قيمة الوطن في الإسلام
حب الوطن غريزة من الغرائز التي فطر الله الإنسان عليها؛ وذلك لأن الوطن هو المهد الذي ينشأ الإنسان فيه، وفيه ترعرع، وهو منبع الذكريات، وبه جذوره التي ينتسب إليها من آبائه وأجداده.
تألم النبي عند علمه بأن قومه سيخرجوه
لما نزل الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم- في غار حراء، رجع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى خديجة وهو يرتجف ويقول: (زملوني زملوني) فأخذته خديجة -رضي الله عنها- إلى ورقة بن نوفل وكان رجلا قد تنصر في الجاهلية.
فقالت خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، قال ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟
فأخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- خبر ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أومخرجي هم؟) قال ورقة: نعم، لم يأت رجل بما جئت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا.
ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة، حتى حزن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.[البخاري].
وهنا نجد أن ورقة لما ذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن قومه سيخرجوه من وطنه استفهم استفهاما إنكاريا يدل على التفجع والتألم؛ لأنهم سيخرجوه من موطنه الذي فيه حرم الله، وبلدة أبيه إسماعيل -عليهما السلام-.
موقف النبي عند الهجرة من موطنه
عندما هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة قبل أن يغادر حدود مكة وقف مخاطبا ومادحا ومودعا لها ومبينا أن سبب خروجه منها هو أهلها الذين أخرجوه منها ولولا ذلك لما فارقها أبدا.
لكن حماية الدين تقدم على الوطن فأرض الله واسعة فإن لم يسع الإنسان موطنه الذي يعيش فيه سيجد لنفسه موطنا آخر يحفظ فيه دينه.
وهذا هو ما فعله النبي –صلى الله عليه وسلم- لما قست قلوب أهل مكة، ولم يقبلوا الإسلام، ووقفوا له بالمرصاد، وصارت قلوبهم أقسى من الحجارة، كان لابد من الهجرة إلى موضع آخر فيه قلوب تقبل الإسلام وتدافع عنه.
عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمكة: (ما أطيبك من بلد، وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك)[الترمذي].
دعاء النبي للوطن الجديد
لما ذهب النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى الموطن الجديد وهو المدينة مرض بعض من أصحابه فصار يدعو على هؤلاء المشركين الذين أخرجوهم من موطنهم، وصار يدعو الله -عز وجل- أن يحبب إليهم موطنهم الجديد الذي صاروا إليه.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، وعك أبو بكر، وبلال، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:
كل امرئ مصبح في أهله * والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته يقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بواد وحولي إذخر وجليل.
وهل أردن يوما مياه مجنة * وهل يبدون لي شامة وطفيل.
قال: (اللهم العن شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء)
ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا، وصححها لنا، وانقل حماها إلى الجحفة) قالت عائشة: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، قالت: فكان بطحان يجري نجلا تعني ماء آجنا.[البخاري].
وقد استجاب الله لنبيه –صلى الله عليه وسلم- فحبب إليه الموطن الجديد فكان إذا قدم من سفر ورأى طرق المدينة المرتفعة من بعيد كان يسرع السير ويحث ناقته على الإسراع نحو المدينة؛ لكثرة حبه لها.
عن أنس -رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قدم من سفر، فأبصر درجات المدينة، أوضع ناقته، وإن كانت دابة حركها)[البخاري].
هجرة الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم
وهذا الذي فعله النبي –صلى الله عليه وسلم- فعله غيره من الأنبياء، حيث ترك موطنه مكة وذهب لموطن جديد وهو المدينة؛ ليحفظ دينه.
فعل مثل هذا نبي الله إبراهيم –عليه السلام- حيث ترك موطن آبائه وأجداده في بابل في العراق وذهب إلى أرض فلسطين.
وهذا نبي الله موسى -عليه السلام- لما خاف على نفسه ترك موطنه مصر وذهب لموطن آخر وهو مدين.
قال الله: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ).
ولما طارد فرعون موسى –عليه السلام- وبني إسرائيل معه، فر هو وقومه من فرعون وشق الله له البحر فأنجاه الله من فرعون وقومه.
قال الله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ
إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *
وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ *
قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ).
ثناء الله على المهاجرين
ترك الأوطان فيه مشقة على النفس؛ لأجل ذلك جعل الله هذا من الفضائل التي أثنى بها على المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم من أجل أن يهاجروا إلى الله ورسوله، وضحوا بكل شيء فداء لدينهم.
فقال الله تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).
للاطلاع على المزيد:
- المواطنة وما يترتب عليها من واجبات
- الحق والضلال ضدان لا يجتمعان
- ما هي أسس المواطنة في شريعة الإسلام؟