من الأخلاق التي أمر الله بها عباده المؤمنين خُلُق الأمانة، ومعناها أن يستشعر المرء مسئوليته تجاه كل أمر يوكل إليه، فيكون أمينا على الأموال والأعمال والأعراض.
أمانة نبي الله موسى
من مواقف حفظ الأمانات ما فعله نبي الله موسى -عليه السلام- حينما سقى لابنتي الرجل الصالح فكان أمينا عفيفا شريفا معهما
قال الله -تعالى-: (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا
فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).
الأمانة العلمية
إن كفاءة الإنسان العلمية والعملية ليست كافية للقيام بأي عمل، بل لابد وأن يضاف إلى ذلك أن يكون أمينا وهو يؤدي هذا العمل، لذا فإن نبي الله يوسف -عليه السلام- لما رشح نفسه لإدارة شئون المال في مصر لم يذكر للَملِك نبوته وتقواه، وإنما ذكر علمه بأمور هذه المهمة، وأمانته
فقال تعالى: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ).
حفظ الجوارح
من معاني الأمانة أن يحفظ الإنسان جوارحه فلا يرتكب بها الحرام، وأن يحفظ حق الله فيما حباه الله به من الأموال والأولاد فلا تكون أمواله وأولاده سببا في تفريطه في طاعة ربه، ولا يستقوي بها على معصية الله،
قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
فضل أداء الأمانة
وأمر الله المؤمنين بأداء الأمانات في جميع الأحوال، فهي من أفضل الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد إلى الله، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالرغم من إيذاء المشركين له وتآمرهم عليه ومحاولتهم قتله حتى اضطر للهجرة والخروج من مكة أمر علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- أن يبقى بمكة بعده ليرد الأمانات لأصحابها،
قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا).
أداء التكاليف من حفظ الأمانات
كذلك الأمانات تطلق على التكاليف التي أمرنا الله بالقيام بها، فالمرء قد يفقد إيمانه إذا لم يقم بتلك التكاليف التي فرضها الله عليه، بفقدها.
قال الله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).
أمانة الرسل
وخُلُق الأمانة من الأخلاق التي تجعل المرء أهلا لثقة الناس فيه؛ لذا كان كل نبي يأتي قومه يذكرهم بأمانته وأنه لا يخونهم، وهم لم ينكروا عليه ذلك فهم يشهدون له بالأمانة قبل أن يبلغهم رسالة ربه، قال نبي الله نوح –عليه السلام- لقومه: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ)، وقال نبي الله هود –عليه السلام- لقومه: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ).
الوفاء بالعهود
لذلك أوصى الله عباده بالوفاء بالعهود فقال: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، وهذا الوفاء هو الذي تتفاضل بسببه أقدار الرجال،
فليس كل الناس يقدر عليه، فمن أجل الوفاء قد يفقد الإنسان ماله، أو نفسه، لكنه لا يسمح لنفسه أن يفقد شرف أن يكون أمينا
وصدق القائل: لولا المشقة لساد الناس كلهم*الجود يفقر والإقدام قتال.
الوفاء بالعهد مع الله ورسوله
وإن أعظم ما يجب على الإنسان الوفاء به من العهود هو العهد الذي بين العبد وربه، قال الله -تعالى-: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ).
إن وفاء الإنسان بعهده أساس كرامة الإنسان في الدنيا وسعادته في الآخرة، وهذا مما أمر الله به أيضا بني إسرائيل، قال الله -تعالى-: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ).
وأمر الله بالوفاء بالعهد مع الله ومن ذلك الوفاء بالالتزام بالإسلام، والنصرة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا تنقضوا العهد ولا الأيمان، قال الله: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ).
إن الله يحب من عباده الأوفياء، فإن مما يستوجب نزول الهلاك بالناس هو نقضهم لعهودهم مع الله، قال الله تعالى: (وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ).