الاستجابة والإجابة بمعنى واحد، فاستجاب بمعنى أطاع إذا دعي لفعل شيء، وأجاب الله دعاء فلان أي قبل دعاءه، والمعنى الخضوع والانقياد لله ولرسوله.
الملائكة أهل الاستجابة
ملائكة الله هم أهل الاستجابة لله فلا يعصون لله أمرا فيما مضى من حالهم ولا فيما يستقبل من الأيام، فهم في طاعة دائمة لله، قال الله: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
الأنبياء أهل الاستجابة
انتقى الله من الخلق أنبياءه ورسله فهم أكرم الناس وأكثرهم لله طاعة، لما أنزل الله عليهم كتبه لم يأمرهم بأن يبلغوا الناس فقط وإنما أوجب الله عليهم أن يعملوا بما أوحاه إليهم أولا فيطبقوا على أنفسهم قبل الخلق.
وتوعدهم الله إن لم يلتزموا بأوامر الله سيكونون من الخاسرين، فقال الله: (وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ).
وما أمر الله به عباده المؤمنين أمر به أنبياءه قبلهم فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال:
(يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم). وقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم).
ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك)[مسلم]
استجابة نبي الله إبراهيم وإسماعيل
لما أمر الله نبيه إبراهيم -عليه السلام- بذبح ولده الذي بلغ معه السعي وكان ذلك برؤيا في المنام لم يتباطأ نبي الله في تنفيذ هذا الأمر في ولده وفلذة كبده،
وإنما استجاب من فوره وأخبر ولده بما أمره به ربه فكان رد الولد عجيبا إذا استجاب هو الآخر لأمر ربه ووافق على أن يضحي بنفسه استجابة لأمر ربه،
فلما استجابا لأمر الله فدى الله إسماعيل بذبح عظيم لأنه لم يكن سفك الدم هو المقصود وإنما المقصود هو ذبح الدنيا من القلب وقد حدث ذلك بإمساك إبراهيم السكين، وتسليم إسماعيل نفسه للذبح فقال الله:
(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ *
فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ * وَنَٰدَيۡنَٰهُ أَن يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ * قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡبَلَٰٓؤُاْ ٱلۡمُبِينُ * وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ)
استجابة نبي الله موسى
لما ذهب نبي الله موسى لمناجاة ربه مع من اختارهم من قومه غلبه الشوق لربه فسبق قومه وخلفهم وراءه، فسأله الله عن سبب عجلته وتركه للسبعين نقيبا خلفه،
فقال موسى إنهم قادمون على إثري سيلحقون بي سريعا، وأسرعت لمناجاتك يا ربي شوقا إليك وتلبية لأمرك.
قال الله: (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)
وهذا تعليم من الله لنبيه موسى أن القائد ينبغي أن يكون خلف قومه ليكون نظره محيطا بهم ومهيمنا عليه.
وهذا لا يحصل عندما يكون أمام القوم، وهذا هو الأدب الذي علمه الله لنبيه لوط -عليه السلام- حيث قال الله له: (واتبع أدبارهم)،
لكن نبي الله موسى غفل عن هذا الأمر مبادرة منه للقاء ربه فليس هناك لقاء أسر للإنسان من مثل هذا اللقاء الذي يجعل الإنسان ربما يذهل عن نفسه.
النبي يستجيب لأمر ربه
من صور الإستجابة لأمر الله ما كان من نبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما أمره الله بأن يبلغ عشيرته فكان يبلغ ذوي قرابته وأصحابه الملاصقين به، كما في قول الله: (وأنذر عشيرتك الأقربين)،
فقام بواجب البلاغ كما أمره ربه، غير مبال بما سيواجهه من أذى المشركين فصدع بالدعوة، قال الله: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)، فاستجاب لأمر ربه ونادى قريشا وبلغهم دعوة ربه.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما نزلت: (وأنذر عشيرتك الأقربين). صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصفا، فجعل ينادي:
يا بني فهر، يا بني عدي، لبطون قريش، حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال:
(أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي). قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا، قال:
(فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد). فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا، فنزلت: {تبت يدا أبي لهب وتب. ما أغنى عنه ماله وما كسب)[البخاري]
قيام النبي بواجب البلاغ
كان هناك الكثير والكثير من الأوامر التي أمر الله بها نبيه -صلى الله عليه وسلم- واستجاب رسول الله لأمر ربه، وكان من بين هذه الأوامر أن أمره ربه بتبليغ الناس جميع ما أنزل إليه من ربه،
وأن يكون هذا البلاغ للناس جميعا عربهم وعجمهم وإنسهم وجنهم، وبين الله لنبيه أنه إن يقم بواجب البلاغ فما قام بأداء الأمانة التي كلفه الله بها، فقال الله:
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)