حديث إن الله حرم الخمر والميتة والخنزير والأصنام شرح وبيان
ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- عددا من الأمور التي حرمها الله ورسوله وهي بيع الخمور والميتة والخنزير والأصنام.
حديث إن الله حرم بيع الخمر والميتة
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عام الفتح، وهو بمكة: (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير، والأصنام).
فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: (لا، هو حرام).
ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: (قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه)[البخاري]
تحريم النبي تابع لتحريم الله
قول النبي: (إن الله ورسوله حرم)
قوله: حرم بضمير المفرد وإن كان الأصل أن يكون التعبير بقوله: حرما. فهو من باب التأدب مع الله حيث لم يجمع بينه وبين اسم الله في ضمير واحد.
فقد ذم النبي -صلى الله عليه وسلم- الخطيب الذي جمع بين الله ورسوله في ضمير واحد، فعن عدي بن حاتم أن رجلا خطب عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:
من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله)[مسلم]
وقد ورد في بعض روايات الحديث بقوله: (إن الله حرم)، ووجه جواز الإفراد هو أن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم ناشيء عن أمر الله وتابع له.
تحريم الخمر
الخمر حرمها الله على عباده بصريح القرآن الكريم حيث كان آخر ما نزل في تحريم الخمر قول الله تعالى:
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ).
وقد حرم النبي -صلى الله عليه وسلم- شربها والتجارة فيها فقال: يا أيها الناس، إن الله تعالى يعرض بالخمر، ولعل الله سينزل فيها أمرا، فمن كان عنده منها شيء فليبعه ولينتفع به).
قال: فما لبثنا إلا يسيرا حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله تعالى حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع).
قال: (فاستقبل الناس بما كان عنده منها في طريق المدينة فسفكوها)[مسلم]
وبين رسول الله أن هذه الخمر قد لعن بسببها كل من كان له صلة بها فقال: (لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه)[أبو داود]
حرمة بيع الميتة
حرم الإسلام بيع الميتة؛ لأن فيها إضاعة للمال وقد نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن إضاعة المال فقال: (إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال وكثرة السؤال)[البخاري]
والحفاظ على المال من الضياع من مقاصد الشريعة الإسلامية، ومن الضروريات التي أمرنا الإسلام بحفظها.
لكن وإن كانت هذه الميتة يحرم بيعها فإن هذا لا يمنع الانتفاع بها كأكلها للمضطر بأن أشرفت نفسه على الهلاك ولم يجد ما يأكله ليحفظ به نفسه ففي هذه الحالة يحل له أكل الميتة ليحفظ النفس من الهلاك.
وهذا هو ما ذكره الله في كتابه حيث حرم الميتة والخمر والخنزير وغير ذلك من المحرمات ثم قال في نهاية الآية: (فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٖ لِّإِثۡمٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ).
وقال الله: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ).
الانتفاع بشحوم الميتة
فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: (لا، هو حرام).
اختلف العلماء في المراد من التحريم هنا، فبعضهم ذهب إلى أن الانتفاع بالميتة وما تشتمل عليه من شحومها حرام.
وقال بعضهم: بل المراد أن بيع الميتة حرام وإن كان الانتفاع بشحومها للأكل فهو حرام، لكن الانتفاع بها في غير الأكل كطلي السفن ودهن الجلود فهذا مما اختلف فيه فبعضهم حرم وبعضهم قال إن جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- على السائل عن مسألة بيع الشحوم لا عن مسألة دهن الجلود والسفن.
فقد ظن السائل أن بيع الميتة لأجل هذه المنافع جائز كما جاز في الحمر الأهلية، فقد حرم أكلها لكن جاز بيعها لما فيها من منافع أخرى غير الأكل، فأخبره النبي أن هذا يختلف عن ذاك.
وأن بيع الميتة وثمنها حرام لأنها نجسة، أما الاستصباح بها ودهن السفن والجلود بشحومها فهو غير بيع الميتة وأكل ثمنها.
فبعضهم قال بتحريم البيع لا تحريم ما ذكروه من المنافع، حيث ظنوا أن هذه المنافع تكون سبباً للرخصة لهم فى البيع، فذكروا ذلك للنبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعله أن يبيح البيع لذلك، فلم يفعل.
وقال النووي في شرح مسلم: “وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا هو حرام فمعناه لا تبيعوها فإن بيعها حرام.
والضمير في هو يعود إلى البيع لا إلى الانتفاع هذا هو الصحيح عند الشافعي وأصحابه أنه يجوز الانتفاع بشحم الميتة في طلي السفن والاستصباح بها وغير ذلك مما ليس بأكل ولا في بدن الآدمي وبهذا قال أيضا عطاء بن أبي رباح ومحمد بن جرير الطبري.
وقال الجمهور: لا يجوز الانتفاع به في شيء أصلا لعموم النهي عن الانتفاع بالميتة إلا ما خص وهو الجلد المدبوغ”
ومن تكلم عن الشحوم الحلال التي أخذت من حيوان مذبوح ثم وقعت فيه فأرة فأجازوا الاستصباح أي أن توقد المصابيح به، من هؤلاء علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر. والكثرون على أنه لا يجوز بيعها.
وأما بقية الأجزاء التي حكم بطهارتها من الميتة جاز بيعه لجواز الانتفاع به، كالشعر والقرن والجلد عند من يرى طهارته بغير دباغ.
قول النبي عن اليهود
قال النبي: قاتل الله اليهود. والمراد بالقتل اللعن، لأنهم لما حرم الله عليهم شحوم البقر والغنم وكان ذلك من باب العقاب لهم حيث قال الله:
(وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٖۖ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ وَٱلۡغَنَمِ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتۡ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلۡحَوَايَآ أَوۡ مَا ٱخۡتَلَطَ بِعَظۡمٖۚ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِبَغۡيِهِمۡۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ).
أجملوه أي أذابوا تلك الشحوم فكان هؤلاء اليهود يقولون: إذا أذيب الشحم تغير اسمه وصار اسمه ودكا.
والله إنما حرم علينا الشحم ولم يحرم علينا الودك، فأجازوا لأنفسهم بيع الودك وأكله فبين رسول الله فساد تأويلهم وتحايلهم على شرع الله بأن تغير الاسم لا يبيح المحرم.
بيع الخنزير
العلة في بيع الخنزير هو النجاسة فقد حرم الله بيع النجاسات كالميتة والخمر والخنزيز فكل ما هو نجس العين حرم بيعه.
قال القاضي تضمن هذا الحديث أن مالا يحل أكله والانتفاع به لا يجوز بيعه ولا يحل أكل ثمنه كما في الشحوم المذكورة في الحديث.
فالخنزيز حرمه الله في القرآن فقال: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ).
بيع الأصنام
قال المظفري: الأصنام جمع صنم وهو ما يعبده الكفار من حجر وغيره.
قال الخطابي في أعلام الحديث: “ويدخل في النهي عنه -أي عن بيع الصور- كلُّ صورة مصورة في رَقٍّ أو قرطاسٍ أو نحوهما مما يكون المقصود منه الصورة وكان الظرف تبعًا له.
فأما الصور المصورة في الأواني والقِصَاع فإنها تبعٌ لتلك الظروف بمنزلة الصور المصورة على جُدُر البيوت وفي السقوف وفي الأنماط والستور؛ فالبيع فيها لا يفسد”