فضيلة الصدق ومصاحبة الصادقين وسوء عاقبة الكذب
مما يدلنا على فضيلة الصدق أن الله أمرنا به وأمرنا بمصاحبة الصادقين، ونهانا الله عن الكذب وحذرنا من سوء عاقبته وسوء عاقبة مصاحبة الكاذبين.
الأمر بمصاحبة الصادقين
من فضائل الصدق أن الله أمر عباده المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين من عباده فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
فلعل الإنسان ببركة مصاحبته للصادقين في الدنيا أن ينال شرف صحبتهم في الآخرة، فإنه إذا استحكمت المرافقة تعذرت المفارقة.
ألا ترى أن أبا بكر الصديق –رضي الله عنه-، اختار صحبة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- فلزمه في الدنيا وفي القبر وفي الجنة.
لزوم الصدق في كل الأحوال
أوجب الله على عباده المؤمنين ألا يقولوا إلا صدقا، ولا ينطقوا إلا حقا، حتى ولو كان هذا الحق ضد آبائهم، فالله أولى أن يتقدم أمره على غيره فقال:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).
الصدق في القول والعمل
والصدق في الأقوال يرتقي بالعبد لأن يكون صادقا في أعماله، والصدق في العمل دليل وبرهان على شدة الإخلاص، وإذا أخلص العبد في أعماله كانت صالحة مقبولة عند الله،
قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
البر على رأس الفضائل
إن التزام الصدق في كل الأحوال يوصل الإنسان لمرحلة البر الذي هو قمة الخير الذي لا يصل إليه إلا الصالحون من عباد الله، قال الله تعالى:
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
الصدق في الإيمان
إن الله لا يقبل من عباده إلا الإيمان الصادق، لذا كان من سنة الله في العباد أن يبتليهم ليختبر إيمانهم، وليظهر معدن الإيمان على حقيقته، فإما أن يكون العبد صادقا في إيمانه أو كاذبا،
قال الله: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).
جزاء المؤمنين الصادقين
أثنى الله على المؤمنين الصادقين في عهودهم مع الله، أولئك الذين باعوا أنفسهم لله فأدركهم أجلهم دون أن يغيروا أو يبدلوا، فوعدهم الله بالجزاء الحسن في الآخرة،
قال الله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا).
إن الصدق في الكلام، والصدق في العمل، والصدق مع النفس ومع الله من الصفات التي تستوجب الثناء على الإنسان وترفع درجته عند ربه.
لقد مدح الله نبيه إبراهيم فقال: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا)، وقال عن إدريس: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا).
فالصدق في الإيمان بالله ينفع المرء يوم القيامة، ذلك اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، قال الله -تعالى-: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
الكذب رذيلة نهى الإسلام عنها
إذا كان الله قد مدح الصدق وأهله فقد ذم الكذب والكاذبين، وبين الله أن الذين يحلفون بالأيمان الكاذبة من أجل أن يربحوا عرضًا يسيرا من الدنيا هؤلاء لا يكونون أهلا لرحمة الله يوم القيامة،
قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
وذكر عبد الله بن أبي أوفى في سبب نزول هذه الآية: أن رجلا أقام سلعة وهو في السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعط ليوقع فيها رجلا من المسلمين.[البخاري].
الوعود الكاذبة
إن الوعود الكاذبة من الأمور التي يبغضها الله ويبغض صاحبها، لكن الصدق في العهود من الخصال الفاضلة التي يحبها الله في عبده، من أجل ذلك مدح الله -تعالى- نبيه إسماعيل بذلك فقال: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا).
الكذب من صفات المكذبين بآيات الله
ذكر القرآن الكريم أن الكذب من الصفات الملازمة للمكذبين بآيات الله، فهو صفة راسخة دائمة فيهم، والكذب علامة على تغلل الفساد في نفس العبد، فمهما ظهر لهم من الآيات والعلامات يصرون على الكذب.
قال الله: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ).
الكذب من أجل إضحاك الناس
الكذب رأس كل مذموم، وجماع كل شر؛ لذلك نفر الإسلام منه، وبين عاقبة هؤلاء الذين يكذبون في حديثهم مع الناس من أجل أن يضحكوهم فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له)[أخرجه أبو داود في سننه].
حرمة الكذب
الكذب حرام وإضحاك الناس به يزيده حرمة، فقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يمزح ولكن لا يقول إلا حقا ولا يؤذي قلبا.
لذا ينبغي على المسلم ألا يبادر إلى نقل الكلام قبل أن يتحقق من صدقه حتى لا يكون أحد الكاذبين، فليس كل كلام يسمعه المرء يكون صدقا فالكلام فيه الصدق وفيه الكذب.
قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:(كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع)[أخرجه أبو داود].
الحالات التي يباح فيها الكذب
الكذب مذموم في كل الأحوال إلا في حالات ثلاث ذكرها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال:
(لا يحل الكذب إلا في ثلاث: يحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس)[أخرجه الترمذي].
فمدح الرجل لزوجته بما ليس فيها من أجل أن يرضيها مما أباحه الشرع.
والأسير الذي وقع في يد الأعداء إذا كذب عليهم ولم يخبرهم عن حقيقة جيش المسلمين فهذا ليس من الكذب الذي يعاقب المرء عليه.
والكذب من أجل الصلح بين الناس وإخماد نار الفتنة بينهم ليس من الكذب الذي حرمه الله تعالى.