ما حكم الإسلام في نقل الأعضاء وزراعتها وتجارة الأعضاء
لقد تطور علم الطب حتى تمكن من نقل الأعضاء من بعض المرضى للآخرين، وقد تطورت عملية زراعة الأعضاء في النصف الثاني من القرن العشرين تطورا هائلا.
مسألة نقل الأعضاء من المسائل المستحدثة
الكلام عن مسألة نقل الأعضاء وزراعتها من المسائل المستحدثة التي لا يسعفنا فيها ما ورد إلينا عن الفقهاء القدامى.
لذلك فهي تحتاج لتضافر الجهود من المجامع الفقهية والهيئات العلمية للوقوف على حقيقة هذا الأمر وإعطاء الحكم الذي يتوافق مع القواعد والضوابط الفقهية.
نقل الأعضاء من المسائل الخلافية
اختلف الفقهاء في مسألة نقل الأعضاء وزراعتها على فريقين:
حرمة نقل الأعضاء
الفريق الأول: يرى أنه لا يجوز نقل الأعضاء وزراعتها من باب تغليب حرمة جسد الإنسان وأنه ليس ملكا للإنسان وإنما هو ملك لخالقه
والإنسان مؤتمن على هذا الجسد فلا يجوز أن يفعل به ما يجلب له الضرر إن كان حيا ولا يجوز نقل شيء منه بعد موته لحرمة هذا الجسد، فالإنسان محترم الجسد حيا وميتا، قال الله: (وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ).
وقالوا: إن الشريعة الإسلامية جعلت من الضروريات التي جاء الإسلام من أجل حفظها حفظ النفس من الهلاك.
فمنذ بداية التكوين للجنين في بطن أمه حرم الإسلام إجهاضه إلى أن يموت، فأوجبت على الأحياء أن يكرموه ميتا كما كان مكرما حيا.
ولأن المنقول منه يلحقه الضرر في العاجل أو الآجل، واعتمدوا في التحريم على قاعدة سد الذرائع؛
لأن هذا يفتح بابا كبيرا من أبواب الفساد من المتاجرة بالأعضاء البشرية واستغلال الناس فربما يلجأ الناس لبيع أعضائهم من أجل تحصيل المال وقد وقع هذا بالفعل في أيامنا.
أبرز من قال بتحريم نقل الأعضاء
من العلماء البارزين الذين قالوا بحرمة نقل الأعضاء الشيخ الشعراوي لأنه يرى أن الجسد ملك لله.
والدكتور عبد الفتاح إدريس الذي يرى حرمة التبرع بالأعضاء، والشيخ عبد الله بن الصديق الغماري حيث ألف كتابا سماه: “تعريف أهل الإسلام بأن نقل العضو حرام”.
جواز نقل الأعضاء
الفريق الثاني: يرى أنه لا مانع من نقل الأعضاء وزراعتها مستندا في ذلك على مسألة ارتكاب أخف الضررين.
ويرون كما يرى الفريق الأول حرمة الجسد الإنساني لكنهم يرون أن الضرورة والحاجة قد توجد نوعا من الاستثناء من أجل المصلحة الراجحة.
وبناء على هذا الرأي فإنهم يقولون: إذا كان من يعطي عضوا من أعضائه لمريض أشرف على الهلاك، وهذا التبرع سينقذه من الهلاك دون أن يؤدي ذلك لوقوع أذى بالمعطي فإن هذا يعتبر من أسمى القيم الإنسانية في التضامن، ومن أسمى صور التعبير عن الرحمة والمودة.
وهذا الفريق يعتمد على مبدأ إنقاذ النفوس من الهلاك وهو نوع من أنواع التداوي وإحياء للنفس وقد قال الله: (وَمَنۡ أَحۡيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحۡيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۚ)، فمن المبادئ التي اعتمد عليها الفريق الذي يرى حل نقل الأعضاء أمور منها:
التراحم والتضامن
يرى الفريق الذي يجوز نقل الأعضاء أن هذا المبدأ مبني على الإيثار والتضامن الذي حثنا الشرع عليه.
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته،
ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة)[البخاري]
وعن جابر بن عبد الله قال: أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في رقية الحية لبني عمرو، قال أبو الزبير:
وسمعت جابر بن عبد الله يقول: لدغت رجلا منا عقرب ونحن جلوس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فقال رجل: يا رسول الله، أرقي؟ قال: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل)[مسلم]
التبرع مبني على الإيثار
التبرع بالأعضاء مبني على الإيثار وهو مبدأ إسلامي أصيل فمن فعل ذلك لا يبتغي إلا وجه الله كان داخلا في قول الله:
(وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ).
ارتكاب أخف الضررين
قالوا بأن الإنسان إذا كان يتبرع بأعضائه في حال حياته فإنه يحتمل أن يلحقه الضرر فيقدر هذا الضرر بقدر الأمر
فإذا كان الضرر كبير لا يجوز له التبرع بشيء من أعضائه، وإذا كان سيتبرع به بعد موته فإن الضرر في هذه الحالة يكون معدوما، بجوار ما سيحققه للحي من رفع جزء كبير من المعاناة عنه.
أقسام الحقوق
للحقوق أقسام ذكرها الفقهاء وهي حق الله وحق العبد وحق مشترك بين الله والعبد.
حق الله
هو ما تعلق به النفع العام ويتجسد في العبادات والحدود.
حق العبد
وهو ما يتعلق به مصلحة خاصة كحرمة مال الغير.
الحق المشترك بين الله والعبد
هناك حق مشترك بين الله والعبد لكن حق العبد فيه هو الغالب، كحق القصاص.
وحق الغالب فيه حق الله، كالحق في الحياة وفي سلامة الجسد.
وهنا من يرى أن سلامة أعضاء المجتمع حق لله يقول بحرمة التبرع بالأعضاء؛ لأنه مصلحة يحرص عليها الشرع لسلامة حق المجتمع.
المسائل القديمة المماثلة لنقل الأعضاء
من المسائل القديمة التي تكلم عنها الفقهاء في كتبهم وهي مماثلة لمسألة نقل الأعضاء وزراعتها مسألة بيع لبن الآدمية، وأكل المضطر من بدن حي مستحق للقتل، أو من بدن ميت، أو أكل المضطر من بدن نفسه، وكشق بطن الميت لاستخراج المال منه.
حكم بيع وشراء الأعضاء
من الأمور التي اشترطها الفقهاء لصحة البيع أن يكون الإنسان متملكا للشيء الذي يقوم ببيعه؛
لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تبع ما ليس عندك)[أبو داود]
فمن باع ما لا يملكه لا يصح بيعه، ومعلوم أن الإنسان لا يملك أعضاء نفسه وإنما هي ملك لله فلا يجوز له بيعها ولا التصرف فيها، وهذا على رأي من حرم نقل الأعضاء وزراعتها.
يمكنك التعرف على المزيد: