الإيمان بالله هو الأساس الذي ينبني عليه غيره
الإيمان بالله: هو التصديق بوجود الله، وقدرته، والإيمان بأن الله يجب له كل كمال مطلق يليق بذاته المقدسة، وأن الله منزه عن كل نقص.
الله ليس له شبيه
الله –تعالى- لا مثيل ولا شبيه له في أفعاله وصفاته، قال الله -تعالى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
من لوازم الإيمان بالله العبادة له وحده
إن الإيمان بالله –تعالى- من معانيه أن يؤمن العبد أن العبادة لا تكون إلا لله وحده، والعبادة هي فعل يؤديه العبد باختياره يخالف به شهواته وأهوائه تقربا إلى الله -عز وجل-، فالعبادة هي الغاية القصوى التي من أجلها خلق الله العباد، قال الله –تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
والعبد كلما ازداد إيمانا بالله كلما ازدادت عبادته لربه، وهذه العبادة لا تسقط عن العبد إلا بأحد أمرين:
أحدهما: الموت؛ لأن الله –تعالى- قال: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)واليقين هو الموت لأنه الشيء الذي يتيقن الإنسان من وقوعه.
ثانيهما: أن يفقد الإنسان عقله؛ لأن العقل هو محل التكليف الذي يعقل به العبد تكاليف الله له، فإذا فقد الإنسان هذا العقل أسقط الله عنه التكليف؛ لأن الله لا يكلف أحدا بما هو فوق طاقته، وتكليف المجنون بالتكاليف هو شيء فوق الطاقة، قال الله –تعالى-: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).
الإنسان ليس بحاجة لمعجزة
الإنسان ليس في حاجة إلى أن يحدث الله له معجزة لتجذبه إلى الإيمان، بل المطلوب من العبد أن يتحرر عن عصبيته لما ألفه ودرج عليه، وأن يجرد عقله من الأوهام والأكاذيب والأباطيل، وأن يعمل عقله الذي هو آلة التفكير التي وهبها الله له، وأن ينظر في هذا الكون نظر معتبر متأمل، حينها سيجد حتما ما يدعوه إلى الإيمان بالله –تعالى-.
لذلك أشار الله -عز وجل- إلى هذا فقال: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
تفكر أيها الإنسان في أصل وجودك
ليتفكر كل واحد منا في حقيقة وجوده في هذه الحياة، لقد كان عدما ثم أوجده الله –تعالى-، قال الله: (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا).
وكان شيئا في عالم الأموات ثم أحياه الله وأخرجه لهذه الدنيا، ثم هو لا يملك لنفسه أن يطيل حياته أو يقصرها، وإنما يميته الله فيخرج من الدنيا التي أتى إليها، ثم يحييه الله بعد ذلك للحساب والجزاء، قال الله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
انتقال الإنسان من الضعف إلى القوة ثم إلى الضعف
هل تفكر الإنسان في نفسه كيف يمضي به العمر حثيثا فينتقل من ضعف الطفولة إلى قوة الشباب، ثم إلى ضعف الكهولة يمر به الزمن ويغير فيه، ولا يستطيع أن يوقف هذا الذي يحدث له، كل هذا إنما يدله ويرشده إلى قوة الله الفاعلة في هذا الكون من حوله، وأن كل شيء إنما يسير بقدرة الله.
قال الله –تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ).
دعوة القرآن للإنسان ليتفكر في نفسه
دعا القرآن الإنسان ليتفكر في قضية خلق الله له، فقال الله: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ).
فالإنسان من أكثر الكائنات تعقيدا وتنظيما في خلقه، فهذه الأجهزة التي خلقها الله في الإنسان من السمع والبصر والتذوق والشم واللمس هي التي تمكنه من التعامل مع هذا العالم الخارجي الذي يعيش فيه، وبدون تلك الحواس يكون الإنسان مثله كمثل الجمادات فاقدا للتفاعل مع ما حوله.
هناك الكثير من الأشياء في جسد الإنسان لا يعلم عنها شيئا، ولا يعرف كيف تعمل، فنمو الجسد على هذا الطعام الذي يتناوله لا يعرف الإنسان شيئا عنه، وهضم الطعام يتم دون إرادة من الإنسان، ونبضات القلب، وجريان الدم في العروق، كل هذه أشياء يقوم بها الجسد دون تدخل من الإنسان، فهو لا يستطيع أن يعطي أمرا للجسد بأن يوقف الدم الذي يجري في العروق ولا غير ذلك من الأمور، وإنما كل هذا يحدث بتقدير من الله -عز وجل-.
الكون مليء بالآيات التي تدعوا إلى الإيمان بالله
لقد لفت القرآن أنظارنا إلى أن وجود هذا النظام المعقد والدقيق والمتوازن في الإنسان ما هي إلا شيء ضئيل من النظام الذي جعله الله في الكون، فالإنسان بالنسبة لكون الله الفسيح ليس إلا شيئا ضئيلا، قال الله –تعالى-: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
لذلك أمرنا الله–تعالى-بأن نعيد النظر في الكون مرات ومرات حتى ندرك عظمة هذا الخلق،وليقودنا ذلك إلى عظمة الخالق والإيمان به، قال الله –تعالى-: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ).
إن الله وضع في السماوات وفي الأرض آيات تدعو الناظرين إليها والمتاملين فيها إلى الإيمان بالله -عز وجل- كما جعل في خلق الإنسان ما يدله على وجود الله وقدرته.
قال الله تعالى: (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، وقال الله: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ).
وجوب التفكر وإعمال العقل
لقد أوجب الله على كل واحد منا أن تكون له مع نفسه خلوة يتفكر فيها في آيات الله؛ لأن الإنسان بدون التفكير وإعمال العقل الذي وهبه الله لن يرى حقائق هذا الكون الذي يدعوه إلى الإيمان بخالقه.
قال الله-تعالى-: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ).
فليس هناك شيء في هذا الكون خلق عبثا أو بلا سبب، وإنما خلق الله كل شيء لحكمة وعلة، قد ندرك بعض هذه الحِكَم ولا ندرك البعض الآخر، وعدم إدراكنا لتلك الحِكَم لا يعني عدم وجود الله، وإنما هذا يعني غياب عقولنا وقلة تدبرنا وإدراكنا.
قال الله: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)، وقال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ).