صور من المسارعة في الاستجابة لأمر الله ورسوله
عندما نقلب في صفحات الصحابة الذين عاصروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نجد أنهم كانوا أسرع الناس استجابة لأوامر الله ورسوله.
الانفاق في سبيل الله
قال الله: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
عبر القرآن هنا بأسلوب الاستفهام من أجل أن يدفع العباد للانفاق في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا.
وقد صور الله المنفق ماله في سبيل الله بصورة المقرض الذي يعطي لمقترض، والقرض مع الناس يرد بمثله لكنه مع الله يرده الله لصاحبه أضعافا مضاعفة.
عن أنس قال: لما نزلت هذه الآية (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) أو (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا)
قال أبو طلحة: وكان له حائط فقال: يا رسول الله حائطي لله، ولو استطعت أن أسره لم أعلنه فقال: (اجعله في قرابتك أو أقربيك)[الترمذي]
تحريم الخمر
من صور المسارعة لتنفيذ حكم الله ما كان من الصحابة -رضوان الله عليهم- وقد كانت الخمور من المشروبات التي لا تخلوا منها موائد العرب كالماء.
فلما نزل تحريم الخمر كان جماعة من الصحابة في بيت أبي طلحة يشربون الخمر وكانت الكؤوس ممتلئة وقد أمسكوها بأيديهم، فلما سمعوا منادي رسول الله ينادي بتحريم الخمر ألقوا الكؤوس من أيديهم وامتثلوا لأمر التحريم.
عن أنس -رضي الله عنه- قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، فنزل تحريم الخمر، فأمر مناديا فنادى.
فقال أبو طلحة: اخرج فانظر ما هذا الصوت؟ قال: فخرجت فقلت: هذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، فقال لي: اذهب فأهرقها.
قال: فجرت في سكك المدينة. قال: وكانت خمرهم يومئذ الفضيخ، فقال بعض القوم: قتل قوم وهي في بطونهم، قال: فأنزل الله: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا)[البخاري]
ستر المرأة لزينتها
لم يكن الرجال وحدهم هم الذين كانوا يسارعون لتنفيذ حكم الله ورسوله بل كان النساء لا يقلون عن الرجال في سرعة استجابتهم لأمر الله ورسوله، فالنساء شقائق الرجال.
لما نزل الأمر بالحجاب سارع النساء إلى امتثال الأمر، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) شققن مروطهن فاختمرن بها)[البخاري]
والآية أمر من الله بأن يستر النساء رؤوسهن وأعناقهن وصدورهن، والخمر جمع خمار وهو غطاء الرأس، والجيوب جمع جيب وهو شق الثوب من ناحية الصدر، والمراد ما يظهر منه الصدر.
وعن أم سلمة قالت: (لما نزلت: (يدنين عليهن من جلابيبهن) خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من الأكسية)[أبو داود]
سؤال الناس
عن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسعة، أو ثمانية، أو سبعة، فقال:
ألا تبايعون رسول الله، وكنا حديث عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم، قال: ألا تبايعون رسول الله فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله.
قال: فبسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: (على أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا، (وأسر كلمة خفية)،
ولا تسألوا الناس شيئا فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه)[مسلم]
قال النووي: فيه التمسك بالعموم؛ لأنهم نهوا عن السؤال، فحملوه على عمومه، وفيه الحث على التنزه عن جميع ما يسمى سؤالا وإن كان حقيرًا، والله أعلم
الأكل باليمين
عن عمر بن أبي سلمة قال: (كنت غلاما في حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك. فما زالت تلك طعمتي بعد)[البخاري]
وهناك فارق بين من يمتثل لأمر الله ورسوله ومن يتعلل ويحاول ألا يمتثل لأمر الله، فعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- أن رجلًا أكل عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بشماله فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
(كُلْ بِيَمِينِكَ) فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: (لَا اسْتَطَعْتَ) مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ، قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى.[مسلم]
اعلم أبا مسعود
قال أبو مسعود البدري: كنت أضرب غلاما لي بالسوط، فسمعت صوتا من خلفي: (اعلم أبا مسعود).
فلم أفهم الصوت من الغضب، قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو يقول: (اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود).
قال: فألقيت السوط من يدي، فقال: (اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام). قال: فقلت: لا أضرب مملوكا بعده أبدا)[مسلم]
ابن مسعود يجلس على باب المسجد
عن جابر، قال: لما استوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة قال: (اجلسوا) فسمع ذلك ابن مسعود فجلس على باب المسجد، فرآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (تعال يا عبد الله بن مسعود)[أبو داود]
خلع النعال في الصلاة
عن أبي سعيد الخدري، قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم،
فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاته قال: (ما حملكم على إلقائكم نعالكم)، قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا،
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا، أو قال: أذى،
وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرا، أو أذى فليمسحه وليصل فيهما)[أبو داود]