الفقر والغنى من منظور الإسلام
الفقر هو العوز والحاجة والهم، وهذا الفقر ضد الغنى، والفقير والمسكين يشعران بالحاجة والفاقة لكن الفقير أشد حاجة من المسكين.
لماذا الفقير أشد حاجة من المسكين؟
الفقير أكثر احتياجا وأشد حاجة من المسكين لأن الله بدأ به المستحقين للزكاة وهذا معناه أنه يبدأ بالأشد احتياجا، فقال الله:
( إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ).
الاستعاذة من الفقر
لو كان الفقر محبوبا لما علمنا الإسلام أن نستعيذ منه لأن الفقر مذلة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر، والفقر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر)[أبو داود]
وهذا معناه أن المرء بالكفر يفقد أخراه، وبالفقر يفقد دنياه، فاستعاذ رسول الله منهما معا.
الفقر نوع من الابتلاء
من أنواع الابتلاءات التي يبتلي الله بها عباده أن يبتليهم بالفقر، فهو من أقسى الأشياء التي يتعرض لها الإنسان في هذه الدنيا، قال الله:
(ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
حكم طلب الغنى
طلب الغنى مشروع فالله أمرنا في كثير من الآيات بالسعي لطلب الرزق فقال الله: (فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ).
وقال الله على لسان موسى -عليه السلام- وهو يطلب من ربه أن يرزقه الخير: (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)
والسعي لطلب المال من أجل أن ينفق الرجل على أولاده أو والديه أو ينفق على نفسه فيعفها عن الحرام نوع من الجهاد في سبيل الله.
عن كعب بن عُجرة -رضي الله عنه- قال: مرَّ على النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلٌ، فرأى أصحَابُ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ جَلَدِه ونشاطِهِ، فقالوا: يا رسولَ الله! لوْ كانَ هذا في سبيلِ الله؟ فقال رسولُ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(إنْ كانَ خرج يَسْعى على وَلَدِه صغاراً فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرجَ يسْعى على أبوينِ شَيْخَينِ كبيرَينِ فهو في سبيلِ الله،
وإنْ كان خَرج يَسْعى على نفْسِه يَعَفُّها فهو في سبيلِ الله، وإنْ كان خرجَ يَسْعى رياءً ومُفاخَرةً فهو في سبيلِ الشيطانِ)[الطبراني]
متى يحرم طلب الغنى؟
يحرم طلب الغنى إذا كان الطريق الموصل إليه هو فعل الحرام كأكل أموال الناس بالباطل، وأكل الربا والرشوة.
قال الله: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمۡۚ)، فلا تتعاطوا الأسباب المحرمة من أجل جمع المال.
ما هو الغنى المحمود؟
الغنى المحمود هو أن يجمع الإنسان المال من حلال من وجوه الكسب المشروعة، لقول الله: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ).
ويكون هذا الغنى محمود إذا أدى الإنسان شكر النعمة وأدى الحق الذي أوجبه الله عليه في هذا المال، قال الله: (كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ).
أما هؤلاء الذين يكنزون المال ولا يخرجون الحق الذي أوجبه الله عليهم فيه من إخراج الزكاة وغيرها فإنه يعاقب بهذا المال، قال الله:
(وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ * يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ)
أيهما افضل الغنى أم الفقر؟
اختلف القول في أيهما أفضل الغنى أم الفقر لكن الصحيح هو أن الغنى أفضل من الفقر لعدة أسباب منها:
1 – النبي -صلى الله عليه وسلم- بين لنا أن اليد التي تعطي أفضل من التي تأخذ فقال: (اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله)[البخاري]
2 – عن أبي هريرة أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم؟
فقال: (وما ذاك؟) قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟!)
قالوا: بلى يا رسول الله. قال: (تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة). قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)[مسلم]
3 – الغني قادر على فعل الخير من أعمال الخير كالإنفاق على الفقراء وبناء المساجد وغير ذلك من أعمال البر التي لا يقدر عليها الفقير لضيق ذات اليد، وقد سمى الله المال فضلا فقال: (وابتغوا من فضل الله)،
وسمى الله المال خيرا فقال: (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين)
4 – أن يترك الإنسان ورثته أغنياء عن ذل الحاجة أفضل من أن يتركهم عالة لا مال لهم يتكففون الناس.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لسعد بن ابي وقاص: (إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)[البخاري]