لقد أيد الله نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- بالمعجزات كما أيد غيره من الأنبياء، لكن ما تميز به رسول الله هو دوام معجزته بين الناس إلى قيام الساعة.
المعجزة المادية
المعجزات منها ما هو مادي ومنها ما هو معنوي، أما المعجزة المادية فمثلها كمثل عود الكبريت يشتعل ويراه الجميع ثم ينطفيء فلا يراه أحد مرة أخرى، وتبقى الحجة قائمة على الذين شاهدوها.
وأما من يأتوا بعدهم فيكتفون بمجرد السماع عن تلك المعجزة، فمثلا معجزة نبي إبراهيم حيث جعل الله له النار بردا وسلاما لم يشاهدها إلا الذين عاينوها، أما من أتى بعد ذلك فاكتفى بمجرد السماع وصدق بمقدار ثقته فيمن نقلوا له هذا الكلام.
وكذلك معجزة نبي الله موسى حيث انقلبت العصا حية تأكل ما ألقاه السحرة من عصيهم، فلم يشاهد تلك المعجزة إلا من كانوا في هذا المجلس.
ومعجزة نبي الله عيسى بإحياء الموتى لم يشاهدها إلا من عاينوها.
وتلك المعجزات بالرغم من أنها كانت في غاية الغرابة والعجب لمن شاهدوها إلا أن كثيرا منهم لم يؤمنوا بها، فقال الله:
(وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرۡسِلَ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلۡأَوَّلُونَۚ وَءَاتَيۡنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبۡصِرَةٗ فَظَلَمُواْ بِهَاۚ وَمَا نُرۡسِلُ بِٱلۡأٓيَٰتِ إِلَّا تَخۡوِيفٗا).
المعجزة العقلية
أيد الله نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- بالكثير من المعجزات المادية التي أيد الله بها أنبياءه السابقين لكن زاد الله نبيه نوعا آخر من المعجزات وهو معجزة القرآن الكريم.
وهو معجزة عقلية خاطب الله بها العقول وكتب لها الدوام والاستمرار إلى قيام الساعة، فهي معجزة كافية للنبي -صلى الله عليه وسلم- عن كل المعجزات.
لقد كان هؤلاء المشركون يطلبون من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأتيهم بمعجزات لكن القرآن يرد عليهم بقوله أليس في هذا القرآن الذي يتلى عليهم كفاية، فقال الله:
(أَوَلَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحۡمَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ).
أنواع المعجزات التي اشتمل عليها القرآن
اشتمل القرآن الكريم على الكثير من المعجزات التي بسببها كان القرآن معجزة أيد الله بها نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- منها:
بلاغة القرآن
من إعجاز القرآن الذي عجز العرب عن الإتيان بمثله كونه بلغ في الفصاحة والبلاغة المرتبة العالية التي لم يصل إليها كلام قط.
وبالرغم من أن هؤلاء العرب الذين كانوا أرباب الكلمة وأهل فصاحة وبلاغة إلا أنهم عجزوا عن الإتيان بمثله،
فلما ظهر عجزهم لجئوا للتضحية بأموالهم وأنفسهم وأولادهم من أجل أن يحاربوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولو كان بإمكانهم أن يأتوا بمثل القرآن لأبطلوا أمر هذه المعجزة التي يتحداهم بها رسول الله ليلا وصباحا.
فقد تحدى الله العرب بل والإنس والجن مجتمعين على أن يأتوا بمثل القرآن فقال: (قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا).
لكنهم عجزوا فنزل لهم في التحدي درجة فتحداهم أن يأتوا بمثل عشر سور منه فقال: (أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِعَشۡرِ سُوَرٖ مِّثۡلِهِۦ مُفۡتَرَيَٰتٖ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ).
لكنهم عجزوا فتحداهم الله أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه فقال: (وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ).
الإخبار عن الغيبيات
من الأمور التي جعل الله بها هذا القرآن معجزا أنه أخبر عن كثير من الأمور الغيبية التي لم يرها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سواء كانت من أمور الغيب في الماضي والتي صدقها التاريخ.
أم من أمور الغيب في الحاضر فصدقته الأحداث، أم من أمور الغيب التي ستظهر في المستقبل فجاء مطابقا كما أخبر الله عنها.
الإشارات العلمية
لم يخل القرآن من الإشارة لبعض الحقائق العلمية التي لم يكن الناس على دراية ولا معرفة بها لكن بعد التقدم الهائل والاكتشافات العملية جاءت مطابقة لما ورد ذكره في القرآن تماما.
القرآن يؤكد المعجزات المادية
إذا كنا نقول بأن المعجزات المادية التي أحدثها الله لنبيه محمد وغيره من الأنبياء مثلها كمثل عود الكبريت يشتعل مرة فيراه جميع الحاضرين ثم ينطفيء فلا يعود مرة أخرى ولا يراه أحد آخر،
ويكتفي الناس بمجرد السماع عن تلك المعجزة ويكون إيمانهم بها بدرجة ثقتهم فيمن نقلوا لهم تلك الأخبار،
فإن القرآن قام بعملية توثيق لتلك المعجزات المادية التي أحدثها لأنبيائه فسماعنا لتلك المعجزات إنما هو من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
فالله هو الذي أخبرنا عن معجزة إبراهيم فقال: (قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ * قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ * وَأَرَادُواْ بِهِۦ كَيۡدٗا فَجَعَلۡنَٰهُمُ ٱلۡأَخۡسَرِينَ)
ومن أخبرنا عن عجزة موسى هو الله فقال: (قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذۡتَ إِلَٰهًا غَيۡرِي لَأَجۡعَلَنَّكَ مِنَ ٱلۡمَسۡجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوۡ جِئۡتُكَ بِشَيۡءٖ مُّبِينٖ * قَالَ فَأۡتِ بِهِۦٓ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ * فَأَلۡقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعۡبَانٞ مُّبِينٞ * وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِيَ بَيۡضَآءُ لِلنَّٰظِرِينَ).
ومن أخبرنا عن معجزة عيسى هو الله فقال: (وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَنِّي قَدۡ جِئۡتُكُم بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ أَنِّيٓ أَخۡلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيۡـَٔةِ ٱلطَّيۡرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيۡرَۢا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ وَأُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ).
وهكذا كل الأنبياء من وثق لنا معجزاتهم إنما هو الله في كتابه المعجز إلى يوم القيامة.
معجزة القرآن بمثابة نبي
من يتأمل في معجزة القرآن يجد أنها معجزة تختلف عن كل المعجزات فهي معجزة خالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فمقام القرآن بين الناس كمقام النبي بين قومه فمن أردا أن يتحقق من صدق المعجزة التي جاء بها النبي فليتحقق منها وليتأمل فيها، فهي قائمة بين الناس كاملة غير منقوصة.