أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عودة أرض العرب لمروج وأنهار، والعودة معناها أنها كانت كذلك في قديم الزمان ثم أصابها الجدب ثم ستعود مرة أخرى.
عودة أرض العرب مروجا وانهارا
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا)[مسلم]
شرح حديث عودة الأرض مروجا وأنهارا
هذا الحديث فيه إشارة إلى كثرة المال واستغناء الناس عنه، حتى إن الرجل يبحث عمن يأخذ منه الزكاة فلا يجد من يقبلها منه.
وذلك بسبب كثرة الأموال في أيدي الناس وإخراج الأرض كنوزها، وقلة رغبة الناس في الدنيا، وقرب قيام الساعة.
وهذا فيه حث على المبادرة بإخراج الصدقة قبل أن يأتي يوم لا يجد الإنسان فيه من يقبل منه الصدقة.
وأشار الحديث إلى أن أرض العرب في الزمان القديم كانت مليئة بالحدائق ذوات الأشجار والثمار، وكانت بها الكثير من الأنهار،
لكن تبدل كل هذا وتحولت الأرض الخضراء للصحراء الصفراء، وتحول الماء الذي كان على سطح الأرض حتى غار في باطن الأرض، وأصبح الخراب مكان العمران، وتلك هي سنة الله في البلاد والعباد.
شبه الجزيرة العربية كانت مروجا وأنهارا
لقد ورد في القرآن الكريم ما يبين حالة الطقس والمناخ في شبه الجزيرة العربية والتي منها مكة والمدينة وغيرها من بلاد العرب كاليمن وبلاد الشام.
فقد كانت في وقت من الأوقات مليئة بالخضرة والمياه وهذا كان في زمن قوم سبأ الذين كفروا نعمة الله وطلبوا الشقاء والخراب بدل النعمة والنماء.
فقد كانت القرى في طريق اليمن إلى الشام متلاصقة لا يشعر المسافر بشيء من ألم السفر وذلك لكثرة العمران على طول الطريق.
فطلبوا من الله أن يباعد بين تلك القرى المتلاصقة حتى يشعروا بشيء من تعب السفر فقال الله:
(وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ
فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدۡ بَيۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ
وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَيۡهِمۡ إِبۡلِيسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ)
جدب الأرض وقلة الزروع والأنهار
ومما ورد في القرآن الكريم يبين لنا أن أرض العرب كانت مجدبة خالية من الزروع والثمار منذ القدم تعاني من قسوة المناخ وجدب الصحراء، وارتفاع درجات الحرارة فيها وغياب الغطاء النباتي الذي يغطي الأرض ما ورد في قصة عاد حيث قال الله:
(وَٱذۡكُرۡ أَخَا عَادٍ إِذۡ أَنذَرَ قَوۡمَهُۥ بِٱلۡأَحۡقَافِ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦٓ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ). والأحقاف هي جبال الرمل.
وقد ورد في قصة نبي الله إبراهيم لما دعا عند بيت الله الحرام فقال: (رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ).
وهذا يدل على أن هذا الموضع كانت رمال الصحراء تكسوه وكان خاليا من الغطاء النباتي الذي يغطي الأرض.
وقد ورد في قصة موسى -عليه السلام- ما يفيد هذا المعنى أيضا لما هرب من قوم فرعون خوفا من أن يقوموا بقتله وذهب إلى مدين وهي بأض الجزيرة العربية.
وجد نبي الله موسى أمة من الناس على بئر يسقون أغنامهم وهذا معناه انتشار الجدب ولولا ذلك لما تزاحم الناس على عين البئر.
قال الله: (وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدۡيَنَ وَجَدَ عَلَيۡهِ أُمَّةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَيۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِي حَتَّىٰ يُصۡدِرَ ٱلرِّعَآءُۖ وَأَبُونَا شَيۡخٞ كَبِيرٞ).
العصر الجليدي وحالة الطقس في مكة
علماء الجيولوجيا يشيرون إلى أن الأرض في فجر التاريخ شهدت العصر الجليدي ثم أعقبه ذوبان وهذا يقتضي أن درجة الحرارة صارت معتدلة بعض الشيء مما يشير إلى أن الجزيرة العربية مرت بفترة كانت درجة الحرارة فيها معتدلة بعض الشيء، ساعد ذلك على نزول الأمطار وانتشار الغابات.
عودة أرض العرب مروجا وأنهارا
الحديث يشير إلى أن المستقبل سيشهد عودة لتلك المروج والأنهار مرة أخرى، لكن هل هذه العودة تكون بسبب العوامل الطبيعية أم تكون بسبب الجهود التي يبذلها العرب لاستصلاح الأراضي وانتشار العمران؟
بعض العلماء يفسرون ذلك بأنه سيكون بفعل الإنسان الذي تنصرف جهوده للعمران، كالإمام القرطبي حيث قال:
“وتنصرف دواعي العرب –أي آخر الزمان- عن مقتضى عادتهم من انتجاع الغيث والارتحال عن المواطن للحروب والغارات، ومن عزة النفوس العربية الكريمة الأبية إلى أن يتقاعدوا عن ذلك، فيشتغلوا بغراسة الأرض وعمارتها وإجراء مياهها، كما قد شوهد في كثير من بلادهم وأحوالهم”.
بينما يشير علماء الطبيعة إلى أنه ستكون هناك فترة جليدية وقد بدأت معالم تلك الفترة تظهر الآن.
وعلى كل فالحديث أشارة لعودة الأرض إلى مروج وأنهار ولم يبين التي التي ستكون بها كذلك.
مدينة تبوك عادت مروجا وأنهارا
في غزوة تبوك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ عن عين تبوك التي كانت هناك: (يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانا)[مسلم]
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ يوشك يدل على القرب وليس بالضرورة رؤية معاذ لهذا الأمر فالقرب هنا نسبي على معنى كل آت قريب.
ومن يذهب لمدينة تبوك الآن يرى ما فيها من الحدائق والزروع والثمار ويدرك بذلك صحة نبوءة النبي -صلى الله عليه وسلم-.