإسْلامِ، فَلَمْ يُشْرِكُوا باللَّه شَيئاً -وذَكَروا أشْياء – فَخرجَ عَلَيْهمْ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ:”مَا الَّذي تَخُوضونَ فِيهِ؟ “فَأخْبَرُوهُ
فَقَالَ:”هُمْ الَّذِينَ لا يرقُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطيَّرُون، وَعَلَى ربِّهمْ يتَوكَّلُونَ”فقَامَ عُكَّاشةُ بنُ مُحْصِن فَقَالَ: ادْعُ اللَّه أنْ يجْعَلَني مِنْهُمْ، فَقَالَ:”أنْت مِنْهُمْ”ثُمَّ قَام رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: ادْعُ اللَّه أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ:”سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ “متفقٌ عَلَيهِ.
“الرُّهَيْطُ بِضمِّ الرَّاء: تَصغيرِ رَهْط، وهُم دُونَ عشرةِ أنْفُس.”والأفُقُ”: النَّاحِيةُ والْجانِب.”وعُكاشَةُ”بِضَمِّ الْعيْن وتَشْديد الْكافِ وَبِتَخْفيفها، والتَّشْديدُ أفْصحُ.
2/75- الثَّانِي: عَنْ ابْن عبَّاس رضي اللَّه عنهما أيْضاً أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كانَ يقُولُ: “اللَّهُم لَكَ أسْلَمْتُ وبِكَ آمنْتُ، وعليكَ توَكَّلْتُ، وإلَيكَ أنَبْتُ، وبِكَ خاصَمْتُ. اللَّهمَّ أعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لا إلَه إلَاّ أنْتَ أنْ تُضِلَّنِي أنْت الْحيُّ الَّذي لَا تمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يمُوتُونَ” متفقٌ عَلَيهِ وَهَذا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَاخْتَصرهُ الْبُخَارِيُ.
3/76- الثَّالِثُ: عن ابْنِ عَبَّاس رضي اللَّه عنهما أيضاً قَالَ: “حسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الْوكِيلُ قَالَهَا إبْراهِيمُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حينَ أُلْقِى في النَّارِ، وَقالهَا مُحمَّدٌ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حيِنَ قَالُوا:”إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوكِيلُ”رواه البخارى.
وفي رواية لَهُ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ:”كَانَ آخِرَ قَوْل إبْراهِيمَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حِينَ ألْقِي في النَّارِ”حسْبي اللَّهُ وَنِعمَ الْوَكِيلُ”.
4/77- الرَّابعُ: عَن أبي هُرَيْرةَ رضي اللَّه عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أقْوَامٌ أفْئِدتُهُمْ مِثْلُ أفْئِدَةِ الطَّيْرِ” رواه مسلم.
قيل معْنَاهُ مُتوَكِّلُون، وقِيلَ قُلُوبُهُمْ رقِيقةٌ.
5/78-الْخَامِسُ: عنْ جَابِرٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قِبَلَ نَجْدٍ فَلَمَّا قَفَل رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَفَل مَعهُمْ، فأدْركتْهُمُ الْقائِلَةُ في وادٍ كَثِيرِ الْعضَاهِ، فَنَزَلَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وتَفَرَّقَ النَّاسُ يسْتظلُّونَ بالشَّجَرِ، ونَزَلَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم تَحْتَ سمُرَةٍ، فَعَلَّقَ بِهَا سيْفَه، ونِمْنَا نوْمةً، فَإِذَا رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يدْعونَا، وإِذَا عِنْدَهُ أعْرابِيُّ فقَالَ: “إنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سيْفي وأَنَا نَائِمٌ، فاسْتيقَظتُ وَهُو في يدِهِ صَلْتاً، قالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ منِّي؟ قُلْتُ: اللَّه -ثَلاثاً” وَلَمْ يُعاقِبْهُ وَجَلَسَ. متفقٌ عليه.
وفي رواية: قَالَ جابِرٌ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بذاتِ الرِّقاعِ، فإذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجرةٍ ظَلِيلَةٍ تركْنَاهَا لرسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَجاء رجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِين، وَسَيفُ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُعَلَّقٌ بالشَّجرةِ، فاخْترطهُ فَقَالَ: تَخَافُنِي؟ قَالَ:”لا” قَالَ: فمَنْ يمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ:”اللَّه”.
وفي رواية أبي بكرٍ الإِسماعيلي في صحيحِهِ: قَالَ منْ يمْنعُكَ مِنِّي؟ قَالَ:”اللَّهُ” قَالَ: فسقَطَ السَّيْفُ مِنْ يدِهِ، فَأخَذَ رسَول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم السَّيْفَ فَقال:”منْ يمنعُكَ مِنِّي؟ “فَقال: كُن خَيْرَ آخِذٍ، فَقَالَ: “تَشهدُ أنْ لا إلَه إلَاّ اللَّهُ، وأنِّي رسولُ اللَّه؟ ” قَالَ: لَا، ولكِنِّي أعاهِدُك أنْ لا أقَاتِلَكَ، وَلَا أكُونَ مَعَ قَومٍ يُقَاتِلُونَكَ، فَخلَّى سبِيلهُ، فَأتى أصحابَه فقَالَ: جِئتكُمْ مِنْ عِندِ خيرِ النَّاسِ.
قَولُهُ:”قَفَل”أيْ: رجع. وَ”الْعِضَاهُ”الشَّجر الَّذِي لَه شَوْك. و”السَّمُرةُ”بِفَتْحِ السينِ وضمِّ
الْميمِ: الشَّجَرةُ مِن الطَّلْحِ، وهِي الْعِظَام منْ شَجرِ الْعِضاهِ. وَ”اخْترطَ السَّيْف”أي: سلَّهُ وهُو في يدِهِ.”صَلْتاً”أيْ: مسْلُولاً، وهُو بِفْتح الصادِ وضمِّها.
6/79-السادِسُ: عنْ عمرَ رضي اللَّهُ عنه قالَ: سمعْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ: “لَوْ أنَّكم تتوكَّلونَ عَلَى اللَّهِ حقَّ تَوكُّلِهِ لرزَقكُم كَما يرزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِماصاً وترُوحُ بِطَاناً” رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ.
معْناهُ تَذْهَبُ أوَّلَ النَّهَارِ خِماصاً: أي ضَامِرةَ الْبُطونِ مِنَ الْجُوعِ، وترْجِعُ آخِرَ النَّهَارِ بِطَاناً: أيْ مُمْتَلِئةَ الْبُطُونِ.
7/80- السَّابِعُ: عن أبي عِمَارةَ الْبراءِ بْنِ عازِبٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يَا فُلان إذَا أَويْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَقُل: اللَّهمَّ أسْلَمْتُ نفْسي إلَيْكَ، ووجَّهْتُ وجْهِي إِلَيْكَ، وفَوَّضْتُ أَمْري إِلَيْكَ، وألْجأْتُ ظهْرِي إلَيْكَ. رغْبَة ورهْبةً إلَيْكَ، لا ملجَأَ ولا منْجى مِنْكَ إلَاّ إلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذي أنْزَلْتَ، وبنبيِّك الَّذي أرْسلتَ، فَإِنَّكَ إنْ مِتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ مِتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، وإنْ أصْبحْتَ أصَبْتَ خيْراً” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية في الصَّحيحين عن الْبرَاء قَالَ: قَالَ لي رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إذَا أتَيْتَ مضجعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ للصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأيْمَنِ وقُلْ: وذَكَر نحْوَه ثُمَّ قَالَ وَاجْعَلْهُنَّ آخرَ ما تَقُولُ “.
8/81-الثَّامِنُ: عنْ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيق رضي اللَّه عنه عبدِ اللَّه بنِ عثمانَ بنِ عامِرِ بنِ عُمَرَ بن كعب بنِ سعدِ بْنِ تَيْمِ بْن مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْن لُؤيِّ بْنِ غَالِب الْقُرَشِيِّ التَّيْمِيِّ رضي اللَّه عنه – وهُو وأبُوهُ وَأُمَّهُ صحابَةٌ، رضي اللَّه عنهم – قَالَ: نظرتُ إِلَى أقْدَامِ المُشْرِكِينَ ونَحنُ في الْغَارِ وهُمْ علَى رُؤُوسِنا فقلتُ: يَا رسولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أحَدَهمْ نَظرَ تَحتَ قَدميْهِ لأبصرَنا فَقَالَ:”مَا ظَنُّك يَا أَبا بكرٍ باثْنْينِ اللَّهُ ثالثُِهْما” متفقٌ عَلَيهِ.
9/82-التَّاسِعُ: عَنْ أُمِّ المُؤمِنِينَ أُمِّ سلَمَةَ، واسمُهَا هِنْدُ بنْتُ أَبي أُمَيَّةَ حُذَيْفةَ المخزومية رضي اللَّهُ عنها أنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كانَ إذَا خَرجَ مِنْ بيْتِهِ قالَ: “بِسْمِ اللَّهِ، توكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذُ بِكَ أنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أوْ أُزلَّ، أوْ أظلِمَ أوْ أُظلَم، أوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجهَلَ عَلَيَّ “حديثٌ صحيحٌ رواه أبو داود والتِّرمذيُّ وَغيْرُهُمَا بِأسانِيدَ صحيحةٍ. قالَ التِّرْمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وهذا لَفظُ أبي داودَ.
10/83-الْعَاشِرُ: عنْ أنسٍ رضيَ اللَّهُ عنه قَالَ: قالَ: رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَنْ قَالَ -يعنِي إِذَا خَرَج مِنْ بيْتِهِ -: بِسْم اللَّهِ توكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، وَلا حوْلَ وَلا قُوةَ إلَاّ بِاللَّهِ، يقالُ لهُ هُديتَ وَكُفِيت ووُقِيتَ، وتنحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ ” رواه أبو داودَ والترمذيُّ، والنِّسائِيُّ وغيرُهمِ: وَقالَ الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ، زاد أبو داود:”فيقول: -يعْنِي الشَّيْطَانَ -لِشَيْطانٍ آخر: كيْفَ لَكَ بِرجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفي وَوُقِى؟ “.
11/84- وَعنْ أنَسٍ رضي اللَّهُ عنه قَالَ: كَان أخوانِ عَلَى عهْدِ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وكَانَ أَحدُهُما يأْتِي النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، والآخَرُ يحْتَرِفُ، فَشَكَا الْمُحْتَرِفُ أخَاهُ للنبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: “لَعلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ” رواه التِّرْمذيُّ بإسناد صحيحٍ عَلَى شرطِ مسلمٍ.
“يحْترِفُ”: يكْتَسِب ويَتَسبَّبُ
8- باب الاستِقامة
قَالَ الله تَعَالَى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112] وَقالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت: 30،31،32]
وَقالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف: 13،14]
1/85- وَعَنْ أبي عمرو، وقيل أبي عمْرة سُفْيانَ بنِ عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ قُلْ لِي في الإِسلامِ قَولاً لَا أَسْأَلُ عنْه أَحداً غيْركَ. قَالَ:”قُلْ: آمَنْت باللَّهِ: ثُمَّ اسْتَقِمْ ” رواه مسلم.
2/86-وعنْ أبي هُريْرة رضي اللَّه عنه: قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “قَارِبُوا وسدِّدُوا، واعْلَمُوا أَنَّه لَنْ ينْجُو أحدٌ منْكُمْ بعملهِ”قَالوا: وَلا أنْت يَا رسُولَ اللَّه؟ قَالَ:”وَلَا أَنَا إلَاّ أنْ يتَغَمَّدني اللَّه برَحْمةٍ منْه وَفضْلٍ “رواه مسلم.
وَ”الْمُقارَبةُ”: الْقَصْدُ الَّذي لا غلُوَّ فِيهِ وَلَا تقْصيرَ. وَ”السَّدادُ”: الاسْتقَامةُ وَالإِصابةُ، وَ”يتَغَمَّدني”يُلْبسُني ويَسْتُرني.
قالَ الْعُلَمَاءُ: معنَى الاستقَامَةِ: لُزومُ طَاعِة اللَّهِ تَعالى، قالُوا: وَهِي مِنْ جوامِعِ الْكلِم، وهِيَ نِظَامُ الأمُورِ، وباللَّه التَّوفيق
9- باب في التفَكُّر في عظيم مخلوقات الله تَعَالَى
وفناء الدنيا وأهوال الآخرة وسائر أمورهما وتقصير النفس وتهذيبها وحملها عَلَى الاستقامة
قَالَ اللَّه تَعَالَى: {إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ: 46]
وَقالَ تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَاب الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ} الآيات [آل عمران: 190،191] .
وَقالَ تَعَالَى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَىالسَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية: 18، 19، 20،21]
وَقالَ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا} الآية [محمد:10] والآيات في الباب كثيرةٌ. ومِنْ الأحَاديث الحديث السَّابق: “الْكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَه”
10- باب في المبادرة إلى الخيرات وحثَّ من توجَّه لخير على الإِقبال عليه بالجدِّ من غير تردَّد
قَالَ الله تَعَالَى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] وَقالَ تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] وأما الأحاديث:
1/87-فالأوَّل: عَنْ أبي هريرة رضي اللَّه عنه أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “بادِروا بالأعْمالِ فِتَناً كقطَعِ اللَّيلِ الْمُظْلمِ يُصبحُ الرجُلُ مُؤمناً ويُمْسِي كَافِراً، ويُمسِي مُؤْمناً ويُصبحُ كَافِراً، يَبيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيا” رواه مسلم.
2/88-الثَّاني: عنْ أبي سِرْوَعَةَ -بكسرِ السين المهملةِ وفتحها- عُقبةَ بنِ الْحارِثِ رضي اللَّه عنه قَالَ: صَلَّيتُ وراءَ النَبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بالمدِينةِ الْعصْرَ، فسلَّم ثُمَّ قَامَ مُسْرعاً فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بعْضِ حُجَرِ نسائِهِ، فَفَزعَ النَّاس مِنْ سرعَتهِ، فَخَرَجَ عَليهمْ، فَرأى أنَّهُمْ قدْ عَجِبوا منْ سُرْعتِه، قالَ: “ذَكَرتُ شَيئاً مِنْ تبْرٍ عندَنا، فكرِهْتُ أنْ يحبسَنِي، فأمرْتُ بقسْمتِه” رواه البخاري.
وفي رواية لَهُ: “كنْتُ خلَّفْتُ في الْبيتِ تِبراً مِنَ الصَّدقةِ، فكرِهْتُ أنْ أُبَيِّتَه”.”التِّبْر”قِطَعُ ذهبٍ أوْ فضَّةٍ.
3/89-الثَّالث: عن جابر رضي اللَّهُ عنه قَالَ: قَالَ رجلٌ للنبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يومَ أُحُدٍ: أرأيتَ إنْ قُتلتُ فأينَ أَنَا؟ قَالَ:”في الْجنَّةِ “فألْقى تَمراتٍ كنَّ في يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حتَّى قُتلَ. متفقٌ عَلَيهِ.
4/90-الرابع: عن أبي هُريرةَ رضي اللَّهُ عنه قَالَ: جاءَ رجلٌ إِلَى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّهِ، أيُّ الصَّدقةِ أعْظمُ أجْراً؟ قَالَ: “أنْ تَصَدَّقَ وأنْت صحيحٌ شَحيحٌ تَخْشى الْفقرَ، وتأْمُلُ الْغنى، وَلَا تُمْهِلْ حتَّى إِذَا بلَغتِ الْحلُقُومَ. قُلت: لفُلانٍ كذا ولفلانٍ كَذَا، وقَدْ كَانَ لفُلان” متفقٌ عَلَيهِ.
“الْحلْقُوم”: مَجرَى النَّفسِ. وَ”الْمريءُ”: مجرى الطَّعامِ والشَّرابِ.
5/91-الخامس: عن أنس رضي اللَّه عنه، أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَخذَ سيْفاً يَومَ أُحدٍ فقَالَ: “مَنْ يأْخُذُ منِّي هَذا؟ فبسطُوا أَيدِيهُم، كُلُّ إنْسانٍ منهمْ يقُول: أَنا أَنا. قَالَ:”فمنْ يأَخُذُهُ بحقِه؟ فَأَحْجمِ الْقومُ، فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ رضي اللَّه عنه: أَنا آخُذه بحقِّهِ، فأَخَذهُ ففَلق بِهِ هَام الْمُشْرِكينَ”. رواه مسلم.
اسم أبي دجانةَ: سماكُ بْنُ خَرَشة. قولُهُ:”أَحجم الْقوم”: أي توقَّفُوا. وَ”فَلق بِهِ”: أَي شَق”هام الْمشرِكين”: أَيْ رؤوسهُمْ.
6/92-السَّادس: عن الزُّبيْرِ بنِ عديِّ قَالَ: أَتَيْنَا أَنس بن مالكٍ رضي اللَّه عنه فشَكوْنا إليهِ مَا نلْقى مِنَ الْحَجَّاجِ. فَقَالَ: “اصْبِروا فإِنه لا يأْتي زمانٌ إلَاّ والَّذي بعْده شَرٌ مِنهُ حتَّى تلقَوا ربَّكُمْ”سمعتُه منْ نبيِّكُمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. رواه البخاري.
7/93-السَّابع: عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “بادِرُوا بالأَعْمال سَبْعاً هَلْ تَنتَظرونَ إلَاّ فَقراً مُنسياً، أَوْ غنيٌ مُطْغياً، أَوْ مَرَضاً مُفسداً، أَو هَرَماً مُفْنداً أَو مَوتاً مُجهزاً أَوِ الدَّجَّال فشرُّ غَائب يُنتَظر، أَوِ السَّاعة فالسَّاعةُ أَدْهى وأَمر،” رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسن.
8/94-الثامن: عَنْهُ أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ يَومَ خيْبر: “لأعطِينَّ هذِهِ الرَّايَةَ رجُلا يُحبُّ اللَّه ورسُوله، يفتَح اللَّه عَلَى يديهِ “قَالَ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه: مَا أَحببْت الإِمارة إلَاّ يومئذٍ فتساورْتُ لهَا رجَاءَ أَنْ أُدْعى لهَا، فَدَعا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عليَ بن أبي طالب، رضي اللَّه عنه، فأَعْطَاه إِيَّاها،
وقالَ: “امْشِ وَلا تلْتَفتْ حتَّى يَفتح اللَّه عليكَ” فَسار عليٌّ شيئاً، ثُمَّ وَقَفَ ولم يلْتفتْ، فصرخ: يَا رَسُول اللَّه، عَلَى ماذَا أُقاتل النَّاس؟ قَالَ: “قاتلْهُمْ حتَّى يشْهدوا أَنْ لا إلهَ إلَاّ اللَّه، وأَنَّ مُحمَّداً رسولُ اللَّه، فَإِذا فعلوا ذلك فقدْ مَنَعوا منْك دماءَهُمْ وأَموالهُمْ إلَاّ بحَقِّها، وحِسابُهُمْ عَلَى اللَّهِ” رواه مسلم
“فَتَساورْت”هُوَ بالسِّين المهملة: أَيْ وثبت مُتطلِّعاً
11- بابُ المجاهدة
قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] وَقالَ تَعَالَى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]
وَقالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} [المزمل:8] أي انْقَطِعْ إِلَيْه. وَقالَ تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7]
وَقالَ تَعَالَى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ} [المزمل: 20] وَقالَ تَعَالَى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 273] والآيات في الباب كثيرة معلومة.
أمّا الأحاديث:
1/95-فالأَول: عن أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: منْ عادى لي وَلِيّاً. فقدْ آذنتهُ بالْحرْب. وَمَا تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ: وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه “رواه البخاري.
“آذنتُهُ”أَعلَمْتُه بِأَنِّي محارِب لَهُ”استعاذنِي”رُوى بالنون وبالباءِ.
2/96-الثاني: عن أَنس رضي اللَّه عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فيمَا يرْوِيهِ عنْ ربهِ عزَّ وجَلَّ قَالَ: “إِذَا تَقَربَ الْعبْدُ إِليَّ شِبْراً تَقرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِراعاً، وإِذَا تقرَّب إِلَيَّ ذِرَاعاً تقرَّبْتُ مِنهُ بَاعاً، وإِذا أَتانِي يَمْشِي أَتيْتُهُ هرْوَلَة” رواه البخاري.
3/97- الثالث: عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “نِعْمتانِ مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ “رواه مسلم.
4/98- الرابع: عن عائشة رَضي اللَّه عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كَان يقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تتَفطَرَ قَدمَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ، لِمْ تصنعُ هَذَا يَا رسولَ اللَّهِ، وقدْ غفَرَ اللَّه لَكَ مَا تقدَّمَ مِنْ ذَنبِكَ وَمَا تأخَّرَ؟ قَالَ: “أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أكُونَ عبْداً شكُوراً؟ “متفقٌ عَلَيهِ. هَذَا لفظ البخاري، ونحوه في الصحيحين من رواية المُغيرة بن شُعْبَةَ.
5/99-الخامس: عن عائشة رضي اللَّه عنها أنَّها قَالَتْ:”كَانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إذَا دَخَلَ الْعشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأيْقَظَ أهْلهْ، وجدَّ وشَدَّ المِئْزَرَ”متفقٌ عليه.
والمراد: الْعشْرُ الأواخِرُ من شهر رمضان:”وَالمِئْزَر”: الإِزارُ وهُو كِنايَةٌ عن اعْتِزَال النِّساءِ، وقِيلَ: المُرادُ تشْمِيرهُ للعِبادَةِ. يُقالُ: شَددْتُ لِهذا الأمرِ مِئْزَرِي، أيْ: تشمرتُ وَتَفَرَّغتُ لَهُ.
6/100-السادس: عن أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “المُؤمِن الْقَوِيُّ خيرٌ وَأَحبُّ إِلى اللَّهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفي كُلٍّ خيْرٌ. احْرِصْ عَلَى مَا ينْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ. وإنْ أصابَك شيءٌ فلَا تقلْ: لَوْ أَنِّي فَعلْتُ كانَ كَذَا وَكذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قدَّرَ اللَّهُ، ومَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَان “. رواه مسلم.
7/101- السابع: عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “حُجِبتِ النَّارُ بِالشَّهَواتِ، وحُجِبتْ الْجَنَّةُ بَالمكَارِهِ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لمسلم: “حُفَّت”بَدلَ”حُجِبتْ”وَهُوَ بمعناهُ: أيْ: بينهُ وبيْنَهَا هَذا الحجابُ، فإذا فعلَهُ دخَلها.
8/102-الثامن: عن أبي عبد اللَّه حُذَيْفةَ بنِ اليمانِ، رضي اللَّهُ عنهما، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ذَاتَ ليَْلَةٍ، فَافَتَتَحَ الْبقرة، فقُلْت يرْكَعُ عِندَ المائة، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْت يُصلِّي بِهَا في رَكْعةٍ، فَمَضَى فَقُلْت يَرْكَع بهَا، ثمَّ افْتتَح النِّسَاءَ، فَقَرأَهَا، ثمَّ افْتتح آلَ عِمْرانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرُأُ مُتَرَسِّلاً إذَا مرَّ بِآيَةٍ فِيها تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وإِذَا مَرَّ بِسْؤالٍ سَأل، وإذَا مَرَّ بِتَعَوذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَجعل يقُول: “سُبحانَ رَبِّيَ الْعظِيمِ “فَكَانَ ركُوعُه نحْوا مِنْ قِيامِهِ ثُمَّ قَالَ: “سمِع اللَّهُ لِمن حمِدَه، ربَّنا لك الْحمدُ” ثُم قَام قِياماً طوِيلاً قَريباً مِمَّا ركَع، ثُمَّ سَجَدَ فَقالَ: “سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعلَى” فَكَانَ سُجُوده قَرِيباً مِنْ قِيامِهِ”. رواه مسلم.
9/103-التاسع: عن ابن مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ: صلَّيْت مَعَ النَبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لَيلَةً، فَأَطَالَ الْقِيامَ حتَّى هممْتُ أَنْ أجْلِسَ وَأدعَهُ. متفقٌ عليه.
10/104-العاشر: عن أنس رضي اللَّه عنه عن رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “يتْبعُ الميْتَ ثلاثَةٌ: أهلُهُ ومالُه وعمَلُه، فيرْجِع اثنانِ ويبْقَى واحِدٌ: يرجعُ أهلُهُ ومالُهُ، ويبقَى عملُهُ” متفقٌ عَلَيهِ.
11/105-الحادي عشر: عن ابن مسعودٍ رضيَ اللَّهُ عنه قَالَ: قَالَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “الجَنَّةُ أقَربُ إِلَى أَحدِكُم مِنْ شِراكِ نَعْلِهِ والنَّارُ مِثْلُ ذلِكَ” رواه البخاري.
12/106-الثاني عشر: عن أبي فِراس رَبِيعةَ بنِ كَعْبٍ الأسْلَمِيِّ خادِم رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، ومِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ رضي اللَّهُ عنه قَالَ: كُنْتُ أبيتُ مَعَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فآتِيهِ بِوَضوئِهِ، وحاجتِهِ فَقَالَ: “سلْني”فقُلْت: أسْألُكَ مُرافَقَتَكَ في الجنَّةِ. فقالَ:”أوَ غَيْرَ ذلِك؟ “قُلْت: هُوَ ذَاك. قَالَ:”فأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرةِ السجُودِ” رواه مسلم.
13/107-الثالث عشر: عن أبي عبد اللَّه ويُقَالُ: أبُو عبْدِ الرَّحمنِ ثَوْبانَ موْلى رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: سمِعْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: “عليكَ بِكَثْرةِ السُّجُودِ، فإِنَّك لَنْ تَسْجُد للَّهِ سجْدةً إلَاّ رفَعكَ اللَّهُ بِهَا دَرجَةً، وحطَّ عنْكَ بِهَا خَطِيئَةً “رواه مسلم.
14/108- الرابع عشر: عن أَبي صَفْوانَ عبدِ اللَّه بنِ بُسْرٍ الأسلَمِيِّ، رضي اللَّه عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “خَيْرُ النَّاسِ مَن طالَ عمُرُه وَحَسُنَ عملُه” رواه الترمذي، وَقالَ حديثٌ حسنٌ
“بُسْر”: بضم الباءِ وبالسين المهملة.
15/109- الخامس عشر: عن أنسٍ رضي اللَّه عنه، قَالَ: غَاب عمِّي أَنَسُ بنُ النَّضْرِ رضي اللَّهُ عنه، عن قِتالِ بدرٍ، فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّه غِبْت عَنْ أوَّلِ قِتالٍ قَاتلْتَ المُشرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أشْهَدَنِي قتالَ المُشركِينَ لَيُرِيَنَّ اللَّهُ مَا أصنعُ، فَلَمَّا كانَ يومُ أُحدٍ انْكشَفَ المُسْلِمُون فَقَالَ: اللَّهُمَّ أعْتَذِرُ إليْكَ مِمَّا صنَع هَؤُلاءِ يَعْني أصْحَابَه وأبرأُ إلَيْكَ مِمَّا صنعَ هَؤُلَاءِ يَعني المُشْرِكِينَ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ سعْدُ بْنُ مُعاذٍ،
فَقالَ: يَا سعْدُ بْنَ معُاذٍ الْجنَّةُ ورَبِّ الكعْبةِ، إِنِى أجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ. قَالَ سعْدٌ: فَمَا اسْتَطعْتُ يا رسول اللَّه ماصنَعَ، قَالَ أنسٌ: فَوجدْنَا بِهِ بِضْعاً وثمانِينَ ضَرْبةً بِالسَّيفِ، أوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رمْيةً بِسهْمٍ، ووجدْناهُ قَد قُتِلَ وَمثَّلَ بِهِ المُشرِكُونَ فَما عرفَهُ أَحدٌ إِلَاّ أُخْتُهُ بِبنَانِهِ. قَالَ أنسٌ: كُنَّا نَرى أوْ نَظُنُّ أنَّ هَذِهِ الآيَة نزلَتْ فيهِ وَفِي أشْباهِهِ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:23] إِلَى آخِرها. متفقٌ عَلَيهِ.
قوله:”لَيُريَنَّ اللَّهُ”رُوى بضم الياءِ وكسر الراءِ، أي لَيُظْهِرنَّ اللَّهُ ذَلِكَ لِلنَّاسِ، ورُوِى بفتحهما، ومعناه ظاهر، واللَّه أعلم.
16/110- السادس عشر: عن أبي مسعود عُقْبَةَ بن عمروٍ الأنصاريِّ البدريِّ رضي اللَّهُ عنه قَالَ: لمَّا نَزَلَتْ آيةُ الصَّدقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنا. فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ فَقَالُوا: مُراءٍ، وجاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ فقالُوا: إنَّ اللَّه لَغَنِيٌّ عَنْ صاعِ هَذَا، فَنَزَلَتْ {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَاّ جُهْدَهُمْ} الآية [التوبة: 79] متفقٌ عليه.
“ونُحَامِلُ”بضم النون، وبالحاءِ المهملة: أَيْ يَحْمِلُ أَحَدُنَا على ظَهْرِهِ بِالأجْرَةِ، وَيَتَصَدَّقُ بها
17/111- السابَع عشر: عن سعيدِ بنِ عبدِ العزيزِ، عن رَبيعةَ بنِ يزيدَ، عن أَبِي إدريس الخَوْلَانيِّ، عن أَبِي ذَرٍّ جُنْدُبِ بنِ جُنَادَةَ، رضي اللَّهُ عنه، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فيما يَرْوِى عَنِ اللَّهِ تباركَ وتعالى أنَّهُ قَالَ:
“يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فَلَا تَظالمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُم ضَالٌّ إِلَاّ مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُوني أهْدكُمْ، يَا عِبَادي كُلُّكُمْ جائعٌ إِلَاّ منْ أطعمتُه، فاسْتطْعموني أطعمْكم، يَا عِبَادي كُلُّكُمْ عَارٍ إلَاّ مِنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُوني أكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، فَاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لَكُمْ،
يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُوني، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أوَّلَكُمْ وآخِركُمْ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتقَى قلبِ رجلٍ واحدٍ مِنْكُمْ مَا زادَ ذلكَ فِي مُلكي شيئاً،
يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أوَّلكم وآخرَكُم وإنسَكُم وجنكُمْ كَانوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِركُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعيدٍ وَاحدٍ، فَسألُوني فَأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَاّ كَمَا َيَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ البَحْرَ،
يَا عِبَادِي إنَّما هِيَ أعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمِدِ اللَّه، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إلَاّ نَفْسَهُ “. قَالَ سعيدٌ: كَانَ أَبُو إدريس إِذَا حدَّثَ بهذا الحديث جَثَا عَلَى رُكبتيه. رواه مسلم. وروينا عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه قَالَ: لَيْسَ لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث
12- بابُ الحثِّ عَلَى الازدياد من الخير في أواخِر العُمر
قَالَ الله تَعَالَى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37] قال ابن عباس والمحققون: معناه: أولم نُعَمِّرْكُمْ سِتِّينَ سَنَةً؟ وَيُؤَيِّدُهُ الحديث الَّذِي سنذْكُرُهُ إنْ شاء الله تَعَالَى، وقيل: معناه ثماني عَشْرَة سَنَةً. وقيل: أرْبَعينَ سَنَةً. قاله الحسن والكلبي ومسروق، ونُقِلَ عن ابن عباس أيضاً.
وَنَقَلُوا: أنَّ أَهْلَ المدينَةِ كانوا إِذَا بَلَغَ أَحَدُهُمْ أربْعينَ سَنَةً تَفَرَّغَ للعِبادَةِ. وقيل: هُوَ البلوغ.
وقوله تعالى: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37] قَالَ ابن عباس والجمهور: هُوَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم. وقيل: الشَّيبُ. قاله عِكْرِمَةُ، وابن عيينة، وغيرهما. والله أعلم.
1/112-وأمَّا الأحاديث فالأوَّل: عن أَبِي هريرةَ رضي اللَّه عنه، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “أعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِىءٍ أخَّرَ أجلَه حَتَّى بلَغَ سِتِّينَ سَنَةً” رواه البخارى
قَالَ العلماءُ معناه: لَمْ يتْركْ لَه عُذْراً إِذْ أمْهَلَهُ هذِهِ المُدَّةَ. يُقال: أعْذَرَ الرَّجُلُ إِذَا بلغَ الغايَةَ في الْعُذْرِ.
2/113-الثاني: عن ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنهما، قَالَ: كَانَ عمر رضي اللَّه عنه يُدْخِلُنى مَع أشْياخ بْدرٍ، فَكأنَّ بعْضَهُمْ وجدَ فِي نفسِهِ فَقَالَ: لِمَ يَدْخُلُ هَذِا معنا ولنَا أبْنَاء مِثْلُه،؟ فَقَالَ عمرُ: إِنَّهُ منْ حيْثُ علِمْتُمْ، فدَعَانى ذاتَ يَوْمٍ فَأدْخلَنى معهُمْ، فما رأَيْتُ أنَّه دعاني يوْمئِذٍ إِلَاّ لِيُرِيهُمْ قَالَ: مَا تقُولُون في قول اللَّه تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1]
فَقَالَ بَعضُهُمْ: أمِرْنَا نَحْمَدُ اللَّهَ ونَسْتَغْفِره إذَا نَصرنَا وفَتَحَ علَيْنَا. وسكَتَ بعضهُمْ فَلَمْ يقُلْ شَيئاً فَقَالَ لي: أكَذلك تقُول يَا ابنَ عباسٍ؟ فقلت: لا. قَالَ فما تقول؟ قُلْتُ: هُو أجلُ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، أعْلمَه لَهُ قَالَ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [: وذلك علامةُ أجلِك {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:3] فَقَالَ عمر رضي اللَّه عنه: مَا أعْلَم مِنْهَا إلَاّ مَا تَقُول. رواه البخاري.
3/114-الثالث: عن عائشةَ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: مَا صَلَّى رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم صلاةً بعْد أَنْ نزَلَت علَيْهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلَاّ يقول فِيهَا: “سُبْحانك ربَّنَا وبِحمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية الصحيحين عنها: كَانَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُكْثِر أنْ يَقُول فِي ركُوعِه وسُجُودِهِ: “سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ ربَّنَا وَبحمْدِكَ، اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي” يتأوَّل الْقُرْآن.
معنى:”يتأوَّل الْقُرُآنَ”أيْ: يعْمل مَا أُمِرَ بِهِ في الْقُرآنِ في قولِهِ تَعَالَى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} .
وفي رواية لمسلم: كَانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُكْثِرُ أنْ يَقولَ قبْلَ أَنْ يَمُوتَ: “سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحْمدِكَ، أسْتَغْفِركَ وأتُوبُ إلَيْكَ”. قَالَتْ عائشةُ: قُلْتُ: يَا رسولَ اللَّه مَا هذِهِ الكلِمَاتُ الَّتي أرَاكَ أحْدثْتَها تَقولها؟ قَالَ: “جُعِلَتْ لِي علامةٌ في أمَّتي إِذَا رَأيتُها قُلتُها {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [إِلَى آخِرِ السورة”.
وفي رواية لَهُ: كَانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: “سُبْحانَ اللَّهِ وبحَمْدِهِ. أسْتَغْفِرُ اللَّه وَأَتُوبُ إلَيْه”. قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رسولَ اللَّه، أَرَاكَ تُكْثِرُ مِنْ قَوْل: سُبْحَانَ اللَّهِ وبحمْدِهِ، أسْتغْفِر اللَّه وأتُوبُ إليْهِ؟ فَقَالَ: “أخْبرني ربِّي أنِّي سَأرَى علَامَةً فِي أُمَّتي فَإِذَا رأيْتُها أكْثَرْتُ مِن قَوْلِ: سُبْحانَ اللَّهِ وبحَمْدِهِ أسْتَغْفِرُ اللَّه وَأتُوبُ إلَيْهِ: فَقَدْ رَأَيْتُها: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَتْحُ مَكَّةَ، {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}
4/115-الرابع: عن أنسٍ رضي اللَّهُ عنه قَالَ: إنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ تَابعَ الوحْيَ عَلَى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَبْلَ وَفَاتِهِ، حتَّى تُوُفِّى أكْثَرَ مَا كَانَ الْوَحْيُ. متفقٌ عَلَيهِ.
5/116-الخامس: عن جابر رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يُبْعثُ كُلُّ عبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ علَيْهِ” رواه مسلم
13- باب في بَيان كثرةِ طرق الخير
قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215] وَقالَ تَعَالَى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [البقرة: 197] وَقالَ تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7] وَقالَ تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} [الجاثية:15] والآيات في الباب كثيرة.
وأما الأحاديث فكثيرة جداً، وهي غيرُ منحصرةٍ، فنذكُرُ طرفاً مِنْهَا:
1/117-الأوَّل: عن أَبِي ذرٍّ جُنْدَبِ بنِ جُنَادَةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رسولَ اللَّه، أيُّ الأعْمالِ أفْضَلُ؟ قَالَ: “الإِيمانُ بِاللَّهِ، وَالجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ “. قُلْتُ: أيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ؟ قَالَ: “أنْفَسُهَا عِنْد أهْلِهَا، وأكثَرُهَا ثَمَناً”. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أفْعلْ؟ قَالَ:”تُعينُ صَانِعاً أوْ تَصْنَعُ لأخْرَقَ”قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّه أرَأيتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعملِ؟ قَالَ:”تَكُفُّ شَرَّكَ عَن النَّاسِ فَإِنَّها صدقةٌ مِنْكَ عَلَى نَفسِكَ”. متفقٌ عليه.
“الصانِعُ”بالصَّاد المهملة هَذَا هُوَ المشهور، ورُوِى”ضَائعاً”بالمعجمة: أيْ ذَا ضِياع مِنْ فقْرِ أوْ عِيالٍ، ونْحو ذلكَ”والأخْرَقُ”: الَّذي لا يُتقنُ مَا يُحاوِلُ فِعْلهُ.
2/118-الثاني: عن أَبِي ذرٍّ رضي اللَّه عنه أيضاً أنَّ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “يُصْبِحُ عَلَى كلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صدقَةٌ، فَكُلٌ تَسبِيْحةٍ صَدقةٌ، وكُلُّ تحْمِيدَةٍ صدقَةٌ، وكُلُّ تهْلِيلَةٍ صَدَقةٌ، وكلُّ تَكْبِيرةٍ صَدَقَةٌ
13- باب في بَيان كثرةِ طرق الخير
قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215] وَقالَ تَعَالَى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [البقرة: 197] وَقالَ تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7] وَقالَ تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} [الجاثية:15] والآيات في الباب كثيرة.
وأما الأحاديث فكثيرة جداً، وهي غيرُ منحصرةٍ، فنذكُرُ طرفاً مِنْهَا:
1/117-الأوَّل: عن أَبِي ذرٍّ جُنْدَبِ بنِ جُنَادَةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: قُلْتُ يَا رسولَ اللَّه، أيُّ الأعْمالِ أفْضَلُ؟ قَالَ: “الإِيمانُ بِاللَّهِ، وَالجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ “. قُلْتُ: أيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ؟ قَالَ: “أنْفَسُهَا عِنْد أهْلِهَا، وأكثَرُهَا ثَمَناً”. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أفْعلْ؟ قَالَ:”تُعينُ صَانِعاً أوْ تَصْنَعُ لأخْرَقَ”قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّه أرَأيتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعملِ؟ قَالَ:”تَكُفُّ شَرَّكَ عَن النَّاسِ فَإِنَّها صدقةٌ مِنْكَ عَلَى نَفسِكَ”. متفقٌ عليه.
“الصانِعُ”بالصَّاد المهملة هَذَا هُوَ المشهور، ورُوِى”ضَائعاً”بالمعجمة: أيْ ذَا ضِياع مِنْ فقْرِ أوْ عِيالٍ، ونْحو ذلكَ”والأخْرَقُ”: الَّذي لا يُتقنُ مَا يُحاوِلُ فِعْلهُ.
2/118-الثاني: عن أَبِي ذرٍّ رضي اللَّه عنه أيضاً أنَّ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “يُصْبِحُ عَلَى كلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صدقَةٌ، فَكُلٌ تَسبِيْحةٍ صَدقةٌ، وكُلُّ تحْمِيدَةٍ صدقَةٌ، وكُلُّ تهْلِيلَةٍ صَدَقةٌ، وكلُّ تَكْبِيرةٍ صَدَقَةٌ ورواه مسلم أيضاً من رواية عائشة رَضي اللَّه عنها قالت: قالَ رسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إنْسانٍ مِنْ بني آدم علَى سِتِّينَ وثلاثمائَةِ مَفْصِلٍ، فَمنْ كَبَّر اللَّه، وحمِدَ اللَّه، وَهَلَّلَ اللَّه، وسبَّحَ اللَّه واستَغْفَر اللَّه، وعَزلَ حَجراً عنْ طَرِيقِ النَّاسِ أوْ شَوْكَةً أوْ عظْماً عَن طَرِيقِ النَّاسِ، أوْ أمَرَ بمعرُوفٍ أوْ نهى عنْ مُنْكَرٍ، عَددَ السِّتِّينَ والثَّلَاثمائة، فَإِنَّهُ يُمْسي يَوْمئِذٍ وَقَد زَحزحَ نفْسَهُ عنِ النَّارِ”.
7/123-السابع: عَنْهُ عن النَبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “منْ غدَا إِلَى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أعدَّ اللَّهُ لَهُ في الجنَّةِ نُزُلاًكُلَّمَا غَدا أوْ رَاحَ” متفقٌ عَلَيهِ.
“النُّزُل”: القُوتُ والرِّزْقُ ومَا يُهَيَّأ للضَّيفِ.
8/124-الثامن: عَنْهُ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يَا نِسَاء المُسْلِماتِ لَا تَحْقِرنَّ جارَةٌ لِجارتِهَا ولَوْفِرْسِنَ شاةٍ” متفقٌ عَلَيهِ.
قَالَ الجوهري: الفِرْسِنُ مِنَ الْبعِيرِ: كالحافِرِ مِنَ الدَّابَّةِ، قَالَ: ورُبَّمَا اسْتُعِير في الشَّاةِ
9/125-التاسع: عَنْهُ عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسبْعُونَ، أوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شَعْبَةً: فَأفْضلُهَاقوْلُ لَا إلَهَ إلَاّ اللَّهُ، وَأدْنَاهَا إمَاطَةُ الأذَى عنِ الطَّرِيقِ، وَالحيَاءُ شُعْبةٌ مِنَ الإِيمانِ” متفقٌ عَلَيهِ.
“البضْعُ”من ثلاثة إِلَى تسعةٍ، بكسر الباءِ وقد تفْتَحُ.”والشُّعْبةُ”: القطْعة.
9/126-العاشر: عَنْهُ أنَّ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “بَيْنمَا رَجُلٌ يَمْشِي بطَريقٍ اشْتَدَّ علَيْهِ الْعَطشُ، فَوجد بِئراً فَنزَلَ فِيهَا فَشَربَ، ثُمَّ خَرَجَ فإِذا كلْبٌ يلهثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ العطشِ مِثْلَ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَملأَ خُفَّه مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَه بِفيهِ، حتَّى رقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَه فَغَفَرَ لَه. قَالُوا: يَا رسولَ اللَّه إِنَّ لَنَا في الْبَهَائِم أَجْراً؟ فَقَالَ:”في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ “متفقٌ عليه
وفي رواية للبخاري: “فَشَكَر اللَّه لهُ فَغَفَرَ لَه، فَأدْخَلَه الْجنَّةَ “.
