الغفلة التي تصيب الإنسان تكون باختياره، وأما النسيان فهو أمر خارج عن إرادته، وهذه الغفلة لها الكثير من الأسباب التي ينبغي أن يكون الإنسان على حذر منها.
الفرق بين الغفلة والنسيان
الغفلة هي ترك باختيار الغافل، أما النسيان فهو ترك بغير اختيار من الناسي، وأما الذكر فهو التخلص من الغفلة والنسيان.
لهذا أمر الله عباده بعدم الغفلة فقال: (وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) لأن الغفلة باختيار الإنسان فأمره الله ألا يفعلها، أما النسيان فهو من غير اختيار الإنسان.
وقد وضع الله عن تلك الأمة الخطأ والنسيان فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)[ابن ماجه]
صحبة الغافلين تورث الغفلة
من أشد الأشياء التي تورث الغفلة أن يصاحب المرء الغافلين، فإن الصديق يعرف بصديقه، قال الله:
(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا).
وأصدقاء السوء ينقلبون في الآخرة أعداء بعضهم لبعض، كل منهم يتبرأ من ذنبه وينسبه للآخر لأنه كان سببا في أن أرشده له، وجرأه عليه،
قال الله: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).
لذلك نهانا الله عن طاعة هؤلاء الذي أغفل الله قلوبهم عن ذكر الله فقال: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك: إما تشتريه أو تجد ريحه، وكير الحداد: يحرق بدنك أو ثوبك، أو تجد منه ريحا خبيثة)[البخاري]
ترك صلاة الجماعة من أسباب الغفلة
من الأسباب التي تحمل الإنسان على الغفلة تركه لصلاة الجماعة، وتركه لأداء الجمعات، فقال صلى الله عليه وسلم:
(لينتهينَّ أقوامٌ عن ودعهم الجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونُنَّ من الغافلين)[ابن ماجه]
طول الأمل من أسباب الغفلة
من الأمور التي تجعل الإنسان غافلا عن طاعة ربه والعمل لآخرته طول أمله في الدنيا وتقديمه العاجل على الآجل.
قال الله: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ).
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا، وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال:
(هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به – أو: قد أحاط به – وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا)[البخاري]
قال الحسن البصري رحمه الله: (ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل! ).
وقال بعض الحكماء: (الأمل سلطان الشيطان على قلوب الغافلين)
الغفلة سبب كفران النعم
من الأشياء التي تكون سببا في كفران النعم الكثيرة التي ينعم الإنسان بها جهله وغفلته، لأن الغافل لا يدرك أن ما هو فيه من النعم التي تستوجب الشكر.
وليس شكر النعمة معناه أن يحرك الإنسان لسانه بالشكر والحمد لله، وإنما تمام شكر النعمة أن تستعمل النعمة فيما هو شكر وطاعة لله.
الغفلة من أسباب الهلاك
لقد ذكر الله لنا أن من أسباب هلاك قوم فرعون أنهم كذبوا بآيات الله وكانوا عنها غافلين فهم أسقطوها من حساباتهم باختيارهم.
قال الله: (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)
الغفلة تشل الجوارح عن العمل
من الأضرار الفتاكة للغفلة أنها تشل وسائل التعقل والتأمل والتدبر عن عملها فتمنع القلب من إدراك الحقائق، وتمنع العقل من إدراك وتعقل الأمور، وتكف البصر والسمع عن عملهما، حتى يكون الإنسان مثله كمثل الحيوان.
قال الله: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).
الغفلة قرينة التكذيب لآيات الله
إن من يتعمد ترك التعقل والتذكر باختياره يكون مثله كمثل المكذب؛ لأن المكذب فعل هذا باختياره أيضا وكلاهما يقود لنتيجة واحدة وهي البعد عن الله وعدم الاهتداء بنور الله.
قال الله: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ).
الغفلة تمنع الإنسان من الهداية
الغفلة من أكبر الذنوب التي تضع حاجزا بينه وبين الهداية بنور الله، قال الله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ).
عن أبي واقد الليثي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فأما أحدهما: فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر: فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه)[البخاري]