حديث نبوي

تعرف على تحريم الإسلام لكل ما هو مسكر

الإسلام لا يريد مجتمعا من المخمورين فاقدي العقول؛ لأن أمثال هؤلاء لا يبنون ولا يعمرون، وإنما ينتظر من ورائهم الخراب والدمار.

كل مسكر حرام

روى الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعثه إلى اليمن، فسأله عن أشربة تصنع بها، فقال: (وما هي).

قال: البٍتع والِمزر، فقلت [أحد رواة الحديث] لأبي بردة: ما البتع؟ قال: نبيذ العسل، والمزر نبيذ الشعير، فقال: (‌كل ‌مسكر ‌حرام)

ونبيذ العسل: هو العسل المخلوط بالماء إذا تخمر وصار مسكرا، ونبيذ الشعير: هو الماء الذي نقع فيه الشعير إذا تخمر حتى صار مسكرا.

تحريم المسكرات

هذا الحديث أصل في تحريم كل المسكرات التي تغطي العقول وتذهب بها، فقد بين الله لنا من علل تحريم المسكرات أنها تذهب بالعقول فلا يدري الإنسان ما يقول.

فربما دخل في صلاته وبدلا من أن يدعوا لنفسه يدعوا عليها، قال الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ).

وكان هذا تحريما جزئيا للمسكرات في وقت الصلاة حتى نزل التحريم العام فقال الله: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كل مسكر حرام).

علل تحريم المسكرات

من علل تحريم الخمر التي تذهب بالعقول أنها تقطع ما بين الناس من صلات المودة والرحمة، بإلقاء العداوة والبغضاء بين الناس.

وتلهي صاحبها عن ذكر الله الذي هو سبب من أسباب التخلص من الغفلة والنسيان لله، وتصرف الناس عن الصلاة التي هي عماد الدين وهي الفارق بين الكفر والإيمان.

قال الله بعد أن حرم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ ‌أَنْ ‌يُوقِعَ ‌بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ).

فانتهوا أيها المؤمنون عما نهاكم الله عنه حتى لا يحل بكم عقاب الله.

الخمر توقع العداوات بين الناس

عن ابن عباس، قال: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا حتى إذا نهلوا ‌عبث ‌بعضهم ‌ببعض.

فلما صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه وبرأسه وبلحيته فيقول: قد فعل بي هذا أخي -وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن- والله لو كان ربي رؤوفا رحيما ما فعل بي هذا.

فوقعت في قلوبهم الضغائن، فأنزل الله -عز وجل-: (إنما الخمر والميسر) إلى قوله: (فهل أنتم منتهون)

فقال ناس: هي رجس وهي في بطن فلان قتل يوم بدر، وفلان قتل يوم أحد، فأنزل الله -عز وجل-: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات)[النسائي]

فكل ما أدى إلى إيقاع العداوة والبغضاء والحقد فهو حرام، فهذا الذي ذهب عقله ربما تسلط بأذاه على الناس لأنه ليس له عقل يردعه، فآذاهم في أنفسهم أو أموالهم.

ومن لعب القمار ربما أخذ المقامر له ماله منه قهرا فيمتلئ قلبه حقدا وغيظا على من أخذ ماله منه وربما أدى ذلك لوقوع العدوان.

خلق الله الخلق ليعرفوه

هؤلاء الذين يشربون الخمور التي تذهب بعقولهم إنما يجعلون بينهم وبين الله حجابا، وربما أنكروا الله في حال غيبة عقولهم، وقد أمرنا الله أن نطلب منه الزيادة في العقول بطلب الزيادة في العلم فقال: ( وَقُل رَّبِّ ‌زِدۡنِي عِلۡمٗا).

قال بعض السلف: “قال طائفة مِنَ السَّلف: إنَّ شاربَ الخمر تمرُّ عليه ساعة لا يعرف فيها ربَّه، والله سبحانه إنَّما خلق الخلق ليعرفوه، ويذكروه، ويعبدوه، ويُطيعوه”.

قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: “فما أدَّى إلى الامتناعِ من ذلك، وحال بين العبد وبين معرفة ربه وذكره ومناجاته، كان محرَّماً، وهو السكر.

وهذا بخلاف النَّوم، فإنَّ الله تعالى جَبَل العباد عليه، واضطرهم إليه، ولا قِوام لأبدانهم إلا به، إذ هو راحة لهم من السعي والنصب، فهو من أعظم نِعَمِ الله على عباده.

فإذا نام المؤمن بقدر الحاجة، ثم استيقظ إلى ذكر الله ومناجاته ودعائه، كان نومُه عوناً له على الصلاة والذكر، ولهذا قال من قال من الصحابة: إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي”.

قول أهل العلم في تحريم المسكر

ذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى حرمة كل مسكر، أما علماء الكوفة فيقولون إن الخمر هو خمر العنب فقط وما عداها فإنما يحرم منه القدر المسكر فقط ولا يحرم ما دونه.

وقد أنكر العلماء عليهم قولهم، لأن تحريم الخمر إنما نزل بالمدينة عند سؤالهم عما عندهم من الأشربة، ولم يكن الخمر الذي عندهم من العنب وإنما كان الخمر الذي عندهم من التمر.

وأنه لما نزل تحريم الخمر أراقوا الخمر التي عندهم فدل ذلك على أن تحريم الخمر شامل للنوع الذي عندهم وأقرهم رسول الله على ذلك.

عن أنس قال: (حرمت علينا الخمر حين حرمت، وما نجد – يعني بالمدينة – خمر الأعناب إلا قليلا، وعامة خمرنا ‌البسر ‌والتمر)[البخاري]

ما أسكر كثيره فقليله حرام

ورد النهي عن تناول أي شيء مسكرا، فما أسكر كثيره فقليله حرام، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌ما ‌أسكر ‌كثيره، فقليله حرام)[أبو داود]

المسكر المحرم

كل المسكرات حرام سواء كانت مشروبة أو مأكولة أو كان جامدا أو مائعا حتى إن العلماء أدخلوا في ذلك الحشيش الذي يتخذ من ورق القنب وما يشابهه.

وهذه المسكرات التي تذهب بالعقل ويكون بها لذة محرمة، أما المسكرات التي تذهب بالعقول ولا يكون بها لذة ولا طرب إن كان تناولها بغرض التداوي كالبنج وغيره جاز، أما إذا لم يكن بغرض التداوي فهو محرم.

حد شرب المسكر

من تناول ما يذهب بعقله مع لذة وطرب وجب إقامة الحد عليه، ولكنهم اختلفوا في المقدار الذي يحد به فمنهم من ذهب إلى ثمانين جلدة ومنهم ذهب إلى أن حد شارب الخمر أربعين.

عن ‌حضين بن المنذر أبو ساسان قال: شهدت عثمان بن عفان، وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم، فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ.

فقال ‌عثمان : إنه لم يتقيأ حتى شربها، فقال: يا ‌علي ، قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن: ولي حارها من تولى قارها (فكأنه وجد عليه).

فقال: يا عبد الله بن جعفر، قم فاجلده، فجلده، وعلي يعد حتى ‌بلغ ‌أربعين، فقال: أمسك، ثم قال:

جلد النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعين، وجلد ‌أبو بكر أربعين، ‌وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي)[مسلم]

مواضيع ذات صلة