عفو الله ومغفرته والفارق بينهما
هناك فارق بين عفو الله وغفرته فمن أسماء الله الدالة على مدى رحمته بعباده أنه سمى نفسه العفو والغفور.
العفو والمغفرة
العفو أبلغ من المغفرة؛ لأن العفو هو محو وإزالة للسيئات فلا يجدها العبد في صحيفته يوم القيامة ويثبت الله مكانها حسنات، قال الله تعالى: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)،
لذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اسألوا الله العفو والعافية، فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية)[الترمذي].
وعن أبي ذر –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وآخر أهل النار خروجا منها.
رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه.
فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة، فيقول: رب، قد عملت أشياء لا أراها ها هنا) فلقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضحك حتى بدت نواجذه.[رواه مسلم]
معنى الغفران
أن يستر الله على العبد لكن السيئات ما زالت في صحيفته.
عن صفوان بن محرز المازني قال: بينما أنا أمشي مع ابن عمر -رضي الله عنهما- آخذ بيده، إذ عرض رجل فقال: كيف سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في النجوى؟ فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
(إن الله يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، وأما الكافر والمنافقون، فيقول الأشهاد: (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين)[رواه البخاري].
رحمة الله مائة جزء
مما يدلنا على سعة رحمة الله بعباده أن الرحمة التي خلقها الله لعباده وجعلها في نفوسهم يتراحمون بها ويتراحم بها البهائم إنما هي جزء من مائة جزء وقد احتجز الله عنده منها تسعة وتسعين جزءا ليرحم بهم عباده يوم القيامة.
عن أبي هُرَيْرَة –رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعت رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- يَقُول: (جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا، وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها، خشية أن تصيبه)[البخاري]
أوجب الله على نفسه الرحمة
من تمام رحمة الله بعباده أنه ألزم نفسه برحمة عباده المستحقين لها فقال الله تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ).
وعن أبي ذر –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روى عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال:
(يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم،
يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني،
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا،
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)[رواه مسلم]