مبادئ المساواة بين الناس وقضاء الإسلام على التفرقة العنصرية
عانت البشرية كثيرا من جراء التفرقة العنصرية بين الناس، تلك التفرقة التي تقوم على أساس اللون أو الجنس أو اللغة، فكل جنس يريد أن تكون يده هي العليا على من سواه.
الطبقية والتفرقة العنصرية عند العرب
في مثل هذا الجو من التعالي والتكبر تحدث المنازعات وتقوم الحروب، ولا ترى هناك جوا من التسامح بين الناس، من أجل ذلك كانت الحروب تقوم بين قبائل العرب؛ لأن الروح التي كانت تسود بينهم هي روح الطغيان والتكبر حتى قال قائلهم:
ونشرب إن وردنا الماء صفوا * ويشرب غيرنا كَدِرًا وطينا.
وهناك في التاريخ الكثير والكثير من الأحاديث المفجعة عن التمييز العنصري الذي حدث في جنوب إفريقيا، والجرائم الاستعمارية في كينيا، وعن التمييز العنصري بين البيض والسود في أمريكا.
التطبيق العملي للمساواة بين الناس
إن المساواة العنصرية التي نادى بها الإسلام لم تكن مجرد مبادئ أعلن عنها في مناسبات عامة وحسب، كما يفعل بعض الطغاة حينما يريدون أن يجملوا أنفسهم ثم يمضون بعد ذلك ليستكملوا طريق إذلالهم واستعبادهم للناس، بل الإسلام حول هذه المبادئ لواقع عملي طبقه في كل مجالات الحياة.
فهذه المساواة التي أقرها الإسلام تبدأ من العبادات التي فرضها الله على عباده، حيث يلتقي الناس في المساجد الأبيض مع الأسود، والغني مع الفقير، وصاحب الجاه مع من لا جاه له، يقف كل واحد بجوار أخيه، ينسى كل منهم أمر دنياه مقبلا على ربه يرجو رحمته ويخاف عذابه.
المساواة بين الناس في التشريع
إن التشريعات التي كلف الله بها الناس ترسخ معنى المساواة العنصرية بين الناس، حيث يشرع للجميع فترى النداء في القرآن دائما بلفظ عام لا تخصيص فيه.
فقال الله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
وإذا كان هناك تحيز في الإسلام في تطبيق الأحكام فإنما يكون لأصحاب الحاجة من الضعفاء والمرضى، فيشرع لهم الأحكام التي تتناسب مع درجة حاجتهم وضعفهم.
قال الله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
الاختلاف سبب من أسباب التكامل
جاء الإسلام ليبين للناس أن الاختلاف بينهم في الجنس واللون واللغة ينبغي أن يكون اختلاف تنوع يفضي إلى التعارف والتآلف، لا اختلاف تضاد يفضي إلى النزاع والخلاف،
هذا الاختلاف ينبغي أن يكون كاختلاف الأشياء في الكون التي تعطي في النهاية انسجاما وتكاملا وبدون هذا الاختلاف بين الأشياء لن يكون هذا الكون، قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا).
الاختلاف بين البشر كاختلاف الإخوة
إن الاختلاف بين أجناس البشر ينبغي أن يكون كاختلاف الإخوة في البيت الواحد، فقد يعطي الله لأحد الإخوة مالا، وللآخر صحة، فهل هذا يعني أن يتعالى صاحب المال على أخيه الذي لا مال له!! ويستقوي ذو الصحة بصحته على من سلبها!! وينسى رابط الأخوة والنسب والرحم.
إن الناس جميعا يشبهون الإخوة في البيت الواحد هذا لأنهم جميعا ينتسبون لأصل واحد وهو أبوهم آدم، وهذا هو ما ذكَّر الله الناس به فقال: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ)
الإنسان لا يقدمه لونه ولا جنسه
لقد رسخ الإسلام مبدأ المساواة بين الناس وبيَّن أن الإنسان لا يقدمه بين الناس لونه ولا جنسه ولا لغته، وإنما يقدمه بينهم عقله وعلمه وإيمانه، فما قيمة الأبيض الذي لا عقل له ولا علم ولا إيمان عنده.
لذا قال الله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى)[أحمد]
موقف لا ينساه أبو ذر رضي الله عنه
إن مبادئ المساواة بين الناس في الإسلام لم تقف عند حدود الكلام النظري وإنما دخلت حيز التنفيذ، فعندما سب أبو ذر الغفاري بلالًا الحبشي وقال له:
يا ابن السوداء. عنفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشد التعنيف على ذلك، وبيَّن له أن هذا من أخلاق الجاهلية التي كانت تتعالى بأحسابها وأنسابها وليس من أخلاق الإسلام الذي لم يجعل هناك تفاضلا بين الناس إلا على أساس التقوى.
عن المعرور قال: لقيت أبا ذر بالربدة وعليه حلة وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-:
(يا أبا ذر، أعيرته بأمه!! إنك امرو فيك جاهلية، إخوانكم خولكم ]خدمكم[ جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم)[البخاري]
لا شفاعات في تطبيق العقوبات
لقد حرص الإسلام على ألا يفرق بين الناس في تطبيق العقوبات، فليس هناك رشاوى تدفع من أجل إسقاط العقوبات، وليست هناك محسوبية ولا وساطة ولا استثناء لأحد من الناس مهما كان موقعه ومهما كانت مكانته حتى لو كان هو الحاكم أو ابن الحاكم.
عن عائشة -رضي الله عنها-: أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلمه أسامة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(أتشفع في حد من حدود الله) ثم قام فخطب ثم قال: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)[البخاري]