كان الوليد بن المغيرة واحدا من صناديد الكفر في مكة الذين كانوا يكنون العداء الشديد للنبي –صلى الله عليه وسلم- وللإسلام لكنه مع هذا لم يستطع أن يخفي إعجابه ببلاغة القرآن وأنه لا يمكن أن يشبه ما يقوله البشر.
موقف الوليد بن المغيرة من القرآن
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: جَاءَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا عَمُّ، إِنَّ قَوْمَكَ يَرَوْنَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالا قَالَ: لَمَ؟ قَالَ: لِيُعْطُوكَهُ، فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا لِتُعْرِضَ عَمَّا قِبَلَهُ، قَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالا، قَالَ: فَقُلْ فِيهِ قَوْلا يَبْلُغُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لَهُ أَوْ أَنَّكَ كَارِهٌ لَهُ، قَالَ: وَمَاذَا أَقُولُ؟
فَوَاللهِ مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمَ بِالأَشْعَارِ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمَ بِرَجَزٍ وَلَا بِقَصِيدَةٍ مِنِّي وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ وَاللهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَوَاللهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلاوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلاهُ مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى، وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ، قَالَ:
لَا يَرْضَى عَنْكَ قَوْمُكَ حَتَّى تَقُولَ فِيهِ قَالَ: فَدَعْنِي حَتَّى أُفَكِّرَ، فَلَمَّا فَكَّرَ قَالَ: هَذَا سِحْرٌ يُؤْثَرُ يَأثُرُهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَنَزَلَتْ:
(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ
ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)
تفسير: ذرني ومن خلقت وحيدا
لما أصر الوليد بن المغيرة على كفره وعناده وإنكاره لما أقره قلبه من الإيمان بأن القرآن ليس من كلام البشر ولا يقدر أحد منهم على الإتيان بمثله، أنزل الله فيه آيات تتلى إلى يوم القيامة بدأها الله بالتهديد والوعيد له بأن قال الله لنبيه –صلى الله عليه وسلم- اتركني مع من خلقته وحدي لأتولى عقابه.
نعم الله على الوليد وأمثاله
جعل الله للوليد بن المغيرة مالا كثيرًا مبسوطا دائما لا ينقطع فهو في ازدياد دائم، ووهب الله له الكثير من الأبناء الذكور فقد كانوا عشرة أو يزيدون
وقد أسلم منهم بعد ذلك الوليد بن الوليد، وخالد بن الوليد، وهشام بن الوليد، وكان أبناؤه جميعهم حضور عنده مطمئن عليهم منشرح الصدر برؤيتهم وهذا يعني أنهم كانوا لا يفارقونه بالسفر من أجل التكسب وطلب الرزق وذلك بسبب كثرة خدمه وعبيده.
لقد بسط الله له النعم فأعطاه المال والرياسة، ثم يطمع بعد كفره وجحوده أن يزيده الله في هذه النعم التي أنعم بها عليه، كلا وهذه كلمة زجر وردع
أي أن الله لن يزيده بعد ما أصر على جحوده وكفره، وإنما سيكون ماله في نقصان، وذلك بسبب أنه عاند وكذب، فجزاءوه أن الله سيعرضه لعذاب شاق لا يطاق؛
الوليد يفتري على القرآن كذبا
فكر الوليد بن المغيرة ماذا يقول في شأن القرآن والرسول –صلى الله عليه وسلم-، ورتب في نفسه قولا كاذبا، فكان عقابه أن يلعن ويطرد من رحمة الله،
كيف أصاب هذا الغرض الذي أراده بطعنه في النبي والقرآن، ثم لعن وطرد من رحمة الله كيف أصاب هذا الهدف بالطعن في النبي والقرآن.
ثم قطب الوليد وجهه واشتد في عبوسه وقال:إن هذا القرآن إلا سحر أخذه محمد عمن سبقه، وما هو إلا من قول البشر، سيصليه الله جهنم التي تذيبه وتحرق جلده بسبب قوله هذا،
وما أدراك ما جهنم التي يتوعده الله بها، لا تبقى أحدا فيها إلا أهلكته، ولا تدعه هالكا وإنما يعاد فيها مرة أخرى حتى تهلكه من جديد وهكذا يكون في عذاب دائم لا ينقطع،
وتلك النار تلفح الجلد لفحة فتجعله أشد سوادا من الليل، هذه النار عليها تسعة عشر من الملائكة هم الرؤساء الذين يتولون أمرها.
للاطلاع على المزيد: