أكد الله تعالى أنه سيجازي الصابرين بأحسن أعمالهم، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة لا يعلمها إلا الله، قال الله: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).
الصبر يرفع الدرجات
جعل الله العمل الصالح سببا للوصول إلى الدرجات العلى في الجنة، لكن قد يعجز الإنسان عن بلوغ تلك الدرجات بالعمل فيبتليه الله لينال الثواب على صبره على هذا البلاء.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه– أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلِّغه إياها)[أبو يعلى]
لقد حثنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على الصبر على البلاء إذا وقع بنا؛ لأن هذا الصبر يرفع درجات العبد، وليس هذا معناه أن يتمنى الإنسان نزول البلاء به.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)[الترمذي]
ما يقال عند الابتلاء بمصيبة
علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف نستقبل البلاء وذلك فيما روته أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما من عبدٍ تُصيبه مصيبةٌ فيقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم أْجُرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها)
قالت أم سلمة، فلما توفي أبو سلمة -رضي الله عنه- قلت كما أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخلف الله لي خيرًا منه رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-.[مسلم]
جزاء من صبر على فقد البصر
إذا فقد العبد نور عينيه فصبر على هذا البلاء عوضه الله عنهما الجنة.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: يقول الله -عز وجل-: (من أذهبت حبيبتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثوابا دون الجنة)[الترمذي]
ما يقال عند فقد الولد
علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا مات ولد العبد أن يستقبل هذا البلاء بالرضا والتسليم بأن يحمد الله ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فإنه إن فعل ذلك بنى الله له بيتا في الجنة.
عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسمّوه بيت الحمد)[الترمذي].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يقول الله تعالى: (ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)[البخاري].
والصفي هو الحبيب المصافي: كالولد، والأخ، وكل ما يحبه الإنسان، والمراد بالقبض قبض روحه وهو الموت.
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم)[البخاري]
قال الإمام النووي في شرح مسلم: “أجمع من يُعْتَدُّ به مِن علماء المسلمين على أن مَنْ مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة، لأنه ليس مكلفًا، وتوقف فيه بعضُ من لا يُعتد به”.
جزاء أطفال المشركين
وأما أطفال المشركين فقد ورد فيهم أقوال، منها وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون أنَهم من أهلِ الجنة، ودليلهم على ذلك: حديثُ إبراهيم الخليل -عليه السلامُ- حين رآه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الجنة وحولَه أولاد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
(وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة) فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وأولاد المشركين)[البخاري].
ومما استدلوا به أيضا على أن أولاد المشركين الذين ماتوا صغارا قول الله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا). والمولود ليس عليه تكليف.