كل ما تريد معرفته عن المولد النبوي الشريف ، أقوال العلماء في الاحتفال به
حق لنا أن نفرح بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن نتذكر سنته ونجدد في الناس سيرته، ونحثهم على الاقتداء به، ونصنع المعروف فرحا بمولده.
النبي هو الرحمة المهداة
إذا كان الله قد أباح لنا أن نفرح برحمته فقال: (قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ) فالنبي هو أعظم رحمة امتن بها علينا، حيث قال الله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، فحق لنا أن نفرح بيوم مولده.
احتفال النبي بيوم مولده
لقد كان رسول الله يحتفل بيوم مولده بصيامه فقد روى الإمام مسلم عن أبي قتادة الأنصاري قال: (… سئل عن صوم يوم الاثنين، قال: ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت -أو أنزل علي فيه-…)
السنة الحسنة
من ابتدع أمرا لا يخالف نصا وإنما يتوافق مع أصول الشرع فإن هذه البدعة تكون بدعة حسنة يؤجر فاعلها عليها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من سن في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء)مسلم
فتوى الإمام ابن حجر في حكم المولد
قال الإمام الحا فظ العلامة جلال الدين السيوطي في فتوى حسن المقصد: “وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر-العسقلاني- عن عمل المولد فأجاب بما نصه :
أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا”.
من أفتى بجواز الاحتفال بالمولد النبوي من العلماء
لقد أفتى بجواز الاحتفال بالمولد النبوي عدد كبير من علماء الأمة منهم:
الإمام ابن حجر العسقلاني في الحاوي للفتاوى، والإمام السيوطي في فتوى حسن المقصد، والحافظ السخاوي، والحافظ القسطلاني في المواهب اللدنية، وخاتمة المحدثين الزرقاني في المواهب اللدنية، والإمام ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية، والإمام الحافظ العراقي في كتاب المورد الهني في المولد السني، وغيرهم كثير من العلماء.
أول من احتفل بالمولد النبوي
أول من احتفل بمولد النبي احتفالا رسميا صاحب أربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبري أحد الملوك الأمجاد.
قال ابن كثير عنه في تاريخه: “كان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا وكان شهما شجاعا بطلا عاقلا عالما عادلا رحمه الله وأكرم مثواه”.
قال: “وقد صنف له الشيخ أبو الخطاب بن دحية مجلدا في المولد النبوي سماه “التنوير في مولد البشير النذير” فأجازه على ذلك بألف دينار، وقد طالت مدته في الملك إلى أن مات وهو محاصر للفرنج بمدينة عكا سنة ثلاثين وستمائة محمود السيرة والسريرة”.
وقال الإمام الحافظ أبو شامة في كتابه “الباعث على إنكار البدع”: “ومن أحسن ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل ما كان يفعل بمدينة أربل جبرها الله تعالى كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور
فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء مشعر بمحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله وشكرا لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين -صلى الله عليه وسلم- وعلى جميع المرسلين.
وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين وبه اقتدى في ذلك صاحب أربل وغيره رحمهم الله تعالى”.
هل الاحتفال بالمولد بدعة
حجة من يعترضون على الاحتفال بالمولد النبوي أنهم يقولون إن رسول الله لم يفعله ولم يفعله صحابته أو أحد من السلف.
والجواب على هذا أن من يقول بذلك إنما يبدع علماء الأمة ويرى نفسه أقدر على فهم النصوص واستنباط الأحكام أكثر منهم، والحقيقة أنه لا يملك شيئا من أدوات الاستباط التي ملكوها.
والحقيقة أن البدعة لا تنحصر في الحرام والمكروه فقط وإنما البدعة قد تكون مباحة أو مندوبة أو واجبة.
أقوال العلماء في معنى البدعة
قال الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات في معنى البدعة: “البدعة في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة”.
وقال الإمام العز بن عبد السلام: “البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة”.
وقال: “والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإذا دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة أو في قواعد التحريم فهي محرمة أو الندب فمندوبة أو المكروه فمكروهة أو المباح فمباحة”.
وعلى معنى البدعة هذا فإن الاحتفال بالمولد النبوي لا يدخل في المذموم لأن الفرح بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- وتذكير الناس بسنته لا يدخل في المذموم ولا يخالف شيئا من النصوص.
هل الترك يعتبر دليلا يدل على التحريم
من الأمور التي يستدل بها من يعتمد على تحريم الاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم يقولون إن رسول الله لم يفعله ولا فعله أحد من أصحابه ولا السلف، والسؤال هنا هل هذا الترك يعتبر دليلا على التحريم؟.
الحقيقة أن علماء الأصول يقررون أن الترك لا يعتبر دليلا على التحريم فقالوا: “ترك الشيء لا يقتضي تحريمه”.
روى الإمام البخاري في صحيحه عن خالد بن الوليد أنه دخل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة، فأتي بضب محنوذ، فأهوى إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده.
فقال بعض النسوة: أخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل، فقالوا: هو ضب يا رسول الله، فرفع يده، فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ فقال:
(لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه). قال خالد: فاجتررته فأكلته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر.
فهنا نجد أن خالد لما رأى إعراض النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الأكل من الضب سأل هل هو حرام أم لا فلما تبين له أنه ليس بحرام أكل منه بالرغم من ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- الأكل منهن وهذا دليل على أن الترك لا يقتضي التحريم.
شهر مولد وموت النبي
المعترضون على الاحتفال بالمولد النبوي يقولون إن شهر ربيع الأول هو شهر مولد النبي، وشهر موته، فالفرح فيه ليس بأولى من الحزن على موت النبي فيه.
والجواب على ذلك أن مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أعظم النعم التي امتن الله بها علينا ويوم موته هو أعظم المصائب لكننا مأمورون بالفرح على النعم والصبر على المصائب.
فقد أمرنا الشرع بإظهار الفرح بالمولود بالعقيقة والصبر عند موته، قال ابن رجب في كتاب اللطائف في ذم الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتما لأجل قتل الحسين: “لم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف ممن هو دونهم”.
لماذا لم يأمرنا النبي بالاحتفال بمولده؟
المعترضون على الاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- يقولون لو كان الاحتفال خيرا لدل الرسول عليه أمته.
والحقيقة أن هناك كثيرا من الأمور التي فيها خير ظاهر لا ينكره أحد ومع ذلك لم يدلنا رسول الله عليه وإنما فعله الصحابة لأنهم لم يفهموا الإسلام بهذا الفهم العقيم الذي فهموه.
فجمع المصحف في عهد أبي بكر، ثم تشكيله بعد ذلك ونقطه من أعظم الأعمال التي كانت سببا في حفظ كتاب الله ومع ذلك لم ينص عليه رسول الله ولم يأمر به أحدا.
هل نحن نحب الرسول أكثر من الصحابة
كثيرا ما يعترض المعترضون على مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الصحابة لم يفعلوا ذلك، وهل نحن نحب رسول الله أكثر من الصحابة حتى نفعل ذلك؟
من القواعد التي قررها العلماء أنهم قالوا: “المزية لا تقتضي التفضيل”.
فأبو بكر -رضي الله عنه- جمع القرآن في كتاب واحد وسماه المصحف وهذا أمر لم يفعله رسول الله ومع ذلك لم ينكر عليه أحد من الصحابة بحجة أن هذا أمر لم يفعله رسول الله، وهذا لا يعني تفضيل أبي بكر على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وعمر -رضي الله عنه- هو الذي جمع الناس في التروايح على إمام واحد وأبو بكر لم يفعل ذلك وهذا لا يعني تفضيل عمر على سيدنا أبي بكر.
وكذلك الاحتفال بمولد النبي إن نحن عملناه ولم يفعله الصحابة فهذا لا يعني أننا أفضل من الصحابة.
للاطلاع على المزيد:
- تعرف على وصف النبي محمد في القرآن الكريم – الجزء الأول
- تعرف على علو قدر النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن
- معنى الشمائل وكيف كان وصف جسد النبي
- بعض أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم