الإنسان المثالي في منظور القرآن هو الذي يؤمن بالله إيمانا صحيحا، ويعمل عملا صالحا، فينتفع بإيمانه في نفسه، وينفع به غيره، فيكون صالحا مصلحا.
الإنسان الكامل
أجمل الله وصف الإنسان الذي بلغ المثالية الكاملة بأنه هو من آمن وعمل صالحا وهؤلاء هم خير البشر، لهم الأجر العظيم من الله في الآخرة.
قال الله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)
الخشية والخشوع لآيات الله
الإنسان الكامل هو الذي يملؤه الخشية والخشوع أمام عظمة آيات الله، لا يكتفي بمجرد رؤية صور الأشياء بعينيه وإنما يتفكر في عظمة خالق هذه الأشياء.
إن الإنسان الكامل هو الذي لا يقف عند حدود رؤية صورة السماء وإنما ينظر إلى ما وراء تلك الصور فيتفكر في نفسه كيف لهذه السماء أن ترتفع بغير أعمدة، ليأتيه الرد من الله: (ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ).
ويتسائل في نفسه من الذي يمسك هذه السماء ويحفظها من الوقوع على الأرض فيأتيه الرد من الله: (إِنَّ ٱللَّهَ يُمۡسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا).
فهؤلاء الكاملون لا يقفون عند حدود الصورة وإنما يتأملون عظمة الخالق في تلك الصور التي يرونها، لذلك فهم يتفكرون دائما ويعملون عقولهم ويتأملون ويتدبرون قال الله: (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ).
علاقة المؤمن بالناس
هؤلاء الذين يتفكرون ويعلمون عقولهم في الخلق والخالق لهم طريقة محمودة في تعاملهم مع الناس، فهم أناس بلغوا من الرقي الإنساني ما يجعلهم يستحقون التكريم الذي جعله للإنسان فقال الله: (وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ).
إنهم أناس على مستوى الإنسانية وعلى مستوى التكريم الذي جعله الله للإنسان، يؤدون فرائض الله كما أمر الله، يرفقون بالناس ويعطفون عليهم ويؤدون الأمانات ويتنزهون عن اللغو فلا يضيعون أوقاتهم فيما لا فائدة منه، ويحفظون شهواتهم.
قال الله في وصفهم: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ)
تعامل المؤمن مع المال
لا يجمعون المال حبا فيه ولا إيثارا له على غيره وإنما يطلبون المال ليستعينوا به على طاعة الله، ويؤدون الحق الذي فرضه الله عليهم في أموالهم، فيعطون منه ذوي الحاجات.
قال الله: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)
يعطون من أموالهم لذوي القربى واليتامى والمساكين، قال الله: (وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ).
إصلاح المؤمن للمجتمع
هؤلاء المؤمنون الكاملون بإيمانهم لا يكتفون بصلاحهم في أنفسهم فقط وإنما يتعدى أمرهم ذلك فيصلحون غيرهم، فيكونون مصدر خير وهداية لغيرهم،
فهو عضو نافع في مجتمعه ومحيطه الذي يعيش فيه، قال الله: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ).
الإنسان الكامل يبدأ بنفسه أولا
ليس المؤمن الكامل الإيمان هو الذي يأمر غيره بالخير ولا يستفيد هو أولا من هذا الخير الذي يدعوا الناس إليه.
إنما يجب عليه أن يبدأ بنفسه أولا، ثم ينصح غيره ثانيا، لقد أمر الله أنبيائه بأن يبدؤا بأنفسهم أولا فهم مطالبون بالتطبيق على أنفسهم أولا فقال الله:
(وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ).
لقد وبخ الله هؤلاء الذين يأمرون الناس بالخير وينهون أنفسهم عنه، فقال الله: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ).
المؤمنون يدفعون السيئة بالحسنى
من سمات هؤلاء المؤمنين الكاملين أنهم يدفعون السيئة بالتي هي أحسن، فيؤلفون القلوب النافرة، قال الله:
(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)
المؤمنون يكظمون غيظهم
من أعظم الصفات التي يتصف بها المؤمنون الكاملون هم الكاظمون غيظهم لأن الإنسان إذا استجاب لغيظه وانصاع لغضبه ارتكب الكثير من القبائح التي يستحي منها عندما يعود له هدوؤه.
لذا مدح الله الكاظمين الغيظ فقال: (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
المؤمنون يعدلون في أقوالهم وأفعالهم
العدل في الأقوال والأفعال من سمات المؤمنين لا يحيدون عنها وذلك استجابة لأمر ربهم ، قال الله:
(كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).
نقاء القلب من صفات المؤمنين
القلب هو محل السعادة والشقاء، وهو محل الإيمان والكفر والحب والبغض، ولا يمكن أن يسعد إنسان قد ملأ قلبه بأمراض الغل والحقد والحسد.
لكن الأنقياء أصحاب القلوب الطيبة هم الذي يشعرون بالسعادة وراحة البال، لذا كان من دعائهم ما ورد في قول الله: (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ).