الشرك في أداء العمل يحبطه ويجعله مردودا على صاحبه
الشرك في أداء العمل يحبطه ويجعله مردودا على صاحبه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: قال الله-تبارك وتعالى-: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)[مسلم].
أنا أغنى الشركاء عن الشرك
أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- أن الله -تعالى- أخبره أنه أغنى الشركاء عن أن يكون له شريك، وأن الأمر ليس كما زعم المشركون الذين عبدوا مع الله غيره، وظنوا أن تلك الآلهة تقربهم إلى الله زلفى، وكذلك فعل المنافقون الذين أشركوا في أعمالهم مع الله غيره، وكان يجب عليهم أن يؤدوا الأعمال خالصة لله لا يشركون فيها معه غيره.
فالله أغنى الشركاء عن المشاركة، فمن عمل شيئا لله ولغير الله معا لم يقبله الله منه، بل يتركه الله مع هذا الشريك ليعطيه أجره، وهذا ليس معناه أن لله شركاء في الأصل، وإنما هذا على زعم واعتقاد من يفعل ذلك، وهذا كقول الله تعالى: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه
فمن عمل شيئا من الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله لكنه أشرك في نيته شيئا آخر غير الله، كأن كان مرائيا بعمله فإن الله يتركه مع شريكه الذي عمل العمل من أجله ليأخذ أجره منه؛ لأن الله لا يقبل شيئا من العمل إلا إذا كان خالصا له.
ومن هذه الخصال التي تجعل العمل مردودا على صاحبه الرياء: وهو مأخوذ من الرؤية، فكأن المرائي أراد أن يراه الناس وهو يؤدي طاعة الله، أو أراد طلب المنزلة في قلوب الناس بجعلهم يرون الخصال المحمودة منه.
صور الرياء في الأعمال
أن لا يقصد الثواب أصلا، وإنما يقصد الرياء فقط، بحيث أنه لا يعمل العمل إلا إذا كان مع الناس، أما إذا كان منفردا وحده لا يعمل العمل أصلا.
ومنها أن يقصد الثواب والرياء، لكن الرياء هو المقصود الأغلب، ومنها أن يقصد الثواب والرياء متساويين، وكل هؤلاء لا تسلم لهم الأعمال وإنما يردها الله عليهم.
ومن الرياء أن يكون قصد الثواب هو الراجح، وقصد الرياء أقل، فهذا لا يحبط أصل الثواب، لكنه ينقص من الثواب، أو أنه يعاقب على مقدار قصد الرياء، ويثاب على مقدار قصد الثواب.
الرياء من صفات المنافقين
الرياء من محبطات الأعمال لذلك ذم الله المنافقين الذي راءوا الناس بصلاتهم فقال: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا).
وذم الله –تعالى- المرائين بصلاتهم فقال: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ).
ونهى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن السمعة والرياء فقال: (مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ)]البخاري[
والمعنى: أن من قصد بعمله أن يسمعه الناس، وأن يروا فعله ليعظموه يعاقبه الله بأن يفضحه ويظهر ما كان يبطنه، ويحبط الله عمله.
وقيل: من نسب لنفسه عملا لم يفعله ونشر ذلك على مسامع الناس فإن الله يفضحه ويملأ أسماع الناس بسوء الثناء عليه في الدنيا أو في يوم القيامة؛ بسبب خبث سريرته.
وجوب الإخلاص في العبادة
إن أصل العبادة لله مبني على الإخلاص له وحده، قال الله –تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ).
أما من عمل عملا خالصا لله لكن اطلع الناس عليه ومدحوه بسبب هذا العمل فإن هذا لا يحبط عمله، وإنما هذا يكون من تعجيل الله البشرى له فيعطى ثوابين: أحدهما: في الدنيا بحمد الناس له، والثاني: في الآخرة بما أعده الله له.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ –رضي الله عنه- قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: (تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ)]مسلم[.
فوائد الحديث
هذا الحديث القدسي الجليل فيه استحباب إخفاء العمل لمن يامن على نفسه الرياء، ووجوب الإخفاء لمن يخاف على نفسه الرياء، لكن في بعض الأحيان قد يستحب إظهار العمل من أجل أن يقتدي به غيره، أو من أجل أن ينتفع به الآخرون كإظهار العلم لينتفع به الآخرون.
قال ابن عبد السلام: “يستثنى من استحباب إخفاء العمل من يظهره ليقتدي به أو لينتفع به ككتابة العلم”.
وقال: “فمن كان إماما يستن بعلمه عالما بما لله عليه قاهرا لشيطانه استوى ما ظهر من عمله وما خفي لصحة قصده، ومن كان بخلاف ذلك فالإخفاء في حقه أفضل وعلى ذلك جرى عمل أهل السلف”.