الاستجابة لله وللرسول من صفات المؤمنين
إن من تعظيم المؤمن لأمر الله أن يستجيب لأوامره، وأن ينتهي عما نهاه عنه، فليس له أن يختار ما شاء ويترك ما شاء.
صفة المؤمنين الطاعة لله وللرسول
قال الله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)
بين الله أن لا يصح ولا يستقيم إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون للمؤمن خيار في أن يفعل أو لا يفعل، إنما المؤمن يمتثل لأمر الله ولا يخرج عن أوامره.
وقد نزلت هذه الآية في زينب بنت جحش وأخيها عبد الله، وهي ابنة عمة النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك لما أراد رسول الله أن يزوج مولاه زيد بن حارثة لها فأبت ذلك لأنها ذات حسب ونسب أما زيد فمولى لرسول الله.
فأنزل الله هذه الآية، فجعلت أمرها بيد النبي -صلى الله عليه وسلم- فزوجها من زيد، وإن كان هذا الزواج لم يدم طويلا وطلقها زيد وتزوجها رسول الله بعد ذلك فقد كانت الحكمة من هذا الأمر أن الله أراد أن يبطل عادة التبني التي كانت منتشرة عند العرب
حيث كان الرجل يتبنى الولد فينزله منزلة ولده في الميراث وفي كل شيء، فأبطل الله ذلك لما أمر نبيه بالزواج من زينب بعد أن طلقها زيد بن حارثة.
تحكيم المؤمنين النبي فيهم
من صفة المؤمنين أنهم إذا اختلفوا أو تنازعوا في شيء يحكمون رسول الله فيهم فيرضون بحكمه سواء كان الحكم لهم أم عليهم.
قال الله: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
وفي هذه الآية أقسم الله بذاته أن هؤلاء الذين يُعرضون عن التحاكم إليك فيما اختلط عليهم لا يدخلون في عداد المؤمنين حتى تتحقق فيهم ثلاث صفات:
- الأولى: أن يهرعوا إليك لتحكم بينهم.
- الثاني: أن ترضى نفوسهم بحكم رسول الله.
- الثالث: أن يسلموا بحكم رسول الله فيهم.
وسبب نزول هذه الآية ما رواه البخاري عن عروة قال: خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شريج من الحرة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك). فقال الأنصاري: يا رسول الله، آن كان ابن عمتك، فتلون وجهه ثم قال:
(اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، ثم أرسل الماء إلى جارك). واستوعى النبي -صلى الله عليه وسلم- حقه في صريح الحكم، حين أحفظه الأنصاري، كان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة.
قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم)
قول المؤمنين سمعنا وأطعنا
صفة المؤمنين أنهم إذا نزل بهم حكم من أحكام الله لا يجادلون ولا يحاولون أن يتنصلوا من تنفيذ حكم الله، ولكن كان القول الذي تنطق به ألسنتهم أن يقولوا: سمعنا وأطعنا.
قال الله: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).
وقال الله: (إنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
فهذه الآية تبين حال المؤمنين الصادقين مع أنفسهم ومع الله أنهم إذا دعوا للتحاكم إلى الله ورسوله قالوا لداعيهم :
سمعنا قولك وأطعنا الله ورسوله، أولئك هم الفائزون برضوان الله، وحالهم هذا يختلف عن حال المنافقين الذين يستجيبون لحكم الله ورسوله إذا كان في صالحهم أما إذا كان غير ذلك رفضوا التحاكم.
قال الله: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
رحمة الله بالمؤمنين
عن أبي هريرة قال: لما نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير)
قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم بركوا على الركب، فقالوا: أي رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا: (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) قالوا: (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)
فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم، فأنزل الله في إثرها: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)
فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى، فأنزل الله -عز وجل-: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)
قال: نعم (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) قال: نعم (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به)
قال: نعم (واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) قال: نعم)[مسلم]