وفي رواية لَهُما: “بَيْنَما كَلْبٌ يُطيف بِركِيَّةٍ قَدْ كَادَ يقْتُلُه الْعطَشُ إِذْ رأتْه بغِيٌّ مِنْ بَغَايا بَنِي إِسْرَائيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فاسْتَقت لَهُ بِهِ، فَسَقَتْهُ فَغُفِر لَهَا بِهِ”.
“الْمُوقُ”: الْخُفُّ.”وَيُطِيفُ”: يَدُورُ حَوْلَ”رَكِيَّةٍ”وَهِيَ الْبِئْرُ.
10/127-الْحادي عشَرَ: عنْهُ عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لَقَد رأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجنَّةِ فِي شَجرةٍ قطَعها مِنْ ظَهْرِ الطَّريقِ كَانَتْ تُؤْذِي الْمُسلِمِينَ”. رواه مسلم.
وفي رواية: “مرَّ رجُلٌ بِغُصْنِ شَجرةٍ عَلَى ظَهْرِ طرِيقٍ فَقَالَ: واللَّهِ لأُنَحِّينَّ هَذَا عنِ الْمسلِمِينَ لا يُؤْذِيهُمْ، فأُدْخِلَ الْجَنَّةَ”.
وفي رواية لهما: “بيْنَما رجُلٌ يمْشِي بِطريقٍ وَجَدَ غُصْن شَوْكٍ علَى الطَّرِيقِ، فأخَّرُه فشَكَر اللَّهُ لَهُ، فغَفر لَهُ”.
12/128-الثَّاني عشَر: عنْه قالَ: قَال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “منْ توضَّأ فأحَسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أتَى الْجُمعةَ، فَاستمع وأنْصتَ، غُفِر لَهُ مَا بيْنَهُ وبيْنَ الْجُمعةِ وزِيادةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ، ومَنْ مسَّ الْحصا فَقد لَغَا” رواه مسلم.
13/129-الثَّالثَ عَشر: عنْه أنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إذَا تَوضَّأَ الْعبْدُ الْمُسْلِم، أَو الْمُؤْمِنُ فغَسلَ وجْههُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خطِيئةٍ نظر إِلَيْهَا بعينهِ مَعَ الْماءِ، أوْ مَعَ آخِر قَطْرِ الْماءِ، فَإِذَا غَسَل يديهِ خَرج مِنْ يديْهِ كُلُّ خَطِيْئَةٍ كانَ بطشتْهَا يداهُ مَعَ الْمَاءِ أَو مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْماءِ، فَإِذَا غسلَ رِجليْهِ خَرجَتْ كُلُّ خَطِيْئَةٍ مشَتْها رِجْلاُه مَعَ الْماءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يخْرُج نقِياً مِنَ الذُّنُوبِ” رواه مسلم.
14/130-الرَّابعَ عشرَ: عنه عن رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “الصَّلواتُ الْخَمْسُ، والْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعةِ، ورمضانُ إِلَى رمضانَ مُكفِّرَاتٌ لِمَا بينَهُنَّ إِذَا اجْتنِبَت الْكَبائِرُ” رواه مسلم
15/131-الْخَامسَ عشر: عَنْهُ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “ألا أدلُّكَم عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطايا، ويرْفَعُ بِهِ الدَّرجاتِ؟ “قَالُوا: بَلَى يَا رسُولَ اللَّهِ، قَالَ:”إِسْبَاغُ الْوُضوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وكَثْرةُ الْخُطَا إِلَى الْمسَاجِدِ، وانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْدِ الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرّبَاطُ “رواه مسلم.
16/132-السَّادسَ عشرَ: عن أَبِي موسى الأشعرِيِّ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “منْ صلَّى الْبَرْديْنِ دَخَلَ الْجنَّةَ “متفقٌ عَلَيهِ.
“البرْدَانِ”: الصُّبْحُ والْعَصْرُ.
17/133-السَّابِعَ عشَر: عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِذَا مرِضَ الْعبْدُ أَوْ سافَر كُتِب لَهُ مَا كانَ يعْملُ مُقِيماً صحيِحاً” رواه البخاري.
18/134-الثَّامنَ عشَرَ: عنْ جابرٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “كُلُّ معرُوفٍ صدقَةٌ “رواه البخاري، ورواه مسلم مِن رواية حذَيفَةَ رضي اللَّه عنه.
19/139-التَّاسع عشر: عنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلَاّ كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً، وَلَا يرْزؤه أَحَدٌ إلَاّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً “رواه مسلم. وفي رواية لَهُ: “فَلا يغْرِس الْمُسْلِم غَرْساً، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنسانٌ وَلَا دابةٌ وَلَا طَيرٌ إلَاّ كانَ لَهُ صدقَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامة “.
وفي رواية لَهُ: “لَا يغْرِس مُسلِم غرْساً، وَلَا يزْرعُ زرْعاً، فيأْكُل مِنْه إِنْسانٌ وَلا دابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ إلَاّ كَانَتْ لَه صَدَقَةً”، ورويَاه جميعاً مِنْ رواية أَنَسٍ رضي اللَّه عنه.
قولُهُ:”يرْزَؤُهُ”أي: يَنْقُصهُ.
20/136-العْشْرُونَ: عنْهُ قالَ: أَراد بنُو سَلِمَة أَن ينْتَقِلوا قُرْبَ المَسْجِدِ فبلَغَ ذلِكَ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالَ لَهُمْ: “إِنَّه قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُربَ الْمَسْجِدِ؟ “فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رسولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذلكَ، فَقالَ:”بَنِي سَلِمةَ ديارَكُمْ، تكْتبْ آثَارُكُمْ، دِياركُم، تُكْتَبْ آثارُكُمْ” رواه مسلم
وفي روايةٍ: “إِنَّ بِكُلِّ خَطْوةٍ دَرَجَةً “رواه مسلم. ورواه البخاري أيضاً بِمعنَاهُ مِنْ روايةِ أَنَسٍ رضي اللَّه عنه.
وَ”بنُو سَلِمَةَ”بكسر اللام: قبيلة معروفة مِنَ الأَنصار رضي اللَّه عنهم، وَ”آثَارُهُمْ”خُطاهُمْ.
21/137-الْحَادي والْعِشْرُونَ: عنْ أَبِي الْمُنْذِر أُبيِّ بنِ كَعبٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: كَان رجُلٌ لا أَعْلمُ رجُلا أَبْعَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ، وكَانَ لَا تُخْطِئُهُ صلاةٌ فَقِيل لَه، أَوْ فقُلْتُ لهُ: لَوْ اشْتَريْتَ حِماراً ترْكَبُهُ في الظَّلْماءِ، وفي الرَّمْضَاءِ فَقَالَ: مَا يسُرُّنِي أَن منْزِلِي إِلَى جنْب الْمسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَب لِي ممْشَايَ إِلَى الْمَسْجد، ورُجُوعِي إِذَا رجعْتُ إِلَى أَهْلِي، فقالَ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لكَ ذلِكَ كُلَّهُ” رواه مسلم.
وفي روايةٍ: “إِنَّ لَكَ مَا احْتسَبْت”. “الرمْضَاءُ”الأَرْضُ الَّتِي أَصَابَهَا الْحرُّ الشَّديدُ.
22/138-الثَّاني والْعشْرُونَ: عنْ أَبِي محمدٍ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَرْبعُونَ خَصْلةً أَعلاها منِيحةُ الْعَنْزِ، مَا مِنْ عامَلٍ يعملَ بِخَصْلَةٍ مِنْها رجاءَ ثَوَابِهَا وتَصْدِيقَ موْعُودِهَا إِلَاّ أَدْخلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجنَّةَ” رواه البخاري.
“الْمنِيحةُ”: أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا ليأْكُل لبنَهَا ثُمَّ يَردَّهَا إِليْهِ.
23/139-الثَّالثُ والْعشْرونَ: عَنْ عدِيِّ بنِ حاتِمٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: سمِعْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: “اتَّقُوا النَّارَ وَلوْ بِشقِّ تَمْرةٍ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لهما عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَاّ سيُكَلِّمُه ربُّه لَيْس بَيْنَهُ وبََينَهُ تَرْجُمَان، فَينْظُرَ أَيْمنَ مِنْهُ فَلا يَرى إِلَاّ مَا قَدَّم، وينْظُر أشأمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إلَاّ مَا قَدَّمَ، وَينْظُر بَيْنَ يدَيْهِ فَلا يَرى إلَاّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فاتَّقُوا النَّارَ ولوْ بِشِقِّ تَمْرةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجدْ فَبِكَلِمَة طيِّبَةٍ.
24/140-الرَّابِعِ والْعشرونَ: عنْ أَنَسٍ رضي اللَّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِنَّ اللَّه لَيرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فيحْمدَهُ عليْهَا، أَوْ يشْربَ الشَّرْبَةَ فيحْمدَهُ عليْهَا”رواه مسلم.
“وَالأَكْلَة”بفتح الهمزة: وَهيَ الْغَدوة أَوِ الْعشوة.
25/141-الْخَامِسُ والْعشْرُونَ: عن أَبِي موسى رضي اللَّه عنه، عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صدقةٌ”قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجدْ؟ قالَ:”يعْمَل بِيَديِهِ فَينْفَعُ نَفْسَه وَيَتَصدَّقُ”: قَال: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يسْتطِعْ؟ قَالَ: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْملْهوفَ”قالَ: أَرأَيْت إِنْ لَمْ يسْتَطِعْ قالَ:”يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ أَوِ الْخَيْرِ”قالَ: أَرأَيْتَ إِنْ لَمْ يفْعلْ؟ قالْ:”يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صدَقةٌ” متفقٌ عليه
14-باب في الاقتصاد في العبادة
قَالَ الله تَعَالَى: {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:2] وَقالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]
1/142- وعن عائشةَ رضي اللَّهُ عنها أَن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم دخَلَ عليْها وعِنْدها امْرأَةٌ قَالَ: منْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: هَذِهِ فُلانَة تَذْكُرُ مِنْ صَلاتِهَا قالَ: “مَهُ عليكُمْ بِما تُطِيقُون، فَوَاللَّه لَا يَمَلُّ اللَّهُ حتَّى تَمَلُّوا وكَانَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيْهِ ماداوَمَ صَاحِبُهُ علَيْهِ “متفقٌ عليه.
“ومهْ”كَلِمة نَهْى وزَجْرٍ. ومَعْنى”لَا يملُّ اللَّهُ”أي: لَا يَقْطَعُ ثَوابَهُ عنْكُمْ وَجَزَاءَ أَعْمَالِكُمْ، ويُعَامِلُكُمْ مُعاملَةَ الْمالِّ حَتَّى تَملُّوا فَتَتْرُكُوا، فَينْبَغِي لكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مَا تُطِيقُونَ الدَّوَامَ علَيْهِ لَيَدُومَ ثَوَابُهُ لَكُمْ وفَضْلُه عَلَيْكُمْ.
2/143- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: جاءَ ثَلاثةُ رهْطِ إِلَى بُيُوتِ أَزْواجِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يسْأَلُونَ عنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَلَمَّا أُخبِروا كأَنَّهُمْ تَقَالَّوْها وقالُوا: أَين نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَدْ غُفِر لَهُ مَا تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فأُصلِّي اللَّيلَ أَبداً، وَقالَ الآخَرُ: وَأَنا أَصُومُ الدَّهْرَ أَبَداً وَلا أُفْطِرُ، وقالَ الآخرُ: وأَنا اعْتَزِلُ النِّساءَ فَلَا أَتَزوَّجُ أَبداً، فَجاءَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إلَيْهمْ فَقَالَ:”أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وكذَا؟، أَما واللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للَّهِ وَأَتْقَاكُم لَهُ لكِني أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصلِّي وَأَرْقُد، وَأَتَزَوّجُ النِّسَاءَ، فمنْ رغِب عَنْ سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّى” متفقٌ عَلَيهِ
3/144-وعن ابن مسعودٍ رضي اللَّه عنه أن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ” قالَهَا ثَلاثاً، رواه مسلم.
“الْمُتَنطِّعُونَ”: الْمُتعمِّقونَ الْمُشَدِّدُون فِي غَيْرِ موْضَعِ التَّشْدِيدِ.
4/145- عن أَبِي هريرة رضي اللَّه عنه النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: ” إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ إلَاّ غَلَبه فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، واسْتعِينُوا بِالْغدْوةِ والرَّوْحةِ وشَيْءٍ مِن الدُّلْجةِ “رواه البخاري.
وفي رواية لَهُ”سدِّدُوا وقَارِبُوا واغْدوا ورُوحُوا، وشَيْء مِنَ الدُّلْجةِ، الْقَصْد الْقصْد تَبْلُغُوا”.
قوله:”الدِّينُ”هُو مرْفُوعٌ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وروِي مَنْصُوباً، وروِيَ: “لَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ”وقوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”إِلَاّ غَلَبَهُ”: أَيْ: غَلَبَه الدِّينُ وَعَجزَ ذلكَ الْمُشَادُّ عنْ مُقَاومَةِ الدِّينِ لِكَثْرةِ طُرقِهِ.”والْغَدْوةُ”سيْرُ أَوَّلِ النَّهَارِ.”وَالرَّوْحةُ”: آخِرُ النَّهَارِ”والدُّلْجَةُ”: آخِرُ اللَّيْلِ. وَهَذا استَعارةٌ، وتَمْثِيلٌ، ومعْناهُ: اسْتَعِينُوا عَلَى طَاعةِ اللَّهِ عز وجلَّ بالأَعْمالِ فِي وقْتِ نشاطِكُمْ، وفَراغِ قُلُوبِكُمْ بحيثُ تًسْتلذُّونَ الْعِبادَةَ ولا تسأَمُونَ وتبلُغُونَ مقْصُودَكُمْ، كَما أَنَّ الْمُسافِرَ الْحاذِقَ يَسيرُ في هَذهِ الأَوْقَاتِ وَيستَريِحُ هُو ودابَّتُهُ فِي غَيْرِهَا، فيصِلُ الْمقْصُود بِغَيْرِ تَعبٍ، واللَّهُ أَعلم.
5/146-وعن أَنسٍ رضي اللَّهُ عنه قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم الْمسْجِدَ فَإِذَا حبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فقالَ:”مَا هَذَا الْحبْلُ؟ قالُوا، هَذا حبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَترَتْ تَعَلَقَتْ بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “حُلّوهُ، لِيُصَلِّ أَحدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذا فَترَ فَلْيرْقُدْ” متفقٌ عَلَيهِ.
6/147- وعن عائشة رضي اللَّه عنها أنَّ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِذَا نَعَسَ أَحدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فإِن أَحدَكم إِذَا صلَّى وهُو نَاعَسٌ لا يَدْرِي لعلَّهُ يذهَبُ يسْتَغْفِرُ فيَسُبُّ نَفْسَهُ “. متفقٌ عليه
7/148- وعن أَبِي عبد اللَّه جابر بن سمُرَةَ رضي اللَّهُ عنهما قَالَ:” كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم الصَّلَوَاتِ، فَكَانَتْ صلاتُهُ قَصداً وخُطْبَتُه قَصْداً”رواه مسلم.
قولُهُ: قَصْداً: أَيْ بَيْنَ الطُّولِ وَالْقِصَرِ.
8/149- وعن أَبِي جُحَيْفَةَ وَهبِ بْنِ عبد اللَّه رضي اللَّهُ عنه قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بَيْن سَلْمَانَ وأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاء مُتَبَذِّلَةً فقالَ: مَا شَأْنُكِ؟ قالَتْ: أَخْوكَ أَبُو الدَّرداءِ ليْسَ لَهُ حَاجةٌ فِي الدُّنْيَا. فَجَاءَ أَبُو الدرْدَاءِ فَصَنَعَ لَه طَعَاماً، فقالَ لَهُ: كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ،
قالَ: مَا أَنا بآكلٍ حَتَّى تأْكلَ، فَأَكَلَ، فَلَّمَا كانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْداءِ يقُوم فَقَالَ لَه: نَمْ فَنَام، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُوم فقالَ لَه: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ من آخرِ اللَّيْلِ قالَ سلْمانُ: قُم الآنَ، فَصَلَّيَا جَمِيعاً، فقالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، ولأهلِك عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّه، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَذَكر ذلكَ لَه، فقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “صَدَقَ سلْمَانُ” رواه البخاري.
9/150- وعن أَبِي محمد عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرو بنِ العاص رضي اللَّه عنهماقال: أُخْبرَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أنِّي أَقُول: وَاللَّهِ لأَصومَنَّ النَّهَارَ، ولأَقُومنَّ اللَّيْلَ مَا عشْتُ، فَقَالَ رسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَنْتَ الَّذِي تَقُول ذلِكَ؟ فَقُلْت لَهُ: قَدْ قُلتُه بأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَا رسولَ اللَّه. قَالَ:”فَإِنكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذلِكَ، فَصُمْ وأَفْطرْ، ونَمْ وَقُمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْحسنَةَ بعَشْرِ أَمْثَالهَا، وذلكَ مثْلُ صِيامٍ الدَّهْرِ قُلْت: فَإِنِّي أُطيق أفْضَلَ منْ ذلكَ قالَ: فَصمْ يَوْماً وَأَفْطرْ يَوْمَيْنِ، قُلْت: فَإِنِّي أُطُيق أفْضَلَ مِنْ ذلكَ، قَالَ:”فَصُم يَوْماً وَأَفْطرْ يوْماً، فَذلكَ صِيَام دَاوود صلى الله عليه وسلم، وَهُو أَعْدَل الصِّيَامِ “. وَفي رواية: “هوَ أَفْضَلُ الصِّيامِ “فَقُلْتُ فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذلكَ، فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “لا أَفْضَلَ منْ ذلِكَ” وَلأنْ أَكْونَ قَبلْتُ الثَّلاثَةَ الأَيَّامِ الَّتِي قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَحَبُّ إِليَّ منْ أَهْلِي وَمَالِى.
وفي روايةٍ: “أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصومُ النَّهَارَ وتَقُومُ اللَّيْلَ؟ “قُلْتُ: بلَى يَا رَسُول اللَّهِ. قَالَ:”فَلا تَفْعل: صُمْ وأَفْطرْ، ونَمْ وقُمْ فَإِنَّ لجَسَدكَ علَيْكَ حَقّاً، وإِنَّ لعيْنَيْكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لزَوْجِكَ علَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لزَوْركَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإِنَّ بحَسْبكَ أَنْ تَصْومَ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنةٍ عشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِن ذلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ”فشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّه إِنّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ:”صُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ داوُدَ وَلا تَزدْ عَلَيْهِ”قُلْتُ: وَمَا كَان صِيَامُ داودَ؟ قَالَ:”نِصْفُ الدهْرِ “فَكَان عَبْدُ اللَّهِ يقول بعْد مَا كَبِر: يالَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصةَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم.
وفي رواية: “أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّك تصُومُ الدَّهْرِ، وَتْقَرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَة؟ “فَقُلْتُ: بَلَى يَا رسولَ اللَّهِ، ولَمْ أُرِدْ بذلِكَ إِلَاّ الْخيْرَ، قَالَ:”فَصُمْ صَوْمَ نَبِيِّ اللَّهِ داودَ، فَإِنَّه كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ، واقْرأْ الْقُرْآنَ في كُلِّ شَهْرٍ”قُلْت: يَا نَبِيِّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيق أَفْضل مِنْ ذلِكَ؟ قَالَ:”فَاقْرَأه فِي كُلِّ عِشرِينَ”قُلْت: يَا نبيِّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيق أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ:”فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْر”قُلْت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أُطِيق أَفْضلَ مِنْ ذلِكَ؟
قَالَ:”فَاقْرَأْه في كُلِّ سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ”فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ، وقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”إِنَّكَ لَا تَدْرِي لَعلَّكَ يَطُول بِكَ عُمُرٌ قالَ: فَصِرْت إِلَى الَّذِي قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَلَمَّا كَبِرْتُ وَدِدْتُ أنِّي كُنْتُ قَبِلْت رخْصَةَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم.
وفي رواية:”وَإِنَّ لوَلَدِكَ علَيْكَ حَقًّا”وفي روايةٍ: لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ”ثَلاثاً. وفي روايةٍ: “أَحَبُّ الصَّيَامِ إِلَى اللَّه تَعَالَى صِيَامُ دَاوُدَ، وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى صَلاةُ دَاوُدَ: كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يوْماً ويُفْطِرُ يَوْماً، وَلا يَفِرُّ إِذَا لاقَى”.
وفي رواية قَالَ: أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حسَبٍ، وكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتهُ أي: امْرَأَة ولَدِهِ فَيسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا، فَتَقُولُ لَهُ: نِعْمَ الرَّجْلُ مِنْ رجُل لَمْ يَطَأْ لنَا فِرَاشاً ولَمْ يُفتِّشْ لنَا كَنَفاً مُنْذُ أَتَيْنَاهُ فَلَمَّا طالَ ذَلِكَ عَلَيهِ ذكَرَ ذلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. فقَالَ: “الْقَني بِهِ” فلَقيتُهُ بَعْدَ ذلكَ فَقَالَ: “كيفَ تَصُومُ؟ “قُلْتُ كُلَّ يَوْم، قَالَ:”وَكيْفَ تَخْتِم؟ “قلتُ: كُلَّ لَيلة، وذَكَر نَحْوَ مَا سَبَق وكَان يقْرَأُ عَلَى بعْض أَهْلِه السُّبُعَ الَّذِي يقْرؤهُ، يعْرضُهُ مِن النَّهَارِ لِيكُون أَخفَّ علَيِهِ بِاللَّيْل، وَإِذَا أَراد أَنْ يَتَقَوَّى أَفْطَر أَيَّاماً وَأَحصَى وصَام مِثْلَهُنَّ كَراهِيةَ أَن يتْرُك شَيئاً فارقَ علَيهِ النَّبِي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم.
كُلُّ هذِه الرِّوَايات صحيِحةٌ مُعْظَمُهَا فِي الصَّحيحيْنَ وقليلٌ منْهَا في أَحَدِهِما 10/151-وعن أَبِي ربْعِيٍّ حنْظَلةَ بنِ الرَّبيع الأُسيدِيِّ الْكَاتِب أَحدِ كُتَّابِ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: لَقينَي أَبُو بَكْر رضي اللَّه عنه فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حنْظلَةُ؟ قُلْتُ: نَافَقَ حنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحانَ اللَّه مَا تقُولُ؟،: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْد رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُذكِّرُنَا بالْجنَّةِ والنَّارِ كأَنَّا رأْيَ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرجنَا مِنْ عِنْدِ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عافَسنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعاتِ نَسينَا كَثِيراً قَالَ أَبُو بكْر رضي اللَّه عنه:
فَواللَّهِ إِنَّا لنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فانْطلقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْر حَتَّى دخَلْنَا عَلى رَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. فقُلْتُ نافَقَ حنْظَلةُ يَا رَسُول اللَّه، فقالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “ومَا ذَاكَ؟ ” قُلْتُ: يَا رسولَ اللَّه نُكونُ عِنْدكَ تُذَكِّرُنَا بالنَّارِ والْجنَةِ كَأَنَّا رأْيَ العَيْنِ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسنَا الأَزوَاج والأوْلَادَ والضَّيْعاتِ نَسِينَا كَثِيراً. فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”وَالَّذِي نَفْسِي بِيدِهِ أن لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْر لصَافَحتْكُمُ الملائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُم وَفي طُرُقِكُم، وَلَكِنْ يَا حنْظَلَةُ سَاعَةً وسَاعَةً” ثَلاثَ مرَّاتٍ، رواه مسلم.
قوله:”رِبْعِيٌّ”بكسر الراء.”الأسيِّدي”بضم الهمزة وفتح السين وبعدها ياء مكسورة مشدَّدة، وقوله:”عَافَسْنَا”هُوَ بِالعينِ والسينِ المهملتين، أي: عالجنا ولاعبنا.”الضَّيْعاتُ”: المعايش.
11/152- وعنِ ابن عباس رضي اللَّه عنهما قَالَ: بيْنما النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرجُلٍ قَائِمٍ، فسأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرائيلَ نَذَر أَنْ يَقُومَ فِي الشَّمْس وَلا يقْعُدَ، وَلَا يستَظِلَّ وَلَا يتَكَلَّمَ، ويصومَ، فَقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ ولْيَستَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ ولْيُتِمَّ صوْمَهُ “رواه البخاري
15- باب المحافظة عَلَى الأعمال
قَالَ الله تَعَالَى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16]
وَقالَ تَعَالَى: {وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27] وَقالَ تَعَالَى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً} [النحل: 92] وَقالَ تَعَالَى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] .
وَأَمَّا الأَحاديث؛ فمنها حديث عائشة: وَكَانَ أَحَبُّ الدِّين إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ صَاحِبُهُ عَلَيهِ. وَقَدْ سَبَقَ في البَاب قَبْلَهُ.
1/153- وعن عمرَ بن الخطاب رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “منْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنَ اللَّيْل، أَو عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرأَه مَا بينَ صلاةِ الْفَجِر وَصلاةِ الظهرِ، كُتب لَهُ كأَنما قرأَهُ مِن اللَّيْلِ “رواه مسلم.
2/154- وعن عبدِ اللَّه بنِ عمرو بنِ العاص رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ لي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يَا عبْدَ اللَّه لَا تَكُنْ مِثلْ فُلانٍ، كَانَ يقُومُ اللَّيْلَ فَتَركَ قِيامَ اللَّيْل” متفقٌ عَلَيهِ
3/155- وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: كَانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مِنْ اللَّيْلِ مِنْ وجعٍ أَوْ غيْرِهِ، صلَّى مِنَ النَّهَارِ ثنْتَى عشْرَةَ رَكْعَةً”رواه مسلم