وضع الله لعباده الأحكام، وحد لهم الحدود حتى لا يجور أحد على أحد ولا يظلم أحد أحدا، وكان من بين هذه الأحكام حكم الربا الذي سنتعرض لتعريفه ودليله وأقسامه وعلته وصوره.
تعريف الربا
معنى لفظة الربا في لغة العرب: مطلق الزيادة.
وأما تعريف الربا شرعا فهو الزيادة في أحد الجنسين المتماثلين المتبادلين من غير عوض.
قال أبو بكر الزبيدي الحنفي في تعريف الربا شرعا: “عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ بِصِفَةٍ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ زِيَادَةٌ أَوْ لَا، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً رِبًا وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ. [الجوهرة النيرة على مختصر القدوري].
وقال ابن عبد البر المالكي في تعريف الربا شرعا: “هو أن يأخذ صاحب الدين لتأخير دينه بعد حلوله عوضًا عينًا أو عرضًا” [الكافي في فقه أهل المدينة المالكي]
وعرف ابن الرفعة الشافعي الربا بقوله: الزيادة في الذهب، والفضة، وسائر المطعومات. [كفاية النبيه في شرح التنبيه]
وورد في الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة في تعريف الربا شرعا: “زيادة أحد البدلين المتجانسين من غير أن يقابل هذه الزيادة عوض”.
الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع
ما أعلن الله الحرب على عاص إلا على آكل الربا، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)
وقد حرم الله الربا في كل الشرائع السابقة فقال الله تعالى في ذم اليهود: (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ).
وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
وهنا بين الله تعالى ما كان يفعله أهل الجاهلية فقد كان الرجل يقرض الرجل إلى مدة معينة دون زيادة فإذا جاء الوقت ولم يستطع الرجل سداد ما عليه طلب من صاحب المال أن يزيده في الوقت مقابل أن يزيده في المال، فيستغرق بالقليل من المال مال الفقير كله.
وأما قول الله تعالى: (أضعافا مضاعفة) ليس لتقييد النهي عن الربا إذا كان كثيرا؛ لأن الله ذكر في موضع آخر النهي عن أخذ القليل من الربا، فقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) والمعنى تخلصوا مما لكم من الربا وهو المال الزائد على رأس المال قليلا كان أو كثيرا.
وبين لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الربا من كبائر الذنوب ومن الموبقات التي تهلك صاحبها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ)[البخاري]
أقسام الربا
أقسام الربا: ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 – ربا الفضل: هو بيع ربوى بمثله مع زيادة في أحد المثلين.
2 – ربا النسيئة: هو بيع الجنس الواحد ببعضه، أو بجنس آخر مع زيادة في الكيل أو الوزن في نظير تأخير القبض.
3 – ربا القرض: وهو أن يقرضه شيئًا مما يصح قرضه، ويشترط عليه منفعة مقابل القرض كسكنى داره أو ركوب دابته.[صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة]
الأصناف التي يكون فيها الربا
عن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ، أَوِ ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى)[مسلم]
فلا يجوز بيع شيء من هذه الأجناس بجنسه مع تفاضل وإنما من أعطى شيئا من هذه الأجناس يأخذه بنفس قيمته دون زيادة، لكن إذا اختلفت الأجناس يجوز التفاضل والزيادة
لقول رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَالفِضَّةَ بِالفِضَّةِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالفِضَّةِ، وَالفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْتُمْ)[البخاري]
وكذلك لا يجوز بيع شيء مما يطعمه الإنسان بجنسه مع زيادة، فعن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ بِلاَلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مِنْ أَيْنَ هَذَا؟)، قَالَ بِلاَلٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ ذَلِكَ: (أَوَّهْ أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا، لاَ تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِهِ)[البخاري]
علة تحريم الربا في هذه الأصناف
حرم الله الربا في تبادل الذهب والفضة بجنسهما مع الزيادة لعلة الثمنية؛ لأنهما من الأثمان أي أن الأشياء تقوم بهما فلابد وأن تكون قيمتهما ثابتة لا تتغير فحينما يعطي المرابي درهما ويأخذه بدرهمين تكون قيمة الدرهم في هذه الحالة أصبحت بدرهمين فتختلف قيم الأشياء التي تقوم بهما.
ويقابل الذهب والفضة في تقويم الأشياء النقود فقد ذهب عامة أهل العلم إلى أن تحريم الربا لا يقتصر على الأجناس الستة بل يتعدى إلى ما في معناها، فإذا كان هناك ما يستخدم لتقويم الأشياء كالنقود مثلا تشترك مع الذهب والفضة في علة تحريم الربا، وذكر هذه الأجناس الستة في الحديث دون غيرها ليفيد أن عامة معاملات الناس تتعلق بهذه الأشياء.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: عِلَّةُ الرِّبَا فِي النُّقُودِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَقِيل: غَلَبَةُ الثَّمَنِيَّةِ، وَقِيل: مُطْلَقُ الثَّمَنِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ عِلَّةُ الرِّبَا فِي النُّقُودِ مَا ذُكِرَ؛ لأِنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْنَعِ الرِّبَا فِيهَا لأَدَّى ذَلِكَ إِلَى قِلَّتِهَا فَيَتَضَرَّرُ النَّاسُ.
وأما علة التحريم في بقية الأصناف؛ لأنها مطعوم الإنسان ولأن حاجة الناس إليها أعظم من حاجتهم إلى غيرها، فلو جاز بيع بعضها ببعض من جنسها متفاضلا لما أعطاها أحد إلا ربا؛ لأنه رابح لا محالة فيقل الطعام ويزداد الضرر على الناس، فكان من رحمة الله أن منعهم من ربا النَّساء في المطعومات كما منعهم من ربا النَّساء في الأثمان.
قول ابن القيم في ربا النسيئة
قَال ابْنُ الْقَيِّمِ عن ربا النساء: فَرِبَا النَّسِيئَةِ، وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مِثْل أَنْ يُؤَخِّرَ دَيْنَهُ وَيَزِيدَهُ فِي الْمَال، وَكُلَّمَا أَخَّرَهُ زَادَ فِي الْمَال، حَتَّى تَصِيرَ الْمِائَةُ عِنْدَهُ آلاَفًا مُؤَلَّفَةً،
وَفِي الْغَالِبِ لاَ يَفْعَل ذَلِكَ إِلاَّ مُعْدِمٌ مُحْتَاجٌ، فَإِذَا رَأَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يُؤَخِّرُ مُطَالَبَتَهُ وَيَصْبِرُ عَلَيْهِ بِزِيَادَةٍ يَبْذُلُهَا لَهُ تَكَلَّفَ بَذْلَهَا لِيَفْتَدِيَ مِنْ أَسْرِ الْمُطَالَبَةِ وَالْحَبْسِ، وَيُدَافِعُ مِنْ وَقْتٍ إِلَى وَقْتٍ، فَيَشْتَدُّ ضَرَرُهُ، وَتَعْظُمُ مُصِيبَتُهُ، وَيَعْلُوهُ الدَّيْنُ حَتَّى يَسْتَغْرِقَ جَمِيعَ مَوْجُودِهِ،
فَيَرْبُو الْمَال عَلَى الْمُحْتَاجِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُل لَهُ، وَيَزِيدُ مَال الْمُرَابِي مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُل مِنْهُ لأِخِيهِ، فَيَأْكُل مَال أَخِيهِ بِالْبَاطِل، وَيَحْصُل أَخُوهُ عَلَى غَايَةِ الضَّرَرِ، فَمِنْ رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ وَحِكْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى خَلْقِهِ أَنْ حَرَّمَ الرِّبَا.
من حكم تحريم الربا
الحقيقة أن الربا من المعاملات الظالمة التي لا تراعي إلا مصلحة الأغنياء ولا تراعي مصلحة الفقراء، فالمقترض ليس دائما يأخذ المال ليربح به، فقد يأخذه لينفقه على ولد له مريض فيكون مطالبا برد المال والزيادة عليه،
وقد يأخذه ليتجر فيه فيعمل عاما كاملا فلا يربح إلا ما يساوي الزيادة التي طلبها المرابي، فيضيع عليه عمل عام كامل ويأخذ المرابي المال والزيادة عليه، وقد يربح المقترض أكثر ولكنها ليست الحالة الدائمة المستمرة.
الربا يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب فصاحب الربا تمكن بعقد الربا من تحصيل درهم زائد دون أن يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعة وذلك يؤدي إلى انقطاع منافع الخلق التي لا تنتظم إلا بتلك الحرف والصناعات.
الربا من الأبواب التي تؤدي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض، لأن الربا إذا حرم طابت النفوس بإعطاء القرض واسترجاعه بمثله انتظارا للأجر والثواب من الله، ولو كان الربا حلالا لقام الناس جميعا بالامتناع عن الإقراض وتعاملوا بالربا طلبا للزيادة في المال.
من صور الربا
الْمُحَاقَلَةُ: بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ صَافِيَةٍ مِنَ التِّبْنِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ شَرْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ جَهْل التَّسَاوِي بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ.
الْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْل بِتَمْرٍ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ شَرْعًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ.
الْعِينَةُ: “، وَهِيَ حَرَامٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لأِنَّهُ مِنَ الرِّبَا أَوْ ذَرِيعَةٌ إِلَى الرِّبَا.
للاطلاع على المزيد: