لقد حدثنا القرآن مكانة النبي -صلى الله عليه وسلم- وكيف أن الله تولى العناية بنبيه والرعاية له منذ صغره لينشأ على عينه.
مرحلة يتم النبي
معلوم أن رسول الله مات أبوه وهو في بطن أمه، ثم ولد يتيما، واليتيم هو الذي مات أبوه قبل أن يصل مرحلة البلوغ.
وفي هذه المرحلة كان الذي تولى العناية والرعاية للنبي -صلى الله عليه وسلم- هو الله، فقال الله لنبيه وهو يمتن عليه: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى).
فالله هو الذي آوى نبيه في فترة اليتم، ومن آواه الله حفظه ونشأه فيما يريده وأعده لما يريده، فقد أعده الله لحمل رسالته وتبليغها للناس.
فالله لا ينتقي لرسالة إلا الأنقياء من خلقه، فقال الله: (وَإِذَا جَآءَتۡهُمۡ ءَايَةٞ قَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ حَتَّىٰ نُؤۡتَىٰ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِۘ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَيۡثُ يَجۡعَلُ رِسَالَتَهُۥۗ).
حفظ الله لنبيه صغيرا
لقد حفظ الله نبيه في مرحلة صغره فلم يرتكب ما يرتكبه أبناء جيله من أمور الجاهلية، فكان مثله كمثل الزهرة في الصحراء، عفيفا في بيئة درجت على الفجور.
أعده ربه على عينه ليقوم بأمر عظيم، لذلك لم يستطع أعداؤه أن يجدوا عليه مغمزا في خلق ولا في دين، لا قبل المبعث ولا بعد المبعث.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما هممت بقبيح مما يهم به أهل الجاهلية إلا مرتين من الدهر، كلتاهما عصمني الله منهما.
قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في غنم لأهلنا نرعاها: أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان قال: نعم.
فخرجت، فلما جئت أدنى دار من دور مكة سمعت غناء، وصوت دفوف، ومزامير. قلت: ما هذا؟
قالوا: فلان تزوج فلانة لرجل من قريش تزوج امرأة من قريش، فلهوت بذلك الغناء، وبذلك الصوت حتى غلبتني عيني، فنمت فما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي،
فقال: ما فعلت؟ فأخبرته، ثم فعلت ليلة أخرى مثل ذلك، فخرجت، فسمعت مثل ذلك، فقيل لي مثل ما قيل لي، فسمعت كما سمعت، حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا مس الشمس، ثم رجعت إلى صاحبي، فقال لي: ما فعلت؟ فقلت: ما فعلت شيئا”.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فوالله، ما هممت بعدهما بسوء مما يعمله أهل الجاهلية، حتى أكرمني الله بنبوته)[ابن حبان]
شق صدر النبي في صغره
لقد حدث شق الصدر للنبي -صلى الله عليه وسلم- مرتين: مرة في صغره، ومرة قبل رحلة الإسراء والمعراج.
فقد جاءه جبريل -عليه السلام- وهو صغير يلعب مع الغلمان فأخذه وشق صدره وأخرج منه علقة هي حظ الشيطان من ابن آدم.
وهذا الأمر كان يمكن أن يحدثه الله لنبيه دون أن يشعر أحد لكن الله أحدثه لنبيه في صورة مادية لينبه الناس لفضل ومكانة النبي عنده.
عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتاه جبريل -صلى الله عليه وسلم- وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة،
فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه،
وجاء الغلمان يسعون إلى أمه -يعني: ظئره-، فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره)[مسلم]
الاستسقاء بالنبي في صغره
يروى أنه حدث يوما جدب بالوادي وقصد الناس أبا طالب يطلبون منه الدعاء ويستسقون به فأخرج أبو طالب ابن أخيه محمدا ذلك اليتيم ليستسقي به، فانفجر الوادي بالماء فأنشد أبو طالب قوله:
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عصمة للأرامل
وهذا يعد من تكريم الله لنبيه منذ نشأته.
خبر بحيرا الراهب
لما خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- مع عمه أبي طالب في تجارة للشام في فترة صباه كان هناك راهب يقال له بحيرا، تحايل حتى تعرف على صفات النبي، ورأى خاتم النبوة فسأل أبا طالب عنه فقال: هو ابني.
فقال: ما ينبغي أن يكون والد هذا الغلام حيا، فقال: هو ابن أخي. قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به.
قال: صدقت فارجع به إلى بلده واحذر عليه يهود فو الله لئن رأوه وعرفوا ما عرفت ليقتلوه، فإنه كائن لابن أخيك شأن عظيم.
رعي النبي الغنم في صغره
رعى النبي -صلى الله عليه وسلم- الغنم صغيرا وتلك كانت مهنة الأنبياء فما من نبي إلا ورعى الغنم.
وتلك مهنة فيها تعليم على سياسة الأمم ورعايتها والصبر عليها، فتلك الأغنام فيها الصغير والقوي والضعيف وفيها الساذج وفيها الأم التي تحتاج لرعاية، وفيها الصغير الذي يحتاج لعناية.
فكل هذه الأنواع تحتاج لراع صبور يقوم على أمرها ويصلح من شأنها، وهذا يشبه تماما حال الأمم من الناس تحتاج لحكيم يقودها فيما فيه صلاحها.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم).
فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: (نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)[البخاري]
لقد أفادت مهمة رعي الغنم النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان يضرب المثل للمنفرد عن الناس المنشق عن الجماعة بأنه قريب من الشيطان كقرب تلك الشاة المنفردة عن القطيع من الذئب.
عن أبي الدرداءِ -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقول: (ما مِنْ ثلاثة في قريةٍ ولا بَدْوٍ، لا تُقام فيهم الصلاةُ؛ إلاّ قد استَحْوَذَ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة؛ فإنّما يأْكلُ الذئبُ مِن الغنمِ القاصيةَ)[أحمد]