مواقف من حياة الصحابة في بر الوالدين
في تاريخ الإسلام، تحتل قصص ومواقف الصحابة مكانة خاصة في تعليم وتوجيه المسلمين، ومن بين الأخلاق النبيلة التي عُرف بها الصحابة يبرز بر الوالدين كأحد أهم السمات التي يحرص عليها المسلمون.
الصحابة وبر الوالدين
يُعد بر الوالدين من الأعمال الصالحة التي حث عليها الإسلام بشدة، وقد كان الصحابة أمثلة حية في تجسيد هذه الفضيلة.
سنستعرض في هذا الموضوع لبعض المواقف الملهمة من حياة الصحابة التي تُظهر مدى احترامهم وتقديرهم لوالديهم، مُبرزين بذلك أهمية العناية بالوالدين وتقديرهما في الإسلام.
برّ أبي هريرة بأمّه
قصة بر أبي هريرة بأمه هي واحدة من أجمل الأمثلة على بر الوالدين في تاريخ الصحابة
أبو هريرة هو صحابي جليل، كان معروفًا بحبه واحترامه الشديد لأمه، فإحد المواقف الشهيرة، التي حدثت لأبي هريرة مع أمه أنه دعاها لتكون مسلمة، لكنها كانت ترفض وأحيانًا كانت تقول كلاما يؤذيه.
دعاء النبي لأم أبي هريرة
وفي ذات يوم، بعد أن سمع أبو هريرة بعض الكلمات المؤذية من أمه حول النبي -صلى الله عليه وسلم- ذهب حزينًا إلى النبي وطلب منه الدعاء لأمه بأن تُسلم، فاستجاب النبي لطلبه ودعا لأم أبي هريرة، وعندما عاد أبو هريرة إلى منزله، وجد أن أمه قد أسلمت.
بعد إسلامها، أظهر أبو هريرة براً وخدمةً فائقة لأمه، وكان يعتني بها اعتناءً شديدًا ويعمل جاهدًا ليوفر لها الراحة والسعادة.
وكانت هذه المواقف تُظهر مدى تأثير الإسلام في تعزيز العلاقات الأسرية وتقدير الوالدين، حيث أن بر الوالدين يعتبر من أهم الأعمال الصالحة في الإسلام.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أكره.
فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله! إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم! اهد أم أبي هريرة)
فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فلما جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف. فسمعت أمي خشف قدمي، فقالت: مكانك! يا أبا هريرة! وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب.
ثم قالت: يا أبا هريرة! أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتيته وأنا أبكي من الفرح.
قال: قلت: يا رسول الله! أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة.
فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا، قال: قلت: يا رسول الله! ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا.
قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم! حبب عبيدك هذا – يعني أبا هريرة – وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين) فما خلق مؤمن يسمع بي، ولا يراني، إلا أحبني.
برّ عثمان بن عفان بأمه
يُعرف عثمان بن عفان بأخلاقه الرفيعة وتقواه، وكان يُظهر براً واحتراماً شديدين لوالدته، وعُرف عنه كرمه وتواضعه، وكان يعتني بوالدته بشكل خاص، مُراعيًا لحاجاتها ومُحترمًا لكلماتها.
تُظهر حياته كيف أن بر الوالدين لا يقتصر فقط على العطاء المادي، بل يشمل العطف والرحمة والتقدير.
روى ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (رجلان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانا أبر من كان في هذه الأمة بأمهما)
فيقال لها: من هما؟ فتقول: (عثمان بن عفان، وحارثة بن النعمان -رضي الله عنهما- فأما عثمان فإنه قال: ما قدرت أن أتأمل أمي منذ أسلمت.
وأما حارثة فإنه كان يفلي رأس أمه ويطعمها بيده، ولم يستفهمها كلاما قط تأمر به حتى يسأل من عندها بعد أن تخرج: ما قالت أمي؟).
برّ عبد الله بن عمر بن الخطاب بأبيه
بر عبد الله بن عمر بن الخطاب بأبيه، فعمر بن الخطاب، يُعد من الأمثلة المشرقة في التاريخ الإسلامي على احترام وبر الابن بأبيه.
عبد الله بن عمر بن الخطاب كان معروفًا بتقواه واحترامه الشديد لأبيه، وعلى الرغم من مكانة عمر بن الخطاب كخليفة ثاني للمسلمين وقوته وحزمه، كان عبد الله بن عمر الخطاب يُظهر احترامًا وتوقيرًا كبيرا لوالده في كل المواقف.
تروي لنا إحدى القصص المعروفة كيف أن عبد الله بن عمر كان دائمًا يمشي خلف أبيه وليس بجانبه أو أمامه، تعبيرًا عن احترامه وتقديره لمكانته.
كما كان يحرص على عدم رفع صوته فوق صوت والده ولا يجادله في الرأي، بل يُظهر الطاعة والتوقير له.
عن عبد الله بن عمر أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه.
فقال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله إنهم الأعراب وإنهم يرضون باليسير. فقال عبد الله: إن أبا هذا كان ودا لعمر بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه)[مسلم]
للاطلاع على المزيد:
- قصة قابيل و هابيل ابني آدم
- قصة صاحب الجنتين والدروس المستفادة منها
- قصة أصحاب الكهف من خلال سورة الكهف
- قصة الخمر أمُّ الخبائث