من صور المنهج القرآني في إيراد الأحكام أنه يدفع الإنسان إلى العمل بها، أو ينهى عن اقترافها إلى جانب مغريات تدفع النفس لفعلها أو يخوف النفس من ارتكابها.
اقتران المنهي عنه بالنار
قال الله: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا
وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).
قرن الله الزواج من المشرك بما ينفر من فعله بأن الذي يرضى بهذا الفعل كأنما يرضى لنفسه أن يقاد إلى نار جهنم، بينما الله يدعوا عباده إلى الجنة بأن يمتثلوا ما أمرهم به.
صور بأن المنهي عنه فيه إيذاء لنا
من صور الأحكام التي أوردها الله في القرآن أنه صور لنا هذا الفعل الذي نهانا عنه بأن فيه إيذاء لنا إن خالفنا أمره وفعلناه.
وبين لنا أننا سنلاقي الله ليسألنا عما نهانا عنه فماذا سنقول له لو فعلنا المنهي عنه ولم نمتثل أمره.
قال الله: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ *
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)
اقتران الأحكام بالعقيدة
من صور إيراد الأحكام أن الله أحيانا يذكّر صاحب الحكم بالله حتى لا يتجرأ على المخالفة فبمقدار إيمانه يكون التزامه.
قال الله: (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
فمن كتم ما في تلك الأرحام كأنما يعاند الله، وتلك مكابرة لا تليق بمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر.
وصية الله في المواريث
لنتامل في آيات المواريث بعد أن بين الله أحكامها وصفها بأنها وصية ومن حق الوصية من الله أن تسمع وتطاع.
فبين جزاء من سمع لوصية الله ونفذها بأن له جنات تجري من تحتها الأنهار، وبين أن من لم يسمع ويطيع تلك الوصية أنه يدخله نارا محرقة.
فتلك حدود حدها الله لعباده والوقوف عندها يجلب لصاحبها الرحمة، والخروج عنها يجلب لصاحبها العقاب في نار جهنم.
قال الله: (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ * تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ).
بيان أن الحكم من أجل الهداية
أحيانا يسوق الله الحكم ويبين للناس أن الغاية منه هداية الناس لأرشد الطرق ولأجل أن ينالوا رحمة الله.
وأن غير هذا الطريق إنما هو طريق الذين يريدون منا أن نكون كمثل الحيوانات ننصاع لشهواتنا.
قال الله بعد أن تحدث عن المحرمات من النساء: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً)
الوعيد الشديد
أحيانا يسوق الله بعض الأحكام بالوعيد الشديد ليكون هناك نوع من الزجر عن فعلها، قال الله:
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً).
شكر النعمة
لما ساق الله أحكام الوضوء والتيمم وهي أحكام كلها منافع للإنسان ففيها نظافته وطهارته فمثل هذه الأحكام ينبغي على المرء أن يؤدي واجب الشكر عليها قال الله:
(ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
تصوير مساويء الأمر المنهي عنه
لما تكلم الله عن الخمر والميسر وغيرهما من المحرمات بين المساويء التي تشتمل عليها تلك الرذائل فهي مفسدة للعلاقات بين الناس، بإيقاع العداوة والبغضاء، وصادة عن ذكر الله وعن الصلاة، ثم ختم الآية بسؤل : فهل أنتم منتهون.
قال الله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *
إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ).
ذكر الانتقام من المخالف
لما نهى الله عن قتل الصيد للمحرم للحج ختم الآية بأن من يعود لتلك المخالفة سينتقم الله منه وهذا التعبير يثير في النفس ما يثيره لينزجر الإنسان عن هذا الفعل فلا يعود إليه مرة أخرى.
قال الله: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً
لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ).