وجوب الأخذ بالأسباب والسعي لطلب الأرزاق
أمر الله عباده بالأخذ بالأسباب مع التوكل على الله واعتقاد أن النافع والضار والمعطي والمانع هو الله، وأن الفاعل لكل شيء هو الله.
لو أنكم تتوكلون على الله
عن عمر بن الخطاب قال: إنه سمع نبي الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا)[أحمد]
ضرب المثل بالطير
ضرب لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المثل على التوكل الله بالطير حيث تخرج من أعشاشها باحثة عن رزقها ضامرة البطن لا طعام فيها فيرزقها الله بطعامها وشرابها فترجع إلى أعشاشها ممتلئة بطونها بالطعام والشراب.
معنى التوكل على الله
التوكل على الله هو صدق اعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح ودفع المضار، وأن يوكل العبد كل أموره لربه بأن يعتقد في قلبه أن الله هو النافع والضار والمانع والمعطي.
التوكل أخذ بالأسباب
التوكل على الله من أعظم الأسباب التي يستجلب بها العبد الرزق من الله قال الله: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).
فلو حقق الناس التوكل على الله لاكتفوا بذلك في مصالح دينهم ودنياهم.
الأمر بالأخذ بالأسباب مع التوكل
أمر الله عباده بالأخذ بالأسباب والتوكل عليه وهذا يؤكد على أن الأخذ بالأسباب لا يتنافى مع التوكل على الله بل هو من تمام التوكل؛ لأن من أمرنا بالتوكل عليه أمرنا بالأخذ بالأسباب.
فالتوكل هذا يتعلق بالقلب بأن يمتلئ القلب باليقين بالله وأن الأسباب لا تقدم ولا تؤخر وإنما من يملك التقديم والتأخير هو الله، وأما الأخذ بالأسباب فهو وظيفة الجوارح.
قال الله: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِيعٗا).
وقال الله: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ).
عن أنس بن مالك قال: قال رجل: يا رسول الله، أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل، قال: (اعقلها وتوكل)[الترمذي]
والرجل هنا يسأل رسول الله عن ناقته أيقوم بعقلها أي ربطها ويتوكل على الله أي يأخذ بالأسباب ويتوكل أم يترك الأخذ بالأسباب فلا يعقلها ويتوكل فأمره رسول الله بالأخذ بالأسباب بعقلها ثم يتوكل على الله.
وقال معاوية بن قرة: لقي عمرُ بن الخطَّاب ناساً من أهل اليمن، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكِّلون، قال: بل أنتم المتأكلون، إنَّما المتوكل الذي يُلقي حبَّه في الأرض، ويتوكَّل على الله – عز وجل.
وقال سهل التُّستَرِي: من طعن في الحركة – يعني: في السعي والكسب – فقد طعن في السُّنة، ومن طعن في التوكل، فقد طعن في الإيمان،
فالتوكل حالُ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، والكسب سنَّتُه، فمن عمل على حاله، فلا يتركنّ سنته.
أقسام أعمال العبد
تنقسم أعمال العبد إلى قسمين:
الأول: العبادات والطاعات وهي أعمال جعلها الله أسبابا لدخول جنته فلا يستحق دخول الجنة إلا من قام بها فقال الله: (وَنُودُوٓاْ أَن تِلۡكُمُ ٱلۡجَنَّةُ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ).
الثاني: الأعمال العادية، وهي الأمور التي أجرى الله بها العادات في الدنيا كالأكل عند الجوع والشرب عند العطش، فهذه الأعمال يجب على الإنسان تعاطي أسبابها ليحفظ حياته ومن قصر فيها كان مقصرا في حياته مستحق للعقوبة.
التوكل مع ترك الأسباب
ليس من التوكل على الله أن يترك الإنسان الأخذ بالأسباب ويقول أنا متوكل على الله، لقد كذب ولو صدق في توكله على الله لأخذ بالأسباب.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى)[البخاري]
عن الفُضيل بن عياض أنَّه قيل له: لو أنَّ رجلاً قعد في بيته زعم أنَّه يثق بالله، فيأتيه برزقه، قال: إذا وثق بالله حتى يعلم منه أنَّه قد وثق به، لم يمنعه شيءٌ أراده، ولكن لم يفعل هذا الأنبياء ولا غَيرُهم،
وقد كان الأنبياء يؤجرون أنفسهم، وكان النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – يُؤجِّرُ نفسه وأبو بكر وعمر، ولم يقولوا: نقعد حتى يرزقنا الله – عز وجل -، وقال الله – عز وجل -: (وَابْتَغُوْا مِنْ فَضْلِ اللهِ)، ولابُد من طلب المعيشة.
العاجز المفرط في حق نفسه
من ترك الأسباب وضيع حقه كان عاجزا مفرطا في حق نفسه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز،
وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان)[مسلم]
درجات التوكل
قال ابنُ أبي الدنيا: بلغني عن بعض الحكماء قال: التوكلُ على ثلاثِ درجاتٍ: أولها: تركُ الشِّكاية، والثانية: الرضا، والثالثة: المحبة،
فترك الشكاية درجة الصبر، والرضا سكون القلب بما قسم الله له، وهي أرفع من الأولى، والمحبَّةُ أنْ يكون حُبُّه لما يصنع الله به، فالأولى للزاهدين، والثانية للصادقين، والثالثة للمرسلين.