من صفات الله تعالى الرحمن والرحيم والغفور وأرحم الراحمين وغير ذلك من الصفات التي تدل على الرحمة.
رحمة الله تسبق غضبه
ولم يأت في صفات الله صفة مأخوذة من الغضب؛ لذلك قالت الملائكة لله تعالى: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رحْمَةً وَعِلْمًا)؛ ولأجل ذلك كانت رحمة الله دائما أسبق من غضبه، فقد ألزم الله نفسه بذلك، فهو يعاجل عباده بالرحمة حتى وإن عاجلوه بالعصيان، فيمهلهم حتى يتوبوا.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لما خلق الله الخلق كتب في كتابه وهو يكتب على نفسه وهو وضع عنده على العرش إن رحمتي تغلب غضبي)[البخاري]
مغفرة الذنوب
من رحمة الله بعباده أنه قد ينفع العبد بالذنب الذي يصيبه، فقد يكون وقوع العبد في الذنب سببا لندامته وإقباله على الله واستغفاره من كل ذنب، فالسيئة التي تسوء الإنسان وتجعله نادما، خير من الحسنة التي تصيب الإنسان بالعجب والرياء، فالرياء يبطل الحسنة، أما الندم على الوقوع في السيئة يمحوها.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ)[مسلم].
هذا الحديث ليس تحريضا للإنسان على معصية الله تعالى، وإنما هو طمأنة للإنسان ألا ييأس إذا وقع في الذنب فإن له ربا يغفر الذنوب ويمحو السيئات.
وقد طمأن الله العبد أنه ليس ملكا مطبوعا على فعل الطاعة وعدم الوقوع في المعصية، وإنما هو مركب من شهوات فوقوعه في الخطأ ليس معناه نهاية المطاف وأنه مطرود من رحمة الله وإنما يطرد من رحمة الله إذا استمر على الذنب وأصر على عدم التوبة.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (كل بني آدم خطاء وخير الخطَّائين التوَّابون)]الترمذي[
الله يقبل توبة التائبين
جعل الله باب توبته على عباده مفتوحا في كل الأوقات يدخله من شاء في أي وقت شاء في ليل أو نهار، حتى تطلع الشمس من مغربها وقتها يغلق باب التوبة، ولا يقبل إيمان العبد ولا توبته إذا لم يكن قد آمن أو تاب قبل ذلك.
قال الله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)
وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (إن الله -عز وجل- يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)]مسلم[
فالأصل في المسلم أنه لا ييأس من رحمة الله تعالى مهما عظمت ذنوبه وكثرت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها، فهذه الذنوب صغيرة في جانب عفو الله ومغفرته.
عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (قال الله -تبارك وتعالى-: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)]الترمذي[
قد يذنب العبد ولا يزول عنه وصف التقوى
العبد مأمور بالتقوى في سره وعلانيته، لكن أحيانا يقع الإنسان في التقصير بترك شيء مما أمره الله به، أو فعل شيء مما نهاه الله عنه، لذا أمره الله تعالى بفعل ما يمحو هذه السيئة وهو أن يتبع السيئة بالحسنة.
عن ابن مسعود –رضي الله عنه- أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فأنزل الله -عز وجل-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)، فقال الرجل: يا رسول الله ألي هذا؟ قال: (لجميع أمتي كلهم)]البخاري[
كثرة الاستغفار
وصف الله المتقين بأن من صفاتهم أنهم إذا وقعوا في ذنب يستغفرون الله من هذا الذنب، فلا يصرون على ذنب بل يذكرون الله عقب وقوعهم في الذنب.
قال الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يحكي عن ربه -عز وجل- قال: (أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب،
ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك)]مسلم[
فمهما تكرر الذنب منك فلا تيأس من رحمة الله، فأحدث لكل ذنب توبة، فما دمت تذنب ثم تتوب فإن الله يغفر لك، فالمقصود من قول الله للعبد: (اعمل ما شئت فقد غفرت لك) إظهار لطف الله بعبده ورحمته به، وليس المراد الحث على المعصية.
قال القرطبي: فائدة هذا الحديث أن العود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه؛ لأنه أضاف إلى ملابسة الذنب نقض التوبة، لكن العود إلى التوبة أحسن من ابتدائها؛ لأنه أضاف إليها ملازمة الطلب من الكريم والإلحاح في سؤاله، والاعتراف بأنه لا غافر للذنب سواه.
للاطلاع على المزيد: