حديث نبوي

دفع التعارض بين أحاديث الأحكام التي وردت في الوضوء للصلاة

ورد عدد من أحاديث الأحكام المتعلقة بالوضوء للصلاة منها حديث الوضوء مما مسته النار والوضوء من مس الذكر، وانتقاض الوضوء بسبب النوم.

الوضوء مما مست النار

ورد فيما مسته النار أحاديث ظاهرها التعارض فمن هذه الأحاديث ما يبين أنه لا يجب الوضوء، ومنها ما يبين أنه يجب الوضوء مما مسته النار.

فأما الحديث الذي يوجب الوضوء مما مسته النار قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الوضوء ‌مما ‌مست ‌النار)[مسلم]

وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: (توضؤوا ‌مما ‌مست ‌النار)مسلم

وهذا الحديث يبين وجوب الوضوء مما مست النار، لكن هناك حديث آخر عن ابن عباس يبين أنه لا يجب الوضوء مما مست النار.

فعن عبد الله بن عباس: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكل كتف شاة، ثم صلى فلم يتوضأ)[البخاري]

ويعضد هذا الحديث حديث آخر، عن سعيد بن الحارث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: أنه سأله عن الوضوء ‌مما ‌مست ‌النار؟ فقال: لا،

قد كنا زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نجد مثل ذلك من الطعام إلا قليلا، فإذا نحن وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا، ثم نصلي ولا نتوضأ)[البخاري]

وعلى أساس اختلاف الآثار الواردة في ذلك اختلف العلماء فمنهم من أخذ بأحاديث الوضوء مما مسته النار كابن عمر وعائشة وغيرهم.

وأكثر فقهاء الأمصار على ترك الوضوء مما مسته النار، وقالوا لأن هذا كان آخر الأمرين من النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا مذهب الخلفاء الأربعة وغيرهم.

ومن العلماء من ذهب إلى أن المقصود بالوضوء ليس هو وضوء الصلاة المعروف وإنما هو غسل اليد والفم حتى لا يكون هناك أثر لرائحة الطعام حتى لا يؤذي من يصلي بجواره.

الوضوء من مس الذكر

اختلف الفقهاء في مسألة مس الذكر هل ينقض الوضوء أم لا، فمنهم من رأى أنه ينقض الوضوء.

ومنهم من قال بأنه لا ينقض، وسبب اختلافهم في ذلك اختلاف الآثار الواردة في هذا الأمر.

فالحديث الذي يدل على انتقاض الوضوء لمن مس ذكره ما ورد عن عروة، يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: ومن مس الذكر؟

فقال عروة: ما علمت ذلك، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان، أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من ‌مس ‌ذكره ‌فليتوضأ)[أبو داود]

واما الحديث الذي يدل على عدم وجوب الوضوء على من مس ذكره، عن قيس بن طلق، قال: حدثني أبي:

أن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا نبي الله، أيتوضأ أحدنا إذا مس ذكره؟ قال: ” هل هو ‌إلا ‌بضعة ‌منك -أو من جسدك-؟)[أحمد]

ولدفع التعارض بين حديث بسرة الذي يوجب الوضوء، وحديث طلق الذي لا يوجب ذلك لابد من الوقوف على أقوال العلماء في ذلك.

فمنهم من قال بأن الحديث الذي لا يوجب الوضوء منسوخ؛ لأنه قدم على النبي في أول الهجرة وهم يبنون المسجد.

وأما أبو هريرة فقد روى إيجاب الوضوء وقد قدم أبو هريرة مهاجرا في العام السابع من الهجرة.

ومن العلماء من رجح حديث بسرة الذي يوجب الوضوء لكثرة رواته، ومنهم من ذهب إلى تضعيف الأحاديث التي توجب الوضوء.

وجمع الإمام ابن تيمية بين الأحاديث بحمل الحديث الذي يقول بالوضوء على الاستحباب، فقال:

“والأظهر أن الوضوء من مس الذكر مستحب لا واجب. وهكذا صرح به الإمام أحمد في أحدى الروايتين عنه،

وبهذا تجمع الأحاديث والآثار بحمل الأمر على الاستحباب، ليس فيه نسخ قوله (وهل هو إلا بضعة منك) وحمل الأمر على الاستحباب أولى من النسخ”.

وقال حامد الفقي: “والذي تطمئن إليه نفس الفقيه: أنه لا تعارض بين حديث بسرة وحديث طلق، وذلك:

أن للفرج من الرجل والمرأة إحساساً غير إحساس بقية الأعضاء، فمن مسه يقصد إيقاظ هذا الإحساس الخاص وجب عليه الوضوء، ومن مسه كما يمس أي عضو آخر فلا وضوء عليه، وهذا أوضح من تعليل الرسول –صلى الله عليه وسلم- في حديث طلق: هل هو إلا مضغة منه أو بضعة منه؟”

هل النوم ينقض الوضوء؟

اختلف الفقهاء في حكم النوم هل ينقض الوضوء أم لا، وسبب اختلافهم هو اختلاف الآثار الواردة في ذلك.

فالحديث الذي يدل على انتقاض الوضوء بالنوم عن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي، فسألته عن المسح على الخفين، فقال:

(كنا نكون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيأمرنا أن لا ننزع خفافنا، ثلاثة أيام، إلا من جنابة، ولكن من غائط، ‌وبول، ‌ونوم)[أحمد]

وهذا الحديث يدل على أن النوم ينقض الوضوء لأن رسول الله قرن النوم بالغائط والبول وهذه من نواقض الوضوء فبين أنه إذا حدث شيء من هذه الثلاثة يكفيه أن يمسح على خفيه ولا ينزعهما إلا إذا أصابته جنابة فينزع خفه.

وأما الحديث الذي يدل على أن النوم لا ينقض الوضوء عن أنس قال: (كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينتظرون العشاء الآخرة حتى ‌تخفق ‌رءوسهم، ثم يصلون ولا يتوضئون)[أبو داود]

وعن ابن عباس: قال: بت عند خالتي ميمونة ليلة، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- من الليل، فلما كان في بعض الليل، قام النبي -صلى الله عليه وسلم- فتوضأ من شن معلق وضوءا خفيفا، يخففه عمرو ويقلله، وقام يصلي،

فتوضأت نحوا مما توضأ، ثم جئت فقمت عن يساره، وربما قال سفيان: عن شماله، فحولني فجعلني عن يمينه، ثم صلى ما شاء الله، ثم اضطجع ‌فنام ‌حتى ‌نفخ،

ثم أتاه المنادي فآذنه بالصلاة، فقام معه إلى الصلاة، فصلى ولم يتوضأ. قلنا لعمرو: إن ناسا يقولون: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تنام عينه ولا ينام قلبه؟

قال عمرو: سمعت عبيد بن عمير يقول: رؤيا الأنبياء وحي. ثم قرأ: (إني أرى في المنام أني أذبحك)[البخاري]

وهذا الحديثان يدلان على عدم وجوب الوضوء من النوم، لكن هنا فصل الإمام الشافعي الأمر فبين أن الصحابة كانوا ينامون وهم قعود فيمكنون مقعدتهم من الأرض وهنا يؤمن ألا يخرج شيء منها ينقض الوضوء، ولأنهم في اللغة يطلقون لفظ النائم على من نام مضطجعا.

مواضيع ذات صلة